شهد اليرموك وشترتْ عينه فيها، فلقب بالأشتر. من أصحاب الإمام علي عليه السلام، من اليمن، من وجوه الصحابة وخيار التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم وعبادهم. شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله بالصلاح.
روى محمد بن علقمة بن الأسود النخعي، قال: «خرجت في رهط أريد الحج، منهم مالك بن الحارث الأشتر، وعبد الله بن الفضل التميمي، ورفاعة بن شداد البجلي، حتى قدمنا الربذة، فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد الله المسلمين، هذا أبو ذر، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله، قد هلك غريباً، ليس لي أحد يعينني عليه! قال: فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا، واسترجعنا على عظم المصيبة، ثم أقبلنا معها، فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى بنا عليه، ثم دفناه، فقام الأشتر على قبره، ثم قدمت الشاة التي صنعت، فقالت: إنه قد أقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تتغدوا، فتغدينا وارتحلنا».
صحب الأشتر علياً عليه السلام في «الجمل» و»صفين»، وله مواقف شهيرة فيهما. ورغم عدم موافقته على التحكيم فقد كان شديد الانضباط والالتزام بموقف قائده وسيده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
لما جاء أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام مصاب محمد بن أبي بكر، حيث قتله معاوية بن خديج السكوني في مصر، جزع عليه جزعاً شديداً، ثم دعا مالك الأشتر، وولّاه على مصر سنة 38 هجرية، وكتب له عهده، وكتب معه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من علي بن أبي طالب إلى الملأ من المسلمين الذين غضبوا لله حين عصي في الأرض وضرب الجور بأرواقه على البر والبحر، فلا حق يستراح إليه، ولا منكر يتناهى عنه، سلام عليكم، أما بعد فإني قد وجهت إليكم عبداً من عباد الله، لا ينام أيام الخوف، ولا ينكل عن الأعداء، حذار الدوائر، أشد على الفجار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث الأشتر أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا، فإنه سيف من سيوف الله، لا يأتي الضريبة، ولا كليل الحد، فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا، وإن أمركم أن تحجموا فاحجموا، فإنه لا يقدم إلا بأمري، فقد أمرتكم به على نفسي، لنصيحته لكم، وشدة شكيمته على عدوكم. عصمكم ربكم بالهدى وثبتكم باليقين».
فلما وصل إلى القُلزُمْ دسّ له معاوية السُمَّ بالسل، فتوفي متأثراً بالسم. وكان لمعاوية بمصر عين (جاسوس)، فكتب إلى معاوية بهلاك الأشتر، فقام معاوية خطيباً في أصحابه، فقال: «إن علياً كانت له يمينان، قطعت إحداهما في صفين (يعني عمار بن ياسر)، والأخرى اليوم. إن الأشتر مر بأيلة متوجهاً إلى مصر، فصحبه نافع مولى عثمان، فخدمه وألطفه حتى أعجبه واطمأن إليه، فلما نزل القلزم حاضر له شربة من عسل بسم، فسقاها فمات، ألا وإن لله جنوداً من عسل». وروى عوانة بن الحكم، قال: «لما جاء نبأ هلاك الأشتر إلى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، صعد المنبر وخطب في الناس، حتى قال: ألا إن مالك بن الحارث قد قضى نحبه وأوفى بعهده ولقي ربه، فرحم الله مالكاً، لو كان جبلاً لكان فنداً، ولو كان حجراً لكان صلداً، لله مالك وما مالك؟! وهل قامت النساء عن مثل مالك؟! وهل موجود كمالك؟!... قال: فلما نزل ودخل القصر أقبل عليه رجال من قريش فقالوا: لشد ما جزعت عليه ولقد هلك! قال: أما والله فقد أعز هلاكه أهل المغرب، وأذل أهل المشرق. قال: وبكى عليه أياماً، وحزن عليه حزناً شديداً، وقال: لا أرى مثله بعده أبدا! وقال فيه: رحم الله مالكاً، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله».