اليمن بالحبر الغربي -
سيطر رجال الأعمال الجشعون المرتبطون بالفصائل المتحاربة على الميناء والبنية التحتية النفطية للعاصمة المؤقتة عدن، وجردوا الدولة اليمنية مما تبقى لها.
ينتظر العشرات من طالبي المساعدة في منزل رجل الأعمال اليمني أحمد صالح العيسي بالقاهرة، ويتجاذبون أطراف الحديث مع حراسه الشخصيين، في الشقة التي تجمع حولها زملاءهم اللاجئين في العاصمة المصرية، التي فر إليها زهاء مليون يمني منذ بدء الحرب عام 2014. استقبلهم العيسي في مكتب مزين بأوراق حائط لمناظر طبيعية ذات إطارات ذهبية من ريف فرنسا في القرن الثامن عشر. وموّل العيسي علاج أحدهم في المستشفى، وساعد آخر بدفع منحة جامعية له، ويقوم بذلك للناس بغض النظر عن الخلفية الاجتماعية أو الآراء السياسية لزواره؛ فهو رجل يغض الطرف عن تلك التفاصيل.
العيسي، البالغ من العمر 54 عاماً، والمعروف بـ«القرش»، رجل مضطرب، فقبل عام واحد كان يعتقد أنه ملك النفط في اليمن، وكان يصارع للسيطرة على ميناء عدن، الذي تصل إليه سفنه حاملة الذهب الأسود. رأى العيسي نفسه أكبر من الدولة، التي كان يساعد على امتصاص دمها، مع الحرص على عدم القضاء عليها بالكامل، وكان يحلم بأن يكون رئيساً لليمن، بديلاً لحليفه الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي (2012-2022)، الذي ساهم في النجاح المالي للعيسي أكثر من أي شخص آخر. عمل العيسي كمصرفٍ خاص لحكومة هادي، وادعى أنه أنقذ الحكومة من الإفلاس عامي 2015 و2016 وسد عجز الميزانية حتى عام 2019.
لكن عدن، التي عانت من احتكاره - ولسوء حظه، طردته من أراضيها، وأصبح عاجزاً عن زيارة أكبر ميناء في البلاد والمدينة التي ولد فيها عام 1967 التي أصبحت الآن «العاصمة المؤقتة» لليمن منذ 2014، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء. العيسي رجل قصير، ذو شارب خفيف شائب، بطيء الحركة، بارد، ذكي، ويظهر لباقةً مثيرةً للإعجاب، ويتحدث عن نفسه مستخدماً ضمير الغائب، قائلاً: «قلتم إن العيسي يتحكم في الجو والبر والبحر؛ لكن انظروا إليهم الآن». منذ أن فرض الأسياد الجدد سيطرتهم على عدن وطردهم سفن العيسي في هذه العملية، لم تصبح المدينة أفضل حالاً على الإطلاق. العيسي ساخراً ومتوعداً، يتحدى من انتصروا عليه أن يجدوا أسباباً لمقاضاته بتهم الفساد.
هُزم العيسي في معركة تقرير المفترس والضحية، ومساعي البحث عن ثروات عدن، حيث أعلنت المليشيات المستقلة الحالمة بإحياء جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة (كانت الدولة الماركسية الوحيدة في تاريخ العالم العربي 1967-1990) سيطرتها على ميناء عدن، وعرضت الميناء على رجال أعمال جنوبيين موالين لهم. أما السعودية فحمت الرئيس هادي وأبناءه وزمرة رجال الأعمال في دائرتهم، ومنهم العيسي، لمدة 10 سنوات؛ ولكنها سئمت منهم أخيراً، وتم إجبار الرئيس هادي على الاستقالة في 7 نيسان/ أبريل المنصرم.
عدد الوفيات التي تسبب بها الوضع البائس في اليمن منذ عام 2015 أكبر من عدد الوفيات الناتجة عن المعارك؛ فالموت يقبع في براثن الفقر، وأركان المستشفيات المتهالكة، وفي نقص الخدمات الأساسية، وسيطرة أمراء الحرب على الموارد الضئيلة في واحد من أفقر البلدان في العالم. يتصارع الجميع للسيطرة على كل شيء، بدءاً من أكبر موانئ البلاد في عدن، الذي يظهر لنا صورة مصغرة عن هذا الصراع الذي لا ينتهي.
