بشرى الغيلي / لا ميديا -
أن تكون جالسا بأمانٍ في بيتك وملاذك في الحياة، وفجأة ينهار فوق رأسك سقف الطابق الثالث ليصل إلى الطابق الأول.. ذلك ما حدث لمالك المنزل الأثري في صنعاء القديمة عبدالرحمن شاكر الذي وصف مأساته لـ»لا» بالقول إنه بعد انهيار منزله ومنزل الورثة صار مشردا في الشارع يحرس ما تبقى له من أثاثه بحزنٍ كبير. صنعاء القديمة المدرجة ضمن قائمةِ التراث العالمي وإحدى عجائب الدنيا السبع، تنهار منزلا تلو الآخر نتيجة قصف الطيران المعادي لليمن منذ سبعةِ أعوامٍ، ونتيجة عدم الاهتمام بترميمها بفعل عوامل الأمطار والرطوبة التي تدخل من الشقوق نتيجة الضربات الجوية حسب المهندس سامي محب الدين، خبير الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية ومدير عام مركز الدراسات والتدريب المعماري، بينما يوضح الكثير من النقاط مجاهد طامش، رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية، وأن الهيئة يقتصر دورها على الجانب الفني والإشرافي وإيراداتها محدودة حسب تصريحه، وحمّل الجهات الأخرى المسؤولية لعدم قيامها بأي دورٍ يذكر، وناشد الدولة إلزام أمانة العاصمة والمحافظات الأخرى باعتماد جميع إيرادات المدن التاريخية وتخصيصها لأعمال الحفاظ والصيانة والترميم، وأن إجمالي المنازل المتضررة بلغ 5312 منزلا.. الكثير من التفاصيل ضمن السياق.

صرتُ مشرداً
يروي عبدالرحمن عبدالله شاكر، مالك المنزل المنهار، قائلاً: إنه يوم 3/1/2022، وفي تمام الساعة 30:2 بعد الظهر كنت جالساً في الطابق الثالث، وفجأة انهار السقف فوقي تماماً حتى الطابق الأول، والحمد لله خرجت بإصابة خفيفة في يدي وزوجتي في المستشفى تعاني من مشكلة التنفس بسبب استنشاق كمية كبيرة من الغبار، ونتيجة الفجيعة تدهورت حالتها الصحية، ورغم ذلك لم تتعاون معنا أي جهةٍ حكومية أو خاصة، عدا الصليب الأحمر الذي قدم خمس بطانيات لأسرتي، وخمس فُرش، ونفس الشيء لشقيقي، وأنا الآن في الشارع، وأخذت زوجتي إلى أحد أقاربي، بالرغم من أن السلطة المحلية ورئيس الهيئة العامة للآثار ووزير الثقافة والدفاع المدني كانوا متواجدين وأتوا إلينا، وقام الدفاع المدني بنشرِ صورةٍ لمنزلٍ غير منزلنا، وصرحوا عبر صحيفة «الثورة» الرسمية بأنهم قاموا بمساعدتنا، والحقيقة غير ذلك، فأنا ما أزال في الشارع، وقالوا لي إنهم سيوفرون لي سكناً عاجلاً، ولم أجد أي شيء من تلك الوعود، ثم قالوا لي ابحث لك عن بيت ونحن نسدد لمدة شهرين خلال فترة إعادة بناء المنزل.
ويستطرد شاكر في سردِ مأساته لـ«لا»: وأنا نتيجة الصدمة وانهيار بيتنا لا أستطيع البحث ونفسيتي متعبة وجالس في الشارع أنتبه لما تبقى من أثاث منزلي وأنتظر حسب وعودهم أن تأتي الدولة ويرفعوا المخلفات ويبدؤوا البناء، ولحد الآن لم أر أحدا، وليس هناك أي تجاوب ويختم مناشدته عبر «لا» إلى الجهاتِ المختصة بالتدخل العاجل وتوفير السكن له ولعائلته ولشقيقه والأسرة التي كانوا مستأجرين في الطابق الأرضي، وأن ظروفه المادية لم تسمح له دفع تكاليف علاج زوجته بالمستشفى بعد أن أصيبت بأضرار صحية نتيجة انهيار المنزل، وأنه بات مشردا بلا مأوىً.

