«لا» 21 السياسي -
بالتزامن مع تواجد الجنرال أنتوني هايورد، المستشار العسكري للمبعوث الأممي إلى اليمن، في صنعاء، ينتظر مطار الأخيرة وصول الطائرة السلطانية حاملةً وفداً عُمانياً قيل سابقاً بأن ضمن ملفاته التي سيقدمها لقيادات صنعاء شيئاً أو أشياءً عن مرتبات الموظفين العالقة منذ سنوات بين براثن عواصم الاحتلال وبين إطارات طائراتها النفاثة، المدنية وليس العسكرية هذه المرة.
وبالتزامن أيضاً واستمراءً لاستخدام نظرية العصا والجزرة وإن بالمقلوب، استبعد المبعوث الأمريكي لدى اليمن، تيم ليندركينغ، نجاح أي مساعٍ جديدة في إحداث اختراق في هذا الملفّ. وخلال لقاء أجراه معه موقع «المونتيور»، أواخر الأسبوع الماضي، أعاد المبعوث طرح شرط واشنطن، المتمثّل في ربط صرف المرتّبات بموافقة أنصار الله على عقد مفاوضات يمنية - يمنية، فيما سرّبت حكومة المرتزقة معلومات عن تلقّي الوسيط العُماني إشارات إيجابية من صنعاء بشأن قبولها ببعض المقترحات المتّصلة بإنهاء معاناة الموظفين المتعلقة بالرواتب.
يأتي الجزر مضاعفاً هذه المرة، حيث كشفت قيادة الأسطول الخامس الأمريكي، الاثنين 7 آب/ أغسطس 2023 عن وصول 3000 بحار وجندي إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى وصول سفينة هجومية برمائية وسفينة إنزال إلى البحر الأحمر.
ووفق بيان أصدره الأسطول الخامس الأمريكي فقد دخلت السفينة الهجومية البرمائية USS Bataan LHD) 50)  وسفينة الإنزال USS Carter Hall (LSD 50) البحر الأحمر بعد عبورها البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس.
كما أوضح أن السفينة الهجومية البرمائية تجلب قوات جوية وبحرية إضافية، بالإضافة إلى المزيد من مشاة البحرية والبحارة الأمريكيين، «ما يوفر قدراً أكبر من المرونة والقدرة البحرية للأسطول الأمريكي الخامس».
يمكن للسفينة الهجومية البرمائية أيضاً أن تحمل أكثر من 20 طائرة ذات أجنحة دوارة وثابتة الأجنحة، بما في ذلك طائرات «إم في -22 أوسبري» وطائرات «هارير» الهجومية من طراز (AV-8B)، بالإضافة إلى العديد من سفن الإنزال البرمائية.
وتدعم سفينة إنزال الرصيف عمليات الطائرات ذات الأجنحة الدوارة والمركبات التكتيكية ومراكب الإنزال البرمائية، وفق ما جاء في بيان الأسطول الخامس الأمريكي الذي يتخذ من المياه الإقليمية التابعة للبحرين مقراً له.
يأتي كل ذلك بعد تطورات أخيرة شهدها اليمن سياسياً وعسكرياً، من أهمها رفض صنعاء الأجندة الأمريكية في اليمن، والتي ترتكز على محددات ثلاثة كانت تحاول طيلة الفترة الماضية إقناع صنعاء بها دون إعطاء رأي الرياض هامشاً واسعاً في سلطة قرار وقف الحرب من عدمه.
وبحسب مصدر مطلع على المفاوضات -لموقع «الخنادق»- فإن الإدارة الأمريكية أبلغت صنعاء بشكل غير مباشر عبر القنوات الدبلوماسية قائمة من 3 مطالب، توقف بموجبها الحرب وترفع الحصار، وهي كما نقتبس من «الخنادق»:
- باب المندب أمميّ لا يمنيّاً: يتصل اسم المضيق بذكرى غير سارة بالنسبة للولايات المتحدة وكيان الاحتلال. ولمنع تكرار ما جرى في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، مع ثقة الإدارة الأمريكية ان لصنعاء القدرة على تكرارها - لو أرادت، تحاول واشنطن جاهدة إبعاد النيران عن تلك المنطقة، التي تستغلها ملاحياً وتجارياً وعسكرياً للتجسس والمراقبة والتهديد.
في 15 آذار/ مارس 2017، أطلع القائد الأعلى للقوات الأمريكية في المنطقة، جوزيف فوتيل، لجنة القوات المسلحة في الكونجرس، على مجريات الأحداث: «هناك مصالح أمريكية حيوية على المحك. بدعم من إيران، أصبح المضيق عسكرياً، مع دفاع متعدد الطبقات من الصواريخ الساحلية وأنظمة الرادار والألغام والقوارب المحملة بالمتفجرات... هذا تهديد لعملياتنا الأمنية». بعدها، عززت البحرية الأمريكية وجودها، وتم استقدام المدمرة «كول» إلى تلك المنطقة.
