ترجمة  خاصة :زينب  صلاح الدين / لا ميديا -
يستعرض ستة من كتاب العمود في «ميدل إيست آي» بعض القضايا الرئيسية التي يحتمل أن تهيمن على المشهد في العام الجديد. إليكم مقتطفات مقالاتهم الستة:
من نهاية «باكس أمريكانا» أي السلام الأمريكي ما بعد الحرب العالمية الثانية والهيمنة الأمريكية على العالم إلى تعقيدات حقبة ما بعد الحرب الباردة وإلى إعادة تأهيل محمد بن سلمان وأفغانستان الجائعة، بينما تواجه فرنسا معضلات كبيرة وتستمر فلسطين في المقاومة: تعد سنة 2022 بأن تكون عاماً حافلاً بالأحداث.

نهاية القرن الأمريكي
ديفيد هيرست
مع اقتراب غلق صفحة العام 2021، لم تكن أبداً فرصة نشوب صراع عالمي بمشاركة جيوش حقيقية وأسلحة حقيقية أعلى من قبل، ولم يكن يتم التشديد والتأكيد على منع استخدام أسلحة الدمار الشامل على الإطلاق كالآن. ولا أي من قوى العالم العسكرية كانت أفضل من الآن تسليحاً أو قدرة أو ترغب في البت في اختراعاتها الخاصة بها.
ينبغي على رئيس الولايات المتحدة جو بايدن أن يضع هذا في الاعتبار. ستنظر واشنطن إلى خارطة العالم وتفكر قبل أن تقدم على خطوتها التالية. هي بحاجة إلى فترة طويلة من التأني والتفكير. فما حصلت عليه حتى الآن هو عبارة تفوق مشكوك فيه في كل صراع خاضته في هذا القرن بشكل خاطئ.
بعد الدمار الحاصل في هذا القرن بسبب الصراعات التي أمر بها وخلقها ودعمها رؤساء أمريكا في ساحات أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا؛ ينبغي على الولايات المتحدة الآن أن تتدخل بمهمة سريعة تتمثل في حل النزاع.
من المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة الآن وقف أي إراقة أخرى للدماء في ساحات القتال التي خلقتها في هذا القرن. وهذا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة أن تتوصل إلى اتفاق مع إيران من خلال رفع العقوبات التي فرضتها على طهران منذ خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
وإذا كانت تريد موازنة النفوذ الروسي والصيني المتزايد في الشرق الأوسط فهذه هي أضمن طريقة لفعل ذلك.
إيران لن توقف صواريخها بعد الآن لاسيما وأن إسرائيل ذاهبة نحو تعزيز قوتها الجوية. إلا أن وجود اتفاق في فيينا يمكن أن يمثل مقدمة لبدء مفاوضات أمن الخليج الإقليمي. فالإماراتيون والقطريون والعمانيون والكويتيون كلهم مستعدون لذلك. إذا كانت واشنطن تريد تطبيق القواعد فلتفعل ذلك أولاً مع حلفائها الذين لطالما تمتعوا حتى الآن بإفلات غير عادي من عقابهم على أفعالهم الوحشية.
وإذا كانت واشنطن هي بطلة حقوق الإنسان كما تدعي لتبدأ بالسعودية أو مصر. إذا كانت هي من تمكن القانون الدولي وتدعه لنر إذن واشنطن تجبر إسرائيل على دفع ثمن سياستها الاستيطانية المستمرة، وهو الأمر الذي يجعل من قرارات مجلس الأمن وسياسته إزاء حل الصراع الفلسطيني أضحوكة.
تتصرف إسرائيل بمنطق وحشي. وسوف تستغل أي فرصة لتوسيع حدودها حتى تصبح دولة فلسطين أمراً مستحيلاً. ولربما نجحت في تحقيق ذلك الهدف بالفعل.
وعلى الرغم من أن ذلك لا يمثل سياسة الولايات المتحدة، إلا أن التوسع مستمر تقريباً بشكل أسبوعي لأنه لا أحد في واشنطن سيرفع إصبعاً لإيقافه. وعدم فعل أي شيء حيال حشود المستوطنين المسلحة التي تهاجم الريفيين الفلسطينيين غير المسلحين في الضفة الغربية هو تماما يشبه موافقتهم في أفعالهم.
