«لا» 21 السياسي -
حتى الدجاجة لم يخلوا لها حالها وحال المواطن البسيط، ولم يتركوها لشأنها وشأنه، وقد كانت آخر خياراته المتاحة للحصول على شيءٍ يكاد أن ينساه، وبالكاد أن يتذكره، كان القدماء يسمونه «لحمة»، ليجد المواطن نفسه ومنذ أواخر شهر رمضان الفائت في حيرةٍ من أمر دجاجته ومرقتها وأسباب رفع قيمتها وذيلها وفي خيرةٍ ما بين الدعممة مع أيامه أمام حقيقة مكعبات مرقة الماجي الصفراء وما بين الغمغمة مع أحلامه خلف مربعات الفلكية ماغي فرح الوردية.
لم يجد من يسأله عمن هو المسؤول عن مصادرة رائحة فرخة الجمعة من أنوف أطفاله، كما لم يلق من يجيبه عن أسباب احتجاب مدير شركة النفط وناطقها وراء طرمبات محطات الوقود وأسفل لافتات تسعيرة الزيادة المستجدة، وهو المواطن نفسه الذي لم يعثر بين كل أفكاره المبعثرة على فكرة واحدة تقوده ذات يومٍ إلى الجلوس على طاولة الحنيذ في مطاعم الشيباني أو أمام طناجر «البرَمْ» بين «نجوم الشام» وكواكب حدة، ولما ولن يظفر بعد بإحدى شقراوات فراخ أوكرانيا أو بواحدة من دجاج سيبيريا ذوات الريش الأزرق!
يقلب كفيه عجز الفهم، ويمط شفتيه فشل المضغ، ويقرأ تحذيراً بريطانياً -يقطع عنه إلحاح زوجته الممتد والمعتاد تعبئة أسطوانة الغاز وتذمرها من حجم ووزن أرغفة المولات و»كُدم» الأفران- ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية ينبه من أن خطر أزمة الغذاء قد تجتاح العالم بسبب الحرب في أوكرانيا.
وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، قالت إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلب من العالم فدية مقابل الحصول على الغذاء، بعد تصريحات روسية بشأن رفع العقوبات عن البلاد مقابل الإفراج عن صادرات الحبوب الأوكرانية.
جاء ذلك تعليقاً على ما قاله الكرملين عن أن بوتين أبلغ رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي عبر الهاتف أنّ روسيا مستعدة للمساعدة في تخفيف أزمة الغذاء العالمية؛ لكن فقط إذا رفع الغرب العقوبات.
ديفيد بيسلي، مدير برنامج الأغذية العالمي، قال، خلال اجتماع لقادة الأعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا، إن الحصار الروسي لموانئ أوكرانيا على البحر الأسود يهدد الإمدادات الغذائية لحوالى 400 مليون شخص.
وحذر مدير برنامج الأغذية العالمي الفاو من أن الأمر تفاقم بسبب الجفاف وارتفاع أسعار الوقود ونقص الأسمدة.
وأسفر عن عدم قدرة أوكرانيا على تصدير حبوبها ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية، فضلا عن زيادة احتمال حدوث مجاعات في الدول التي تعتمد على صادراتها.
وقبل الحرب كانت أوكرانيا تصدر كميات هائلة من زيت عباد الشمس والحبوب مثل الذرة والقمح.
وتنتج روسيا وأوكرانيا 30٪ من إمدادات القمح في العالم. وقبل الحرب كان يُنظر إلى أوكرانيا على أنها سلة خبز العالم؛ إذ كانت تصدر 4.5 مليون طن من المنتجات الزراعية شهرياً عبر موانئها.
وقالت الأمم المتحدة إن حوالى 20 مليون طن من الحبوب عالقة حالياً في أوكرانيا منذ موسم الحصاد السابق، وإذا سمح بمغادرتها فيمكن أن تخفف الضغط على الأسواق العالمية.
