اليمن بالحبر العبري -
سلط نيكولاس برومفيلد، الباحث في سياسات الشرق الأوسط المقيم في واشنطن، الضوء على عمليات استهداف جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين) للسفن التجارية المتجهة إلى الكيان الصهيوني في مضيق باب المندب، مشيرا إلى أن تلك الهجمات فرضت تساؤلات على العالم حول ما إذا كانت الخطوة التالية للحرب التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة هي فتح جبهة جديدة في اليمن.
ذكر برومفيلد، في تحليل نشره بموقع «أوراسيا ريفيو»، أن «أنصار الله» نفذوا، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عددا من الأنشطة التي تهدف إلى الضغط على الكيان الصهيوني لوقف هجومه على غزة، بما في ذلك التعبئة العامة داخل اليمن، وهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على الكيان، وهجمات أخرى على السفن التجارية الدولية، ما أثار تساؤلات حول قدرات الجماعة ودوافعها وخطواتها التالية المحتملة.
وأضاف أن العديد من هجمات الحوثيين الأخيرة ضد الكيان الصهيوني تتوافق مع أنماط طويلة الأمد في سلوك الجماعة، مشيرا إلى أن الاستيلاء على سفينة مدنية في المياه الدولية يعد تصعيداً جديداً يثير التساؤلات حول مدى استعداد الجماعة للذهاب في تحركاتها الداعمة لفلسطين.
وبدافع يمتزج فيه المزايا السياسية المحلية، والتحالفات الدولية، والتوجه الأيديولوجي، حقق تدخل الحوثيين في أزمة غزة حتى الآن عدداً من الأهداف المهمة لأنصار الله، ومن غير المرجح أن تتوقف طالما استمر العدوان الصهيوني على غزة.
فرغم تجاهل وسائل الإعلام الدولية إلى حد كبير، فإن الخطوة الأولى التي اتخذها الحوثيون رداً على أزمة غزة كانت بدء تعبئة ضخمة مؤيدة لفلسطين داخل اليمن. وفي حين أن دعم الفلسطينيين حالة مهيمنة بين اليمنيين، فقد تسبب الهجوم الصهيوني بعدد غير مسبوق من المظاهرات المؤيدة لفلسطين في جميع أنحاء اليمن، ويمكن القول بأن الحوثيين لم يكن لهم مثيل في التعبئة الداعمة لفلسطين عالميا.
وبعد وقت قصير من تنفيذ حركة حماس عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، نظمت سلطات الحوثيين أكثر من ألف احتجاج مؤيد لفلسطين، ما يجعل اليمن موقعاً لأكبر المظاهرات المؤيدة لفلسطين بالنسبة لعدد السكان في العالم. وتراوح نطاق هذه التعبئة بين الوقفات الاحتجاجية التي نظمتها المدارس في المناطق النائية ومسيرات الجمعة الحاشدة في وسط صنعاء، التي اجتذبت قطاعات كبيرة من المجتمع اليمني، وكانت أكثر نجاحاً بكثير من الحملات المماثلة التي نظمها الحوثيون مؤخراً ضد التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
ويؤكد مدى استثمار الحوثيين في هذه التعبئة الشعبية الدرجة التي تقود بها السياسة الداخلية عملية صنع القرار الحوثية بشأن فلسطين.
وكان الحشد الحوثي الأخير في صنعاء كبيرا لدرجة أن «الحكومة اليمنية الشرعية» ذكرت مؤخرا أنها تعتقد أن الحوثيين يستعدون لهجوم واسع النطاق على مدينة مأرب المتنازع عليها منذ فترة طويلة. وسواء تحقق هذا الهجوم أم لا، فإن برومفيلد يرى أن الحوثيين يحصلون على فوائد مادية ورمزية كبيرة في اليمن من خلال اتخاذ موقف قوي بشأن فلسطين.
