علي نعمان المقطري / لا ميديا -
لا نحارب للحرب بذاتها أبدا وإنما نحارب لتحقيق الأهداف الوطنية الشعبية والقومية الإسلامية لأمتنا وبلادنا ولأهلنا وقومنا ومستضعفينا، وقد نحقق الأهداف بالحرب تارة وبالمفاوضات تارة أخرى، وهذا هو المسار الطبيعي المنطقي لكل حرب فالحرب هي الذراع القوية التي نفرض بها إرادتنا والأهداف هي الأماني وما نتوخاه لتحقيق السلم المشرف ونحارب لتحقيق السلم المشرف.
وكلما تعثرت خطوات المفاوضات لتحقيق السلام المشرف نعود سراعا إلى الميادين التي لم نغادرها أصلا، والأصح هو أن نقول إننا نعود إلى احتضان البنادق والنصال بعد أن عز الصلح الشريف، وكلما لاح أمل السلام المشرف عدنا إلى المفاوضات وهكذا دواليك، وهذه مرحلة من الحرب تكون في نهاياتها قرب انهيار العدوان الشامل، فالسلم يوفر له الكرامة للتنازل ويوفر لنا العزة للقبول، أي أنه يوفر كرامة الطرفين وهما يعملان للسلام الشريف، فنحن المعتدى علينا لا يمكننا أن نتنازل كثيرا من أجل السلام إذا تعارض ذلك مع الحقوق الأساسية لنا.
فالعدو وحده يملك التنازل عما ليس له في الأصل وهو يملك كثيرا مما ليس له أصلا وهو مضطر إلى التنازل حين يكون الوطن قادرا على أخذها غلابا واقتدارا وقوة ولولا ذلك لما سأل عنا أحد في العالم ولا اهتم بنا وبمآسينا، ونحن ندرك هذه الحقيقة ونفهم مقتضياتها جيدا من واقع حقائق الموازين في القوة على الأرض.
إن العدو تذكر وحدة الدم والقربى والعروبة والإسلام وأصل العرب والحضارة فقط حين لسعته وألهبته صواريخنا ومسيراتنا وحين اختبر قوة إرادتنا وبأس عزمنا ومدى صبرنا وتحملنا واستعدادنا للتضحية في سبيل ما نؤمن به من مبادئ وأهداف وحقوق وعقائد، وليس الهدف هنا التباهي وإنما التذكير بالحقائق الأساسية.
لقد اعتادت السعودية في الماضي التأمل مع مرتزقتها من السلطة والمعارضة وكلهم من إنتاج أكياسها ومناوراتها ومؤامراتها، وكانت لا تجد أي مشقة في الحصول على أي شيء تريده حين تطالبهم به، فهم أذلاء أمامها كأي لص وهو يبيع ما لا يملك لسيده وولي نعمته، فهو لا يقوى على معارضته ولا مناقشته وإنما ينفذ فورا ما يريده الولي المنعم صاحب اليد العليا.
وهي الآن تواجه جبلة من الناس اليمنيين من غير الطينة القديمة التي اعتادت عليها والتي كانت تحكم باسمها البلاد وكانت في الحقيقة (سراقة الأرض والبلاد والعباد) وهي عندها الآن في الرياض، ولذلك تجد صعوبة ومشقة وإذلالا شديدا في التعامل مع هؤلاء القوم الأصليين الأصيلين من أهل البلاد والأرض والعرض، ولم تكن تتخيل يوما أنها سوف تجد نفسها وقد جلست إليهم تفاوض في البحث عن مخرج سلم وأن عليها أن تفهم الواقع الجديد وتؤمن به إن أرادت أن تفوز بسلم شريف حقيقي مع اليمنيين، وأن اليمني كائن مقدس لا يقبل الطغيان عليه ولا على الناس الآخرين في الكون الإنساني ولا الافتئات على الحقوق مهما تكن بسيطة وقليلة، فالحق حق والعبرة في معانيها لا في كمياتها ولا التطاول على الكرامة.
نعم كان هناك أناس أوباش باسم اليمنيين باعوا واشتروا وخانوا وظلموا وتجبروا وأفسدوا وضللوا، ولكنهم أقلية أنتجتهم عصور الظلم والظلام والتبعية والاحتلال والوصاية والإذلال، فاسدة مارقة لا دين لها ولا قيم ولا إيمان ولا ولاء لوطن أو لعقيدة أو لدين، وكل الشعوب يظهر فيها مثل أولئك في عصور الانحدار والانحلال والاحتلال، ولذلك عندما يسارع إلى الهرب في المواقع والوقعات وعندما تشجر الأمور والدوائر تحتدم وأغلبهم في الرياض الآن وهي كانت تسمنهم طويلا كعجول الأعياد في أضخم الفنادق، معتقدة أنها تهيئ محاورها الأخرى على مائدة الاحتلال كما يفعل الاستعمار في خواتيم كل حرب يخسرها أمام صمود الشعوب فتأتي تلك الكائنات السمينة المتكرشة لتوقع على أي شيء يريده منها الاحتلال، وهي لا تعرف سوى إجادة التوقيعات، فالأفضل لها أن تذبحهم عندها أو تربيهم فلم يعودوا صالحين للعودة إلى الوطن بعد أن أصيبوا بداء عضال معد وخطير اسمه الخيانة العظمى التي لا تغتفر أبدا.

المفاوضات الجارية.. هل تقربنا من النصر أم تضيع علينا فرص الفوز؟
يجب أن نعلم جيدا أننا نمر في مرحلة تقدم استراتيجي وعسكري وفي حالة هجوم حربي بعد أن كنا في حالة دفاع استراتيجي طوال السنوات السابقة بعد أن حققنا انتصارات استراتيجية على طول جبهات الصراع والحرب منذ خاتمة معارك الحديدة والساحل الغربي وانهيار العدوان أمام الحديدة وتراجعه عبر ترتيب أممي عرف بـ"اتفاقية ستوكهولم" نهاية العام 2018، ثم ترسخ الاتجاه أكثر عندما اتجهت الإمارات إلى التراجع بعيدا إلى نقطة انطلاق الهجوم على الحديدة على ساحل المخا وخسارة معركة الدريهمي التي دفعت العدو الإماراتي إلى أبعاد جديدة من التراجع الاستراتيجي بعد أن تعرضت قواتها ومرتزقتها إلى انهيارات وهزائم كثيرة لم تتوقف حتى أعلنت خروجها من ساحة الحرب في الساحل الغربي واليمن، كما أعلنت بعد سنوات من غرقها في مستنقع الساحل الغربي بأنها تعيد تموضعها ومرتزقتها استراتيجيا، ومعنى ذلك كان انسحابها عن عمق امتد أكثر من 300 كيلومتر إلى الخلف وانسحابها عن الشريط الساحلي الطويل الممتد إلى أبواب الحديدة الهدف المركزي للعدوان الإماراتي السعودي الانفصالي المشترك، وليس من معنى لذلك إلا أن العدوان قد أصيب بانهيارات كبرى وأضحى معلقا بين الهزيمة الشاملة وبين الهزيمة النسبية المحدودة والانسحاب والتراجع خارج المساحة التي احتلها من قبل لثلاث سنوات، وليس من معنى لذلك سوى الانهيار والتراجع إلا أنها وقد أدركت فشلها العسكري والاستراتيجي وأنها غدت محاصرة وأسيرة الحصار على الأرض ومعرضة للتطويق الاستراتيجي وعاجزة عن الخروج الآمن وقطع طريق إمداداتها الوحيد على الساحل الضيق مادام الجيش اليمني يسيطر على كل المرتفعات الاستراتيجية المشرفة على الساحل كله فإنه قادر على الاختراق والنفاذ إلى مؤخرات العدوان من تلك المرتفعات المطلة على الساحل والشريط الضيق الرملي المكشوف والوصول إلى عقد المواصلات الرئيسية الاستراتيجية الوحيدة التي تربطها بقواعدها وقطعها في منتصف الشريط الساحلي يعني نهايتها المأساوية، وهذا هو الواقع الذي دفع العدوان إلى طلب الهدنة والسماح بالتراجع إلى خارج الحديدة ووقف إطلاق النار خلالها وفتح الطريق الرئيسي، وقد أيقن استحالة نجاحه في السيطرة على الحديدة التي كانت مجرد كمين هائل معد بعناية لإغراق العدوان وقواته على أبواب الحديدة وداخلها في حال تقدمه ولم يعد أمامه سوى التراجع والرحيل خائبا وخاسئا ذليلا مهزوما منكسرا.

لقد انكسر العدوان مسافة مئات الأميال ولم يسمح له أن يخرج بأمان إلا بدتخل دولي واتفاقية دولية والتزامات تقيده عن الاستمرار في المغامرة المجنونة التي خسر خلالها آلاف الدبابات والمدرعات والمدافع والبواخر والسفن والبوارج والزوارق الحربية وتم إهلاك عشرات الآلاف من المرتزقة الذين حشدهم من كل بقاع العالم، وتم تدمير عشرات الألوية التي دفع بها إلى الساحل والتي كانت تعد أكثر من ثلاثين لواء من القوات السلفية والقوات الخاصة والعمالقة والمرتزقة الأجانب تحت المظلة الجوية والبحرية الإماراتية السعوية الأمريكية.

لقد أراد العدوان بتلك المعركة الاستنزافية الطويلة أن يرهق قواتنا الدفاعية أمام العاصمة بالدرجة الأولى ليتسنى له أن يشن هجومه الكبير نحو العاصمة اليمنية الصامدة وأن يتقدم داخلها بعد أن يكون قد أجبر قواتنا أن تتركز في الحديدة والساحل الغربي وتضعف تركيزها على جبهة العاصمة، ومن ثم يمكنه إحراز تقدم استراتيجي هناك اعتقادا منه أن الجيش اليمني ولجانه الشعبية عاجز عن المواجهة على جبهتين حربيتين في وقت واحد، واكتشف متأخرا أنه قادر على مواجهة العدوان في أكثر من 50 جبهة حربية في وقت واحد، ذلك أن كتلة الشعب الوطني الثوري المقاتل كله احتشد على خطوط القتال جاهزا باستمرار للمواجهات الشاملة، وقد حل الإرهاق والوهن والتعب الاستراتيجي بالعدوان في نهاية المطاف.

معركة المفاوضات السياسية
إن المواجهات الحربية العسكرية قد أوصلت العدوان إلى منزلق مسدود، خاصة في موقعة أم المعارك الكبرى الفاصلة (مأرب).
لقد أضحت القوات اليمنية على مشارف مدينة مأرب رغم الغارات الجوية السعوية الإماراتية الأمريكية الكثيفة التي لم تستطع إيقاف اندفاعة الجيش واللجان عن مواصلة أهدافه المباشرة وهي السيطرة على مركز العدوان الاستراتيجي الأكبر حول العاصمة اليمنية، الذي يسيطر على آبار النفط والغاز، وكان تقدم الجيش واللجان قويا وحثيثا وخسائر العدوان كبيرة جدا، فإن العدوان قد استخدم أوراق السياسة والمفاوضات والاحتياجات الإنسانية للشعب الصامد ومحاولة إظهارنا كأننا لا نبالي بالشعب وبمعاناته وأننا لا نهتم بالسلام وكأننا نرى الحرب الدائمة خيارنا الذاتي وأننا لا نستطيع العيش إلا في مناخات الحروب كما تروج وسائل الدعاية العدوانية، وكان يجب إعطاء الشعب اليمني الصامد الفرصة لكي يحكم بنفسه على المواقف والتصريحات ومدى جديتها وخاصة وقد تقدمت الوساطة العمانية الكريمة الموثوقة إلى الميدان السياسي لعرض مبادرتها حول الهدنة فكان لا بد أن نوافق على ذلك وقد أبدت عُمان الشقيقة ضماناتها حول السعودية ومدى التزاماتها بشروط الهدنة وهكذا سارت خطوات الهدنة حتى الآن.
نحن نختار المفاوضات حين نجد استعدادا جادا لدى العدو السعودي لأن يتجه إلى التفاوض لمصلحته ولمصلحتنا معا، فلا أحد يذهب إلى تفاوض إلا إن كان يخدم مصالح وأغراض الطرفين وإلا لا حاجة له أصلا، فالعدو السعودي يواجه أزمات عديدة أهمها انهيار حائط دفاعاته الجوية أمام الصواريخ والمسيرات االيمنية وعجزه عن صدها طوال الثمان السنوات الماضية الأمر الذي أجبره على مد يد السلام عبر عُمان للبحث في الملفات الإنسانية أولاً لتكون كشفا لنوايا الطرف الآخر، وهل هو جاد في البحث السلمي أم هو تكتيك مؤقت فقط يريد منه أن يصل إلى أهدافه الحربية بوسائل جديدة، وهذا ما سوف تكشفه الأحداث القادمة، كما أنه يواجه في مأرب تهديدا واضحا بإسقاط المدينة والسيطرة عليها من قبل الجيش واللجان التي شارفت على المدينة الآن وتسيطر على المرتفعات المطلة عليها من خلال السيطرة على البلق الشرقي وهو الخط الاستراتيجي الأخير فوق المدينة، وتتسع إمكانات قوات الجيش واللجان وتتعاظم طاقاتها على التقدم للأمام في نهاية المطاف، فنحن في حالة قوة ولسنا في حالة ضعف عسكري وحربي في الميادين. العدو هو من يعاني الأمرين على الأرض وسيكون عليه أن يسلم مأرب بالسلم إن أراد وإلا فالتقدم هو الخيار الأخير، والآن يستعد جيشنا لهذ الخيار المحتم في النهاية، وهذا الموقف يحدد بوضوح إلى أين تتجه المفاوضات وما هو إطارها الواقعي الراهن ومآلاتها الموضوعية.
بالطبع من المبكر الرهان على إمكانية حسم كافة مسائل الصراع وملفاتها دفعة واحدة، نظرا لتعقيداتها وتشابكاتها مع الأوضاع الإقليمية والدولية ومع قواها المؤثرة في الصراع ومع تناقضاتها وتعارضات مصالحها وتقارباتها أحيانا أخرى.

