اليمن بالحبر الغربي -
بشكل استراتيجي وهادئ، تستفيد الصين من قوتها الاقتصادية والعسكرية لتأسيس وجود كبير في منطقة البحر الأحمر (وهو ممر بحري حيوي للتجارة الدولية)، وذلك عبر استثمارات البنية التحتية والشراكات التجارية وانتشار سفن قواتها البحرية.
ذلك ما خلص إليه ليوناردو مازوكو، الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية، في تحليل بـ«منتدى الخليج الدولي» (Gulf International Forum)، مشيرا إلى أنه في العام 2022، نجحت التجارة البحرية، المسؤولة عن أكثر من 80% من شحنات البضائع العالمية، في التغلب على الاضطرابات الناجمة عن عمليات الإغلاق التي سببها وباء كورونا، وحرب روسيا على أوكرانيا المتواصلة منذ 24 شباط/ فبراير 2022، والتضخم المتصاعد.
وتابع أن هذه المرونة تؤكد الدور الحيوي للممرات البحرية في التجارة الدولية، فاعتماد الاقتصاد العالمي على البنية التحتية للربط التجاري البحري، بما فيها ممرات الشحن والمرافق الساحلية، يتزايد بالقرب من نقاط الاختناق البحرية.
وبشكل عام، لدى أي دولة استراتيجيتان رئيسيتان لتأسيس وجود استراتيجي بالقرب من هذه المسارات البحرية المزدحمة وضمان التدفق السلس للتجارة المنقولة بحرا عبر ممرات العبور الإقليمية، كما أضاف مازوكو.
وأوضح أن الأول هو «نهج أمني معقد يتضمن بناء منشآت عسكرية مثل المنشآت البحرية والجوية. أما النهج الثاني فهو مقاربة أكثر ليونة ولا تنطوي على تهديد، وتستخدم وسائل غير عسكرية لتأسيس وممارسة النفوذ».
وأفاد بأنه «غالبا ما ينطوي على الاستحواذ على حصص في البنى التحتية القائمة أو الجديدة للتجارة واللوجستيات، مثل الموانئ البحرية، والتي تعد ضرورية لاكتساب ميزة في التجارة الإقليمية».
وأضاف: «من بين الدول التي تهدف إلى تأمين موطئ قدم في البحر الأحمر وحوض خليج عدن، تبرز الصين، لقدرتها التي لا مثيل لها على الجمع بين هاتين الاستراتيجيتين بمهارة».
ومع نمو المصالح الجيواقتصادية للصين في البحر الأحمر -وفقا لمازوكو- تهدف بكين إلى تأمين الوصول إلى العديد من المرافق الساحلية، مع تقديم تواجدها الإقليمي المتوسع على أنه لا يمثل تهديدا.
وأضاف أن بكين وضعت الشركات الصينية المملوكة للدولة في طليعة مساعيها الإقليمية لتحقيق ذلك، بحيث أصبح مقدمو خدمات الشحن واللوجستيات التي تقودها الدولة عناصر إضافية ضخمة في تمويل وتطوير وتشغيل البنى التحتية البحرية الجديدة والقائمة في المجرى المائي للبحر الأحمر.
و«ركزت الصين جهودها على تطوير شبكة اتصال تجارية واسعة النطاق من الموانئ والمحطات المملوكة للدولة، والتي تمتد من قناة السويس إلى مضيق باب المندب في ثلاث دول مطلة على البحر الأحمر، هي: مصر، جيبوتي، والسعودية»، بحسب مازوكو.
وقال إنه «مع ترسيخ الطموحات الاقتصادية الصينية والمشاركة التجارية بشكل متزايد في منطقة البحر الأحمر، أصبح وجود القوة البحرية التي تسمح للصين بدعم مصالحها الوطنية في الخارج ضرورة استراتيجية».
ولفت إلى أنه «على خلفية الهجمات التي شنها القراصنة الصوماليون على السفن التجارية العابرة عبر شمال غربي المحيط الهندي، في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت الصين في اتخاذ خطوات ملموسة لحماية مصالحها البحرية الإقليمية بإنشاء فرقة عمل مرافقة بحرية مستقلة».
و»تم إرسال السفن الحربية الصينية بانتظام إلى مياه خليج عدن منذ 2008. ورغم أن تهديد القرصنة الصومالية قد تلاشى منذ منتصف 2010، حافظت بكين على تواجدها الكبير في مكافحة القرصنة الإقليمية».
ووفقا لموقع إخباري مقره الصين، وقريب من الجيش الصيني، أرسلت بكين إلى خليج عدن 131 سفينة حربية وأكثر من 32 ألف جندي عبر 42 عملية انتشار دورية، كما أوضح مازوكو.
وأفاد بأن دور السفن البحرية الصينية في البحر الأحمر وخليج عدن تطور إلى ما هو أبعد من الردع، ليشمل عدداً من المهام، بينها إجراء تدريبات بحرية مشتركة مع الدول الصديقة، ومنها روسيا وإيران والسعودية وباكستان.
وشدد على أنه في آب/ أغسطس 2017، حققت الصين قفزة نوعية في البحر الأحمر وخليج عدن بافتتاح قاعدة دعم لوجستي في جيبوتي تتضمن العديد من مرافق تخزين الوقود والأسلحة والمعدات مع وجود مدرج للطائرات، ويمكن أن تستوعب نحو 2000 جندي.
ومن المتوقع أن تكون مياه البحر الأحمر وخليج عدن من النقاط الجيوستراتيجية والجغرافية الاقتصادية الرئيسية للمنافسة بين القوى العظمى، ولذلك من المرجح أن تعزز الصين مكانتها كقوة تجارية وعسكرية ثقيلة في هذا الشريان الحيوي للمياه المالحة، الذي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، وفقاً لمازوكو.
وتابع: «بالنظر إلى ميل الصين إلى المواقف الاستراتيجية التي تتجنب المخاطرة، ستواصل تكريس نفوذها في الدول الساحلية في المنطقة عبر النفوذ الاقتصادي والقوة العسكرية الناعمة».
و»هذا يعني أن الشركات الصينية المملوكة للدولة ستشرع في المزيد من عمليات الاستحواذ على الأسهم في مشاريع البنية التحتية للنقل البحري»، بحسب مازوكو.
واستدرك: «لكن من المحتمل أن تواجه الصين صعوبات متزايدة في موازنة سلوكها التقليدي الغامض مع مصالحها الوطنية سريعة التوسع».

ليوناردو مازوكو
«ميدل إيست آي»