يقع الميناء على سفح بركان خامد يسمى «جبل شمسان» في قلب خليج بديع. في صباح رائع من هذا الربيع، يعمل سكان عدن في الصيد دون قوارب، وقوفاً في المياه الضحلة، بأقدام غائرة في الوحل، يجمعون ما اصطادوه من سمك في أكياس بلاستيكية. السماء تملؤها أصداء أصوات الغربان الصاخبة، الطيور غير الأصيلة في البلاد، التي جاءت إلى المنطقة غازية برفقة السفن القادمة من الهند في القرن التاسع عشر إبان الاستعمار البريطاني، حين سيطرت البحرية الملكية البريطانية على هذا الميناء الاستراتيجي عام 1839 الذي يقع في موقع مثالي على مصب البحر الأحمر وبالقرب من مضيق باب المندب بين أفريقيا والشرق الأدنى، وحوّلها التاج البريطاني إلى إحدى أكبر محطات الحركة التجارية على وجه المعمورة، واستمرت كذلك حتى بعد الحرب العالمية الثانية.
يخضع مدخل الميناء لحراسة مصفحتين على متنهما رجال مليشيات يترنحون تحت وطأة حرارة الجو، ويتلقون أوامرهم من المجلس الانتقالي الجنوبي، الموالي للسعودية والإمارات. يدعي المجلس الانتقالي أنه حركة تحرير وطني تعِد بالتخلص من ظلم الشمال وإعادة استقلال دولة الجنوب التي قامت عام 1967 بعد رحيل الاستعمار البريطاني وأصبحت جزءاً من اليمن الموحد عام 1990 إلا أن أبناءها عانوا من القمع في ظل دولة الوحدة. كان هناك تنافس بين الانفصاليين وحكومة هادي منذ عام 2015، وطرد الانفصاليون وزراء هادي من المدينة ثلاث مرات، وقواتهم تسيطر على شوارع المدينة دون منازع تقريباً، وكما قال مسؤول حكومي رفيع المستوى: «انتهى بهم الأمر إلى الإطاحة بالعيسي من خلال السيطرة على الأرض، فمليشياتهم تأمر وتنهى وتمنع في الميناء».
لا تنتج اليمن أي شيء، أو تنتج القليل جداً، حيث إنها تستورد 80 في المئة من غذائها، وتتوجه معظم البضائع من عدن إلى مناطق الحوثيين في الشمال، التي تقطنها غالبية السكان. وجهت الحكومة ضربة قوية للميناء الوحيد الذي يسيطر عليه الشيعة في الحديدة (شمال اليمن على البحر الأحمر)؛ وذلك بحظر جميع واردات الوقود هناك تقريباً عام 2016. ويتهم الحوثيون الحكومة بشن حرب اقتصادية، وأن السكان هم أول ضحايا تلك الحرب.
يُخزن النفط بميناء عدن في صهاريج تقف إلى جوار أنقاض المصفاة البريطانية السابقة التي أُغلقت منذ بداية الحرب. استمر العيسي في السيطرة على النقابات والإدارة حتى عام 2019، وفاز بشكل دائم تقريباً بمعظم مناقصات استيراد النفط التي أعلنتها حكومة هادي. أما اليوم فيتولى الانفصاليون من المجلس الانتقالي الجنوبي زمام الأمور، ويقدمون أسعاراً تفضيلية للرجل الذي حل محل العيسي، عبدالله البُصيري.
