بقعة ضوء حالمة ابتعلها نظام٧/٧ 

استطلاع: طلال سفيـان / لا ميديا -
كان شكري كاتبا رياضيا وطنيا عملاقا فريدا من نوعه. كان يحلم بوطن جميل ورياضة عريقة و... و... و... وديمقراطية الكلمة، مع رفيقه الراحل عبدالحبيب سالم.
له أعمدة صحفية يومية في العديد من الصحف المشهورة. وكانت له جملته المشهورة في ذيل كل عمود: "ولا تزال مدينة تعز تحلم". ومن هنا انطلق وصف مدينة تعز بـ"الحالمة"؛ مدينة الحلم والمعاناة.
برز شكري منذ منتصف السبعينيات في رياضة "الجمهورية". وكان يطلق عليه لقب "عميد الإعلام الرياضي بمحافظة تعز". تتلمذ على يده العديد من الصحفيين والأقلام الرياضية بالوطن وتعز. وكان صاحب حس وخيال واسع أثناء الكتابة، وفي مشواره اليساري النضالي.
صحيفة "لا" فتحت الحديث عن المشوار والمعاناة والاختفاء، في استطلاع شمل زملاءه وتلاميذه وعشاق هذا الرجل الذي عاش ورحل حالماً.

آلام اشتراكي لا يحيد
الأستاذ محمد علي شكري، نجم وكابتن نادي طليعة تعز في السبعينيات وحتى مطلع الثمانينيات، ثم رئيس النادي فترات عدة خلال الثمانينيات والتسعينيات، يقول عن الصحفي الكبير شكري عبدالحميد إنه كان من الصحفيين المميزين ويمثل منبرا إعلامياً ومدرسة في الصحافة الرياضية، وكان هناك مجموعة أقلام رائعة، وبما أن السؤال عن شكري عبدالحميد فقد كان إنسانا نبيلا خلوقا في تعامله مع الجميع قبل أي حديث.
ويذكر شكري (الخطاط الأكثر شهرة) أن الصحفي شكري عبدالحميد هو من أطلق على تعز تسمية "الحالمة"، و"كان دائما يجلس معي ويذاكر الدروس لأبنائي لتحسين مستواه المعيشي، وكنا نلتقي ونخزن معا، وكان يتميز بالبساطة ولم يدخل في خلاف مع أحد ولا يغلط على الآخرين ولا يسيء لهم ويحظى بمحبة وتقدير الجميع من أبناء تعز ومن جميع الأندية".
ويضيف: "الصحفي شكري عبدالحميد كان من ضمن الناشطين مع نادي الطليعة في النشاط الثقافي، وكان يجيد لعبة الشطرنج ولديه عقلية وذهنية نظيفة، وكنا نلعب معا وكنت أفوز وأحصل على جوائز تقديرية".
وبألم الأخ والصديق الوفي يقول محمد علي شكري: "بحكم أنه كان معروفا بانتمائه للحزب الاشتراكي فقد واجه شكري عبدالحميد تعسفا وظلما ومحاربة في عمله أثرت عليه نفسيا، وبعد حرب 1994 حصل على منحة للسفر إلى القاهرة، ومن حينها لم نعد نسمع عنه شيئا ولم نعلم إن كان ما يزال حيا أو ميتا أو تعرض للتصفية. لا يوجد دليل على أي شيء، حتى أنني حرصت على السفر إلى القاهرة والبحث عنه مع مجموعة من الأصدقاء وذهبنا إلى المستشفيات وكل الأماكن وبحثنا عنه باسمه أو لعله يكون قد أدخل المستشفى بأي اسم آخر؛ لكن لم نجد أي معلومة. أدعو له بالرحمة حيا أو ميتا".
ووجه محمد علي شكري الشكر وآيات التقدير لصحيفة "لا" وملحقها الرياضي على هذه اللفتة الطيبة بتذكر الرموز والشخصيات الوطنية التي تستحق كل التقدير.
الإعلامي الرياضي فضل الذبحاني من جهته، يقول في مطلع حديثه عن الفقيد: "ربما لا يعرف غالبية الناس أن شكري عبدالحميد كان اشتراكيا ومنظرا يساريا، وقد اختفى في آب/ أغسطس 1994 أيام حرب الانفصال. قبل اختفائه بأيام وجدته الساعة واحدة ليلا داخل باب الكبير وبالتحديد في بوفيه أحمد جنة، وتبادلت معه الحديث".
ويكمل: "الأستاذ شكري عبدالحميد قلم رياضي وسياسي كبير، وكان يعاني من حالة نفسية منذ مطلع التسعينيات حتى لحظة اختفائه نهائيا. والحمد لله أنني تتلمذت على يده وتعلمت أبجديات الصحافة الرياضية بداية العام 1987، أي أني من الجيل الذي بعد الأستاذ ماهر المتوكل والقائمة تطول. أيضا هو من أطلق على تعز "الحالمة"، لذلك الحديث يطول عنه، وعليكم أن تسألوا الأستاذ محمد على شكري، الذي يعتبر أخاه الذي لم تلده أمه، وأيضا الأستاذ علي سرحان والأستاذ بدر الشيباني، والأستاذ علي ناجي الرعوي، فهو من عينه رئيسا للقسم الرياضي في صحيفة "الجمهورية"، وقد كان له أخاً وصديقاً وصاحباً. ولا ننسى الأستاذ شوقي اليوسفي، الذي كان للمرحوم بمثابة أخ وصديق وزميل. لذلك فإن الحديث يطول عن عملاق الصحافة الرياضية وصاحب العمود الشهير "نظرة رياضية" في صحيفة "الجمهورية"".