الملف الإنساني مركز التفاوض الآن
المفاوضات الجارية الآن تدور حول الملف الإنساني وحده بشكل رئيسي، وعلى مدى نجاحاتها العملية يمكن الانتقال إلى الملف التالي وما يليه حسب ما يحققه التقدم في الملف السابق له، وهكذ كل ملف يشكل قاعدة انطلاق للملف الذي يليه، وهذه هي الآلية المتبعة في المفاوضات الحالية التي ترعاها عُمان وتقوم على الفصل بين الملفات وعدم الخلط بينها،  وتفترض هذه الآلية عدم إحداث أي تغيرات استراتيجية في وضع القوات على الأرض وإبقاءها في وضع التوازن السابق، ويعني ذلك عدم استغلال العدوان لوضع المفاوضات الجارية والقيام بأي توسعات في نفوذها العسكري وسيطرتها على الأرض وبقاء القوات حيث كانت في آخر موقف تم عشية الاتفاق على الهدنة بغرض المفاوضات، لأن المفاوضات تشترط احترام الهدنة وتهدئة التوتر والتصعيد بين القوات المتواجهة على الأرض والتي وصلت مستويات التصعيد بينها إلى أعلاها.
الملف الإنساني جوهره المرتبات ورفع الحصار عن الموانئ والمطارات وإطلاق الأسرى ووقف النار وإظهار النوايا الطيبة تجاه كل طرف بحيث لا يحس كل طرف أنه يستغفل خلال المفاوضات وأنها تهدف لا إلى التهدئة الحقيقية وإنما إلى تعديل موازين قوى الآخر وتحسين أوضاعه الحربية فقط.

نقاط للأمل ونقاط للحذر
حتى الآن وخلال تجربة الهدنة السابقة التي استمرت ستة أشهر، فإن نقاطا إيجابية عديدة يمكن الإشارة إليها والبناء بمقتضاها التى تبشر بخير إذا احترمت واستمرت على نفس المنوال وتجنب المسائل السلبية التي تباعد الطرفين عن النقاط المشتركة، وأهم النقاط الإيجابية هي:
1. توفر رغبة لدى الطرفين للبحث في وسائل سلمية للخروج من كارثة الحرب العدوانية ضد اليمن.
2. الاعتراف بمسؤولية الطرف المعتدي والاستعداد لتحمل المسؤولية عن العدوان والحرب ماديا ومعنويا وأدبيا.
فالتوقف طويلا عند هذه النقطة هو جهد مهدور للمعتدي الخاسر عسكريا واسترانيجيا ولا يمكن أن تفلت منه السعوية ومن معها وخلفها فهو ثابت كما هي حقيقة الشمس في رابعة النهار، ولذلك لا يمكن للقيادة اليمنية تجاوز هذا الاعتبار إطلاقا لأهميته المصيرية والأخلاقية والروحية بالنسبة للجانب الوطني المدافع عن أرضه وبلده وحقوقه، ولا يفيد هنا أية محاولات لاستخدام الوكلاء ليشيلوا الشيلة وتحمل الجريمة، فذلك مستحيل ولو دفع لهم الأكلاف ليدفعوها نيابة عنها إلى الطرف اليمني، لأن الموضوع ليس ماليا بقدر ما هو كرامة وروح وأخلاق ومبادئ وشرف وطني.

لقد أضاعت السعودية للأسف، الكثير من الوقت والجهد والإمكانيات والدماء وهي تحاول أن تحتال على حقيقة المسؤولية التاريخية والأخلاقية والمالية، كما حاولت أن تلوح بأنها مستعدة أن تدفع مبلغ مائة مليار دولار تظهر كمساعدات لليمن لا كتعويضات عما فعلته من أضرار وخراب وإهلاك وتقتيل وتدمير، ولكنها لا تريد إعلان ذلك علنا والإقرار به، بل تريد الالتفاف من خلف الموضوع وإلباسه ثوبا قشيبا ليس له من الأساس، تقول لنا تعالوا نتفاهم على أساس أننا نعترف لكم بالسر بما تريدون ونتحمل الأكلاف عنه، ولكن في العلن لا نستطيع إعلان ذلك، لأننا سوف نفقد الكثير من الاعتبار في نظر الشعوب العربية والإسلامية والدولية ويمكن أن تستغله العديد من القوى المعادية لإنزال ضربات هائلة في جسدها لن تقوم منه أبدا، ولكن ما لا تفهمه السعودية ولا تريد أن تفهمه إطلاقا هو أننا لا نقاتلها من أجل أموال أو مصالح خاصة، بل نقاتله دفاعا عن ديننا ومعتقداتنا ووطننا واعتباراتنا وشرفنا ومن أجل كل المعاني المقدسة من الكرامة والعزة والسيادة الوطنية والحرية، وهي قضايا لا تسوى أبدا بالأموال والهبات والعطايا التي تقدم لبلد مازال فقيرا في نظرها وهو في الواقع أغنى منها لولاها ولولا تدخلاتها واحتلالها، فالتخلص منها ومن تدخلاتها واحتلالها ضرورة حياتية ووجودية عقيدية للأجيال اليمنية القادمة ولا فكاك من ذلك أبدا، وهذه مشكلتها وليست مشكلتنا، وكل إصرار على أنها كلية القدرة، جبروتية الإرادة والقوة هو منطق سخيف لا أساس له في الواقع ولا يمكن أن يقبله أحد له كرامة أو عزة، واليمني كرامته أغلى من روحه ومن نفسه ومن حياته.
والنقاط السلبية هي أن السعودية مازالت تمني النفس برهانها على الوقت وأن مروره سوف يؤدي إلى إنهاكنا وإرهاق شعبنا وقواتنا، وأننا سنكون في الأخير أقل صلابة خاصة وهي تراهن على عودة ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة بعد عام ونصف من الآن، وقد سبق أن راهنت على حكم ترامب من قبل عندما كان في طور صعوده الأول، ولم تحقق الكثير بل العكس هو ما حصل فقد تطورت قدرات الجيش واللجان إلى مستويات لم تكن قد ظهرت من قبل، ومع ذلك يمكن الاعتراف بأنها حققت في عهد ترامب مستويات هائلة من التسليح والخبراء والاستشارات وخدمات المخابرات والتجسس والإرهاب والتعمير والاستهداف، ولكن ذلك لم يغير التوازنات لصالح عدوانها وحربها، بل العكس هو ما حصل،  فقد استمر اليمنيون في وضعية المدافع خلال عامي 2018 و2019، وسرعان ما تحول اليمنيون إلى الهجوم بعد أن أنزلوا الكثير من الهزائم بالمرتزقة وقواتهم وسيطروا وحرروا الكثير من المساحات التي سبق للعدوان أن سيطر عليها بداية العدوان.
فأي رهان الآن، لأن ما لم يتحقق ونحن في أصعب الظروف لن يتحقق أبدا في ظل ظروف القوة والعنفوان اليمني والانتصارات، وهناك اعتقاد خاطئ يقيد السعودية ويغل عقليتها السياسية والاستراتيجية في إدارة الصراعات وهو إساءة فهم اليمنيين، وهو ما نراه في مسلسلاتها الأخيرة المسيئة لنا، إنها تجهل حقيقة اليمنيين وفلسفتهم في الصراع وقدراتهم الأسطورية على النصر سواء بالصبر الاستراتيجي أو بالمكاسب على الأرض وخبراتهم الموروثة في جيناتهم وموروثاتهم العميقة التي تضرب في جذور التاريخ الإنساني وأنهم أسبق الناس في الحضارة والدولة والعلوم والحروب الكبرى والفتوحات العالمية والإمبراطوريات، وأنهم يجيدون فن استغلال طاقاتهم وجغرافيتهم جيدا بشكل منسجم، وأن أهم نشاط عرفوه وطوروه هو الحرب والقتال والصراع حتى أصبحوا أساتذة عن حق وجدارة لا ينافسهم فيه أحد باعتراف التاريخ والمؤرخين، وأن كل ما حققه العرب خارج اليمن كان لليمنيين فيه النصيب الأوفر والأكبر ولا تستطيع الأموال والقوة وحدها أن تغير حقيقته.
ومن تجارب وخبرات اليمنيين الطويلة فإن لا أحد غلبهم على أرضهم أبدا سواء الإمبراطوريات أو الجيوش الغازية من الغرب ومن الشرق عبر التاريخ، ولسنا بحاجة لتكرار ما يعرفه العالم كله، وما نحققه الآن من انتصارات ليس مصادفة وليست ضربات حظ تأتي وتذهب دون أن تترك أثرا، بل هي النتيجة المنطقية الحتمية للتاريخ اليمني الحضاري الممتد كأقدم حضارة في العالم أجمع التي تمكنه من أن يصمد وأن يجد في كل وقت ومشكلة الطريقة المناسبة للمواجهة والظفر في نهاية المطاف طال الزمن أو قصر.
فنحن اليمنيين لا نتعب من الحرب العادلة أبدا، بل نعتبرها شرفا لنا وعقيدة من عقائدنا الممتدة في تاريخنا وثقافتنا، فنحن أقدم الشعوب المثقفة المتعلمة المجربة الخبيرة حضاريا واستراتيجيا وفكريا ولا توجد مشكلة ليس لها عندنا حل ناجح، ولذلك لا يمكن لكم أن تهزمونا مهما فعلتم وكل إمبراطورية تحاول أن تكابر وأن تتجاهل حقائق التاريخ فإنها في النهاية تقع ضحية تجاهلها ذلك، وما عانيناه في الماضي القريب إنما كان لحظة من لحظات التاريخ سرعان ما نتجاوزها بشتى الوسائل المتوفرة بين أيدينا وفي بلادنا، فالله الخالق لنا كأقدم الأمم قد وضع فينا قدرات لا نهاية ولا حدود لها، ومنحنا في أرضنا طاقات روحية لا حد لها وفيها الكثير من البركات والقوى التي لا تظهر لنا ولغيرنا إلا وقت الشدائد والنكبات وقت التحديات ونحن لا نظلم أنفسنا ولا غيرنا ولا نستعبد بعضنا بعضا ولا نقاتل إلا بحق وعلى الحق، ولذلك سنظل منصورين ولو بعد حين، وكل عاقل لا بد أن تدله بصيرته إلى سلوك طريق الحق والمعقول والعدالة للمعاملة معنا بكرامة وشرف وإنسانية.
إن الأموال يمكن أن تشتري أشياء كثيرة إلا الشجاعة وروح القتال والعقيدة الحقة والصمود في وجه أهل الأرض وأصحاب القضية العادلة، ولذلك فإن الاستعمار يقوم على استراتيجية الحروب السريعة والخاطفة غير الطويلة لكن مرت السنوات دون أن يحقق أهدافه من البداية ويقترب من الكارثة كلما مرت السنوات ومضت الأزمان وعلى العكس من ذلك يكون صاحب الأرض وأهل الحق.
والأدلة على تلك الحقيقة هي ما تشاهده أمامها في تاريخ البلاد والشعوب الأخرى في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبلاد العرب والمسلمين، ومنها يمكن أن تعتبر وتتعظ لو أرادت أن تتبصر في حياتها وسياستها ومواقفها وأن تحقق استقرارها وسلامها في داخلها وخارجها، فالسلام لا يتحقق لها بالاعتداء على الغير والجيران والمستضعفين في الأرض مهما فعلت.