وما زلنا مع المواطن الذي يستمر في مط شفتيه وتقليب كفيه وما يزال يتابع نشرات الأخبار عل خبراً يرد في إحداها يكشف له عن السبب والمسبب لحرمانه وأطفاله من دجاجة الجمعة، وعما إن كان ثمة علاقة بين مافيا الفساد والتجار وبين البرنسيسة ماجي، ويلفت انتباه جوعه تقرير صادر عن منظمة التنمية البريطانية «أوكسفام» يتحدث عن أن ثروات مليارديرات الغذاء والطاقة نمت بمقدار 453 مليار دولار خلال العامين الماضيين، 
حسب ما نقلته صحيفة (The Guardian)، ليتساءل المواطن عن عدد التجار اليمنيين الذين ساهمت أسعار الغذاء العالمية المتصاعدة في ظهورهم من بين «62 ملياردير غذاء جديداً» في ظرف 24 شهراً فقط.
لم يجد المواطن بعد الإجابة عن سبب إلغاء اجتماعه الأسبوعي مع الفراخ، ويواصل البحث في الفضائيات والمواقع الإخبارية وهو يستمع لبكاء وليده الجديد المتواصل من أجل الحليب، ليقرأ قصة خبرية توردها وكالة (Bloomberg) الأمريكية تتحدث فيه عن انتشار منشورات ومقاطع فيديو تحوي معلومات مضللة خطيرة عن وصفات منزلية لتحضير حليب الأطفال وشاهدها ملايين الناس في الولايات المتحدة التي تشهد نقصاً حاداً في حليب الأطفال، وهو ما أوقع كثيراً من الآباء في أزمة دفعتهم إلى البحث عن حلول غير تقليدية لتوفير حليب الأطفال، برغم قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن إنشاء جسر جوي واللجوء لقانون يعود إلى حقبة الحرب الباردة لحلّ أزمة نقص حليب الأطفال المستمرة منذ عدة أشهر بسبب اضطراب عالمي في سلاسل التوريد؛ لكن الأزمة تفاقمت بعد أن سحبت شركة «أبوت للتغذية» من الأسواق بعض منتجاتها مثل حليب الأطفال «سيميلاك» في وقت سابق من هذا العام.
وقد كان من المجدي ربما لو استعان بايدن بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي أشرف بنفسه على إتقان وصفة حليب «مخفف ومجفف» جديدة ومتطورة ستقدم لأطفال بلاده حسبما نشره موقع (Business Insider) الأمريكي نقلاً عن وسائل إعلام حكومية في كوريا الشمالية.
يعود المواطن من بيونغ يانغ إلى صنعاء -عبر تقرير لوكالة «رويترز»- ينقل عن المدير القُطري لبرنامج الغذاء العالمي في اليمن، ريتشارد راجان، قوله إن عدد اليمنيين الذين يعيشون في ظروف قريبة من المجاعة قد يرتفع إلى سبعة ملايين في النصف الثاني من العام 2022، من زهاء خمسة ملايين الآن.
وقال راجان: «نأخذ الطعام من الفقراء ونطعم الجياع. في حزيران/ يونيو سيتعين علينا اتخاذ بعض القرارات الصعبة بشأن احتمال خفض عدد من نطعمهم إلى خمسة ملايين فقط هم الأكثر عرضة للخطر بالفعل».
وأضاف أن احتياجات اليمن من الحبوب تبلغ نحو أربعة ملايين طن سنويا، و»نأتي بنحو 25% منها»، مردفا أن برنامج الغذاء العالمي نفسه شهد زيادة في تكاليف الغذاء والوقود تتراوح بين 25 و30 مليون دولار شهريا.
