علي نعمان المقطري / لا ميديا -
في المقال السابق أوضحنا أن الحرب العدوانية قد فرضت علينا وعلى شعبنا ولم يكن يريدها، وخاصة أنه يمر بمخاض ثورة شعبية جديدة وتحتاج إلى السلم والوقت لتتكرس أهدافها وتتبلور في اعماق المجتمع والأمة، وكان هذا هو دافع العدوان وحافزه الرئيسي الأكبر، فالثورة المباركة وقد أسقطت سلطة الوصاية والاستعباد وصححت الثورات السابقة، وخاصة أحداث فبراير القريبة التي استولت عليها قيادتها الرجعية السعودية الأمريكية الوهابية السلفية الإخوانية والـ(سي آي إيه) والقوى الرجعية العسكرية القبلية الكومبرادورية التابعة للأجنبي وصنائع الاستعمار والإمبريالية الدولية والإقليمية، وقد انتزعت الثورة المباركة اليمن من بين أنياب الديناصور المفترس السعودي الأمريكي الصهيوني وعملائه.
 وحررت الشعب اليمني المقهور والمغلوب على أمره منذ قرن وأكثر حين تعرضت أجزاء البلاد الشمالية للسلب والاحتلال قهرا وعدوانا في ظل تعاضد البريطانيين والوهابيين والأمريكيين والذين بدؤوا بالعدوان المسلح على الحجاج اليمنيين وهم في مخيماتهم نياماً آمنين، حيث قام الوهابيون السعوديون بذبح أربعة آلاف حاج أعزل آمن بدون أي ذنب سوى أنهم يمانيون مسلمون (شوافع وزيود)، وأراد السعوديون إرعاب اليمانيين بالقتل والإرهاب كمقدمة للعدوان الشامل على البلاد واحتلال الأقاليم الشمالية منها كمقدمة لمتابعة احتلال الأقاليم التالية من الوطن والسيطرة عليها، وهو ما تحقق لهم سياسيا عبر عملائه من "أحرار" بريطانيا والإخوان والبعث الصدامي والضباط البيروقراطيين والشيوخ الرجعيين والمرتزقة المترفين الفاسدين والمهجنين الذين رفعتهم المؤامرات السعودية البريطانية إلى الحكم منذ انقلاب 67م الفاشي وما تلاه من أحداث ومؤامرات.
لقد حررت الثورة الشعب البائس المظلوم ورفعت المظالم الداخلية والخارجية وأعلنت صراحة ضمان والتزام وعهد تحقيق استقلاله وحماية هويته وحريته وحقوقه ومبادئه وعقيدته الإسلامية الثورية المقدسة. وقد أظهرت الأمة الحرة عبر ثورتها المباركة بحزم عزمها على استعادة كامل حقوقها واستقلالها وثرواتها وترابها المقدس، وبهذا فإنها قد كسرت السلسلة الإمبريالية الرجعية الاستعمارية من أضعف حلقاتها الإقليمية وبعثرت بقية السلسلة التي لا يمكن إعادة تجميعها في ظل هذا الزخم الثوري الوطني التحرري الشعبي الذي مازال في بدايته ويتسع كل يوم ليشمل الوطن كله.
لقد انهارت -وإلى الأبد- كافة المخططات الاستعمارية للسيطرة على البلاد والوطن، وتشجع الشعب العربي المقهور في جزيرة العرب على الثورة والتطلع إلى استعادة كرامته وحقوقه، وأضيف إلى محور المقاومة القومية والإسلامية والتحررية قوة إضافية جديدة فتية شابة.

الصمود في وجه الجنون العدواني
كان لا بد للعدوان وقواه من أن يجن جنونهم وأن يفقدوا صوابهم وأن يتصرفوا بجنون وقسوة وشراسة، وأن يعلنوا الحرب الصريحة علينا لاستعادة استعمار بلادنا واستعبادها كما يتخيلون، ولكن هيهات منا الذلة.
وكان لا بد من مواجهة الحرب العدوانية بالحرب الوطنية الشعبية التحررية العادلة والدفاعية لصد الاعتداءات التي انهمرت على بلادنا وشعبنا من كل مكان واتجاه. فلم يكن اليمانيون عبر تاريخهم معتدين على أحد، إلا من تجاوز حدوده ليعتدي على حدودنا وعلى حياضنا وأرضنا وأعراضنا وترابنا. ونحن شعب لا ينسى أبدا ما يتعرض له من تجاوزات وقهر ومظالم وتعديات ومظلوميات ولو كانت مجرد نقير جمل أو شبر من التراب اليمني المقدس، فلا أحد يمكن أن يبرر لنا أن نتجاهل الحقوق والتراب والأرض والعرض والشرف، لأن ذلك كرامتنا وشرفنا وشرف كل كائن منا، ولا تهون عليه أرضه وكرامته إلا من كان لقيطا لا أصل له ولا دم ولا كرامة ولا عرض ولا شرف، وهو أقرب إلى البهائم والحيوانات وليس من جنس الآدميين، وهو من العدوان وإليه ولو لبس أثواب التقى والتدين والقومية الزائفة والوطنية الكاذبة التي لا نسمعها إلا إذا حاول شعب أن ينتفض ضد أعدائه وجلاديه، وأن يستعيد حقوقه أو بعض حقوقه، وإلا فقد كانت دوما جثثاً ميتة لا روح فيها في وجه المستعمرين والصهاينة الذين يطبعون معهم اليوم علنا وبوقاحة، ويستعينون بهم في حروبهم علينا وعلى الأمة العربية الحرة، وعلى شعوبهم المقهورة التي أذلوها ونهبوها وأفقروها وسرقوها سحقا لا رحمة فيه مدعين زورا وبهتانا عروبتهم وإسلامهم وليسوا عربا ولا مسلمين في حقيقتهم الواقعية والتاريخية المعلومة.