إذا كنت تريد أن تكون بطل القواعد طبق هذه القواعد عليك أنت أولاً.
هذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة التأثير العالمي المفقود، فقد دخلت الولايات المتحدة عهداً جديداً حيث لم يعد بوسعها بعد الآن تغيير الأنظمة بقوة السلاح أو بالعقوبات. حيث إنها اكتشفت عدم جدوى القوة. يجب عليها أن ترمي بالعصا وتبدأ بتوزيع كميات كبيرة من الجزر. يجب أن تدخل الآن بمهمة سريعة لحل النزاع؛ بعد الدمار الذي حدث في هذا القرن بسبب الصراعات التي أمر بها وخلقها ودعمها رؤساء أمريكا في أرجاء أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وهذا ليس مسؤولية وحسب، بل واجب أيضاً.


هل يستطيع محمد بن سلمان قلب الصفحة بالنسبة للسعودية في 2022؟
مضاوي الرشيد
في عام 2022 سيواجه كل حلفاء السعودية الدوليين المشكلات في بلدانهم، لذا عليهم أن يقلبوا الصفحة كاملة على مكائد وجرائم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في وقت مبكر. وقد يعمل محمد بن سلمان جاهداً لإعادة السعودية إلى مجدها السابق عندما كانت هي أول دولة يلجأ إليها المجتمع الدولي في حل العديد من المشاكل التي تواجه العالم العربي.
يمكن لمحمد بن سلمان أن يجلس وينتظر في الرياض لانتخابات أمريكا القادمة التي قد تجلب رئيساً أكثر لطفاً إلى البيت الأبيض.
يمكن لولي العهد في الرياض أن يعتمد على كل من روسيا والصين في مساعدته على إعادة تأهيل نفسه على الساحة الدولية، إلا أنهما ليستا بديلاً عن الحلف السعودي الأمريكي القديم.
يكمن اهتمام روسيا بالسعودية في النفط وتجارة الأسلحة المتنامية ولكن البسيطة التي لا يمكن أن تحل محل واشنطن. وبالمثل، ترحب الصين بزيادة فرص اقتصادية أكبر في السعودية، لكنها لاتزال متحفظة سياسياً وثقافياً.
لا يمكن لمحمد بن سلمان أن يتحول فجأة نحو الشرق لعدة أسباب، هي أن ترسانته العسكرية مقرها في الغرب، ولايزال يتوق إلى استعادة علاقات بلده مع الولايات المتحدة كما في عهد ترامب. ربما يستطيع الجلوس والانتظار في الرياض للانتخابات الأمريكية المقبلة التي قد تجلب معها رئيساً أكثر تودداً إلى البيت الأبيض.
وقد يوجه محمد بن سلمان اهتمامه نحو بريطانيا وأوروبا اللتين تمثلان له فرصة وتبديان استعدادهما لاستيعاب ولي العهد دون السماح لسجله الفظيع في حقوق الإنسان أن يعطل أي صفقات أسلحة في المستقبل. وتحتفظ بريطانيا بعلاقات وطيدة مع الرياض، والحكومة الحالية المحافظة غير راغبة في تقويض الفرص المستقبلية تحت مسمى دعم حقوق الإنسان. وستبقى بريطانيا ثاني أكبر مزود للسعودية بالسلاح كما كانت كذلك دائماً.
سيستمر ولي العهد في كونه شخصية غير مرغوبة في واشنطن، أو في المنصات الدولية الأخرى التي تمارس فيها الولايات المتحدة نفوذها.
فشل محمد بن سلمان في استعراض عضلاته في اجتماعات مجموعة العشرين ومؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، لأنه لم يتم الضمان له بمصافحة يد أو صورة له بجانب بايدن وقادة العالم الآخرين. كما لم يمنح ولي العهد السعودي شرف مساعدة الولايات المتحدة خلال أزمة الصيف في أفغانستان أثناء انسحاب قواتها العسكرية.
ومع ذلك هذا لا يعني بالضرورة أنه سيتم ازدراء محمد بن سلمان للأبد.
فالولايات المتحدة تواصل الشروع في مشاركة انتقائية مع السعودية، ومع نهاية عام 2021، تريد الولايات المتحدة أن تتأكد من أن النفط السعودي مستمر في تدفقه بكميات وفيرة، وألا تستمر أسعار النفط في الارتفاع مما يؤخر التعافي الاقتصادي الغربي بعد عامين من التوقف الذي سببه كوفيد 19.