لنسأل أنفسنا: المفاوضات السياسية الإنسانية الجارية إلى أين؟ وهل توصلنا إلى ما يقربنا من النصر؟ وما الذي يرتجى منها؟ وما تحقق منها على الضفتين؟ وما هي الخلفية السياسية والاستراتيجية للعدوان والتي دفعت إلى هذ المسار وأجبرت الطرفين على التفاوض الثنائي المباشر؟ وهل يمكن أن تؤدي إلى مخرج من العدوان والحرب الإمبريالية التي فرضت على شعبنا طوال الثمان السنوات وهي تلج عامها التاسع قريبا؟ وهل ستؤدي إلى التفاوض السياسي والعسكري بعد التفاوض الإنساني باعتبار أن الملف الإنساني يقدم للطرفين المتفاوضين إمكانية تقدير نوايا الطرفين؟ وما هي أهدافهما المباشرة والبعيدة ومدى جدية اجتياز هذا الطريق الطويل للوصول إلى السلم المشرف القائم على العدل والسيادة والاستقلال التام والوحدة الوطنية وإنهاء التبعية والتدخل الأجنبي السعودي الأمريكي الإماراتي البريطاني واحترام الشأن اليمني الموحد وعدم التدخل في الشؤون اليمنية واسترجاع الحقوق اليمنية أيا كانت ومهما تكن الصعوبات الماثلة أمامها؟
تلك هي الأسئلة الملحة التي تشغل بال شعبنا ومثقفينا وكل المهتمين بتطور الشأن الوطني والتوصل إلى السلام المشرف القائم على العدل والسيادة الوطنية والحرية والاستقلال والحقوق والإنصاف.

مفاوضات مباشرة بين طرفي الحرب
وقد تواصلت المفاوضات بين السعودية كرأس وقيادة للعدوان على اليمن وبين الوفد الوطني المفاوض برئاسة محمد عبدالسلام، وقد تواصلت المباحثات طوال الأشهر الثمانية المنصرمة منذ شهر أبريل الماضي، وقد تركزت حول الملف الإنساني المتمثل في مرتبات العاملين والموظفين المدنيين والعسكريين وفتح المطار أمام الرحلات الجوية وفتح الميناء أمام الملاحة والتجارة ورفع الحصار الجوي والبحري ودفع تكاليف العدوان وأغرامه الإنسانية من خلال التعويض المالي عن كل ما تسببت به الحرب العدوانية التي شنتها على اليمن طوال الثمان السنوات على رأس حلف عدواني كبير مازال يحتل أقساما كبيرة من بلادنا، وكان هذا الإطار هو القسم الأول من مشروع كبير يتناول وقف الحرب وإنهاء العدوان والصراع ومغادرة كافة القوات والقوى الأجنبية عن اليمن بشكل كامل بوساطة عُمانية مشكورة وتحظى بثقه اليمن.
وقد حبس اليمنيون أنفاسهم طويلا وهم يسمعون الأخبار الشحيحة عما يجري سرا في عُمان والأردن من مفاوضات ومباحثات، وقد أكد الجانب اليمني على جملة من المبادئ العامة التي ذكرناها في السابق، وهي أن صنعاء وحكومتها وقيادتها هي الممثل الشرعي الوحيد للسيادة اليمنية الوطنية المدافعة عن الأرض والعرض.
إننا لا نعترف بحكومة عدوان ولا بشرعيتها ولا بأي شكل من أشكال شرعنة العدوان ولا بأن العدوان جاء بطلب من شرعية مدعاة لا ندري أين هي وأين موقعها في كيان العدوان، ولا يعنينا ذلك، فهي مجرد أداة من أدوات العدوان وتنظيم إداري من تنظيماته ونتيجة لأوامر السعودية وأسيادها وقراراتها.
إذا كانت الحرب العدوانية قد انطلقت من السعودية ومن واشنطن كما أعلنت دون علم من قبل من سموه "الشرعية" إلا بعد وقوعها وقد أسكنوه أحد فنادق العاصمة العدوانية ليوقع لهم على ما يريدون من توقيعات ورقاع كلما اعتدوا على مكان في اليمن أو غزوا منطقة فيه، وقد صوروه كثيرا ليرى الرأي العام أنه هو من يدير الحرب العدوانية لكي ترميها السعودية في النهاية على غيرها للهروب من المسؤولية الجنائية التي لا تسقط بالتقادم حسب القانون الدولي، ولكنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا بعد ثمان سنوات من الصراع الضاري الدموي الذي خاضته قوى العدوان من جهة وقوى الوطن من جهة أخرى، ومازالت الحرب مستمرة، ولو استمرت الهدنة الإنسانية فإنها لا تنهي الحرب والصراع وإنما تنقله إلى الميدان السياسي التفاوضي بعد أن فشلت محاولات المعتدي دحر الجانب اليمني الوطني المدافع وإجباره على القبول بشروط العدوان واشتراطاته التي تريد ترسيخ سيطرة المعتدي على المصير اليمني وعلى الكرامة الوطنية والسيادة والحقوق المسلوبة تحت ظل التهديد بالمزيد من العدوان ومزيد من الحصار والتجويع، وقد سقط ضحية الطغيان العدواني السعودي الأمريكي والدولي إلى الآن أكثر من نصف مليون ضحية من أبناء الشعب اليمني نتيجة الحصار والمنع والتجويع والحرمان والقصف والتقتيل العشوائي بغير رحمة أو خجل.
وكان للحرب أن تستمر على الوتائر اللاإنسانية دون أن يلتفت إليها أحد من العالم المتحضر والإنساني الزائف، ولو استمرت عشرين أو ثلاثين عاما فلا مشكلة لدى المجتمع الدولي الذي تسيطر عليه نزعة النفاق والكذب والظلم وخدمة القوى الاستعمارية وسماسرتها وجبابرتها وأن كثيرا من البلدان مازالت إلى اليوم تخاض الحرب ضدها منذ أكثر من نصف قرن دون توقف، ولا أحد في الغرب يسأل عنها أو يهتم بها أو يحرك ضميره الحضاري مادامت تحقق الأرباح المطلوبة للشركات والاحتكارات الكبرى، وما الذي يجري، لا يهمها مادامت تحقق أهداف الإمبريالية الأمريكية الإجرامية وحلفائها، وليس مثال أفغانستان وفلسطين ولبنان وسوريا وإيران ببعيد عنا.
فبعد عشرين عاما من العدوان على ذلك البلد الإسلامي الفقير الجائع وبعد أن أرهق المعتدي ووكلاءه وقهروا وفشلوا فقط تذكر أخيرا أن هناك حربا يخوضها عبثا ولا تحقق أهدافه بعد الآن، لذلك يريد الخروج منها ويسلم البلاد لأهلها الذين قاتلهم عشرين عاما، فقط يريد أن يتمكن من الخروج ويعود ساحبا أذياله المهزومة الذليلة الشبيهة بمصيره في فيتنام منتصف سبعينيات القرن الماضي.

لماذا يأتي المعتدي إلى ديارنا؟
فلماذا جئت إذن أيها المعتدي الغازي؟ إذن لقد جاء المعتدي الأمريكي عندما ظن أنه يستطيع أن يفرض منطقه الاستعماري بقواته العسكرية وتحالفاته العميلة وقدراته المالية، وأنه يستطيع السباق على المنابع النفطية شمال أفغانستان وأن يستولي على طريق الغاز القادم من بحر قزوين بعد تفتت الاتحاد السوفيتي السابق وتشظي قومياته ودوله العديدة التي خرجت من الاتحاد وأصبحت دويلات متفرقة سهلة وضعيفة أمام أطماع الغرب ودوله ووكلائه.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت هيمنتها العالمية لبعض الوقت وبادرت لاحتلال الأراضي واستباحتها، وقد عينت نفسها شرطية العالم وشيخه الطاغية الوحيد الواجب الإطاعة وبالقوة، وأرادت كما قالت أن تحاصر روسيا والصين وإيران وسوريا والعراق ولينان المقاومة وفلسطين الثورة، وأن تحتل بلدان المنطقة حسب خطط بوش ورامسفيلد الغريبة التجديدية، وكما فعل الأمريكيون بالغرق في مستنقعات جنوب فيتنام في الستينيات حتى السبعينيات لمدة عشر سنوات، فقط نقلت أمريكا من الدولة الأغنى والأقوى في العالم إلى دولة هي الأكثر مديونية والأكبر هزيمة في العالم.

إن قوى العدوان لا تجلس إلى الطاولات إلا بعد أن تلفظها الميادين ولا تتذكر السلام إلا بعد أن تدميها نصال الحرب، أما وهي تتقدم في الحرب فلا تعرف السلام ولا معانيه ولا تنتبه إلى أواصر القربى والدين والعروبة، بمعنى أنها لم تأت إلى السلام إلا بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها بالحرب والمعركة العسكرية فتتجه نحو اتباع مسارات سياسية مؤقتة وهي مضطرة إلى تخفيف التصعيد حتى تعيد ترتيب أوراقها وقواتها، وهذا ليس سرا ولا عيبا، فكل القوى تطلب مثل هذه المسارت في ظروف معينة من الحرب، وحين تتعب من المواجهات في الميادين الحربية وبعد أن تتأكد أنها خاسرة لمعاركها فتحاول أن تتلافى نتائجها قدر الممكن للتسويات المرحلية.
وقد أوضح خطاب القائد العام للثورة اليمنية السيد العلم أبو جبريل بمناسبة يوم الشهيد قائلاً: إننا في مرحلة خفض التصعيد وأننا في حرب مازلنا ولم ينته العدوان والحرب علينا وأن هناك انفراجة مؤقتة حاليا في الجوانب الإنسانية فقط".
وهذه هي طبيعة الوضع الراهن للعدوان والحرب، الحرب مستمرة والعدوان مستمر، ولكن تخللته مباحثات سلمية حول الجوانب الإنسانية، فإن صدقوا ونفذوا الاتفاقات كان شيئا جيدا وإن حاولوا استغلال الفرصة وتحقيق نتائج القوة فإننا جاهزن للعودة إلى القتال بصريح العبارة. "يد تفاوض ويد تقبض على الزناد"، تلك هي جوهر المرحلة كما وصفها السيد القائد العام للثورة.
هي لحظة خفض تصعيد مؤقت بهدف إنجاح المحادثات بوساطة عُمانية حول الملف الإنساني أي الأسرى والموانئ والحصار الجوي والبحري ورفعهما، وفتح الموانئ ودفع المرتبات باعتبارها مفتاح القضية الحالية برمتها وهي غايتها وقف العدوان ورفع الحصار وإخراج القوات الأجنبية من بلادنا وتحقيق الاستقلال والحرية، والتقدم خطوة خطوة نحو الملفات التالية العسكرية والأمنية والتعويضات، وأي تعثر في خطوات الملفات الإنسانية وما بعدها سوف يعيدنا إلى المربع الحربي الأول.
أي أن الحالة هي أننا نفاوض بيد واليد الأخرى على الزناد ونستعد للحرب والمعركة في أي وقت، وهناك الوساطة العُمانية ذات قيمة كبيرة بالنسبة لنا، لأننا نثق بها جيدا ونترك لها الفرصة لكي تنجح لمصلحة الطرفين، ونحن حريصون أن نحقق لشعبنا بعض الانفراجات ولو كانت جزئية فهي مفيدة لهم ولنا وسوف تفيدنا في المستقبل بالمزيد من الصمود والاستعداد، فيجب ألا تأخذنا الأوهام ولا نقع في حالة التشاؤم الزائد والتفاول المتطرف فكلاهما ضاران، وإنما نكون واقعيين ويقظين ولا ننسى طبيعة العدوان وأهدافه، ولا نتأثر بحملات الغسيل العقلية التي تطلقها أبواق العدوان وتوابعه ومحللوه المتوهمون البائسون والنائحون على مصيره، وإنما نتسلح بالثبات والوضوح واليقظة والهدوء والسكينة وعدم التشنج والعويل، ففي أي وقت يمكن أن تنهار المباحثات والحجة على العدو.
ولكن، لماذا اضطرت السعودية إلى الجلوس على طاولة مفاوضات واحدة مع أنصار الله أخيراً بعد أن ظلت تمتنع عن الاعتراف بهم طرفا رئيسيا في الحرب وتنكر مسؤوليتها عن العدوان وتنكر أنهم القوة التي تحاربها في اليمن وأنهم القوة التي تعوق تقدمها لتحتل اليمن والسيطرة عليه وعلى ثرواته وتكبدها الهزائم في جميع الجبهات التي تربو على خمسين جبهة حربية طوال ثمانية أعوام من العدوان والحرب لم تجن خلالها سوى الهزائم والإخفاقات والانهيارات الحربية والسياسية والاستراتيجية.