بحسب مصادر حكومية، يتولى ملك النفط الجديد في الجنوب توريد ما يقارب نصف النفط إلى عدن، أي صفقات تبلغ قيمتها 400 مليون يورو شهرياً. وقال المصدر: «يعد البُصيري الذراع المالي القوي للإدارة العليا للمجلس الانتقالي الجنوبي». وبحسب باشراحيل هشام باشراحيل، صاحب جريدة «الأيام» اليومية التي أسسها والده عام 1958 في عدن: «يشترك تسعة رجال في توريد المشتقات النفطية». ويأتي البُصيري في الترتيب الأول، والعيسي حالياً هو الأضعف. البُصيري الثلاثيني الذي يزن أكثر من 100 كيلوجرام يدير شركة كانت بداياتها كمكتب صرافة صغير أسسه والده في تسعينيات القرن الماضي في المكلا، الميناء الهادئ جنوب شرق البلاد. يمتلك المجلس الانتقالي نفوذاً في محافظة حضرموت التجارية منذ القدم، وينتشر المغتربون الحضارم من الخليج إلى جنوب شرق آسيا. لكن الحضارم قلقون من خطط استقلال الجنوب، حيث يقول المصدر الحكومي: «يستخدم العيسي تجارته للحصول على السلطة. أما البُصيري فلا يهتم بذلك الأمر، فهو لا يتبع أيديولوجيا معينة ولا يهتم بالسياسة، وكل ما يهتم به هو المال».
اشتهر رجل الأعمال البُصيري بعد عام 2016 عندما طردت الإمارات جهاديي «القاعدة» الذين سيطروا على المكلا من الميناء. وكون أعضاء «القاعدة» يجيدون الإدارة فقد خفضوا الرسوم الجمركية للميناء وطوروا أعمال الميناء، وهو ما عاد بالفائدة على العاملين في مجال الصرافة. دخل حينها مكتب الصرافة الصغير الخاص بالبُصيري، الذي كان يعمل في تجارة الذهب، في استيراد النفط. وقال باشراحيل: «استثمر البصيري في المجلس الانتقالي الجنوبي ومنحهم مشتقات نفطية مجانية خلال أزمة 2019 عندما طرد الانفصاليون الحكومة من عدن للمرة الثانية».
يتساءل العديد من العدنيين عن مصدر الأموال التي مكنت البُصيري من دعم هذا الانقلاب، فهو لا يمتلك حتى ناقلة واحدة، ويستأجر السفن لنقل النفط، على عكس العيسي الذي بنى إمبراطوريته من أسطول مكون من 18 سفينة. ورغم تقدم العيسي في السن إلا أنه يبقى الأكبر في اليمن. يقول مصدر حكومي: «البُصيري كان نكرة قبل أن تخرجه الإمارات من المكلا وتجعله مشهوراً، كونه أفادهم أثناء سيطرتهم على الميناء والمنطقة المحيطة [في نيسان/ أبريل 2016]، ثم وسع أعماله بفضلهم». وأضاف المصدر: «عندما حان الوقت عُرِض على البُصيري أن يحل محل العيسي».
ما من دليل ملموس على أي صلة بين البصيري والدولة الراعية للانفصاليين؛ لكن للبُصيري مكاتب في دبي، ويتفاخر بعلاقاته الجيدة مع الإمارات. وكمعظم مستوردي النفط اليمنيين، يشتري البصيري نفطه من أسواق تفتقر إلى الشفافية، ثم يشحنها من المنطقة الحرة في الحمرية على ساحل إمارة الشارقة الصغيرة. يشك العيسي في أن القوى الخليجية تفضله؛ لكنه ما يزال منتظراً الدليل على ذلك، وقال ببساطة: «البصيري رجل أعمال يسعى لضمان مصالحه». ما يزال العيسي حذراً جداً بخصوص الإماراتيين، فبعد أن ادعى منذ فترة طويلة أنهم حاولوا اغتياله في أكثر من مناسبة، أصبح يعتمد عليهم الآن لإنعاش أعماله على الساحل الصحراوي اليمني بعيداً عن عدن، فالإماراتيون نافذون في محافظة شبوة، ويساعد العيسي في تجهيز محطة نفط جديدة هناك.
يمكن لقوات عيدروس الزُبيدي بالتأكيد أن تتسامح مع القادمين الجدد؛ لكن السؤال هو: هل هم مستعدون للتخلي عن سيطرتهم على المدينة؟ فمنذ عام 2015، تتقاتل الفصائل المختلفة على الموارد في عدن، مسببة حالة عامة من الاستياء أوساط العدنيين، فمدينتهم أصبحت مدينة يغيب عنها القانون وتخضع لرحمة أمراء الحرب. يزعم مسؤول رفيع المستوى أن خدمات القتل كانت تعرض مقابل حوالى 7 آلاف دولار (6,600 يورو) منها 700 للذي سينفذ والباقي للشبكة الإجرامية المرتبطة غالباً بالجهاديين المحليين.