فلسطــيـن: المزيد من الدبلوماسية التقليدية مع استقرار منعدم
ريتشارد فالك
بدايةً سنشهد وعياً متزايداً حول أن الدبلوماسية التقليدية لن تجلب الاستقرار ناهيك عن بعض السلام وبعض العدالة لهذا الكفاح الذي تجاوز القرن.
من المرجح أن يشهد عام 2022 جنازة طال أجلها التي ستعلن أخيراً موت اتفاق أوسلو إلى جانب اعتماده على المفاوضات المباشرة بين الطرفين وادعاء الولايات المتحدة بمحافظتها على كونها وسيطاً محايداً وفي بعض الأحيان توصف بشكل هزلي بـ»الوسيط النزيه».
لقد اتضح مراراً وتكراراً أن القادة السياسيين في إسرائيل لا يريدون مجرد تسوية سياسية تحسب لصالحهم. لطالما تجاهل الإسرائيليون الضغوط للامتثال للقانون الدولي أو للتظاهر حتى بدعم عملية السلام القادمة من واشنطن.
توقفت إسرائيل طيلة سنين عن التظاهر بأنها تؤيد حلاً يتم ترتيبه دبلوماسياً.
إن التقدم الأكثر تحفيزاً للفلسطينيين هو في المجال الرمزي للسياسة. إنه هنا حيث ينتصرون حتى في أمريكا.
لا يشكل أي اندفاع متوقع للمقاومة الفلسطينية تهديداً كبيراً، بخاصة وأن الأنظمة العربية الجارة أصبحت مشتتة أو بمعزل عن الصراع، حتى إن بعض الحكومات التي كانت معادية لإسرائيل من قبل أبدت الآن استعداداً للانضمام العلني إلى إسرائيل في مواجهة إيران.
إن صورة الدبلوماسية الميتة هذه عُززت بالموقف الأمريكي في عهد ترامب.
من ناحية أخرى أشارت رئاسة بايدن إلى أنها لن تتحدى خطوات ترامب المميزة بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتأكيد السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان وتأييد اتفاقات التطبيع العربية وحتى السعي إلى توسيعها مع تطميناتها لإسرائيل بأنها ستتعاون معها إقليمياً بخاصة عندما يتعلق الأمر بإيران.
في نفس الوقت، يريد بايدن أن يظهر بنبرة أكثر اعتدالاً، وهو ما يفسر تجديد واشنطن للدعم العام لحل الدولتين والتوبيخات الخفيفة لإسرائيل عندما تستخدم العنف المفرط ضد المدنيين الفلسطينيين أو خطوات توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.
سأفترض أنه حتى بايدن يدرك أن حل الدولتين كان لفترة طويلة يمثل إصلاحاً ميتاً يسمح لإسرائيل بجعل الصراع غير المحسوم مع الفلسطينيين يغلي إلى ما لا نهاية.
كما هو الحال الآن فإن رئاسة بايدن ضعيفة وغير قادرة على الدفع بأجنداته الداخلية، وهو الأمر الذي خيب آمال الرأي العام الأمريكي. وفي ظل هذه الظروف، فإن آخر ما يريده في 2022 هو حتى القطيعة الأقل اعتدالاً مع إسرائيل من النوع الذي حدث قرب نهاية رئاسة أوباما.
في نظري، ستُثار التطورات الأكثر لفتاً للنظر في 2022 بخيبة الأمل المتزايدة وعدم التصديق كون العمل البناء لن يتبع دبلوماسية السلام في الماضي أو الضغوط الأممية الجديدة. ستواصل المقاومة الفلسطينية إرسال إشارات للعالم مفادها أن الكفاح مستمر بغض النظر عن مدى جدية إسرائيل لتظهر للعالم أنها انتصرت في النضال وأن أفضل ما يمكن أن يأمله الفلسطينيون هو حصولهم على منافع اقتصادية عقب قبول سياسي بإسرائيل كدولة يهودية مع الالتزام بعدم معارضة الأطماع الصهيونية لإخضاع ما تبقى من «أرض الميعاد».