الزمن السعودي الأسود في اليمن
أولاً، يجب أن نعرف أن السعودية كانت هي المسيطرة على اليمن طوال نصف القرن الماضي، وكانت هي المتحكمة بالقرار اليمني منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967، وهي التي تسيطر على الحكومات، وتم هذا بشكل رسمي في "اتفاقية جدة" عام 70 وحتى ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014 كانت هي الحاكم الفعلي على البلاد، والنتيجة هي أن حكام البلاد منذ ذاك الوقت قد باعوا رسميا البلاد للسفارتين السعودية والأمريكية مقابل الدراهم، وهم المتكالبون عليها بشكل متوحش بكل معنى الكلمة ومنذ ذاك التاريخ كانت البلاد مستعمرة سعودية أمريكية حقيقية، وكانت الحكومة عالة على السعودية التي كانت بموجب مطالب الحكومة المسخ التي عينتها هي، والتي لا تتوقف وهي التي تنفق على الحكومة والدولة اليمنية بشكل كامل بمبالغ وصلت سنويا إلى 300 مليون ريال دون توقف حتى صعود البترول وتحسن الدخل الوطني نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ومع بداية الوحدة اليمنية كانت موارد الدولة السيادية مستباحة لشيوخ القبائل والضباط والسياسيين التابعين للسعودية المسجلين في قوام الجيش السري السعودي الحاكم لليمن عبر اللجنة الخاصة الأمنية التابعة لوزارة الدفاع السعودية ومخابراتها العسكرية التي يشرف عليها وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز بن سعود وهو المسؤول عن ملف اليمن في القصر السعودي الحاكم.
وكانت السعودية تنفق تلك الإنفاقات الهائلة على الكيان اليمني ليس حبا في اليمن واليمنيين إنما كانت حريصة أن تظل البلاد تحت سيطرتها سياسيا واستراتيجيا وجغرافيا وجيوسياسيا لإحباط أي تقارب مع الجنوب اليمني اليساري الثائر المعادي للأمريكيين والصهاينة والسعودية باعتبارها العدو التاريخي لليمن، حسب تقييمات اليسار الوطني والقومي.
ولمنع قيام حكومة مستقلة ووطنية تفتش السعودية مجددا في وضع ومصير "اتفاقية الطائف" المؤقتة بعشرين عاما التي جارت على الحقوق اليمنية واستلبتها في الثلاثينيات تحت الهيمنة العسكرية وتحت ضغط الغلبة الحربية بدعم أمريكي بريطاني واضح ومكشوف في الميدان واحتلالها الأراضي اليمنية تلك بواسطة مؤامرات استعمارية عديدة لم يدركها الحاكم اليمني آنذاك، وكانت تلك الاتفاقية قد قاربت على النهاية بعد مرور أكثر من أربعين عاما، ومن ثم صار همها الرئيسي هو توقيع ترسيم للحدود بشكل نهائي، بمعنى تحويل الاتفاقية المؤقتة تلك إلى وضع دائم بإسقاط كل الحقوق اليمنية عبر الكثير من الرشاوى والمال السياسي والإفساد لجهاز الدولة والحكام والمسؤولين في البلاد وتكوين تكتل حاكم تابع للسعودية يأتمر بأمرها بدءا برئيس الدولة نفسه وكبار قادته ومشائخ البلاد ورجالاتها وضباطها وفقهائها وعلمائها، وضمت اللجنة الخاصة السعودية خمسين ألف شخصية تدفع لهم رواتب شهرية وسنوية وهبات وعطايا منتظمة لا تتوقف بهدف أن يلتزموا بسياسة تخدم مصالح السعوية وحدها، وأن يقضوا على أي مسؤول أو حاكم يخرج عن طوعها ويعزلوه أو يقتلوه وينقلبوا عليه بدعم المال والسلاح والنفوذ السعودي، وهذا ما فعلوه مع الرئيس السلال والشهيد الرئيس المغدور إبراهيم الحمدي والرئيس الإرياني ورئيس الحكومة السابق محسن العيني والرئيس عبدالفتاح إسماعيل والزعيم علي عنتر قائد الجيش في الجنوب وصالح مصلح وزير الدفاع وعلي شائع هادي وزير الأمن في الجنوب، ومع آلاف القيادات الجنوبية الوطنية التي تمت تصفيتها بأوامر وتغطية سعودية.
كما فعلوا مع أفضل قادة الجيش اليمني الجمهوري في صنعاء، مثل عبدالرقيب عبدالوهاب ومحمد حمود وناجي سعيد ومحمد صالح فرحان والقائد علي مثنى جبران ومع آلاف القادة الجمهوريين الذين تمت تصفيتهم طوال العقود الثلاثة بواسطة أدوات السعوية ومخابراتها وعملائها.

كانت اللجنة الخاصة الأمنية السعودية هي الاسم الرسمي للمنظمة السرية السعودية التي تضم جواسيسها وعملاءها ورجالتها في اليمن، وتستلم المرتبات عبرها وعبر السفارة السعودية في صنعاء وهو وكر الجواسيس السعوديين من اليمنيين، وتتسلم منهم التقارير الأمنية عن كل خطواتهم وأنشطتهم وأنشطة الأجهزة اليمنية وعن القوى السياسية المناوئة للسعودية ونفوذها في اليمن، وعن الجنوب وقيادته وحكومته وجيشه وكل خطواته عبر الجواسيس المنتشرين في مؤسساته هناك وعبر الأجهزة الأمنية الشمالية في صنعاء وعلى الحدود عبر المنظمات الإرهابية المنتشرة على حدوده وداخل الحدود.

كما تتسلم منهم التقارير حول الحكام والقادة بمن فيهم الرئيس نفسه، وتراقب جميع اليمنيين التوابع لها وعن أنشطتهم وكل تحركاتهم ليبقوا تحت أعينها دوما عبر تكليف كل واحد بمراقبة الآخر دون استثناء حتى يمكنها في أي وقت أن تتلاعب بالتناقضات والمشكلات والخلافات القائمة بين قيادات الدولة التابعة وإسقاط من تريد وإبقاء وتصعيد من تريد حسب أهدافها ومصالحها هي وليس طرفا آخر، ولا تسمح بإمرار أي قرار داخلي أو تعيين أو ترقية أو تغيير إلا عبر سفيرها باعتباره المدير التنفيذي الميداني للجنة الأمنية الخاصة، الجهاز المركزي الأعلى للسلطة في صنعاء واليمن ورمز سيادتها وتسيدها، ويبقى الرئيس الشكلي والصوري هو منصبا مظهريا للجمهور وللظاهر، أما في الحقيقة فإن السفير هو القوة المتسيدة وصاحب الكلمة الوحيدة الأخيرة النافذة حول أي قرار أو أي أمر لتعيين أي شخص في أي منصب من المناصب الهامة في الدولة.
وتلك الفترة يقف إزاءها الكتاب الرسميون للنظام والذين لا يريدون إغضاب شقيقتهم الكبرى ومصدر الرزق والنعمة، فإنهم يقفون مشدوهين إزاء تلك الحقبة ويبحثون عن تخريجات تلائم الأحوال والمهم أن يتجاهلوا تلك الحقبة التبعية المطلقة البغيضة وكأنها لم تكن في التاريخ فيلقون عليها بعض الظلال والألوان والأصباغ التجميلية لأنهم كانوا جزءا أساسيا منها ومن موائدها.

الإقطاع السعودي في اليمن
كانت السعودية تمارس نوعا من الإقطاعية في حكم اليمن وذلك أنها تسلم الموارد المحلية للدولة من ضرائب وجمارك وإيرادات وهبات ومساعدات وغيرها وكلها تسلم إلى جيوب المسؤولين بأشكال مختلفة، والسعودية تدفع هي ميزانية الدولة والإدارة والحكومة والمرتبات والميزانيات التنموية وغيرها من مصروفات كلها تأتي من هبة السعودية السنوية التي كانت تقدر بحسب صرفيات العام السابق ونهاياته تقوم متطلبات العام الجديد كميزانية مفتوحة تؤكد على إبقاء اليمن محتاجة دوما للسعودية، وتجند المسؤولين اليمنيين الذين يهبرون كل الموارد المالية إلى بطونهم وجيوبهم ثم يهمون لاستلام المرتبات الخاصة من السعودية ولجنتها الأمنية الخاصة، وهكذا كانت السعودية تسيطر على اليمن وحكامها بوسائل عديدة في وقت واحد بهدف إحكام الطوق على كل شخصية مسؤولة، إذ تحولها إلى رأسمالية تجارية وثرية طفيلية كبرى في غضون أيام فقط، وهي أسرع عملية للترسمل في العالم كله.
وكان الهدف الاجتماعي هو تخليق طبقة مالية ثرية معتمدة كلية على المال السعودي وعلى النفوذ السعودي الواسع الذي يخترق كل مجال دون مقاومة، وكانت تلك أهم آلية ناعمة للسيطرة قبل استخدام السلاح والعنف والضغط عند الضرورات بعد أن تستنفد الوسائل الإغرائية الناعمة المريحة لكل الأطراف، أما الشخصيات التي يمكن أن تعارض النفوذ السعودي فقد بنت السعودية أكبر سجن في تاريخ اليمنيين يتسع لعشرات الآلاف من المواطنين وعلى مساحات هائلة من الأرض وهو ما عرف بالسجن المركزي الكبير وهو أشبه بسوق مركزي كبير وهو مكون من سجون عديدة في أسوار مشتركة منه سور للسجن السياسي وسور وسجن خاص بالسجن الجنائي وسور سجن خاص بالنساء.

تسيد أجنبي طويل
إن تسيد هذه الهيمنة السعودية المباشرة استمرت طويلا وطويلا جدا حتى صارت أمرا مألوفا وعادة بيروقراطية يومية تفرض على الناس أن يعتادوا عليها ويتعايشوا معها، لأنها الوضع الطبيعي للبلاد حتى صدقها الكثير من الزعماء والقادة المغفلين والمضللين والبائسين اليائسين وأدعياء السياسة وأهل الشوكة وأهل الحل والعقد والربط والإرخاء وكأنها الحقيقة الكبرى التي لا مفك منها ولا معد ولا مفر منها، قدر الأقدار ومصير اليمنيين المحتوم، وخاصة بعد محاولات عديدة للتخلص من الوضع القائم كانت تفشل وتخفق وتنتكس ويليها الدماء والرؤوس التي تقع وتباد بلا رحمة وترمى إلى غيلان السلطة المتغولة التابعة العميلة الحامية للاستبداد والفساد والإفساد، وكم من ضحايا سقطت على مذبح الحرية والثورة والجمهورية الشعبية الحقة طوال نصف قرن من الكفاح الضاري غير المتكافئ بين قوى الشعب المقهور وبين قوى الارتهان والرجعية والاستبداد والتبعية.
وكذلك بنت السعودية مبنى سجن سياسي ومخابرات سياسية عملاقا ومتسعا وضخما ومتينا وحصينا واعتمدت له ميزانيات ضخمة في منطقة حدة يتسع تحت الأرض لآلاف المساجين السياسيين الوطنيين حيث تجري فيه كل أنواع التعذيب الحديثة وعبر إشراف مدربين وخبراء أمريكيين وبريطانيين وألمان وغربيين في فنون التحقيقات لانتزاع المعلومات من الأعداء والخصوم، وكان هذا خلال قيادة محمد خميس وبعد اغتياله من حكم صالح تم تعيين غالب القمش رئيسا لجهاز الأمن السياسي والمخابرات الدولية واستمر حتى سقوط صالح، وهو أكثر شخص قاد هذا الجهاز لعدة عقود، لأنه كان مدعوما من اللواء علي محسن الأحمر والشيخ عبدالله الأحمر شيخ حاشد القبيلة اليمنية المحظوظة الحاكمة المتحالفة مع السعودية مباشرة كاحتياطي عسكري واستراتيجي للسعودية، وهو ما كشفه تصريح الملك عبدلله الإنذاري في العام 2011 خلال مواجهات الحصبة بين عيال الأحمر وعلي محسن مع قوات الحرس الجمهوري الصالحي، مما دفع صالح إلى سحب قواته من الحصبة وعودتها إلى معاقلها في منطقة الرئاسة ومحيطها، حيث كانت في السابق، وتدخل الملك عبدلله آنذاك مباشرة وأمر صالح بأن يسحب قواته الحكومية من قرب منازل شيوخ حاشد والفرقة الأولى مدرع، وقال بأن بينه وبين قبيلة حاشد وشيوخها عقد تحالف استراتيجي وعلينا واجبات إزاءها، كما أن عليهم واجبات إزاءنا، وكان معنى ذلك أن قبيلة حاشد وشيوخها وحلفها السياسي والعسكري هي تابعة للسعودية وتهمها وتحقق أهدافها وتحمي أمنها الاستراتيجي، وفي المقابل يحمون أمنها، وفي هذ التصريح العلني لملك السعودية الكثير من المضامين والمعاني.