تحتاج عدة أسباب لإنقاذها
دعاء الواسعي، رئيسة مؤسسة عرش بلقيس، والتي لديها اهتمامات بتراث صنعاء القديمة، تحدثت لـ«لا»: تأثير القصف والأمطار على صنعاء التاريخ كبير جداً مع الإهمال من قبل الأهالي، وقلة الحالة الاقتصادية للأهالي وزيادة عدد الأفراد في الأسرة الواحدة.
وأوضحت الواسعي أن الجهات المعنية عاجزة عن ترميم كل البيوت المتضررة، فالمدن التاريخية تحتاج إلى عدة أسباب لإنقاذها، أهمها الوعي المحلي، وإيقاف الحرب، وصرف الرواتب، وإصدار قوانين جديدة تتلاءم مع التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.. إلخ تلك الاحتياجات التي بإمكانها أن تحافظ على صنعاء التاريخ، والجهات المعنية لا تستطيع بمفردها كل ذلك، لذا فإن المسؤولية تقع على عاتق الجميع.

تأثيرات كبيرة نتيجة الضربات الجوية
طرحت «لا» تساؤلها للمهندس سامي محب الدين، خبير الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية ومدير عام مركز الدراسات والتدريب المعماري، وبحكم تخصصه في مجال الاستشعار عن بُعد، ولماذا لم يتمكنوا من الاستشعار بقدوم الخطر وانهيار المنزل رغم وجود سكان بداخله وتنبيههم لمغادرته قبل حدوث ذلك؟ فأوضح بدوره أن الحوادث التي تحصل من انهيارات للمباني التاريخية في مدينة صنعاء القديمة بين الحين والآخر هي نتيجة طبيعية لما تعرضت له مباني هذه المدينة من تأثيرات كبيرة نتيجة الضربات الجوية التي تم بها استهداف المدينة وما حولها مما تسبب في إحداث تشققات زاد تأثيرها بزيادة الأمطار وعدم معالجة هذه الأضرار مما يؤدي إلى مرحلة الانهيار بعد مرور فترة من الزمن. فعند إجراء تحليل مكاني من الصور الفضائية وبيانات المباني المتضررة بالإضافة إلى تركز كثافة الأضرار وكذا بُعد المسافة من أماكن القصف واتجاهاتها يتبين مقدار ما تعرضت له هذه المباني.
وأضاف: فكما حصل في منزل بيت شاكر الذي انهار في حارة بستان السلطان وتحديد موقعه من نطاقات القصف الذي تعرضت له المدينة نلاحظ تعرض المبنى لموجات من الاهتزازات والضغط الناتج عن الضربات من عدة اتجاهات وبمسافات متقاربة كما يلي: (370 متراً غرب منطقة القاسمي ، 400 متر من منطقة العرضي انفجارات متعددة ، 780 متراً من موقع استهداف الفليحي ، 970 متراً من اتجاه القيادة عدة انفجارات). وكل هذا أتى بعد عدة سنوات تتعرض البيوت المتضررة للأمطار وتزداد التشققات والأضرار، ويزداد حجم المعاناة على المدينة نتيجة وجود انتشار كبير للأضرار والذي بينته آخر دراسة لهيئة المدن التاريخية تأثر أكثر من 50٪ من المباني لأضرار بنسب متفاوتة. وتزداد مع الزمن وتحتاج إلى تدخلات عاجلة وكبيرة لإنقاذها من الدمار والضياع وفقد الأرواح.

منزل شاكر كان ضمن المنازل المهددة بالخطر
للاطلاع عن قرب، على المبنى الذي دمر كانت بداخله ثلاث أسر، وما قامت به الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية تجاه الأسر المتضررة الذين كانوا بداخل المنزل المنهار في حارة بستان السلطان وغيرها من المحاور، أوضحها مجاهد طامش، رئيس الهيئة، بالقول: إن الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية تقوم بدورها بموجب قرار إنشائها، وبموجب القانون رقم 16 لعام 2013م، وقامت بحصر الأضرار في مدينة صنعاء القديمة في 2017م، وتركز الحصر على الأحياء المستهدفة من قبل قصف طيران العدوان لثلاثة أحياء هي «حي القاسمي»، و«حي الفليحي»، و«حي المدرسة»، وبلغت نتائج الأضرار حوالي 2542 منزلا موزعة ما بين أضرار جسيمة، ومتوسطة، وخفيفة، وخلال الشهر الماضي ديسمبر 2021 انتهت الهيئة من تنفيذ حصر شامل لجميع المنازل في مدينة صنعاء القديمة بإجمالي 11777 منشأة موزعة ما بين مبانٍ سكنية وتجارية، ومنشآت خدمية، وبلغ إجمالي المنازل المتضررة 5312 منزلا، أي بنسبة 56٪ من إجمالي عدد المباني في المدينة، وتم تصنيفها على النحو التالي: 380 مبنى ومنشأة متضررة بأضرار جسيمة، و688 مبنى ومنشأة متضررة بأضرار متوسطة، و4244 مبنى متضرر بأضرار متنوعة ما بين خفيفة ومتوسطة، وبموجب نتائج الحصر أصبح 380 منزلاً مهدداً بالخطر وآيلاً للسقوط، وتحتاج إلى تدخل طارئ وعاجل، وكان منزل عبدالرحمن شاكر في بستان السلطان الذي انهار الأيام الماضية واحداً منها، وهذا المنزل كان مصنفا ضمن المنازل المهددة بالخطر.