بتعبير آخر، من المرجح أن يعلن العام المقبل للعالم أن إسرائيل اختارت حل الدولة الواحدة أحادي الجانب إلى جانب الرفض الفلسطيني لبلع «مشروب كولايد» السام (عبارة اصطلاحية بمعنى رفض حل الدولة على الرغم من الإغراءات الكبيرة مقابل ذلك).
بالنظر إلى أسلوب التفكير هذا يحتمل أن يكون أبرز تطور مشجع للفلسطينيين في العام المقبل هو في المجال الرمزي للسياسة، وما سميته سابقاً بُعد «الحرب الشرعية» في الصراع السياسي.
من هنا ينتصر الفلسطينيون حتى في أمريكا لاسيما بين الشباب اليهود إلى جانب بعض المؤشرات إلى أن إجماع كلا الحزبين في الكونغرس الأمريكي بدأ يتصدع على الأقل في الحواف.
كلنا نحتاج إلى تذكير أنفسنا بالخصائص الثلاث البارزة لسياق الحاضر:
(1) يخوض الفلسطينيون حرباً ضد الاستعمار وضد حكومة الفصل العنصري في إسرائيل.
(2) لقد تم كسب أكبر حروب ضد الاستعمار ليس من قبل الطرف الأقوى عسكرياً ولكن من قبل الفائز في حرب الشرعية كما اكتشفت ذلك أمريكا في فيتنام، ومؤخراً في العراق وأفغانستان.
(3) سينظر العالم ووسائل الإعلام العالمية المطلعة إلى الفلسطينيين كطرف منتصر يكسب حرباً شرعية؛ سيتم دعم هذا الانطباع عبر التقصي المستمر للحقيقة في الأمم المتحدة والمشاركة الأبعد من قبل المحكمة الجنائية الدولية.


عام قاسٍ آخر على أفغانستان
تانيا غودسوزيان
كان سقوط كابل وعودة طالبان إلى السلطة أكثر الأخبار الصادمة التي ظهرت منذ العام 2021، المنقولة بالبراعة نفسها التي ميزت الحملات المكثفة للمجموعة لطرد القوات الأجنبية من أفغانستان.
وسوف تسجل صور أفراد طالبان، وهم يقفون بعد الانتصار- الموضوعة خلف مكتب خشبي مزخرف في القصر الرئاسي، اليوم الذي أطاحت فيه حرب العصابات بحكومة منتخبة تدعمها أقوى الجيوش في العالم.
كانت الصورة بمثابة ضربة دعائية محكمة. وبالنسبة للمراقب ذي النظرة الحادة لم تكن اللوحة الموجودة خلف المكتب أقل رمزية. وهو يصور مشهداً من منتصف القرن الثامن عشر ينظر فيه حشد كبير من الناس إلى صوفي يتوج أحمد شاه دوراني الراكع وهو رجل عرقي ينتمي إلى قبيلة البشتون أسس دولة أفغانستان الحديثة.
أفغانستان الآن عالقة بين المطرقة والسندان. قد تساعد أموال المساعدات الدولية المجمدة في تخفيف الأزمة الإنسانية الحادة، بيد أنها قد تشرعن حكم طالبان.
لا تزال أسباب سيطرة طالبان على أفغانستان محل نقاش حاد. لماذا انهار فعلياً الجيش الأفغاني -بعد عشرين عاماً من التدريب العسكري في العالم الأول- المسلح بأحدث الأسلحة والمقاتلات الجوية في أقل من شهرين؟ وكيف طورت طالبان تلك المهارة التكتيكية؟ ولماذا وقف المجتمع الدولي متفرجاً؟
ثم بعد ذلك كانت الإهانة الأخيرة من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، في تصريحاته ذات اللهجة شديدة السخرية والنغمة الصماء في 1 أيلول/ سبتمبر حين ألقى باللوم على الأفغان أنفسهم لبؤسهم وأهان ذكرى الجنود الأفغان الذين سقطوا وأعفى إدارته من أي مسؤولية من فوضى الإجلاء الفاشل.