علاقة السعودية بشيوخ بيت الأحمر وقبيلة حاشد تكشف طبيعة الآلية الاستراتيجية التي كانت السعودية تسيطر بها على اليمن وتدير بها حكوماتها وأطرافها المختلفة المتعددة المتصارعة دوما بفعل مناوراتها ومؤامراتها، وهي حريصة ألا تتفق تلك الأطراف حول أي أمر، بل تظل مختلفة في ما بينها بتحريض دائم من قبلها وعملائها بحيث تنتهي إليها وحدها أزمة الأمور ونهايات القضايا والفصل فيها وتحقق أهدافها هي أولاً وأخيراً.
ويقول القائد الوطني الكبير اللواء نصار الجرباني، وكان شخصية قيادية في شهادته العلنية في مقابلاته مع الإعلام خلال أحداث فبراير 2011، إنه اطلع على كشوفات ومعلومات إحصائية لعدد من قتلهم النظام واغتالهم غيلة من الوطنيين خلال حكمه تبلغ أكثر من 150 ألف مغدور وشهيد، وهذا غير ضحايا الحروب الرسمية كحرب الجنوب وصعدة والمناطق الوسطى وغيرها فتلك لها إحصائياتها الأخرى وهي تفوق هذا العدد بكثير.

إن كل هذا الإهدار للدم اليمني كان يجري بتوجيه وشراكة مباشرة للسعودية وأجهزتها وقواتها، ويحضرنا هنا واقعة هامة أشار إليها القاضي الإرياني في مذكراته ومقابلاته بعد عزله بأوامر سعودية، قال إنه رفض أن يوافق على شق السعودية طريقا من نجران إلى الوديعة المحتلة واحتلال الربع الخالي اليمني وأنه كان قد رفض التوقيع على إعدام قائمة طويلة من المطلوبين من اليساريين الوطنيين والقوميين قدمت إليه من السعودية لكي يوقعها وينفذها، لكنه توقف ولم يستطع أن يلبي أوامرها تلك وأنها عمدت بعدها إلى إزاحته عبر التحريض عليه عبر الشيخ عبدالله الأحمر وسنان أبو لحوم وكيليها في اليمن وخاصة الشيخ الأحمر شيخ حاشد ورئيس مجلس الشورى الذي كان بمثابة المندوب الأول للسعودية في اليمن، وكان له وضع خاص مع المملكة فهو هراوتها الباطشة بكل من يرفض الإرادة السعودية علنا وبصراحة لا لبس فيها ولا خجل، وكان يقول لكل من يذكره بأراضي اليمن التي تتوسع فيها السعودية إنها مجرد تراب ورمال ولا قيمة لها مقابل ما تعطيه السعودية من أموال وهبات، وكان هو يتسلم كما اعترف هو لإذاعة "بي بي سي" البريطانية، مبلغ 33 مليون ريال سعودي له شخصيا خدمة للأمن السعودي، كما قال هو نفسه، هذا كان في الثمانينيات، وقد ارتفع هذ الرقم إلى أضعاف في التسعينيات وبعدها إلى عشرات الملايين من الدولارات هو وأولاده ومثلهم اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع، وقائد المنطقة العسكرية الشمالية والغربية، وقائد الحروب الضارية ضد الشعب في الجنوب وفي صعدة.
وفي مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم وغيره الكثير من الاعترافات الشائنة بوضع أولئك الذين كانوا يسمون رجالات اليمن وكباراتها بينما هم مجرد أزلام للأجنبي والاحتلال.

من كان يحكم اليمن؟!
كانت تحكم اليمن اللجنة الأمنية السعودية الخاصة، ولم يكن رئيس الدولة إلا موظفا أجيرا صغيرا لديها وفي قوام لجنتها الأمنية الخاصة وبراتب شهري مثل بقية الجواسيس والخدم والعملاء مع مراعاة بعض الشكليات الجانبية ورفع مقدار الراتب بحيث يكون مجزيا ومغريا وضمانا للوفاء، ومثله كبار الشيوخ ورؤساء الحكومات وكبار قادة الجيش ورؤساء الأركان وقادة الألوية وقادة الفروع والأسلحة الأساسية والمدارس والكليات العسكرية ومدراء أجهزة الأمن والمخابرات وقادة القوات العسكرية والأمنية والخاصة، وغيرها مما يخشى بأسه وأهميته حيث تغدق السعودية عليهم بشكل خاص حتى يعيشوا كأمراء في النعمة غارقين فلا يعصون لها أمرا ولا يخالفون لها إشارة أو مطلبا، ونعرف الآن أن العدوان يواجه استحقاقات داخلية وخارجية لا مفك منها ولا مهرب مهما طال الوقت أو قصر في إطار تحولات الإقليم والعالم وتوازناته الجديدة وفي ظل تحولات الحرب الوطنية التحررية التي يشنها شعبنا وقواتنا الثورية الشعبية المسلحة وجيشنا الوطني الحر الثوري منذ بداية العدوان الأجنبي على ثورتنا وشعبنا وعلى بلادنا ومصيرنا وعقيدتنا وهويتنا.

مقدمة
وهناك مجموعة من المقدمات الموضوعية والتاريخية التي يجب أن تكون في مقدمة المشهد الاستراتيجي السياسي الحالي على الرغم من إنكار الكثير من كُتاب العدوان وحلفائهم في مقابلاتهم ومدوناتهم ومواقفهم وإعلامهم حدوث هذه المفاوضات المباشرة وغير المباشرة عبر الوسيط العُماني وغير العُماني.
وهؤلاء مهووسون بالإثبات بأي طريقة أنه لا يمكن أن تتم مفاوضات إلا مع الجهة "الشرعوية" من الصراع أي معهم وحدهم لا سواهم ولا يمكن أن تتم من قبل السعودية مباشرة أو غير مباشرة ولا يمكن أن تتم نديا مع أنصار الله وحكومة صنعاء الحرة المستقلة أبدا، لأن ذلك في نظرهم يعني أنهم ليسوا أصحاب قرار ولا قضية حقيقية ولا استقلال، كما يعني أنهم عجزوا عن إجبار الطرف اليمني على أن يخضع لإرادتهم ولإرادة العدوان الأجنبي القائم، وأنهم عجزوا في الميدان عن إخضاع الطرف اليمني الصامد على التخلي عن حريته واستقلاله ومطالبه الوطنية والإنسانية والقانونية العادلة، إنهم كالأطفال الصغار المدللين المشاكسين من أجل لا شيء، المهم هو أن يسمع صوتهم في الفضاء الافتراضي، وهم يعرفون حقيقة الحالة التي هم فيها، ولكنهم يتدللون، وهؤلاء هذه الأيام يواجهون أزمة داخلية شديدة الوطأة عليهم وعلى مناصريهم وجمهورهم المضلل الذي واصلوا تضليله طوال السنوات السابقة بعد أن استسلم لهم مضللا ومخدوعا ومجبرا خاصة ذلك الجمهور الواقع في جغرافية الاحتلال الراهنة، والذي بدأ يتململ غاضبا الآن بعد انتشار أخبار المفاوضات الثنائية المباشرة بين قيادة العدوان والقيادة الوطنية واستمرار الهدنة أكثر من ستة أشهر ومازالت مستمرة بعد انتهائها رسميا واستمرارها موضوعيا ضمن تفاهمات مشتركة دون الحاجة إلى اعلان جديد.
وما يجب تأكيده في هذ المقدمة الأولية هو أن التفاوضات مستمرة طوال الثمانية الأشهر ومازالت، وقد تمخضت إلى الآن عن تقدم في الملف الإنساني دون أن تعلن رسميا تلك التقدمات بشكل رسمي، لكنها قد أكدته بطرق عديدة أهمها التسريبات إلى الصحافة والإعلام في البلدين المتفاوضين المتخاصمين المتحاربين أي اليمن والسعودية.

فشل محاولة السعودية فرض وكيلها ليحكم اليمن بخسارتها الحرب العدوانية
نعرف الآن أن السعودية قد حاولت لسنوات طويلة أن تفرض على الطرف اليمني أن يتفاوض مع الطرف العدواني التابع المحلي المرتبط بالعدوان السعودي الأمريكي، الذي هو جزء منه وليس مستقلا عنه، بل هو امتداد لأدواته وأجهزته الأمنية وأذرعه الاستخبارية والعسكرية والسياسية، وهو امتداد للجنة الأمنية الخاصة السعودية التابعة للمخابرات العسكرية السعودية وجهاز المخابرات السعودي الذي من خلاله حكمت السعودية اليمن طوال خمسين عاما تقريبا حتى أسقطت هيمنتها في ثورة 21 أيلول/ سبتمبر عام 2014، حين هبت الجماهير اليمنية بقيادة أنصار الله لإسقاط التبعية وحكومتها ونظامها في ثورة شعبية عارمة شارك فيها الملايين من اليمنيين، ثورة سلمية لم تطلق فيها طلقة واحدة رغم استهداف المتظاهرين بالرصاص الحي من قبل أتباع السعودية من الفرقة المدرعة الأولى و"القاعدة" و"داعش" ومليشيات الإخوان والوهابية السعودية المسلحة بقيادة الأحمرين علي محسن وحميد الأحمر ومن إليهما من أتباع السعودية الأمريكية.
ولم يكن الاستقلال ممكنا إلا باستلام السلطة الحكومية كاملة من النظام القديم وتدريجيا بالوسائل المختلفة الممكنة آنذاك، متجنبا التورط في مواجهات أهلية بين اليمنيين أملا في تحقيق الأهداف الوطنية بالوسائل السلمية قدر الإمكان، وقد اتبعت قيادة الثورة أساليب طويلة مرنة ومعقدة معا لتحقيق الأهداف الشعبية للثورة المباشرة أولا.
ولذلك فإن الثورة في البداية قد قبلت تدريجيا التعايش مع رأس النظام القديم بعد توقيع "اتفاق السلم والشراكة" والاعتراف فيه بشرعية الثورة الشعبية وقيادتها والاستعداد لتقاسم السلطة معها ومع حلفائها بعد أن اتضح لهم أن المعركة العسكرية في صنعاء ومحافظات الشمال الرئيسية قد انتهت منذ سيطرة الثورة وقواها على المحافظات الشمالية، وخاصة بعد معركة عمران، وكانت سلطة النظام قد استنفدت كل طاقاتها العسكرية والسياسية المتوفرة في معارك عمران وضواحيها وحاشد ونواحيها وإسقاط سلطة الإقطاع العسكري القبلي العميل للسعودية والحاكم بالوكالة عنها في مراكزه الأمامية وفي أعماقه الاجتماعية والأيديولوجية والطبقية، وهي المعركة التي تواصلت منذ سنوات العدوان على صعدة وما بعدها من معارك تحرير وطني داخلي ضد نظام الطغيان العسكري القبلي التبعي العميل للأجنبي، التي حاول العدوان إيقاف تطورها وحصرها في النطاق الجغرافي الإقليمي الضيق عبر "اتفاقية الدوحة" التي سعت قطر إليها بإيعازات أمريكية سعودية طغيانية مشتركة بهدف إيقاف تقدم ووهج الثورة الشعبية وحملاتها العسكرية التحررية التي تنامت واتسعت لتخرج من رحم القطاع الجغرافي الأساس إلى المجال الوطني الواسع وتصل إلى مركز النظام وتحطمه وتزيله نهائيا من الوجود لتضع حدا أخيرا للاستبداد القديم والتبعية القديمة.