وكانت الدرجة التالية في سلم الحوثيين التصعيدي خلال أزمة غزة هي الهجمات الجوية المباشرة على الكيان الصهيوني. فمنذ 19 تشرين الأول/ أكتوبر، أطلقت قواتهم دفعات متعددة من الطائرات المسيّرة والصواريخ باتجاه جنوب الكيان الصهيوني، الواقع على بعد أكثر من 1000 ميل من اليمن.
وتحمل هذه الهجمات الجوية على الكيان الصهيوني تشابهاً ملحوظاً مع الحملة الجوية التي شنها الحوثيون منذ سنوات ضد السعودية. فبين عامي 2015 و2022، شنت قواتهم أكثر من 1000 هجوم صاروخي وأكثر من 350 هجوماً بطائرات مسيّرة على أهداف في المملكة لدفعها إلى الانسحاب من الصراع اليمني.
والأهم من ذلك، أن هذه الهجمات غالباً ما كانت تحدث أسبوعياً، وأحياناً يومياً، ما يتطلب نشراً مستمراً للدفاعات الجوية ويخلق شعوراً نفسياً باحتمال التعرض الدائم للقصف.
ورغم أن المسافة الطويلة والتدابير المضادة تجعل تمكن الحوثيون من التغلب على الدفاعات الجوية الصهيونية مرجَّحا، إلا أن برومفيلد يرى أن الجماعة تتبع استراتيجية تتمثل في مواصلة تيار «منخفض ولكن مستمر» من الهجمات لخلق ضغط، وربما فقط لانتهاز فرصة.
ويبدو أن الحوثيين متحمسون للغاية للدخول في القتال، ويتمتعون بموقع سياسي يجعل عدوهم القديم (السعودية) يعارض بشدة أي تصعيد أمريكي بينما تتفاوض المملكة على اتفاق سلام في اليمن.
ويبدو الحوثيون بذلك الطرف الذي يمثل محور الحرب في جماعات محور المقاومة المدعومة إيرانيا، وهم الأكثر ربحاً والأقل خسارة من مهاجمة الكيان الصهيوني.
وكانت الخطوة الأخيرة الأكثر دراماتيكية، التي اتخذها الحوثيون، عبر شن سلسلة هجمات على سفن تجارية متجهة إلى الكيان الصهيوني، تزداد وتيرتها وغموضها في الوقت ذاته، فمع إعلان الجماعة مؤخراً أنها ستستهدف أي سفينة متجهة إلى الموانئ الصهيونية، أصبح تعريف الحوثيين لما يشكل «العلاقات مع إسرائيل» غامضاً ويتوسع باستمرار، ما أثار مخاوف بشأن تأثير ذلك على أسعار التأمين والشحن للسفن التي تمر عبر مضيق باب المندب.
ويرى برومفيلد أن تاريخ الحوثيين في الهجمات البحرية يمكن أن يلقي بعض الضوء على هذا التصعيد الأخير، فكما هو الحال مع طائراتهم المسيرة، فقد طوروا مجموعة من قدرات الهجوم البحري بما في ذلك القوارب المحملة بالمتفجرات التي يتم التحكم فيها عن بعد، والألغام البحرية، والصواريخ المضادة للسفن، والطائرات البحرية المسيّرة.
واستخدم الحوثيون كل هذه الإمكانيات بين عامي 2017 و2021، وشنوا ما لا يقل عن 16 هجوماً بحرياً بطائرات مسيرة على سفن تجارية في المياه المحيطة باليمن، وكان معظمها يرفع العلم السعودي.
كما استهدف الحوثيون السفن الصهيونية، وتحديدا مع هجوم تموز/ يوليو 2021 على الناقلة «ميرسر ستريت» المملكة آنذاك لشركة «زودياك ماريتيم» الصهيونية.
وفي حين استولى الحوثيون على زوارق يعتقدون أنها تعمل كجزء من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية على السواحل المقابلة لليمن، إلا أنهم لم يختطفوا أي سفينة تجارية في المياه الدولية قبل الاستيلاء على سفينة «جالاكسي ليدر» في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وكجزء من الحصار الذي تفرضه على صادرات النفط من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، شنت قوات الحوثيين العديد من الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ، التي كانت تخطئ بالكاد ناقلات النفط التي تقترب من محطات النفط التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، فيما فسره برومفيلد إلى أنه «محاولة لتخويف السفن وإبعادها دون التسبب في حوادث».
