«لا» 21 السياسي -
ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، جمع الصحفيين المحليين في الرياض، في إحاطة نادرة غير رسمية، في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وألقى رسالة مذهلة، قال فيها إن «الإمارات العربية المتحدة، حليفة السعودية منذ عقود، طعنتنا في ظهرنا».
وأضاف ابن سلمان، بحسب أشخاص كانوا في الاجتماع: «سأريهم ما يمكنني فعله»، وفق الصحيفة الأميركية، وهدد بإجراءات تفوق ما حصل مع قطر في حزيران/ يونيو 2017.
ونقلت «وول ستريت جورنال» -في تقرير مطوّل أعدّه كلٌّ من سومر سعيد وستيفن كالين وديون نيسباوم وصالح البطاطي- عن مسؤولين أميركيين قولهم إنهم «قلقون من أنّ التنافس الخليجي قد يجعل من الصعب إنشاء تحالف أمني موحد لمواجهة إيران، وإنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات على اليمن، وتوسيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول إسلامية».
وأوضحت أن «السعودية تخطط لبناء خط أنابيب من المملكة إلى بحر العرب عبر محافظة حضرموت اليمنية، مع ميناء بحري في عاصمتها الإقليمية: المكلا».
وتحدثت الصحيفة عن العلاقات بين السعودية والإمارات، وقالت إنّ لديهما «مصالح متباينة في اليمن»، مشيرةً إلى أن الجهود المبذولة لإنهاء الصراع في اليمن، والإحباط الإماراتي من الضغط السعودي، قوّض هذه العلاقة، إضافةً إلى أن رفع الأسعار العالمية للنفط يخلق أيضاً انقسامات جديدة في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك).
ويبدو أن التصعيد الإماراتي في المحافظات اليمنية الجنوبية بمواجهة النفوذ السعودي، الذي وصل إلى ذروته خلال الأشهر الماضية، يعني أن الرسالة السعودية قد وصلت بالتزامن مع وصول السفير الأمريكي إلى عدن للملمة أوراق المحتلين ومرتزقتهم قبل أن تتطاير إلى جيب صنعاء.
ابن سلمان حمل محمد بن زايد إلى التصعيد في اليمن؛ إذ أن رغبة الأخير في الخروج من الحرب لم تكن حدثاً عابراً بالنسبة للرياض. فرغم سعي أبوظبي إلى الحفاظ على مصالحها المتمثلة بالسيطرة على الموانئ الجنوبية وبسط نفوذها عبر تشجيع جهود الانفصال، واعتبار حضرموت إمارة تابعة لها، فإنها ترغب في إبقاء يديها نظيفتين، مكتفية بتحريك وكلائها على الأرض، من الخلف، وهو القرار الذي كانت قد اتخذته عام 2019.
وتقول دينا اسفندياري، كبيرة مستشاري برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة الأزمات الدولية: «التوترات تتصاعد بينهما، وذلك يرجع جزئياً إلى أن ابن سلمان يريد الخروج من ظل ابن زايد»، مضيفة: «لقد أصبحا أكثر ثقة وحزماً في سياستهما الخارجية».
وأقام ابن سلمان وابن زايد تحالفاً للعدوان على اليمن، وساعدا عبدالفتاح السيسي على تولي السلطة في انقلاب عسكري بمصر، وسلحا مقاتلين في شرقي ليبيا، وحاصرا قطر بسبب علاقاتها مع إيران والإسلاميين.
وحاول كلا الرجلين منذ ذلك الحين إخراج بلده من تلك التدخلات. واليوم يشعر ابن سلمان أن الرئيس الإماراتي قاده إلى صراعات كارثية تخدم مصالح الإمارات وليس السعودية، وفق مسؤولين خليجيين.
ويقول دوجلاس لندن، الضابط المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي يعمل الآن كباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط (مركز أبحاث مقره في واشنطن) إن ابن سلمان «لا يحب» ابن زايد، «ويريد إحراجه»، مرجحاً تصاعد التوترات بينهما مع انحسار التهديدات من إيران والجماعات «الإرهابية».
وأطلق المقاتلون المدعومون من السعودية والإمارات، الذين يعملون معاً لهزيمة قوات أنصار الله، نار أسلحتهم بعضهم على بعض أحيانا، خلال السنوات الماضية.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقعت الإمارات اتفاقاً أمنياً مع مجلس قيادة الرئاسة اليمني المدعوم من السعودية يمنح أبوظبي حق التدخل في اليمن والمياه قبالة سواحلها، واعتبر المسؤولون السعوديون ذلك بمثابة تحدٍّ لاستراتيجيتهم في اليمن.
وتخطط المملكة لمد خط أنابيب من أراضيها إلى بحر العرب عبر محافظة حضرموت اليمنية، مع إقامة ميناء بحري في عاصمتها الإقليمية (المكلا)، والقوات المدعومة من الإمارات في حضرموت تهدد تلك الخطط.
وحذّر محللون في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» (مؤسسة فكرية مستقلة في لندن) من أن القوات اليمنية المتنافسة تستعد لاشتباكات جديدة تهدد محادثات السلام الجارية.
وقال المحللون في سلسلة من التدوينات على «تويتر»: «المملكتان الخليجيتان تظهران المزيد من القوة وتتصرفان بشكل أكثر عدوانية بعضهما تجاه بعض في المنطقة بشكل عام، واليمن هو خط المواجهة الأول والأكثر نشاطاً».
وتوسطت إدارة بايدن، في اجتماع عُقد في 7 أيار/ مايو الماضي، بين ابن سلمان والشقيق الأصغر للرئيس الإماراتي، طحنون بن زايد، الذي كان يُنظر إليه ذات مرة على أنه أحد المقربين من ولي العهد السعودي، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.
لكن طحنون بن زايد تعرض للتجميد في السعودية، إذ قام بـ6 رحلات على الأقل إلى المملكة دون لقاء ابن سلمان، حتى حصل على مساعدة من الولايات المتحدة في تدبير اللقاء أخيراً.
وقال ابن سلمان لطحنون إن الإمارات لا ينبغي أن تعطل محادثات وقف إطلاق النار في اليمن، التي يقودها السعوديون، ووعد بتقديم تنازلات للإمارات، كما قال المطلعون.
لكن ولي العهد السعودي أخبر مستشاريه فيما بعد بأنه لا ينبغي عليهم تغيير أيّ من سياسات السعودية تجاه الإمارات، قائلاً: «لم أعد أثق بهم».
وفي تقرير موازٍ نشرته صحيفة «التلجراف» (The Telegraph) البريطانية بعنوان «من رحلات التخييم إلى برود العلاقة.. ما سبب الخلاف بين أقوى صديقين في الشرق الأوسط؟»، كتب مراسل الشرق الأوسط في «التلجراف»، جيمس روثويل، مقالاً رصد فيه تصاعد مظاهر الخلاف بين الزعيمين الأكثر قوة بالمنطقة حالياً.
ويقول المقال إنه منذ أن قلصت الولايات المتحدة مشاركتها في الشرق الأوسط، كان محمد بن سلمان يحاول تقديم نفسه باعتباره اللاعب الرئيسي التالي في المنطقة.
وبحسب الكاتب، يبدو أن سلسلة «الانقلابات الدبلوماسية» السعودية الأخيرة أحبطت محمد بن زايد، الذي كان منذ وقت ليس ببعيد مرشداً أكثر منه منافساً للحاكم السعودي.