لا ميديا -
قبل عشرين عاماً، وهو في الصف السادس الابتدائي، قرر زملاؤه، أثناء عودتهم من المدرسة، تنظيم جنازة رمزية لشهيد. تقمَّص هو دور الشهيد، وحمله زملاؤه في مشهد ثمثيلي يزفّونه حتى وصلوا «دوار الشهداء» يهتفون: «بالروح بالدم نفديك يا شهيد». انتهى المشهد بفتح «حمدي» عينيه المغلقتين وابتسم أمام أصدقائه وعاد إلى منزله يروي القصة لأمه.
بعد عشرين عاماً، خرجت نابلس في جنازة مهيبة تُشيّع شهداءها الخمسة الذين ارتقوا إثر العدوان الصهيوني على المدينة. حُمل حمدي على الأكتاف إلى «دوار الشهداء» للمرة الثانية؛ لكن هذه المرة لم يتقمص الدور، بل كان أحد الشهداء. لم يحمله عدد من الطلاب، بل يحيط بجثمانه عشرات الآلاف ممن شاركوا بتشييع الجثامين. لم ينتهِ المشهد بفتح عينيه، ولم يعد لأمه ليروي لها القصة، بل وُوري الثرى، لتروي أمه وزوجته وشقيقه قصته، ويتداول الناس بفخر حكاية شجاعته.
في فجر الثلاثاء 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، شعر بتحركات مريبة في البلدة القديمة بمدينة نابلس. تأهب للنزول لرؤية ما يجري. شدته زوجته من يده تمنعه. أفلت يده، ونزل إلى الشارع، لتسمع بعد لحظات صراخه المحذر: «يا شباب، قوات خاصة، جيش، جيش، جيش!». كلمات كانت جرسَ إنذار أحبط مبكراً مخططاً يستهدف مقاتلي مجموعة «عرين الأسود» المسلحة دفعة واحدة. لحظتها اخترقت رصاصة قناص صهيوني صدره، انتقاماً منه. انسحب أفراد مجموعة العرين، ماعدا قائدها وديع الحوح، الذي خاض اشتباكاً حتى استشهاده.
«صالون الآغا»، محل الحلاقة الذي يملكه حمدي، يقع في بيت الشهيدة لينا النابلسي، على أطراف البلدة القديمة في نابلس، المكان الذي تشهد كل حجارته على دماء شهداءٍ سالت دفاعا عن «جبل النار».
بعد أسبوع واحد من استشهاده، أعيد فتح المحل، بعد أن دعا عدد من زملائه الحلاقين لإعادة فتحه ووجدت الدعوة تجاوباً كبيراً ودعماً من الحلاقين والمواطنين الذين أبدوا تعاطفهم مع عائلة الشهيد، وحضروا من جميع أنحاء نابلس.