اليمن بالحبر العبري - 
من البداية، كان تفاعل الحوثيين مختلفا وجريئا مع العدوان الصهيوني على الفلسطينيين. والآن، وبعد أن وضعتهم الضربات الغربية الأخيرة على عرش المتضامنين مع قضية القرن، من المتوقع أن يزدادوا جرأة وسيطرة على الميدان داخل اليمن وخارجها في الممر المائي الأكثر حساسية بالمنطقة، باب المندب، بشكل قد يعيد تشكيل الصراع في الشرق الأوسط.
ما سبق كان خلاصة تحليل كتبه الصحفي البريطاني البارز باتريك وينتور ونشرته صحيفة «الجارديان».
ويقول وينتور إن الحوثيين يتعاملون مع الهجمات الأمريكية البريطانية ضدهم على أنها «هدية كبرى»، و»أمر تجنيد». وبالفعل وفرت لهم تلك الضربات تصورا مريحا لوصف أنفسهم بالمقاومين للاحتلال الصهيوني الذي تثير غضب العرب والمسلمين هذه الفترة بشكل غير مسبوق.
وبالتالي، فإن أولى النتائج ستكون تعزيز سيطرة الحوثيين ومكانتهم داخل اليمن. وبالنسبة لخارجها، من المهم الإشارة إلى أن تردد القوى الإقليمية البارزة، مثل السعودية والإمارات ومصر (صاحبة قناة السويس والمتضررة من هجمات الحوثيين) في الانضمام إلى هجمات الغربيين ضد الجماعة اليمنية هو دليل نجاح آخر.
وينقل التحليل عن ميساء شجاع الدين، من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، قولها إن تهديدات الحوثيين للشحن الصهيوني ليست عذراً أو محاولة لصرف الانتباه عن إخفاقاتهم، إنه أمر عميق في أيدولوجيتهم والتي تتحدث عن «لعن اليهود والموت لأمريكا».
وقد بدأ مؤسسهم، حسين الحوثي، محاضراته في وقت قريب من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، والغزو الأمريكي للعراق، وكانت تدور حول صراع الحضارات، فالأمر صراع ديني وليس قوميا.
ومدفوعين بهذا الهدف، طور الحوثيون بسرعة استراتيجيتهم للإضرار بكيان الاحتلال الصهيوني، من إطلاق الصواريخ على «إيلات»، والتي تبيّن أنها غير فعّالة، إلى مهاجمة السفن التي ترفع علم الكيان الصهيوني، والآن باتوا يهاجمون كل السفن المتوجهة إلى كيان الاحتلال.
ومنذ 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي على الأقل، وفقاً لمركز صنعاء، «أجرت قوات الحوثيين تدريبات للمجندين من فرق الهجوم البرمائية، من خلال تدريبات شملت إطلاق صواريخ وهمية تستهدف السفن البحرية الخادعة ومحاكاة غارات السفن. كما قاموا بتوسيع أهدافهم تدريجياً من السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي إلى السفن التي تتاجر مع إسرائيل».
ويقول التحليل إن الداخل اليمني فخور بما فعله الحوثيون، تضامنا مع غزة، قد تزايد هذا الشعور إلى مستويات غير مسبوقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وفي حين ترددت الجماعات الأخرى، أظهر الحوثيون جرأة، بينما أنتجوا مقاطع فيديو دعائية مثل هبوط طائرة هليكوبتر ترفع العلم الفلسطيني على سطح سفينة «جالاكسي ليدر»، وهي سفينة شحن تبحر في البحر الأحمر.
كان الحوثيون فخورين بشكل خاص عندما سأل أحد محاوري «بي بي سي»، محمد علي الحوثي، عضو المجلس الأعلى للحوثيين، عن السبب الذي يجعلهم يرون أن من المناسب التدخل في فلسطين «على بعد أميال وأميال»، فأجاب: «أما بايدن، فهل هو جار لنتنياهو؟! هل يعيشون في نفس الشقة، وهل يعيش الرئيس الفرنسي في نفس الطابق؟! ورئيس الوزراء البريطاني في نفس المبنى؟!».
ويقول عبدالغني الإرياني، من مركز صنعاء أيضاً، إن المعسكر المناهض للحوثيين داخل اليمن مذهول.
وقد تعرضت التصريحات القليلة التي صدرت ضد الحوثيين منذ بداية عمليتهم لدعم فلسطين لانتقادات شديدة من قبل الجمهور اليمني.
يتم التعبير عن هذا الشعور في عبارة شائعة: «أنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا وابن عمي ضد الغريب».
وطالب المواطنون من جميع المشارب المتحدثين باسم الجماعات المناهضة للحوثيين «بإغلاق أفواههم».
وبالفعل، فقد تواصل بعض قادة الحوثيين بالفعل مع خصومهم السياسيين على المدى الطويل في «حزب الإصلاح» لمعرفة ما إذا كانوا سيوحدون قضيتهم ضد الاحتلال الصهيوني.
وتؤكد ميساء شجاع الدين أن الهجمات الغربية لن تردع الحوثيين، فهم بارعون في امتصاص الخسائر، وقد حققوا خبرة واسعة من فترة الحرب مع التحالف العربي الذي قادته السعودية والإمارات.
وتضيف: «إنهم ليسوا جيشاً كلاسيكياً بقواعد عسكرية ثابتة، ومن المعروف أن المليشيات تغير قواعد الحرب، وبمساعدة إيران أصبح لديها الآن القدرة والخبرة اللازمة لتصنيع الطائرات بدون طيار داخل البلاد».
وترى أن الضربات الغربية ضد اليمن ستجعل الحوثيين يعتقدون أنهم لم يعودوا لاعبين محليين، بل لاعبين إقليميين يتمتعون بالشرعية في مواجهة أمريكا بشكل مباشر.
بدوره، يحذر فارع المسلمي، من برنامج الشرق الأوسط في «تشاتام هاوس»، من أن «الحوثيين أكثر ذكاءً واستعداداً وتجهيزاً بكثير مما يعتقده العديد من المعلقين الغربيين».
ويردف: «إن تهورهم واستعدادهم للتصعيد في مواجهة التحدي يتم الاستهانة بهم دائماً».
وهم يعلمون أيضاً أن التحالف البحري العسكري الذي يدعم أمريكا ضعيف.
فمصر، رغم حصولها على دخل من قناة السويس، رفضت دعم الضربات الجوية الأمريكية.
ولا يوجد أي بلد عربي، باستثناء الإمارات، لديه الجرأة لتحدي الصورة الحوثية لليمنيين الشجعان الذين يتنافسون ضد القوة الأمريكية.
وتشعر السعودية بالقلق بشكل خاص من تمزيق تذكرة خروجها من اليمن.
وربما ينظر الغرب إلى الهجوم الصاروخي على أنه الخيار الوحيد، لكنه ليس بلا تكلفة.
فطائرات الحوثي بدون طيار رخيصة الثمن، وعلى النقيض من ذلك، ينفق الغربيون ما يقرب من مليون يورو على كل صاروخ من طراز «أستر 15» يستخدمونه لصد الطائرات الحوثية بدون طيار.

المصدر: «الجارديان»