الزُبيدي قيادي منعزل، فهو ينحدر من محافظة الضالع الجنوبية الفقيرة، التي تمد المجلس الانتقالي الجنوبي بمعظم مقاتليه. وقد تسلل إلى الهياكل الأمنية للدولة، وربط بعض وحداته بالشرطة والجيش. قبل دخوله إلى عدن كمنتصر في نيسان/ أبريل، كان يمضي معظم وقته في أبوظبي، ويشتري ساعات الرولكس الخاصة به في الرياض، ووصفه أحد مستشاري المجلس الانتقالي الجنوبي بقوله: «الزُبيدي يمارس السلطة كشيخ قبيلة، كما فعل الرئيس السابق علي عبدالله صالح (1990-2012)، فهو يسمح للفوضى بالانتشار، ثم يصالح بين الأطراف، ويتوقع أن يكونوا ممتنين له».
القوة الرئيسية التي تقاوم سلطة الزُّبيدي ضمن الحركة الانفصالية هي الحزام الأمني، المكوّن من مجموعة من أمراء الحرب المندمجين جزئياً في الجيش اليمني، ورجال الأعمال، ومستوردي النفط، وملاك شركات صرافة. مؤسس الحزام الأمني هو هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس، وهو شاب سلفي تلقى تعليمه في السعودية، وكان من أوائل داعمي الإمارات في عدن. يجنّد الحزام الأمني أشخاصاً من قبيلة يافع في أرياف لحج والضالع وعدن. وصنف مجلس الأمن الدولي الحزام الأمني كواحد من الأطراف المسلحة في الصراع اليمني الذي جند أكبر عدد من الأطفال عام 2021.
قال أحد قادتهم: «قدوتنا اليوم هو الجيش المصري»، مشيراً إلى أنهم يتغلغلون في كافة القطاعات الاقتصادية، ويفرضون ما يعادل 14 يورو على كل 200 ألف طن من الوقود تمر عبر الميناء شهرياً، ويحتكرون حوالى 20 في المئة من تلك الواردات، بحسب مصدر حكومي. تسحب الشاحنات التابعة لإحدى الشركات التابعة لهم، واسمها «إسناد»، الوقود من صهاريج ميناء عدن دون دفع أي مبالغ أو ضرائب، ثم تبيعه في السوق السوداء وتسدد الدولة. كما يستثمر أمراء الحرب في العقارات، مستفيدين من تدفق أكثر من مليوني نازح فروا من الخطوط الأمامية؛ فمنذ عام 2015، تضاعف عدد سكان عدن ثلاثة أضعاف.
دُرّبت قوات «الحزام الأمني» تدريباً عالياً من قِبل المخابرات الإماراتية. وقال مراقب مقرب من أبوظبي: «هكذا وفّرت الإمارات جزءاً من تمويل حلفائها في اليمن بفتح أبواب الاقتصاد المحلي لهم». ومع ذلك، فإن المليشيا تمر بمرحلة سيئة، فالمدفوعات المباشرة التي تتلقاها من الإمارات آخذة في التناقص، بعد أن سحبت أبوظبي الجزء الأكبر من قواتها من البلاد عام 2020، وتزعم أنها لم تعد تشارك في الحرب، وتحافظ على نفوذها من خلال تسليح قوات أخرى. عندما يُترك الحزام الأمني دون دعم، فإنه يُغضب سكان عدن بفرض رشاوى وإتاوات لا حصر لها عند نقاط التفتيش التي يسيطر عليها.
في آذار/ مارس 2021، احتج سكان عدن بقوة على الفوضى في مدينتهم، واجتاحوا القصر الرئاسي، مما اضطر القوات السعودية إلى إنقاذ رئيس الوزراء، معين عبدالملك، الذي يشغل المنصب منذ أواخر 2018، ويقيم في الفيللا المحصنة الواقعة على منحدر صخري حاد. وبحسب أحد المقربين منه، يعتقد معين أن العيسي حاول إطلاق النار عليه في ظل هذه الاحتجاجات. الشيء الوحيد المؤكد هو أن العيسي يكره «معين»، فقد انقلب عليه الأخير بإلغاء العقود الحكومية التي كان يستفيد منها العيسي، ولم يستوعب رجل الأعمال خيانة المسؤول الحكومي حتى الآن؛ كون العيسي لم يكن يعتبر «معين» شخصاً ذا أهمية.