شحة موارد
يضيف طامش أنه نتيجة شحة الموارد المالية المعتمدة للهيئة وعدم اعتماد مبالغ طارئة لمواجهة الكوارث والانهيارات، تظل الهيئة عاجزة أن تقوم بإنقاذ المباني المهددة بالخطر قبل وقوع الكارثة، وفي حالة انهيار منزل عبدالرحمن شاكر ومنزل العمراني حاولت الهيئة أن تقوم بالإنقاذ الأولي عن طريق تأمين المنازل وإزالة أي أخطار على أصحاب المنازل المتضررة في ظل وقوف جميع الجهات المعنية الأخرى موقف المتفرج، وهذه الجهات بحسب قول طامش: أمانة العاصمة، وهيئة الأوقاف وغيرهما، إذ اكتفت بتوجيه اللوم على هيئة المدن التاريخية التي تبلغ ميزانيتها الشهرية المعتمدة من قبل وزارة المالية 260 ألف ريال يمني، ومبلغ بسيط من صندوق التراث والترويج السياحي لا يتجاوز مليوني ريال، وهذه المبالغ معتمدة للهيئة وجميع فروعها (13 فرعاً)، ولا تغطي النفقات التشغيلية لإدارة الهيئة وفروعها، مع العلم أن قانون الحفاظ على المدن التاريخية رقم 16 لعام 2013م ألزم الجهات المعنية والإيرادية في المدن التاريخية والسلطة المحلية والأوقاف وهيئة الأراضي باعتماد مبالغ لأعمال الحفاظ والصيانة والترميم والمساهمة مع الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية.

الجهات الأخرى لم تقم بأي دور
وقال طامش: الهيئة تناشد الدولة إلزام أمانة العاصمة والمحافظات الأخرى باعتماد جميع إيرادات المدن التاريخية وتخصيصها لأعمال الحفاظ والصيانة والترميم، كما تود الهيئة أن توضح أن التعامل مع المنظمات الخارجية ومنها اليونسكو محدود وضئيل جداً بسبب الأوضاع التي تمر بها البلاد، ويتم التنسيق المسبق لمنازل محدودة بحسب المبلغ الأولي المعتمد، ويتم إرسال كشوفات المنازل المختارة إلى اليونسكو للموافقة عليها لاعتماد التكلفة المطلوبة، ويتم إرسال المبلغ المعتمد عبر الصندوق الاجتماعي للتنمية باعتباره الوسيط المالي، وأما دور الهيئة فيقتصر على الدور الفني والإشرافي فقط، ولم يصل إليها أي ريال، ولا تستطيع الهيئة أو الصندوق الاجتماعي التصرف بأي مبلغ في أي أمر طارئ سوى للغرض المخصص له، مع العلم أن المنازل المختارة يتم اختيارها عبر لجنة مشتركة من الهيئة والمجلس المحلي، وبحسب الأشد ضرراً.

دور الهيئة في ترميم المنازل
وختم طامش حديثه بالإشارة إلى أن الهيئة لم تقف مكتوفة الأيدي وتم ترميم 175 منزلاً في صنعاء القديمة عامي 2020 و2021م، و40 منزلا بتمويل منظمة اليونسكو و30 منزلاً بتمويل البرنامج الخيري لمؤسسة هايل سعيد أنعم، و57 منزلاً من منحة أمانة العاصمة للمنازل المتضررة من الأمطار، و26 منزلاً من المنازل المتضررة غربي السايلة بتمويل اليونسكو، وأيضاً 25 منزلاً من المنازل المتضررة في منطقة القاسمي، بالإضافة إلى استهداف عدد من المنازل بتمويل محلي وخارجي في مدينة زبيد، ومدينة شبام حضرموت، ومدينة عدن.