رحلة على الطريق
يتحدث الأستاذ علي ناجي الرعوي، الذي كان أول من تولى رئاسة القسم الرياضي بصحيفة "الجمهورية" بعد الصحفي السوداني صلاح ذهب، وتولى بعدها سكرتير تحرير الصحيفة وتدرج حتى وصل لرئاسة التحرير، ثم رئاسة تحرير صحيفة "الثورة" ورئيس مجلس الإدارة، وتم انتخابه رئيسا لاتحاد الصحافة الخليجية؛ يقول عن الصحفي الأستاذ شكري عبدالحميد: "كان يساهم معنا في كتابة التحليلات والمقالات، وكان صحفياً ممتازاً، وكان حينها في نادي الطليعة هو والصحفي بدر الشيباني. وبصراحة شكري عبدالحميد كان مبدعاً في الأساس، اشتغل مع صحيفة "الجمهورية" بالقطعة، وتوليت أنا رئاسة القسم الرياضي، وهو بعدي كان يشرف على الصفحة الرياضية بعد أن تم تعييني سكرتيرا للتحرير، وكان يكتب أعمدة وتحليلات عن المباريات، وكان أنيقاً بكتاباته، ولديه مميزات كثيرة؛ غير أنه تعرض لظروف ربما عائلية أصابته بحالة نفسية".
ويضيف الأستاذ علي الرعوي بالقول: "شكري عبدالحميد كان صديقي جدا، وعملنا مع بعض، ورافقنا بعثات ومنتخبات رياضية في عدة مشاركات خارجية. في دورة الألعاب الآسيوية عام 1982 بالهند، كنت أنا وهو والمرحوم عبدالواحد الخميسي. هو شخص رائع في تعامله مع الجميع، وكنا من رواد ومؤسسي اتحاد الإعلام الرياضي بتعز، نحن ومجموعة من الشباب والأقلام المميزة. وكان اتحاد الإعلام الرياضي بتعز الأفضل والمميز بين الاتحادات، وكنا نعطي الرياضة مساحة واسعة من المتابعة والتحليلات والكتابة. وأمام موهبته كان سيكون له مستقبل رائع؛ ولكن الظروف التي حصلت له أثرت سلبيا على نفسيته. وندعو له بالرحمة حيا أو ميتا".