ادعى معين عبدالملك أن الدولة ما تزال تدفع ديونها للعيسي. وأكد أن خلافهما «ليس له أي أبعاد شخصية، فقد استهدف أحد الشخصيات القريبة من السلطة، والآن يجب عليه التعامل مع عشرة حلوا مكانه؛ لكن الأمر أسهل. في الأول من كانون الثاني/ يناير، حاول رئيس الوزراء التعامل مع هذه الفئة القليلة من خلال منح شركة النفط اليمنية المملوكة للدولة الحق الحصري في بيع وشراء الوقود في الميناء. ورغم محدودية مواردها إلا أنها تأمل منع المستوردين والموزعين من زيادة أسعار المشتقات النفطية.
لكن هذه العملية لم تجرِ بسلاسة، فبعد ثلاثة أيام، أخلت مليشيا انفصالية بقيادة الزبيدي مكاتب الشركة، وما تزال سيارتان تابعتان للحركة الانفصالية تقفان أمام الباب لمنع مدير الشركة من دخولها. كما أن النشاط الرسمي يُغضب الكثير من السماسرة الذين يقومون بأكثر من ثلثي تعاملات المشتقات النفطية بعيداً عن رقابة أي تنظيم مصرفي.
ضغط البنك المركزي في عدن، التابع للحكومة منذ نهاية عام 2021، نحو إعادة هيكلة داخلية لمواجهة الحوثيين. يتكون أمن مبنى البنك من مرتزقة سودانيين مدفوع لهم من السعودية. الحساب البنكي الرئيسي للبنك موجود في البنك الأهلي السعودي بمدينة الرياض. في السابع من نيسان/ أبريل، تعهد مجلس التعاون الخليجي بتقديم 3 مليارات دولار للبنك لمساعدته على خفض معدلات التضخم.
لكن البنك المركزي بعدن في حالة يرثى لها، فقد شغل خمسة محافظين منصب محافظ البنك خلال السنوات الست التي قضاها البنك في التنافس مع فرع البنك في صنعاء، وبدأ أول محافظ مهامه بتحديد راتبه بمبلغ 40 ألف دولار أمريكي شهرياً، أعلى من راتب رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ثم صمم طبعة نقدية جديدة تحمل توقيعه.
طبعت حكومة هادي أكثر من 3 تريليونات ريال من الطبعة الجديدة في روسيا حتى أواخر عام 2021؛ ولكن انتهى بها الأمر أن أصبحت عديمة القيمة حين حظر الحوثيون استخدامها في مناطق سيطرتهم. وقال المسؤول المالي في عدن: «الحوثيون محقون؛ فقد كنا غير مسؤولين، وأكملنا تقسيم البلاد من خلال فرض عملة جديدة، أضف إلى ذلك أن النقود الجديدة لا تذهب إلى البنوك، بل إلى الصرافين مباشرة. هذه ليست السوق السوداء، بل سوق واقتصاد اليمن الحقيقي».
هكذا يجني السماسرة اليمنيون ثروتهم، فهم يجلسون على الخط الفاصل بين الشمال والجنوب، يصرفون الريال الجديد إلى دولارات، والدولار إلى الريال القديم. ويقول محمد عوض رئيس جمعية الصرافين بعدن: «الجميع بحاجة إلينا!». يقضي وريث العائلة التجارية العريقة، البالغ من العمر 35 عاماً، معظم وقته في الأردن بعيداً عن فوضى مدينته، ويشعر بالحرج من سمعة مؤسسته بأنها تتربح من الحرب. ولذا شرع هو وعشرات من زملائه في تأسيس «أكبر بنك في عدن»، سعياً للحصول على الاحترام، وتجرى مفاوضات بهذا الصدد مع الدولة التي تفحص حساباته المصرفية طيلة العقد الماضي، بحثاً عن أي معاملات مشبوهة.


لويس إمبرت
صحيفة «لوموند» الفرنسية