قدم المؤامرة العدوانية قدم العمالة والتبعية
ويقول هادي نفسه في مقابلاته مع صحيفة "عكاظ" السعودية وغيرها من وسائل الإعلام العدوانية بصراحة "إنه قد سافر إلى الرياض في أول رحلة خارجية له بعد تعيينه رئيسا في بداية العام 2012، والتقى هناك بالملك عبدالله والسفير الأمريكي وأقاموا سرا قيادة مشتركة ثلاثية برئاسة سعودية أمريكية، وأنهم قد خططوا وقرروا ضرب القوات اليمنية غير الموالية لهادي المنتشرة من صعدة إلى صنعاء وخارجها، وكانت حوالي ثلاثين لواء من الحرس الجمهوري والجيش اليمني ولجان الحوثيين الشعبية، وضربها من الجو ومن البحر بالصواريخ، وأنه قد أعطى لهم الضوء الأخضر بالمبادرة إلى الضرب متى شاؤوا ومتى كان هادي محتاجا إلى ذلك بدون طلب جديد من قبله أو من قبل ممثلي حكومته".
وعلينا أن نركز هنا على التوقيت والزمن والأحداث التي لحقتها وسبقتها، ومعنى ذلك أن ذلك الاعتراف والإقرار يعني أنه كان يتآمر ويتخابر مع دول خارجية مجاورة وغير مجاورة حول الأمن القومي اليمني، ويحرضها وتحرضه على العدوان ضد الجيش اليمني وألويته العسكرية ومقدراته وأرواحه التي كانت تجاوز قتل واغتيال آلاف الجنود والمواطنين وكان هذا يشمل أكثر من مائتي ألف جندي وموطن على الأقل، وهذا هو رئيس "الشرعية" وها هي "الشرعية" الفاغرة بأفواهها لتلتهم أحياء اليمن ومقدراته وسيادته وشعبه بدون حرج ولا حياء، ويكمل ذلك بإطلاقه موجة من الضحك الهستيري المتشفي الذي ينم عن فقدان الرجل رشده وعقله، فلا يوجد رجل محترم في العالم يبيع ويشتري إلى هذا الحد من الوقاحة والسفالة والتوحش والوضاعة والحقد على أمته وشعبه كهذا المسخ الممجوج التافه العوج اللسان الذي لم يخرج بعد من حقبة البلادة اللغوية والبدوية ناهيك عن التحضر والتأدب والتثقف العاجز عن النطق السوي للكلمات العربية وكأنه بغل أجنبي مستورد يصعب توطينه وتهذيبه وترويضه.
ويمكن الرجوع إلى المقابلات الإعلامية لهادي مع الصحف والوسائل الإعلامية التي أجرت معه مقابلات وأجاب على أسئلتها بانشراح وأريحية مع بداية العدوان وقبله عندما كان مازال مخمورا بسكر الضربات الجوية العدوانية السعودية الأمريكية المدمرة على مواقع الجيش اليمني ولجانه الشعبية، وانتظاره قرب انهيار الدفاعات اليمنية عن العاصمة وقرب دخولها واجتياحها المؤزر من قبل جحافل العدوان الأجنبي الرهيب المشارك فيه أوباش ومرتزقة وقتلة وعصابات العالم كله، ويبدو كما هي عادته فقد رفع المقادير والعيارات وضاعفها احتفالا بأخبار الإذاعات العدوانية التي تذيع ليل نهار دون توقف ولا حرج أخبار انتصاراتها وتقدماتها واستيلائها على أطراف العاصمة وجوارها واقتراب قوات العدوان من قلب المدينة ومن مينائها كما قالت إذاعاتهم آنذاك.
وبعدها طالت فترة انتظارهم لسنوات ثمان وهم يتراجعون ويهزمون ويكذبون ويتوهمون ويفقدون كل يوم مزيدا من الأراضي التي تتم استعادتها وتحريرها، وعندما يسأل الآن أي مسؤول منهم عن موقعهم وموقفهم العسكري الاستراتيجي وأين وصلتم؟ يقولون إن التحاف قد طعنهم من الظهر وأنه لم يدعمهم وأنه لم يقدم لهم الأسلحة المطلوبة، بل إنه قد قصفهم في كل مرة كانوا على أبواب صنعاء والحديدة وصعدة ومأرب والجوف والساحل وهكذا دواليك.
ونسمع بكائيات العرادة وخصروف والصراري وغيرهم وكلهم يكررون أسطوانة واحدة مشتركة، وهي أن التحالف قد خدم صنعاء وقواتها وليس هم، وأن الأمم المتحدة قد منعتهم من دخول الحديدة وصنعاء وقد كانوا على أبوابهما.

نحن نعرف الآن أن القادة الأمريكيين والسعوديين المشرفين على العدوان وعلى المرتزقة المحليين قد داسوا على كرامة علي محسن الأحمر وجنرالاته القبليين العسكريين، لأنهم عجزوا عن تحقيق التقدم نحو العاصمة وقد كانوا على أبوابها، وتحالف العدوان قد وضع كل مقدراته العسكرية والمالية واتهموهم بالفرار وترك الأسلحة والمعدات حق ثلاث مناطق عسكرية كبرى للمجاهدين اليمنيين، ومن ضمنها أجهزة عسكرية بالغة السرية والدقة والخطورة جدا بلغ بالأمريكيين والسعوديين أن يمدوا أيديهم عليهم ويهينوهم أمام رؤسائهم ومرتزقتهم دون رحمة.

هل هزم العدوان ومرتزقته بسبب نقص الأسلحة والمعدات؟
لقد وضع التحالف العدواني الرباعي (السعودي الإماراتي الأمريكي البريطاني) من الأسلحة ما لا يحصى ولا يعد وقد بلغت أثمانه المالية قرابة 1.5 تريليون دولار في العام الأول وحده، وهذا بتقديرات المراكز الغربية الاستراتيجية والعناصر المقربة منها، ويراجع تقديرات علي سالم البيض في العام الأول للعدوان، وهو كخبير عسكري وسياسي لصيق بالعدوان ودولتيه ومؤيد لهما، فشهادته مهمة جدا لنا هنا، لأن أفضل الشهادة ما شهدت به الأعداء، وهو لا يمكنه أن يكذب عليهما فخيره منهما وولاؤه لهما، وشهادته ملزمة للمرتزقة.
وهناك بعض فيض فقط مما فاضت به المراكز الغربية والأمريكية العدوانية المعروفة قد أكدت أن ابن سلمان قد أبرم صفقات تسليح كبرى مع ترامب وحده بلغت أكثر من 500 مليار دولار في عامه الأول فقط، وثمة إشارات إلى أن ابن سلمان حصل على استشارات حربية قيادية أمريكية بقيمة بلغت في العام الواحد أكثر من 700 مليار دولار استهدفت إدارة الحرب على اليمن، كما أشارت نفس المراكز الغربية إلى أن ابن سلمان قد عقد صفقات استئجار التقنيات الأمريكية التجسسية والأقمار الصناعية العسكرية الحديثة العاملة في المجال الفضائي للمنطقة وتسييرها لصالح المجهود الحربي السعودي بقيمة أكثر من 650 مليار دولار في العام الواحد، وقد كان هناك اتفاقات سابقة مع أوباما، قبل ترامب، ومشاركة كاملة في قيادة العدوان وإدارته وقيادة عملياته.
كما أن السعودية وحدها عبأت 1500 طائرة حريية ومقاتلة تركزت على العدوان الجوي على اليمن، إضافة إلى طائرات القواعد الأمريكية الحربية في منطقة الخليج والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتبلغ أعدادها قرابة 1000 طائرة حربية عسكرية، إضافة إلى طائرات الإمارات وقطر والمغرب والبحرين وباكستان والسودان ومصر السيسي والأردن وغيرها، وبالجملة تبلغ أكثر من 1000 طائرة، إضافة إلى قواتهم البحرية والبرية المشاركة في العدوان، كل هذه القوات والمعدات الضخمة وضعت في خدمة العدوان ومرتزقته ودخلت المعارك طوال سنوات الحرب والعدوان، هذا ولم نذكر بعد الأسلحة البرية والمدرعات والدبابات والمدافع والرشاشات الثقيلة والصواريخ والمسيرات والعربات المصفحة، والتي بلغت أعدادا مهولة.
وحسب تصريح الناطق العسكري اليمني، فإن مجموع المدرعات والدبابات والمصفحات العدوانية التي دمرتها قواتنا خلال السنوات الست فقط بلغت أكثر من 20 ألف آلية، وكلها كانت بأيدي المرتزقة وليس غيرهم والذين يسمون أنفسهم "الجيش الوطني"، والذي بلغ تعداده شمالا وجنوبا أكثر من مليون مرتزق "جيش جرار متجحفل لا يمكن غلبته".
لقد بلغ الحال بابن سلمان أن يتوسل إلى هادي وعلي محسن لسنوات عدة أن يعتقوه ويعتقوا السعودية التي تورطت في العدوان على اليمن وفقا لتقديراتهم وإغراءاتهم والمبالغة في تطمينهم واستنزافهم ماليا وماديا، ومما قاله ابن سلمان لهادي وهو يوبخه على توريط المملكة وإدخالها المستنقع اليمني العميق وعدم قدرتها على الخروج منه بسببهم، فككل يوم يصوغون كذبة جديدة يبررون بها تراجعهم وانكساراتهم أمام الجيش اليمني ولجانه الشعبية، فيوما يقولون إيران ويوما آخر يقولون حزب الله ويوما آخر كوبا وفيتنام وسوريا، وهكذا أنهم هم من يديرون معارك الأنصار.
قال ابن سلمان لهادي في آخر ليلة وهو يريد منه أن يتنازل عن سلطته للعليمي وجماعته بهدف التفاوض للخروج من الحرب المباشرة السعودية، فقد أضحت أكلافها مدمرة للسعودية نفسها وفوق طاقة الاستمرار في احتمالها، قال له بحدة: "هل تريدون أن تواصلوا الأسلوب نفسه حتى تفلس السعوية وتنسحق، تنازل أو أرسل لك قائد الحرس الملكي يتفاهم معك". وفعلا فقد أرسل له قائد الحرس ومعه ورقة نص التنازل ليوقعه ويطلع يلقيه على الحاضرين، ويطوي صفحته إلى الأبد وهي طي لأكذوبة "الشرعية الهادوية" ومرتزقتها وإخوانها.
المسألة هي ببساطة أنه بعد ثمان سنوات من العدوان والحرب قادتها السعودية وجيوشها الجرارة ومرتزقتها البالغون أكثر من مليونين، وأكثر من 150 ألف قطعة من المدرعات والدبابات والعربات المصفحة والرشاشات الثقيلة المتحركة والمدافع الثقيلة المتنوعة الأحدث في العالم ومن أفضل ما أنتجته المصانع الأمريكية والأوروبية الغربية والشرقية وآلاف الطائرات والمسيرات والمقاتلات والمروحيات الأحدث من الفانتوم إلى الـ(إف 16) والـ(إف 15) والإعصار والتايفون وإلى آلاف الأقمار الصناعية الأمريكية الفضائية التجسسية في مواجهة قوات شعبية لم تتجاوز الـ150 ألف مقاتل عقائدي صلب انتشروا على 50 جبهة حربية فتحها العدوان، وليس لهم سوى سلاحهم الفردي وبنادقهم العتيقة القديمة من إنتاج أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي وما قبلها، وعدد من المدافع وراجمات الصواريخ وقاذفات الصواريخ ضد الدروع وبعض المسيرات والصواريخ الباليستية القديمة، وبكم هائل من المعنويات والإيمان العقيدي الضخم بعدالة القضية اليمنية والثقة الكبيرة بقيادتها الشجاعة المجربة الصلبة في ميادين القتال والحروب والفكر الاستراتيجي والوعي الإيماني والفقهي الديني الواسع والتفاف الشعب اليمني الصلب الثائر وقبيلته الشجاعة وتقاليده الوطنية الضخمة في مواجهة الاستعمار الأجنبي وسحقه وهزيمته ولو طال الزمن وامتدت الحرب.
فاليمني قاتل الأتراك 200 عام متواصلة حتى هزمهم شر هزيمة، وحتى الآن مازالت كوابيس القتل والموت في اليمن تقض مضاجع الأتراك وتحرمهم النوم مما لاقاه آباؤهم من أهوال ومواجهات التهمت مئات الآلاف من الجنود الأتراك، حسب إحصاءات مؤرخيهم أنفسهم خلال القرن السادس عشر وإلى مطلع القرن العشرين، حيث اعترفوا بمقتل أكثر من 350 ألف جندي تركي في اليمن، وقس عليهم هزيمه الأحباش وهزيمة الإمبراطورية الرومانية في اليمن وبعدها هزيمة الإمبراطورية الفارسية في اليمن وفي القادسية على أيدي اليمنيين المسلمين في معارك تحرير العراق، وهزيمة الرومانيين على أيدي اليمنيين المسلمين في معارك تحرير الشام، وقبلها هزيمة قريش المشركة والوثنية وأحلافها على أيدي الأنصار اليمانيين المسلمين في يثرب، وهزيمة الإمبراطورية البريطانية في اليمن منتصف القرن الماضي.

