«لا» 21 السياسي -
تبرز أعمال المنظمات «الإنسانية» التجسسية في اليمن من خلال إدخال عناصر استخبارية أجنبية كموظفين لديها وتنفيذ مشاريع تسعى من خلالها إلى جمع معلومات تمس الأمن القومي اليمني بمفهومه الشامل وتعاطيها مع معلومات تفصيلية وسرية ورفع تقارير ذات طابع سياسي وأمني واقتصادي بعيداً عن وظيفتها التي تعمل تحت غطائها، والتي تكون في الغالب في الجانب الإنساني والحقوقي؛ ومن ذلك:
في منتصف نيسان/ أبريل 1967، ألقت أجهزة الأمن في منطقة الراهدة القبض على العميل الأمريكي «ريتشارد بيجاليف»، الذي كان يعمل في النقطة الرابعة (الوكالة الأمريكية للتنمية يو إس ايد) بينما كان قادماً من عدن، وعثر في سيارته على ثلاث بندقيات و144 طلقة وبندقية خرطوشة للصيد وآلة تصوير. وفي 25 من الشهر نفسه، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على أمريكيين يعملان في النقطة الرابعة يدعيان «ستيف ليابس» و»هارولد هاتمان» كانا قد أطلقا في اليوم نفسه أربع قذائف بازوكا على مخزن للذخيرة في مدينة تعز وعلى مقر القيادة العربية والكلية الحربية، وكان ذلك سيؤدي إلى نسف المدينة بأكملها، حسب بيان حكومي يمني، وقتذاك.
بعد العدوان تم إدخال ضباط استخبارات أجانب تحت حماية الأمم المتحدة، ومن ذلك ما أثبتته التحقيقات بشأن تورط مكاتب تابعة للأمم المتحدة في إدخال شخصين أمريكيين (مارك ماكلستر، جون هيمن) للعمل في فندق «الشيراتون» وهما ضابطا مخابرات كانا يعملان في السفارة الأمريكية سابقاً.
أدخلت منظمة الصحة العالمية موظفاً باسم مدير مكتب المنظمة في عدن وانتقل إلى صنعاء، ويدعى هنري دولين، بحجة المشاركة في مواجهة وباء الكوليرا، واتضح أنه ضابط يعمل في استخبارات البحرية البريطانية.
وكانت الفضيحة التي كشفت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لـ آدام غولدمان وإيريك سميت (حزيران/ يونيو 2017) عن ضلوع منسق المعونات الإنسانية في اليمن والمدير القُطري لمجموعة «التنمية عبر المحيطات»، سكوت داردن، بمهام أساسية تجسسية تحت مظلة إنسانية قبل أن تقبض عليه الأجهزة الأمنية اليمنية، بحسب الصحيفة.
وتورد الصحيفة تفاصيل عمل داردن المقنع تحت شعار العمل الإنساني كنموذج لعشرات الجواسيس الذي يعملون تحت مظلة منظمات إنسانية في اليمن، وهي التي تؤكد في الوقت ذاته أنه وأثناء القبض على داردن في آذار/ مارس 2015، كان نحو 125 مستشارا من العمليات الخاصة يعملون بشكل وثيق مع الجيش اليمني وقوات مكافحة الإرهاب آنذاك.
وتضيف الصحيفة في تقريرها أن داردن يعمل تحت منظمة اليونيسيف والصليب الأحمر؛ لكن عمله الرئيسي والسري كان يتمثل في إرسال «مواد» لقوات النخبة العسكرية الأمريكية، والترتيب مع القوات الخاصة الأمريكية، بالإضافة إلى الإشراف على «شحنات الكوماندو»، بموجب عقد سري مع البنتاجون، والحديث هنا للصحيفة الأمريكية.
وتقول الصحيفة أيضاً إن سكوت داردن كان مديرا قُطريا في «التنمية عبر المحيطات»، وهي شركة لوجستية مقرها نيو أورليانز الأمريكية، ومتخصصة في نقل البضائع إلى المناطق الساخنة الأكثر خطورة في العالم، وتنتمي إلى مجموعة صغيرة من الشركات تقدم «مساعدات إنسانية للنساء والأطفال» للذين يعانون من المجاعة، وفي الوقت نفسه تساعد على إنشاء منازل آمنة وتوفير شبكات لوحدات الكوماندوز السرية التابعة للجنود الأمريكيين.
ورغم أن اليونيسيف نفت علمها بأن «عبر المحيطات» تساعد الجيش الأمريكي، فإن قصة داردن تضع الكثير من التساؤلات حول عمل هذه المنظمات ومدى استغلال الأمريكيين لها، لاسيما في ظل تأكيد الصحيفة أن داردن قاد عقوداً معها ومع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأشرف على عشرات الموظفين والمكاتب في صنعاء وفي عدن والحديدة، باعتباره رئيس عمليات «عبر المحيطات» في اليمن.
وما يزيد الشكوك حول استغلال هذه المنظمات من قبل الاستخبارات الأمريكية، هو نقل الصحيفة عن ستة مسؤولين سابقين وحاليين في الولايات المتحدة الأمريكية تأكيدهم وجود عقود سرية مع الجيش الأمريكي وتلك المنظمات أو الشركات العابرة، لاسيما في اليمن.
وتساءلت الصحيفة عن الدافع وراء داردن، وهو من الوزن الثقيل، بحسب الصحيفة، للذهاب إلى اليمن رغم تحذير مسؤولي العمليات الخاصة له من عدم الذهاب إلى اليمن، كما فعل سام فاران، الذي كان يعمل خبيرا أمنيا في شركة «ترانز أوشنيك» في سفارة الولايات المتحدة في اليمن؛ لكن أساليب الاستخبارات الأمريكية وسوء استغلالها للمسلمين ومواطنيها ربما ستجر غيره إلى المستنقع اليمني أيضا.
واعترفت الصحيفة ضمنياً أن ثورة الواحد والعشرين من أيلول/ سبتمبر عرقلت جهود الحكومة الأمريكية للقيام بعمليات استخباراتية في اليمن، بعد أن كانت اليمن واحدة من أكثر مناطق الصراع نشاطا لقوات العمليات الخاصة في مرحلة ما بعد الـ11 من أيلول/ سبتمبر، بحسب الصحيفة.
ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» عمل داردن قبل أن يأتي اليمن في ميرسك، وهي شركة للنقل والخدمات اللوجستية، في الكويت، ثم انتقل في خدمة «فلهلمسن» للسفن في الفترة من 2010 إلى 2012، كما أشرف على عودة أكثر من 40 ألف جندي أمريكي يغادرون العراق عبر موانئ العقبة والأردن وأم قصر في العراق.