عطر الحرف وبهاء الكلمة!
الإعلامي شوقي اليوسفي، ناشر ورئيس تحرير "نبأ الحقيقة"، قال بنبرة وآهات ألم:
"حين يُطلب منك أن تكتب أو تتحدث عن شخص تتلمذت على يديه وعشت معه أجمل سنوات عمرك ثم اختفى ولا تعلم هل مازال حيا أم أنه فارق الحياة، فأنت تكتب عن حدائق ورد وعواصف رعدية في آن واحد. الحديث عن إنسان ينبض قلبه جوف صدرك ليس بالأمر السهل. والأستاذ المعلم والصحفي المعجزة شكري عبدالحميد لم يكن مجرد زميل عمل، بل هو كتف قوي استندنا عليه يوم كانت الدنيا تدور بنا يمنة ويسرة. كنت أنا شخصيا أجهل المعنى الجميل لوظيفة الصحفي. ولولا الأستاذان علي ناجي الرعوي وشكري عبدالحميد لما تمكنت من أن أخوض المعترك وأحوز بطاقة نقابة الصحفيين اليمنيين فأصبح صحفيا معترفا به.
الأستاذ علي ناجي الرعوي سخر لي الزمان والمكان، فتعلمت في مدرسته كيف أصبح كاتبا في مجالات عدة، أهمها كتابة الخبر والتحقيق الصحفي والمقال... وقد أوفدني لحضور دورات في الصحافة خارج اليمن ثقة بكوني طالب صحافة على غرار طالب العلم. والأستاذ الغائب الحاضر شكري عبدالحميد كان عونا لي في صقل موهبتي، وبالتحديد في كتابة المقال الرياضي. أتذكر أن العمل في القسم الرياضي بمؤسسة "الجمهورية"، الذي كان يديره الأستاذ شكري، لم يكن أمرا سهلا، فأنت تقف يوميا أمام قلم جميل ومهما بلغت من الموهبة فلن تستطيع اللحاق به. كان للأستاذ المفعم بالإنسانية شكري جمهور كبير، وكانوا يعدونه الرقم واحد في طابور الصحافة الرياضية على المستوى المحلى، بينما كنت أنا أراه معجزة الله على الأرض، فقد كان يكتب المقال أو الخبر الرياضي في أي ظرف كان ولا يستغرق الأمر عنده سوى دقائق معدودات ثم تقرأ نصا شعريا وليس مقالا رياضيا. حرصت على مدى سنوات أن أكون إلى جواره، أقرأ ما يكتبه قبل النشر، وأكرر ذلك بعد النشر؛ وهل يمل المرء قراءة قصائد نزار قباني؟! كنت ومازلت أحسبه الأفضل، ينقش بماء الذهب حروفا لها رائحة العطر، صالحة لكل زمان ومكان.
اختفى الأستاذ شكري بعد أحداث 94 التي عصفت بالبلاد ولم يؤكد أحد وفاته بشكل رسمي، حيث لم ير أهله وذووه ومحبوه جثته. ولهذا ومنذ ذلك الوقت وأنا أنتظر عودته. فإن كان مازال حيا فستكون عودته رحمة لمحبيه، وإن كان قد فارق الحياة فرحمة الله تغشاه من أب وصديق وزميل ومعلم لن يتكرر في حياتنا".

معلم استثنائي
يقول ماهر المتوكل، الإعلامي والتلميذ والصديق الأقرب لشكري عبدالحميد: "شكري عبدالحميد الشرماني، الأخ والصديق والمرجع والنموذج والملهم الإبداعي، طلب مني المساهمة معه في الصفحة الرياضية، وقال بأنه يتابع ما كان ينشر لي من قصائد حينها. كان ذلك عندما ذهبت ذات عصر يوم للبحث عن أستاذي الأدبي محمد سعيد سيف، الذي كان مشرفا على صفحة قرائنا يكتبون، وكنت أساهم بكتابات أدبية حينها، ومحمد سعيد سيف كان كاتب عمود يومي اسمه "نافذة"، وقاصا وروائيا، رحمة الله عليه. وكان محمد وشكري وجهين لعملة واحدة، وهي الإبداع والتفرد، فهما يمتلكان روحا شعرية شعبية كالأبنودي عبدالرحمن، ورحابة وأفق جبران خليل جبران، وإنسانية خاصة لا يشبه فيها أحدا. وشكري الذي أطلق لقب "الحالمة" على تعز لثقته كما قال بأن تعز وأهلها يحلمون بالريادة والتطور في الرياضة والثقافة والتنمية وفي الجمال. كان استثنائياً بصمته وحديثه النادر؛ كونه كان مقلا في الحديث، وخجولا، وكان يمتلك الدنيا وتغمره السعادة عندما كنا نصادف أي مشجع أو رياضي يثني على مقال كتبه. رحمة الله تغشاه إن مات، وأطال الله في عمره إن كان ما يزال على قيد الحياة".
بدوره الصحفي عبدالكريم الرازي، مدير الإعلام بصندوق رعاية النشء والشباب والرياضة، تحدث عن شكري عبدالحميد بالقول: "تعرفت على الأستاذ شكري عبدالحميد في النادي الأهلي بتعز، من خلال متابعته للأندية الرياضية. وكنت قد بدأت أكتب في صحيفة "الجمهورية" بصفحة القراء، مع الأستاذ عبدالواحد ثابت، الذي نشر لي أول مقالاتي بعنوان "بدون زعل"، وبتشجيع من الأخ حفظ الله طميم. وعندما وجدت الأستاذ والهامة الإعلامية شكري عبدالحميد بالنادي الأهلي رحب بي وشجعني، وقال إنه سيكون لي مستقبل بالكتابة، ودعاني للمساهمة في الصفحة الرياضية.
الأهم أن الأستاذ شكري عبدالحميد كان بالنسبة لنا كاتبا مميزا، وتعلمنا منه أسلوب الكتابة المتفردة، وكأنك تقرأ مقالا بأسلوب قصصي مشوق. لم أكن محظوظا كثيراً؛ لأن الفترة التي كنت أسعد فيها بلقاء الأستاذ شكري كانت قليلة. وللأمانة أنه كان مدرسة متفردة بالأسلوب وتشجيع المواهب الصحفية ومساعدا كبيرا لأبناء قريته (الصراري شرمان جند التعزية) في تعليمهم بمراجعة الدروس. أدعو له بالرحمة حيا وميتا".