- ألَّا يشكل اليمن تهديداً لـ«إسرائيل»: تعرفت الإدارة الأمريكية على حركة الشباب المؤمن ثم أنصار الله، بالصرخة التي أطلقها الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي. كان اليمن قبلها هامشياً في السياسة الخارجية الأمريكية، مع وجود رئيس يمني موالٍ لواشنطن، وحشد من الأحداث التي اتخذت حيزاً أكبر من الاهتمام، كأحداث 11 أيلول ثم غزو العراق وأفغانستان. وكان الشعار كفيلاً بالتعريف: زوال «إسرائيل» عقيدة يؤمنون بها.
اليوم، بعد إعلان قائد الحركة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الدخول بالمعادلة الإقليمية، التي أطلقها أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، وامتلاك القدرة العسكرية والبشرية لذلك، إضافة للتدخل «الإسرائيلي» المباشر في حرب اليمن، أصبحت الهواجس الأمريكية و»الإسرائيلية» تتزايد، خاصة بعد استهداف القوات المسلحة اليمنية لرأس تنورة، في رسالة وصلت مباشرة إلى «تل أبيب».
- إنهاء النفوذ الإيراني في اليمن: ترى واشنطن أن «النفوذ الإيراني» يتزايد، وتعتقد أن امتداد هذا الحضور إلى منطقة استراتيجية كاليمن، سيترك أثره البالغ على عدد من ملفات المنطقة. في حين أن مطالبتها لصنعاء بالحد من هذا النفوذ والإعراض عن تلقي أي دعم، أو قطع أي علاقة، يعني أنها غير مدركة لطبيعة العلاقة بين الجانبين، والتي أوضحتها أخيراً الأحداث التي جرت بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني. ففي حين اعتقدت الرياض أن توقيع الاتفاق سينهي حرب اليمن، تلوّح صنعاء مجدداً بالتصعيد، إذا استمرت المماطلة في تنفيذ الشروط ورفع الحصار.
رفضت صنعاء تلك المطالب مجتمعة، مؤكدة أنها لن تنفذ أي أعمال عسكرية تضر بطرق الملاحة البحرية أو تؤثر في أمن المنطقة، كما أنها ليست «تابع» طهران، بل صديق لها، مشددة على أنها لن تقبل بطرح أو مناقشة البند الثاني تحديداً، لما تعتبره مسّاً بهويتها ومبادئها الإسلامية.
قوبل كل ما سبق بردّ على لسان وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ، اللواء محمد ناصر العاطفي، الذي أكد أن حكومته «لا يمكن أن تقبل أيّ مراوغة أو تلكؤ في تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه»، مشيراً إلى «التدخّل الأمريكي والبريطاني بشكل فاضح وواضح لإعاقة الجهود المبذولة لتحقيق السلام»، مؤكداً أن اليمن «لا يزال قادراً على فرض قواعد اشتباك جديدة». كما جدّد دعوته «دول العدوان إلى سرعة الانخراط في سلام عادل وشامل»، محذّراً الرياض وأبوظبي من تداعيات «الاتكاء على جدار أمريكا وبريطانيا، كون ذلك مصيره الانهيار».
وجاءت تصريحات العاطفي خلال مناورة عسكرية نظّمتها قيادة المنطقة العسكرية المركزية التابعة لصنعاء، بالقرب من مدينة مأرب شرقي العاصمة، حملت رسائل متعدّدة، وأظهرت استعداداً قتالياً عالياً. وخلال المناورة العسكرية، التي خرّجت أيضاً دفعات قتالية جديدة، كشفت قوات صنعاء عن امتلاكها عدداً من وحدات الإنزال المظلّي، لأوّل مرّة منذ بدء العدوان مطلع العام 2015.
من الواضح أن على صنعاء الانتقال فوراً من وضعية رد الفعل إلى التموضع في خانة الفعل. وكم نتمنى أن يتم تزمين المطالب، وكم كتبنا عن ذلك في أوقات سابقة، كأن يتم تزمين صرف الرواتب بالثاني من تشرين الأول/ أكتوبر القادم... ليس في ذلك خفة أو اعتباط كما يصور مستشارو الطيرمانات. كل هذا حتى لا يأتي موسم قطاف الرمان الصعدي وقد بردت أطراف المجاهدين.
أما بالنسبة لـ»الخيار» فاسمحوا لي أيها السادة معتذراً التذكير بالمثل المصري القائل: «الحياة زي الخيارة؛ النهاردة في إيدك بكرة في...»!