ومع حلول نهاية العام، يبرز واقع قاتم جديد في أفغانستان. مجاعة شاملة وانهيار اقتصادي وإعدامات وحشية خارج إطار القانون ترحب بالعام الجديد. لا تزال أسطورة طالبان الحديثة والأكثر تقدمية التي روجت لها آلة العلاقات العامة لطالبان وعززتها أكثر وسائل الإعلام احتراماً في العالم تفقد مصداقيتها بسبب تقارير على الأرض حول سياساتها القمعية تجاه النساء والقتل الانتقامي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من التطمينات المتكررة من قبل الناطقين باسم الحركة المطلعين، مثل ذبيح الله مجاهد وسهيل شاهين المقيم في الدوحة في الأسابيع، التي تلت استيلاءهم على أفغانستان، لم تكن إدارة طالبان المشكلة حديثاً سوى قاعدة عريضة وشاملة. لا يزال المجتمع الدولي يترنح من مشاهد الإجلاء الشامل الفاشل ويكافح تدفق اللاجئين ويراقب بوهن من بعيد وفقط يعبر عن «مخاوفه» ويعلن «الظرف» ويعلن أن «طالبان سوف تقاس بالأفعال لا بالأقوال».
وقع الأفغان ما بين مطرقة وسندان. قد تساعد أموال المساعدات الدولية المجمدة في تخفيف الأزمة الإنسانية الحادة، لكنها في المقابل ستشرعن حكم طالبان. من ناحية يطالب بعض الأفغان بالإفراج عن الأموال لأسباب إنسانية، بينما يلح البعض الآخر على استخدام الأموال كحافز لطالبان لأن تتخلى عن بعض سياساتها القمعية. في كلتا الحالتين سيتم سحب الأموال من قبل الحكومة أو تحرير الأموال الحكومية الأخرى لأنشطة مشكوك فيها. من المؤكد أن القضية هي أن المخاوف الإنسانية ليست في مقدمة أولويات طالبان.
يبدو عام 2022 كبيراً بالنسبة لطالبان، فالحكومة التي فقست للتو تواجه أزمات مالية وإنسانية غير مسبوقة واستهجاناً دولياً وبعض تدابير رد الفعل الشعبي وتهديداً إرهابياً لسلطتها وسيطرتها.


عام ما بعد الحرب الباردة
ماركـــو كارنيلــــوس
بشكل جيد يصف الاختصار «فوكا» الوضع الحالي للعالم: متقلب، غير مستقر، معقد، ومبهم.
سيكون إعطاء توقع موثوق في مثل هذا الوضع -على أقل تقدير- مجازفة. وفيما يتعلق بالمتوقع في العام 2022 كما هو متوقع سيكون التركيز على مدى استمرارية جائحة كوفيد-19، التي يفاقمها الآن متحور أوميكرون المعدي بشكل كبير، وما إذا كان العالم سيتمكن من وضعه تحت السيطرة أم لا؛ فضلاً عن تأثيره على اقتصاد العالم وانتعاشه كلا الأمرين تنوب عنهما كلمتان خطيرتان: التضخم المالي، والركود التضخمي.
هل حقاً بدأ النظام العالمي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة يتلاشى؟ وهل نحن بصدد الدخول في زمن ما بعد الحرب الباردة؟ وهل عام 2022 هو العام الذي قد يستجد فيه كل هذا الواقع الجديد؟
لقد كان الوباء وعواقبه الاقتصادية أمراً غير مسبوق. ولكن في رؤيتنا المتواضعة هنالك حدث أكثر منهجية واستمرارية في 2022: الهجوم العالمي الواضح على النظام الليبرالي العالمي المبتدع والمدعوم من الولايات المتحدة منذ عام 1945.
قد يقترب النظام الدولي من نقطة تحول، وبالتالي بالنسبة للعام القادم (الجاري 2022) يجب أن يكون التركيز الحقيقي على إجابات بعض الأسئلة الخطيرة: هل حقاً بدأ نظام الليبرالية العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة بالتلاشي؟ وهل نحن بصدد الدخول في زمن ما بعد الحرب الباردة؟ وهل 2022 هي العام الذي فيه يتشكل كل هذا الواقع الجديد؟
لربما تسرع عاصفة مثالية من الأزمات الثلاث المرتبطة بعضها ببعض هذه المسارات: نهج روسيا الانتقامي في أوكرانيا، ونفاد صبر الصين المتصاعد إزاء تايوان، واقتراب إيران من العتبة النووية.