ويشير برومفيلد، في هذا الصدد، إلى أن الأدلة، منذ حوادث عام 2016 التي يُستشهد بها غالباً على أنها المرة الأخيرة التي أطلق فيها الحوثيون النار على سفينة حربية أمريكية، غير حاسمة حول ما إذا كانت الجماعة تنوي بالفعل ضرب سفينة حربية أمريكية، لافتا إلى أن البحرية الأمريكية أكدت أنها لا تستطيع تحديد ما إذا كانت الطائرات المسيّرة التي اعترضتها مؤخراً كانت تستهدفها من عدمه.
وفي الحادثة الأخيرة التي أطلق فيها الحوثيون صواريخ بالستية على مقربة من سفينة أمريكية، سقطت الصواريخ في البحر على بعد 10 أميال بحرية. وبالنظر إلى مدى الدقة التي أثبتها الحوثيون عند تنفيذ تلك الهجمات، فإن التفسير الأكثر منطقية لذلك هو أنهم «أخطؤوا الهدف عمداً، حتى لا يدخلوا فعلياً في حرب إطلاق نار مع الولايات المتحدة»، حسبما يرى برومفيلد، مضيفا أن ذلك يعني أن «الحوثيين يعرفون ما يفعلون، ولديهم أسباب لما يفعلونه».
وطوال فترة الصراع في اليمن، أظهرت جماعة الحوثيين قدرة على معايرة هجماته الجوية والبحرية بعناية لتحقيق هدف استراتيجي معين، وكانت صريحة للغاية بشأن ما تعتبره الهدف الاستراتيجي المباشر لتصعيدها، وهو: إنهاء العدوان الصهيوني على غزة.
وبالنظر إلى الإعلان الحوثي الصريح، فإن أبسط إجابة على سؤال: «لماذا يهاجم الحوثيون إسرائيل؟» هي: «لأنهم يعتقدون أن الوضع يستدعي ذلك»، ولذا يرى برومفيلد أن «فهم هذا المنطق يتطلب أخذ ما يقوله الحوثيون عن أنفسهم ومعتقداتهم على محمل الجد».
ومع ذلك، يشير برومفيلد إلى أنه يمكن إنكار أن الحوثيين لديهم أيضاً أسباب أيديولوجية أعمق وأكثر إثارة للقلق للتدخل في غزة، حيث إن «الرؤية الدولية للجماعة مدفوعة بمشاعر معادية لإسرائيل إلى حد معادٍ للسامية وأقرب إلى نهاية العالم».
فجماعة أنصار الله تشكلت في أوائل عام 2000 وسط جو من النشاط المناهض للكيان الصهيوني، الناجم عن الانتفاضة الثانية، ومنذ بدايتها، اعتبرت التدمير المادي للكيان الصهيوني عقيدة رئيسية.
ولطالما كان شعار الحوثيين، الذي يزين كافة أعلام الجماعة، والذي تم إدراجه في المناهج التعليمية في مناطق سيطرتهم، هو: «الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام».
وعليه فإن الصراع مع الكيان الصهيوني يعد أمراً أساسياً في وجهة نظر الحوثيين العالمية، حيث تشير الجماعة باستمرار إلى أعدائها في اليمن كجزء من العدوان «الصهيوني الأمريكي»، ويصف قادتها بانتظام السياسة الإقليمية بأنها «مؤامرة يهودية».
ويخلص برومفيلد إلى أن مزيج من المصلحة والأيديولوجيا هو ما يحرك جماعة أنصار الله اليمنية لدعم المقاومة الفلسطينية، وهو المزيج الذي يجعل السؤال المنطق لدى الحوثيين هو: «لماذا لا نهاجم إسرائيل؟».

نيكولاس برومفيلد- «أوراسيا ريفيو»