ريشة رسمت ملامحنا
من جهته تحدث الكابتن حيدر علي صالح العراسي، نجم الفريق الكروي الأول بنادي طليعة تعز في فترة الثمانينيات: "شكري الحالمة، الأستاذ شكري عبد الحميد، أحد أنبل القامات الإعلامية الرياضية، الذين افتقدناهم بهدوء ودون أن يحظوا بالتكريم الذي يستحقونه حتى اليوم، رغم ما قدمه للرياضة، لذا ظلت كتاباته وعباراته المميزة عالقة ومحفورة في الذاكرة، ذاكرة التاريخ وذاكرة الجماهير، بل عزف بقلمه أروع السيمفونيات البديعية التي تحبها الروح، راسما صورنا كلاعبين في عيون وقلوب الجماهير في زمن جميل كروحه الجميلة، وكان له الفضل في بروزنا كرياضيين".
ويضيف نجم دفاع الطليعة: "لا أجد في الأخير إلا ما قاله زميلي في الطليعة النجم العملاق مضر السقاف عن فقيدنا الإنسان شكري عبدالحميد: أعطاه الله ملكة الكتابة كما أعطى نبي الله سليمان الملك في كل شيء... نعم، الكل كان مقصرا مع هذا الفارس النبيل، ابتداء من نادينا الذي عشقه بجنون، حتى مسؤولي صحيفة "الجمهورية". سلام الله على روحه النقية الطاهرة".

مرثية البدر
ونختتم الحديث عن شكري الحالمة بكلمات سجلها الكاتب بدر الشيباني، رفيق درب الثقافة:
"شكري عبد الحميد عرفناه رمزا من الرموز العظام المخلصين المثقفين الأمجاد التربويين لنادي الطليعة الرياضي الثقافي.
شكري عبد الحميد، الميت الحي، والحي الميت، الغائب الحاضر في قلوب الناس، الذي لم يستطع الزمن بكل مآسيه وأحزانه وأشواكه ومتغيراته أن ينزع ذكراه وأن يطويها. كان ومازال أحد الرواد العظام البارزين في مجال الإعلام الرياضي. لقد امتاز بصراحته المتناهية وجرأته في تناول القضايا ومعالجة الأمور بمصداقية وحيادية تامة. لا يعرف كيف ينافق الآخرين. يقول الحق. يتقبل التحدي، ويواجه الأقوياء في زمن القوة. "نظرة رياضية" عمود رياضي ظل يكتبه بدم قلبه. كم أزداد احتراما وترحما لهذا الرجل الذي عرفته عن قرب كما عرفه الكثير من الزملاء والأصدقاء في منبر صاحبة الجلالة صحيفة "الجمهورية"، وفي البيت الطلعاوي أخا عزيزا وإداريا متميزا وإنساناً طموحا وقلما صادقا، كريما صافي النفس والنية. ومن أجله سأتوقف قليلا في هذه المحطة، محطة الانتظار لأتحدث معه:
أيها الراحل العظيم، أخانا شكري عبد الحميد، سلام عليك من الله ورحمة. أريد أن أتحدث إليك، أريد أن أتكلم معك. رحلت عنا رحيل الغرباء بصمت وهدوء. لا أحد يعرف تاريخ ميلادك، ومتى فارقت الحياة وكيف فارقتها!
لا أحد يعرف مكان قبرك. سألت القمر. سألت النجوم. سألت حبيبتك صاحبة الجلالة. سألت المجنونة معبودة الجماهير كرة القدم. سألت أقرب الناس إليك، وأقرب المقربين ممن عرفوك وعاشروك... الكل في صمت!
الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته. وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حوله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الفاتحة إلى روح أخينا شكري عبد الحميد، وهذا أقل واجب تجاه فقيدنا العلم الغالي".