لم يظهر في العقود الماضية مثل هذا المشهد المضطرب الذي برز للنظام النووي الليبرالي العالمي. وفي الوقت الذي يعمل فيه دبلوماسيون على خفض التوترات، تلوح في الأفق معضلة حقيقية: هل سيكونون قادرين على ابتداع حلول موثوقة ومستدامة، أم سوف يركلون ببساطة العلبة بعيداً عن الطريق؟
حددت كلّ من روسيا والصين وإيران بوضوح مطالبها ووصفتها بخطوط حمراء: يجب ألا تنضم أوكرانيا إلى حلف الناتو؛ وعاجلاً أم آجلاً يجب على تايوان أن تعود إلى السيادة الصينية؛ وستقوم إيران بتقليص برنامجها النووي فقط إذا قدمت الولايات المتحدة رفعاً حقيقياً ودائماً للعقوبات المفروضة عليها، بالإضافة إلى تقديمها ضمانات بعدم التنصل من أي اتفاق جديد مرة أخرى.
ومسألة نقاش ما إذا كانت هذه المطالب الثلاثة شرعية أم لا هو في النهاية أمر عرضي، لن يساعد في إيجاد حل. إذن للمرة الأولى في الثلاثة العقود الأخيرة تملي بلدان غير غربية على الغرب بعض عناصر الهيكل الأمني.
لا تزال إجابة ديمقراطيات الغرب غير واضحة. فإدارة بايدن وحلفاؤها يدركون أن «المشهد العالمي البارز يقترب من نهاية حقبة الهيمنة الأمريكية بعد الحرب الباردة». التحليل سليم، لكن الدروس المأخوذة منه لا تزال بعيدة جداً. كانت القمة التي تقودها أمريكا من أجل الديمقراطية جديرة بالثناء، إلا أنها كانت مبنية على فرضية مغلوطة، في حين أن تأطير النظام الدولي الحالي -كما يفعل بايدن- على أنه صدام ملحمي بين الاستبداد والديمقراطية هو مجرد بادرة بلاغية فارغة.
يدعي الرئيس بايدن بحق أن المنافسة الحالية بين القوى العظمى لا بد أن تكون معدة من أجل البشرية وللتصدي للتحديات الصعبة التي تواجهها بشكل أفضل.
لكن إذا كان يجب تحقيق هذه النتيجة المرغوبة يجب أن يكون مستعداً للنظر في مطالب الطرف الآخر؛ حيث أن إقصاءهم من خلال البناء على أوراق الاعتماد الديمقراطية الضعيفة للأخير ليست بادئة لذلك.
بينما من نواح عديدة تبدو تحديات القرن الواحد والعشرين تتمحور حول موضوعات جديدة، مثل تغير المناخ والتحكم بالبيانات والأمن السيبراني والجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والثورة الكمومية. لاتزال مجالات التأثير القاسية النموذجية في القرنين التاسع عشر والعشرين حية ومؤذية.



عام المعضلات الكبرى في فرنسا
ماليا بواتيا
لم تبعث الفترة التي سبقت الانتخابات الفرنسية الأمل بالضبط بالنسبة لمن يسعون إلى انتخاب حكومة تقدمية في نيسان/ أبريل 2022. في حين يمكن القول بأن الحملة الانتخابية بدأت منذ الثانية التي أعلن فيها إيمانويل ماكرون رئيساً. كانت الشهور الاثنا عشر الماضية على وجه الخصوص فترة اشتداد التفرقة العنصرية ونفور من الرئيس وحكومته أثناء سعيهم إلى إعادة الانتخاب.
يبدو أن تكتيك إلقاء اللوم على الطرف الأضعف هو الشيء الوحيد الذي يوافق عليه كل المرشحون الرئاسيون ذوو المصداقية، والأحزاب السياسية الرائدة، من اليمين المعتدل (ماكرون)، إلى اليمين المتطرف (مارين لو بن وإريك زمور).
التغلب على لو بن وزمور ليس بالتأكيد هو المشكلة الوحيدة القادمة عندما ستكون النتيجة المحتملة هي إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون، على بطاقة معادية للمهاجرين والمسلمين أكثر بكثير مما كانت عليه قبل خمسة أعوام.