كانت الأسلحة قليلة، ولكن الثقة في نصر الله كانت كبيرة جدا، لأننا مظلومون مقهورون معتدى علينا من قبل الإمبريالية السعودية الغربية الصهيونية وأسيادها وأحلافها، وقد تجاهل صهاينة المرتزقة وأسيادهم وقادتهم هذه الحقائق حتى صرعتهم وأردتهم قتلا وجرحا وسحقا في ميادين النزال والمواجهات حتى أذعنت أخيرا إلى الحديث عن حلول سلمية للخروج من اليمن بسلام، وهذا هو الهدف الأول والرئيسي من الحرب الوطنية التحررية التي يشنها شعبنا وجيشنا منذ سنوات طويلة ومازال يطور أسلحته ويعزز قدراته وينمي إمكاناته اعتمادا على ذاته وعلى الله وهو ينشد الاستقلال والحرية وعدم التدخل في شؤونه وتحرير أراضيه واسترجاع حقوقه كاملة بأي وسيلة مشروعة كانت، والجمع بين الوسائل حسب الظروف والأحوال، فإن وجدت الطريقة السلمية لتحقيق ذلك فأهلا وسهلا وإلا فإن أيدينا مازالت على أسلحتنا لا نفارقها أبدا، فالعربي شرفه معقود بسلاحه وجواده، ونحن عرب وأصل كل العرب، ولا يوجد من يستطيع أن يجبرنا على ما لا نقبله ولا نرضاه.

أسئلة نوجهها إلى التوابع
هل السعودية تعمل خيريا في خدمة الديمقراطية و"الشرعية الهادوية" أم هي استعمار إقليمي ومستعمرة أمريكية غربية في الوقت نفسه؟
هل السعودية كانت طرفا خيريا تجاه اليمن منذ وجودها على الخارطة السياسية منذ قرن من الزمن؟ وهل لم تسط أبدا على أراضي اليمن وسيادتها وحريتها ولم تتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية؟
ألم توظف في مخابراتها الخاصة 50 ألف شخصية ومسؤول من قادة اليمن القديم وحكامها وشيوخها وضباطها وقادتها العملاء وتدفع لهم الرواتب الشهرية ليعملوا في خدمة أهدافها ومطامعها العدوانية وفرض نفوذها؟
ألم تحارب الثورة اليمنية طوال العقود الخمسة السابقة في الشمال والجنوب؟ ألم تنهب وتحتل إلى الآن أقاليم يمنية عديدة؟ ألم تقتل أكثر من رئيس يمني تحقيقا لأهدافها في توطيد الحكم لعملائها ووكلائها وللاستعمار الأجنبي؟
ألم تسيطر إلى الآن على أكثر من مليون كيلومتر مربع من أراض يمنية في نجران وعسير وجيزان والربع الخالي وحضرموت والوديعة والشرورة والخراخير وغيرها؟ ألم تشن علينا الحروب العدوانية وتستول على أراضينا منذ وجودها؟ ألم تفرض وصايتها علينا طوال نصف القرن الماضي كله؟ ألم تنهب ثرواتنا النفطية والغازية والمعدنية؟

من الذي استدعى العدوان السعودي؟
إن السعودية لم تكن خارج "الدويلة" اليمنية السابقة ولا خارج النفوذ السياسي المسيطر على اليمن، كانت موجودة فلم تخرج حتى ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014 الميمونة التي أطاحت برؤوس الوصاية والتبعية والاستعمار الأجنبي الحاكم في صنعاء، كانت موجودة من خلال اللجنة الخاصة السعودية الحاكمة ومن خلال السفارتين المسيطرتين في اليمن.

اللعبة السعودية الأمريكية الإخوانية المشتركة.. مراجعة التاريخ
إن المتابع لتطور الأوضاع السياسية في اليمن حتى العام 2010 سيجد أنه هو العام الحاسم في التاريخ اليمني الحديث وجميع التطورات التالية جاءت نتيجة له 
وهنا حدث الانقسام داخل الطبقة الإمبريالية السابقة الحاكمة التي تعمل بأوامر سعودية مباشرة عبر اللجنة الخاصة الأمنية السعودية والسفارتين في صنعاء وعبر قيادة الفرقة والحصبة ودار الرئاسة، وكلها كانت أدوات بأيدي الإمبريالية السعودية الأمريكية وأجهزتهما تديران البلاد عبرها سياسيا وأمنيا واجتماعيا، وقد فجرت السعودية وأدواتها الحروب الست ضد الشعب اليمني في صعدة وغيرها، ومولتها وهي في الحقيقة كانت حربهما الأكيدة أكثر مما هي حرب الجيش اليمني العائلي القبلي المضلل الغبي التافه القيادة الفاسد الحكم التبعي.
كان علي صالح وعلي محسن والأحمر مجرد دويدرات يشتغلون خدما في قصر السلطان السعودي طويل العمر، ويظهرون على الناس بمظاهر رؤساء الدول والحكومات الجمهورية الحقيقية وليس فيها شيء من الصحة والحقيقة في واقع الأمر، كان صالح يدار من الجهتين في نفس الوقت (من السعودية ولية النعمة، ومن الأمريكيين ومخابراتهم أسياد الكل أمنيا واستراتيجيا وحماتهم)، أي أنهم كانوا الكل في الكل، وكانت لها أهداف مزدوجة متداخلة مركبة أن تقضي على حركة أنصار الله الوطنية في مهدها وقبل أن تنهض وتتسع، وأن تقضي على الفكر العلوي الزيدي من جذوره وقبل أن يشتد عوده وأن تفرض وهبنة اليمن وأخونتها وسعودتها فكريا ودينيا بكل الوسائل تمهيدا لضمها إلى الكيان السعودي كما فعلت مع عسير وجيزان ونجران سابقا في الأربعينيات والثلاثينيات حين اختلقت تباينات دينية مذهبية معادية للزيدية متعصبة ساعدتها في ضم المناطق تلك إلى كيانها الاستعماري بسهولة عبر شراء ذمم الفقراء وتضليلهم باسم الدين الإسلامي الصحيح والتلاعب بالمشاعر والحساسيات القبلية والمذهبية التي أسس لها الأتراك قبل خروجهم، مستندة إلى السيطرة البريطانية الاستعمارية خلفها ووحدة أهدافهما الاستعمارية التوسعية التقسيمية لإضعاف الجسد اليمني الإمامي المتخلف المعزول وتفكيكه وقضمه بالتدريج مرحلة مرحلة وقضمة قضمة وإقليما إقليما.
وعندما لم تحقق الحرب العدوانية (لست سنوات) أهدافها يبن أعوام 2004 و2010، اتجهت لإعادة ترتيب الملف اليمني والوضع والحكم اليمني بكامله بأوامر أمريكية صهيونية، كان الوقت قد حان لعلي صالح أن يفسح المجال لطاقم جديد من رجالها في اليمن بعد أن هزمت حربه الطويلة وأضحى في مقدرة أنصار الله، بعد ما حققوه من انتصارات حربية وسياسية حاسمة، أن ينقلوا السيطرة على العاصمة والإمساك بالسلطة والخروج من معاقلهم في أقصى الشمال والانزياح جنوبا ووسطا، لكنهم لم يتعجلوا التحرك، فقد كانت "هدنة الدوحة" مازالت مطلة على ذاكرتهم ومهيمنة على وجدانهم السياسي بالرغم من أنها كانت مناورة لتأجيل سقوط النظام بشكل شامل بعد هزيمته العسكرية الكبرى، ولم تكن بعيدة عن الأمريكيين ومناوراتهم، ولكنهم قدروها كثيرا جدا ولم يريدوا أن يكونوا هم المبادرين إلى نقضها في نظر الأمة والشعب والرأي العام.
ولا شك أن استعداداتهم كانت مازالت خاضعة لحسابات واسعة مفصلة وتحسبات للمستقبل الذي رأوه ببصيرة ثاقبة واسعة واضحة وللتحديات التي تواجههم وأظهروا مجددا أنهم كانوا على دراية وإدراك للواقع اليمني وتحدياته أكثر من أي قوة أخرى واستعدوا له، ووطنوا أنفسهم على معاناته ومكابداته واحتمالاته الأسوأ بما فيها العدوان الخارجي الدولي الكبير، وكانت هذه أهم ميزة استراتيجية ميزتهم على الإطلاق بين جميع القوى الخارجية والداخلية، فهم لم يفاجؤوا بالعدوان الخارجي وتحدياته المحتملة أبدا وعملوا بجدية شديدة لملاقاته والتغلب عليه، وكشفوا عن انضباطية عالية جدا ووحدة عزيمة وتماسك لا مثيل لها، كما أظهروا صبرا استراتيجيا واعيا واستعدادا للتضحية دوما من أجل الأهداف الوطنية اليمنية والشعبية والعقيدية الصحيحة والقومية.

أثبت الأنصار أنهم قوة مستقلة حقيقية لا تقبل أي إملاءات أو أي اشتراطات أو تقديرات خارجية ولو كانت من أصدقاء وحلفاء ومقربين ولو كلفتهم تلك الأنفة والحمية والكرامة الكثير بما فيها حياتهم، فهم يتسابقون إلى ميادين الجهاد كتسابق الناس إلى الأعياد والولائم وبدون بطر أو كبر أو تظاهر أو رياء متوسمين سيرة قادتهم وشهدائهم الأماجد وآثارهم وحكمتهم وتراثهم، لذلك كان النصر معقودا لهم في نهاية كل معركة أو مواجهة، وهذه ظاهرة لا بد أن تستوقف المتابعين والدارسين والمؤرخين والباحثين عن المعرفة وعلل الأشياء والأحداث والمآلات.
وأهم ميزة تميزهم استراتيجيا وتكتيكيا هي أنهم إذا لم ينتصروا فهم لا يهزمون وإن خسروا بعض المواقع والمناطق فهم لا ينتكسون وإنما يعودون يتعلمون ويدرسون مجددا عبر الدورات التأهيلية والروحية والثقافية والفكرية والحربية والسياسية والفنية، فهم لا يعرفون اليأس والقنوط ولا تهتز معنوياتهم ولا تنتكس أو تتضعضع ولو أصابهم اليأس والقروح والجروح والخسائر بعد أن يبذلوا قصارى جهودهم وطاقاتهم بصدق وإخلاص.
وإذا قارنا بين طرفي القتال والحرب سنفهم لماذا هؤلاء لا يخسرون في نهايات كل مواجهة مهما طالت وصعبت وتعقدت واشتدت، وهناك عامل هام وحاسم يميز هذه الانتصارات الصعبة التي يحققونها في نهاية الصراع.
فما هو؟ إنه التفاف الشعب اليمني الحر وثقته بهم ويقينه بصدقهم وإخلاصهم الوطني والشعبي والديني واستعداده للسير خلفهم باطمئنان ويقين واتحاد والتحامه بهم بقبائله وجماهيره وقواه.
إنها نزاهة القيادة الثورية وإيمانها الركين بقضية الأمة ومظلوميتها الحقة واستعدادها لبذل الأنفس والأموال والأولاد وكل شيء برضا واطمئنان وإدراك ودراية ورشد وإخلاص وجلد ويقظتها العالية لمخططات الأعداء ومناوراتهم ومؤامراتهم وتكتيكاتهم واستراتيجياتهم البعيدة والقريبة واختراقها في أعماقها وهو سر قوتهم وقوة اليمن وقدرته على التغلب على أعدائه في نهاية المطاف مهما كانت قوى الأعداء، وهذا ما استغله الخصوم في ما بعد.
لقد عاش المرتزقة لسنوات طويلة مصدقين أو متظاهرين أن السعودية استجابت لدعوتهم للمجيء لاحتلال اليمن لإعادة حكومتها "الشرعية"، كما يتصورون، وهم كما ينضح كتابهم ومستشاروهم السياسيون والإعلاميون كالصراري مثلا وياسين سعود وسلطان العتواني والآنسي واليدومي وغيرهم من عتاة التبعية السعودية وزبائن اللجنة الخاصة الأمنية العسكرية السلطانية الشهيرة، كلهم يصرون على أنهم هم من استدعى السعودية والناتو الإقليمي للتدخل لـ"إعادة الشرعية" إلى صنعاء بعد أن ضاعت منهم في أيدي حلفاء إيران، وهم مضحكون حتى في عمالتهم، فالسعودية تقول نحن المسؤولون عن الحرب والعدوان صراحة ومستعدون أن نتحمل مسؤولية هذه الحرب والعدوان، ونحن قد خدعنا حول القوى في اليمن، وأن المسألة مجرد "فكة كعب ونرجع نواصل مشاويرنا الاستراتيجية" كما قال السيسي، وها هو السيسي يغرق في أزماته الناتجة عن التورط في مشاريع السعودية وأمريكا في المنطقة ويتجاهلون عمدا قول ابن سلمان لهادي حين طلب منه أن يعتزل القيادة لعجزه عن إدارة مرتزقته، في رمضان الماضي عشية عزله بالأمر السعودي المباشر بعد ليلة طويلة مملة من التهديد والوعيد.
وهذا الوزير صالح الجبواني وهو من المقربين لهادي يكاد يبكي وهو يتذكر أحداث تلك الليلة الموعودة ويصف ما دار فيها من مهانات لليمنيين وأولهم هادي نفسه "رأس الشرعية"، ومثله عادل الحسني وهو قيادي كبير من قادة الشرعية الهادوية يعترف بمرارة وألم مع وسائل الإعلام عما لاقاه هادي وجماعاته من إهانات داخل قصر وفندق الإمارة، حين استدعي إلى لقاء ابن سلمان ليلا خلال ما سمي "لقاء الرياض التشاوري" الذي كان مجرد غطاء صوري لما تريد فعله السعودية من ترتيبات جديدة، فلم يسمح لهم أن يجتمعوا مع بعض أبدا وإنما هي ورقة مُررت عليهم ليوقعوها بواسطة رجال الحرس الملكي لابن سلمان وقادة حرسه، يأمرون والبقية يطيعون بلا مناقشة أو كلام زيادة ويتسلمون أموالهم المقررة لهم لقاء جهودهم وطاعتهم لـ"ولي الأمر الشرعي"، فقد أجلسوا كل وفد أو مجموعة منه منفردة في غرف مغلقة على نفسها لا تلتقي مع غيرها أبدا قبل انتهاء التوقيع على الموضوع المرتب أن يتم ويحصل المراد ويخضع "هادي الشرعية" قبل الآخرين، والحرس الملكي كان أكثر من المدعوين ولكل غرفة حرسها الخاص بها يعملون ما يؤمرون، وبدأوا بعزل هادي نفسه عن أبنائه وأصحابه ومستشاريه ووضعوه منفردا معزولا عن الآخرين ولم يسمحوا له باللقاء مع أي وفد أو جماعة من جماعاته أو رجالاته أو أصدقائه قبل أن يتم المراد والمقصود، وما هو المقصود؟ كان المقصود السيطرة المطلقة على القضية كاملة وملفها السياسي والعسكري والأمني والإنساني والحربي والموارد وكل ما يخص اليمن والحرب ضدها وتفاصيلها، وأن يحفظوا هذ الملف مع صاحبه وشاهده وكل ما يتصل به في قصورهم هناك في الرياض، وأن يسحبوا من هادي وحكومته كل ما يتصل بهم من صلاحيات سابقة حول الحرب والسلام، فاللعبة صارت جادة الآن ولم تعد تقبل استمرار المهزلة القديمة، وعلى هادي أن يعتزل سلطته السابقة عبر طريقتين، أولاهما كانت سحب كل صلاحياته العسكرية والاستراتيجية بتفويضه القائد العسكري السعودي العميد مساعد بن فيصل، قائد التدخل العسكري السعودي في اليمن ونائب رئيس أركان الجيش السعودي وقائد القوات الخاصة وموقعه كان بين نجران ومأرب (المنطقة العسكرية الثالثة)، وقد منحه كافة صلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة اليمنية بالكامل وإعطاء الأوامر لكافة القوات والعناصر اليمنية أن تأتمر بأمره بدون الرجوع إليه، وذلك التفويض غير قابل للرجوع عنه لأنه تفويض مطلق، وقد أدى هذا التدبير مهمته ووظيفته الاستراتيجية على الأرض وألغى وجوده كقيادة يمنية رسمية، بعد أن شهد على نفسه في صيغة التفويض المطلق، ذلك أنه عاجز فعليا عن ممارسة الدور القيادي الميداني لإدارة الحرب الجارية ومن تلك اللحظة التاريخية شهدنا ما عرف بالضربات الصديقة التي هدفت إلى تأديب أي قوة تلتزم بخطة القيادة السعودية وتوجيهاتها الحربية والسلوكية والإدارية.
وقد تمت هذه الخطوة الحاسمة خلال الأعوام الأولى للعدوان، وتمت مع اتساع التدخل السعوي الخليجي وتكاليفه المتصاعدة الباهظة، وقد أرادت أن تأخذ على "الشرعية" ضمانات بالإقرار بمسؤولية السلطة اليمنية العميلة عن دفع التكاليف الباهظة للحرب من خلال تسليم الموارد الطبيعية والثروات الوطنية تحت هيمنة السعودية بهدف السيطرة على الاحتياطات البترولية والنفطية والغازية والمعدنية، بحجة ضمانات حقوق السعودية في استعادة ما خسرته في الحرب العدوانية واتخاذها من قضية الموارد اليمنية والثروات الوطنية المسيطر عليها ميدانيا وهو لب التدخل الأجنبي وخطته في الأساس، وفي الأول والأخير هو الجوهر الرئيسي لكل اللعبة الحربية العدوانية على اليمن.

