«لا» 21 السياسي -
يشير جيمس سبنسر، وهو ضابط سابق في المخابرات العسكرية البريطانية وخبير في شؤون الشرق الأوسط يقيم في لندن، إلى أن تطبيع العلاقات بين الرياض وإيران قد يؤدي إلى حل الحرب في اليمن (حيث هزم الحوثيون السعوديين)، بحسب موقع «سباي توك» الأمريكي المتخصص بشؤون الاستخبارات.
«ستكون اليمن على الأرجح ساحة اختبار لهذا النهج الجديد من التطبيع الخليجي مع إيران. فلربما تكون هناك تسوية تختمر من شأنها إنهاء الحرب في البلاد، حيث يمثل هذا ضرورة تمكّن إيران والإمارات، وإيران والسعودية، من إصلاح العلاقات بشكل أكبر؛ لأن هذا سيعني أن الحوثيين في اليمن قد يشكلون تهديداً أقل للسعودية والإمارات».
«وتجري السعودية محادثات سرية مباشرة في سلطنة عمان مع جماعة الحوثيين منذ تشرين الأول/ أكتوبر. وقد يكون للاتفاق الإيراني السعودي تأثيرات إيجابية على هذه المفاوضات»، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة (The Guardian) البريطانية.
وتستدرك الصحيفة البريطانية بالقول: «لكن تظل تسوية الأزمة اليمنية بقدر أهميتها للرياض، صعبة في ظل ما يتسم به الحوثيون من تصلب، وقدرتهم على تحمل الحصار والهجمات العسكرية، وشكوك حول مدى نفوذ طهران عليهم؛ لأنهم شيعة زيدية وليسوا أتباع نظام الولي الفقيه الإيراني ولا يطيعون أوامره بشكل حرفي مثل حزب الله اللبناني وكثير من فصائل الحشد الشعبي العراقي».
وبالتالي فمن السهل الآن فهم آخر ما شهدته الساحة العسكرية اليمنية من تطورات لافتة، حيث حدّدت القوات المسلحة اليمنية ثلاثة أهداف عسكرية للمرحلة المقبلة، قال المتحدّث باسمها، العميد يحيى سريع، إنها تتركّز على الوجود الأجنبي في اليمن، إلى جانب رصد ومنع نهب الثروات، والاستعداد لأيّ تطوّرات أو تحرّكات قد يقوم بها تحالف العدوان، وبناء عليه أسقطت القوة الجوية طائرة تجسس سعودية، وبعدها شهدت مأرب معارك عنيفة أدت إلى سيطرة قوات صنعاء على عدد من المواقع الاستراتيجية في حريب، وأخيراً تم إطلاق أكبر مناورة عسكرية يمنية منذ بدء العدوان، إضافةً إلى تنظيم عرض عسكري نوعي في الحديدة.
إنها رسائل من السماء وعلى الأرض بأن اليمن أولاً وأخيراً؛ فلا تراهنوا على أي وهمٍ يحاول تغيير معادلة النصر اليمنية. ووفق المعطيات التي لدى الرياض، تستطيع القوات المسلحة اليمنية، بما لديها الآن، أن ترمي كلّ يوم مسيّرات وصواريخ على السعودية لسنوات أقلها سنتان.
إنها مراهنة خاسرة تلك التي حاولت عبرها الرياض وماتزال العبور من الهزيمة في اليمن إلى تسريبات الملحق السري في بكين واستثمارات الحبل السري في طهران.
بالمناسبة، اعتبر تحليل حديث نشرته وكالة «بلومبرج» الأمريكية أن إيران أبرز الفائزين في الاتفاق الأخير الذي تم إبرامه مع السعودية بوساطة صينية، مشيرا إلى أن «إذلال السعودية جائزة إيران الكبرى من الاتفاق».
ويقول التحليل، الذي كتبه بوبي جوش، إن الاتفاق السعودي الإيراني، الذي تم توقيعه في العاصمة الصينية بكين، يعد نصرا مكتمل الأركان لصناع القرار في طهران، على حساب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ويخلص جوش إلى أن السعوديين استسلموا لحملة متواصلة من المضايقات من قبل من سماهم «وكلاء إيران»، وأبرزهم الحوثيون في اليمن.
ويستطرد بالقول: «بعد أن تمكنت إيران من تركيع السعودية بهذه الوسائل، من غير المرجّح أن تخفف قبضتها على صناع القرار في الرياض من الآن فصاعدا».
ويدعي الكاتب أنه «صحيح أن طهران قد وعدت بتعليق إمداداتها من الأسلحة إلى الحوثيين؛ لكنّها لا تهتمّ كثيراً بالسماح للرياض بالراحة حيال التهديدات القادمة من الجنوب».
ويتوقع جوش أن تشجع إيران الحوثيين على إجراء أي مفاوضات ستفضي لاحقاً إلى الانسحاب السعودي من اليمن، و»التمسك بشروط ستزيد وطأة إذلال الأمير ابن سلمان».
وبرغم ترهات مراكز البحث الجاسوسية الغربية المتواترة بشأن إيقاف إمدادات الأسلحة لليمنيين من إيران، إلا أن من الواضح تزايد وتيرة تحذيرات تلك المراكز للسعودية من عواقب محاولات القفز من اليمن إلى إيران بمظلة صينية.
وللإيضاح أكثر فلنتابع هذه القراءة الخاصة لواحد من أهم المعاهد المرتبطة لوجستياً بواشنطن والرياض، حيث اعتبر تحليل نشره «معهد دول الخليج العربية في واشنطن» أن رهان السعودية على وضع اليمن في المرآة الخلفية لسيارة ولي العهد محمد بن سلمان بعد الاتفاق الأخير مع إيران «محفوف بالمخاطر وغير مضمون»، مشيرا إلى أن الأزمة متشعبة، ومن المتوقع ألا يظل الحوثيون ساكنين إزاء خصومهم داخل البلاد، حتى ولو توقفوا عن مهاجمة المملكة.
واستبعد التحليل، الذي كتبه جريجوري دي جونسون، العضو السابق بفريق الأمم المتحدة بشأن اليمن، أن يؤدي الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران إلى انسحاب السعودية من اليمن، لاسيما في حالة تحرك الحوثيين لضم مناطق يمنية جديدة، مثل مأرب أو شبوة.
وقال الكاتب إن من المفهوم أن السعودية في حاجة ماسة للخروج من اليمن؛ لكن المقامرة بأن إنهاء الحرب الإقليمية في اليمن سيحد بطريقة ما من الحرب الأهلية هو «رهان سيئ».
وأوضح أن محمد بن سلمان يراهن على إمكان إبرام صفقات ووضع اليمن في الهامش، وهذا خطأ، على حد وصفه.
الانتصار اليمني على السعودية وكل من يقف وراءها وجميع من يقرفص بين أقدامها هو السبب الرئيسي لإقرار الرياض وقرارها بمدخلات التفاهم مع طهران. ولن يكون الأمر عكسياً مطلقاً بأن تصبح اليمن أحد مخرجات إعلان بكين وفقاً للتوهم السعودي.
يرفع ابن سلمان شعار: «السعودية أولاً»، أسوةً بما فعل معلمه ترامب قبل سنوات: «أمريكا أولاً». ومن حق الرجل فعل ذلك، بشرط ألا تتحول كلمة «أولاً» إلى «فقط»، وألا يتخيل أن توقيعه على كمبيالات لإيران والصين أو حتى للجن قد تعفيه من دفع فواتير عدوانه على اليمن، ومن لا تعلمه الحقائق ستربيه الحرائق.