بدورها دعت مجموعة شركات هائل سعيد أنعم -أكبر مستورد للقمح في اليمن- الأمم المتحدة إلى اتخاذ تدابير استثنائية للحفاظ على إمدادات القمح، باعتباره غذاءً أساسياً يومياً لملايين اليمنيين، منبّهة في بيان إلى أن المخزون الاستراتيجي من هذه المادّة يتضاءل وينبئ بكارثة إنسانية خلال الأشهر القادمة إذا لم يحصل المستوردون على التمويل الكافي لتأمين احتياجات السوق المحلية.
واقترحت مجموعة أنعم إنشاء صندوق خاص لتمويل واردات القمح. واعتبرت أن هذه الخطوة من شأنها إيقاف أيّ كارثة إنسانية محتملة وتمكين مستوردي القمح من الوصول سريعاً إلى التمويل. كما اقترحت على مؤسّسات التمويل الدولية الإسهام في تمديد شروط الدفع لمستوردي الأغذية اليمنيين في تعاملاتهم مع المورّدين الدوليين لمدّة 60 يوماً للمساعدة في تأمين وتنفيذ العقود التجارية. وطالبت بإعطاء مستوردي القمح اليمنيين أولوية الوصول إلى إمدادات القمح في الأسواق الدولية لضمان حصول المجتمعات الأكثر عرضة لخطر المجاعة أو الجوع الشديد على ما يكفي من المواد الغذائية.
ويرى خبراء اقتصاديون في صنعاء -كما تنقل عنهم «الأخبار» اللبنانية- أن تلك الأزمة ستترك آثاراً بالغة السلبية على اليمنيين الذين يعانون من تراجع معدّلات الدخل جراء العدوان والحصار وتوقف صرف رواتب موظفي الدولة منذ ست سنوات وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وهو ما انعكس بمجمله على معدّلات الإنتاج المحلّي من الحبوب، والتي تراجعت إلى ما يقلّ عن 200 ألف طنّ سنوياً، بينما احتياج اليمن يتجاوز أربعة ملايين طنّ.
ناشطون مقربون من حكومة المرتزقة وصفوا ما جاء في بيان مجموعة أنعم بأنه محاولة جديدة لابتزاز الحكومة بهدف إشراك القطاع الخاص في لجان استيعاب التعهّدات السعودية الإماراتية. إلا أن مراقبين اعتبروا بيان أنعم بمثابة اختبار -وربما حشر في زاوية العجز- لحكومة المرتزقة، التي تسيطر على كلّ مصادر الدخل الوطني من العملات الصعبة وتُعد المسؤول الأول عن إيرادات النفط الخام اليمني، والتي بلغت العام الماضي أكثر من 1.4 مليار دولار، فضلاً عن تمويلات أخرى تحصل عليها تكفي لتغطية واردات البلاد من القمح وصرف رواتب موظفي الدولة كافة.
يزيد المواطن الغلبان من هرش شعر رأسه حيناً ونتف شعر لحيته حيناً آخر، إزاء عجزه حتى الآن عن الوصول للإجابة، ليدخل مجدداً إلى موقع ماغي فرح ويفتش عن ماجي لحمة في توقعات الغد أو الشهر أو العام القادم، ويمر وهو في طريقه إلى البرج بتصريحٍ لمصدر في حكومة صنعاء يؤكد فيه أن تواصل دخول شحنات القمح إلى ميناء الحديدة أدّى إلى ارتفاع المخزون الاستراتيجي إلى كمية تكفي لأكثر من ستة أشهر، وأن البيانات الصادرة عن مؤسسة البحر الأحمر في الحديدة تؤكد أيضاً أن الوضع التمويني من القمح والدقيق والحبوب الأخرى مستقر وآمن، حينها رفع المواطن إصبعه عن كيبورد الهاتف و»مطيبة» مرقة الماجي إلى فمه ورشف منها رشفتين، ثم بصق إحداهما على وجه صفحة ماغي فرح وعلى مرآة سرابه كواحدٍ من ملايين اليمنيين المنتمين لبرج الثور!