بعد أن أخذت السعودية على "الشرعية" العميلة ضمانات بالإقرار بمسؤوليتها عن دفع التكاليف الباهظة للحرب من خلال تسليم الموارد الطبيعية والثروات الوطنية تحت هيمنتها بهدف السيطرة على الاحتياطات البترولية والنفطية والغازية والمعدنية، بعدها انتقلت إلى خطوة تثليج هادي في حافظة الثلاجة السعودية لأكثر من سبب واحتمال ممكن ومتوقع في المستقبل القريب والبعيد، بعد ذلك قررت السعودية اتخاذ الخطوة التالية، وهي إجباره على التنازل عن كامل سلطاته نهائيا بدون عودة عنها مرة أخرى كما فعل من قبل، ولذلك نصت وثيقة تنازله الأخيرة على النص بعدم الحق في التراجع عن التنازل فهو نهائي وقاطع وبات لا رجعة عنه أبدا، لكنه قابل للمحاولة إذا توفرت ظروف سلبية معينة، ولكي لا تقع السعودية في هذ الاحتمال الشائن فقد احتفظت بهادي عندها كرهينة أبدية معزولا، لا أحد يدخل عليه أو يخرج من عنده إلا بإذن ابن سلمان وحده، ولا يمكنه مغادرة المملكة أبدا ولا الإدلاء بأي تصريحات أو معلومات أو تعليقات ولو مات هو أو نائبه علي محسن فهما رهائن هذا العدوان إلى الأبد بعد أن طويت صفحاتهما وأرشفت وحفظت في المخازن، فهما رهينتا هذا العدوان وتستطيع السعودية أن تدعي بأي مطالب أو مكاسب بموجب ما حصلت عليه من هادي من تنازلات تخص الأرض والثروات والسيادة.
ولو كان لهؤلاء المخلوقات الآدمية المشوهة ذرة من منطق أو عقل سياسي واستراتيجي ناهيك عن شعور يمني أو وطني لنصحونا بعدم الاعتراف بأي شرعية لهادي وغيره، لأنهم تحت السيطرة الأجنبية وليس لهم سلطة مستقلة ولا إرادة حرة تحت الاحتلال الأجنبي مثلهم مثل الخديوي إسماعيل أو الملك فؤاد أو الملك فاروق في مصر المحروسة فترة الاحتلال الإنجليزي أو الملك حسين وأولاده في ظل الجنرال جلوب باشا خال الملك الجديد، ويشبه ذلك حكومة فيشي في فرنسا خلال الاحتلال النازي في الأربعينيات، فالاحتلال الأجنبي لا ترتب عليه أي مسؤوليات قانونية وحقوقية ومكاسب واستحقاقات على البلد المحتل وهذا ما تنص عليه قواعد القانون الدولي والإنساني العالمي، ووصلت الوقاحة والسفالة بشخصيات تدعي الانتماء إلى العروبة وإلى الجنوب إلى حد أنها وقعت بداية العدوان على وثيقة تعطي السعودية الحق في الاحتفاظ بحضرموت بكاملها توضع تحت السيادة السعودية لقرن أو أكثر حتى تضمن استحصال تكاليفها في الحرب على اليمن، وكان منهم حيدر العطاس وعلي البيض وآخرون نشرت أسماؤهم في وسائل الإعلام، ويمكن الرجوع إليها ومضمونها أن هؤلاء العملاء الكبار "الحاوشين" بأنفسهم في ظل الهزائم المتوالية لمشرعاتهم، وقد قطعوا الخطوط مع شعبهم اليمني وطابت لهم معايشهم الأنيقة المترفة، وتشبعت حساباتهم المالية، يحاولون أن يقدموا أنفسهم كما يفعل أتباع السبع الضاري الذي تكسرت مخالبه في رواية ابن المقفع، حيث عين السبع الضاري على الثور وليس على أحد منهم فهو لا يغني شيئا، ولذلك يسوقون لها حضرموت والجنوب كله عربونا ورهنا لضمان حقها في خسائرها من أجل عين "الشرعية"، لأنهم ضامنون رضا "الانتقالي" ودرع السلفية الجديد فهم جاهزون، وقد وقعوا الكثير من الوثائق بما فيها الاعتراف بـ"إسرائيل المظلومة"، كما قالوا في أكثر من مناسبة، ورفعوا أعلامها في عدن ومنحوها الكثير من المواقع والقواعد على الأرض اليمنية التي يسمونها "جنوبا سعوديا إماراتيا"، ويحرقون أعلام اليمن الجمهوري علنا ويدوسون عليه.
وعلى هؤلاء ان يعرفوا أن الشعب اليمني العزيز مستعد لأن يخوض في سبيل كل شبر من أرضه بحارا من الدماء والتضحيات والمعاناة مهما طالت، ولا يوجد أي حاكم أو مسؤول قادر على تسليم أي شبر من الأرض للأجنبي.
فالسعودية والإمارات حريصتان على الحفاظ على يافطة "الشرعية" التي استدعتاها لمساعدتهما واحتلال اليمن، ولو في الظاهر، ونعلم أنهما تقفان خلف كل الانقسامات الداخلية في أطراف العدوان وعملائه، ولكنهما لا تستطيعان التفريط بيافطة "الشرعية" التي تتكئان عليها وسوف تستمران فهما تنكران أنهما احتلال وأنهما معتديتان وتريدان تقسيم وتسليخ اليمن وتمزيق كيانه الواحد، لأنهما تخافان عواقب ذلك في مناطق الاحتلال من غضب الشعب المضلل إذا أدرك الحقيقة التي لا بد أنه مدركها حتما وإن طال الزمن وطال استغفاله وتضليله.

جثة "الشرعية الجديدة" تتعفن
المتأمل لوجه الشخصية البارزة في "الشرعية الجديدة" وما تنشره وسائل الإعلام من صور ولقطات مكررة هذه الايام وقبل أن يهرب العليمي من معاشيق عدن (عاصمة الشرعية) إلى الرياض التي سماها عفاش آخر أيامه يوم أن وقع على الوثيقة الخليجية بعد استهدافه في حادث الرئاسة الشهير وقد قضى فيها بضعة أشهر للعلاج، قال إنها "أصبحت العاصمة السياسية لليمن"، ما هذا الاكتشاف الإبداعي الرهيب لأب العليمي الروحي ومعلمه السياسي عفاش كما قال قبل وفاته "إن الرياض صارت العاصمة السياسية للقوى السياسية اليمنية من طرفي الأزمة في العام 2011".
هو تصريح وإقرار بحقيقة قائمة منذ زمن طويل وليست زلة لسان تحدث عفويا وغير مقصودة، كما قال بعده الشيخ البركاني "إنهم الحديقة الخلفية للسعودية ومكب لنفاياتها وزبالتها"، وكان هذا ثمنا لتصعيده إلى رئاسة مجلس النواب الممسوخ الذي أريد له أن يقر ترتيبات الرياض ويمنحها وجهها الصوري وما جرى فيها ويعطيها شكل "حكومة شرعية"، وقد استأذنوا طويلا من رئيس "كانتون الانتقالي" عيدروس الزبيدي أن يسمح لهم أن يجتمعوا حسب طلب "الشقيقة الكبرى" الوصية عليهم في محافظة من محافظات الدولة اليمنية الواقعة تحت سيطرة التحالف العبري والتي يدعون تمثيلها بشكل بائس ومضحك في وقت واحد، فلماذا لا يسلمها لهم أن يديروها إن كانوا حقيقة في محل احترام ولو بالحد الأدنى الشكلي على الأقل من جانب التحالف العدواني الذين استدعوه، ويملكون القدرة والإرادة على توجيهه وفقا لـ"أهدافهم الشرعية"، فلماذا يستأذنون قبل الانتقال إلى أي محافظة يمنية تحت السيطرة، وهل يستأذن صاحب البيت عندما يتحرك داخل غرف منزله من الغرباء، ولو كانوا من حرسه المقربين؟ فكيف يواجهون أنفسهم أمام هذه الحقائق المتناقضة؟ وكيف يقنعون أتباعهم بأنهم "شرعيون" وأنهم أصحاب السلطة الحقيقية؟ فمن كان عليه أن يستأذن غيره قبل أن يتحرك في بيته فهو لا يملك الحرية ولا الرجولة والإرادة ولا الشجاعة الضرورية ليكون إنسانا سويا على الأقل.