أصبح المهاجرون والمسلمون عملياً هم نقطة النقاش الوحيدة بين هؤلاء الذين يتصارعون على كرسي السلطة.
في حين أن العديد في اليمين المتطرف يعظون ويخطبون، يطبق ماكرون فعلياً سياساتهم بعد أن قضى فترة رئاسته في تجريم المهاجرين الذين يحاولون دخول فرنسا وإغلاق المساجد والمنظمات الإسلامية وحظر الشبكات المناهضة للعنصرية، والأكثر من ذلك تقليص عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني شمال أفريقيا وتقوية سياسة الدولة البوليسية.
ولهذا السبب بالذات لتغيير النظام السياسي -ناهيك عن هزيمة الأحزاب التي تدفع بأيديولوجيات الكراهية هذه- يحتاج اليسار إلى أن يكون متحداً في التنظيم ضد فوبيا الإسلام وكراهية الأجانب. لا يوجد فعلياً طريقة للالتفاف حول هذا الأمر، وقد أثبتت السنوات الخمس والعشرون الماضية من الانجراف المستمر لليمين هذا الأمر جيداً.
كما كانت الاتحادات واليسار السياسي قادرين على حشد معارضة كبيرة للسياسات الاقتصادية الرجعية للحكومات المتعاقبة. في الوقت ذاته سمحوا للسياسيين أن يتجنبوا هذه المسائل في الساحة السياسية من خلال إثارة العنصرية بدلاً من ذلك. والأسوأ من ذلك أن العديد في اليسار، حتى اليسار المتطرف، شاركوا في عملية استهداف المسلمين والمهاجرين.
حتى الآن تمكن ماكرون من التهرب الفعلي من المحاسبة في المسائل الكبيرة، مثل سياساته الاقتصادية الفاشلة، على الرغم من حقيقة أنها قد أثارت مقاومة حركات اجتماعية كبيرة طوال فترة رئاسته، كحركة السترات الصفراء التي اشتعلت بسبب ارتفاع أسعار الوقود وإضرابات جماعية رداً على إصلاحاته لقانون العمل.
إن هذا الضعف السياسي هو ما يدفع بماكرون إلى أقصى اليمين، أي شيء أفضل من أن يضطر لمواجهة إخفاقاته.
فإما أن تكون القوى التقدمية قادرة على نقل المعركة إلى الميدان السياسي وتحدي العنصرية التي تقودها الدولة، وإما ستبقى معزولة وعاجزة عن تحقيق الأهداف. لقد فهم جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي من الجناح اليساري والمرشح عن منظمة «لا فرانس إنزومي»، جيداً هذه العودة في عام 2012 عندما دعا الفقراء والسود والعرب والمهاجرين الذين يملؤون الضواحي إلى الانضمام إلى ثورته الانتخابية. ومع ذلك فشل باستمرار في تحدي فوبيا الإسلام والقومية الفرنسية.
ذلك أن المهمة شاقة في بلد معروف بشكله الثابت في معاداة الإسلام، المتطرف والمتهور، إلا أنها ضرورية.
إن التغلب على لوبن وزمور ليس بالتأكيد هو المشكلة الوحيدة القادمة عندما تكون النتيجة المحتملة هي إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون، على بطاقة أكثر كراهية للمسلمين والمهاجرين مما كانت عليه قبل الخمس السنوات الماضية.
مع أن خلق رواية بديلة أثناء الفترة الانتخابية سيساعد على تغيير النقاش وإعلام الناس وإشراك المحبطين واللامبالين وبشكل حاسم تحريك أجيال جديدة من الناشطين.
ذلك سيبدأ في إثارة النيران اللازمة في ظل حكم ماكرون للسنوات القادمة، وإرسال تحذير لقادة المستقبل بأنهم سيضطرون إلى التعامل مع معارضة شديدة بشأن هذه القضايا السلطوية.
يظهر اليسار في فرنسا قادراً على تعبئة الحركات الاجتماعية والنقابات العمالية، كما يستطيع ذلك القلة القليلة الآخرون في أوروبا. ولقد حان الوقت لأن يبدؤوا في القيام بذلك، ليس فقط للدفاع عن دخلهم وحقوقهم العمالية، ولكن أيضاً للنضال من أجل أشد الناس معاناة من الظلم والاستغلال والتمييز العنصري.