إن الذين يتحدثون عن الدولة ويعايرون شعبنا بأنه لا يملك بعد دولة، وأن السلاح الذي يرفعه في وجوه المستعمرين غير شرعي في نظرهم، نقول لهم ونذكرهم بأن الدول حالات تاريخية قد تزول وتظهر، لكن الشعب هو الباقي قبل وبعد الدول المتغيرة، وهو القادر وحده على تحرير نفسه بعد زوال الدولة، أي دولة، بفعل المحتل والسيطرة الأجنبية والاستبداد والفساد والتبعية، حيث تنتقل المشروعية من الدولة الوطنية المزالة إلى الشعب الحر.
وليست هناك في التاريخ شرعيات خالدة وأبدية لا تتغير ولا تتبدل ولا تنتزع، وكل شرعية مشروطة بحقها والتزاماتها تجاه الشعب صاحب السلطة الشرعية ومصدرها، وأينما كانت أغلبية الشعب فثمة شرعية وأساس للمشروعية. ونحن لا نقارن شرعيتنا الشعبية الثورية بشرعيات كاذبة تقوم على القهر والسيف واحتكار الأسر الأجنبية للحكم بدعم كامل وشامل من المستعمرين الذين صنعوها. فمن أين تأتي شرعية كتلك التي لا يسمح فيها للشعب حتى بالتنفس والتعبير الحر والحق في الكلام ناهيك عن الحقوق العامة والانتخابية والسياسية والثقافية؟!
إن سيوف أنظمتهم القبلية الأسرية المتوحشة مازالت تقطر بالدماء دون توقف، دماء كل من يتطلع إلى الشرعية والعقلانية والاعتدال والمشاركة ولو بالنزر اليسير. إنهم يقطعون رؤوس مواطنيهم بدون محاكمات وبدون ذنب محدد ولأتفه الأسباب وبدون أسباب سوى إرادة الملك والأمير والشيخ الأجير، والمستعمر الجديد هو التشريع والشرعية وجوهر الحكم المغتصب اغتصابا، وعمود هذا الحكم هو التضليل والخداع والكذب وانعدام أية مصداقية أو مشروعية أو عقلانية أو منطق أو قيم، وأساسه الاحتلال والتبعية الأجنبية والافتقار لأية استقلال حقيقي، فعن أية مشروعية يتحدثون؟!


السلاح الشعبي الوطني
كان اليمني المسلح طوال القرون، هو القبيلي الفروسي الأشم الحر الذي لا يفارقه سلاحه أبدا، هو الحامي والحارس للأرض اليمنية عبر آلاف السنين على هذه الأرض المقدسة التي كانت منذ الأزل مسرحا للنبوات والأنبياء والدعوات التوحيدية والإيمانية والحضارية، وحاضنة لكل دعوات الخير والمحبة والرحمة والأخوة والإنسانية.
فلم يكن لليمني ما يصون كرامته إلا سلاحه وذاته وتاريخه وذاكرته وإحساسه الشديد بالشرف الوطني والفردي وبالكرامة والحرية. ولا تستطيع أي دولة أو حكومة أو سلطة أجنبية أو محلية داخلية أن تنتزع منه سلاحه، لأنه كان دوما هو الضمانة الوحيدة لحرية الشعب اليمني وكرامته. وقد جربنا كل الوسائل الأخرى وصدقنا لبعض الوقت أن الحقوق لا يمكن أن تتحقق بدون قوة السلاح الشعبي وبدون احتفاظ المواطن القبيلي الشعبي بحقه في السلاح، والقانون اليمني يشرع لهذا بوضوح في نصوصه، ولم تتعدل الموازين السياسية والاجتماعية ولم ترفع المظلوميات إلا عندما يرفع الشعب سلاحه في وجه الظلمة والجبابرة والعملاء الحاكمين باسم الأجنبي والنائبين عنه، ولم يوقف الاحتلال الأجنبي والاستعمار ويطرد من البلاد بعد ثلاثة قرون من القهر ومن الحرب التحريرية إلا بالسلاح الشعبي أولاً وأخيراً.
وقد بادر شعبنا إلى الصد والدفاع عن الحدود اليمنية التي احتلت من قبل الإمبريالية السعودية وأسيادها وإخوتها، بعد الامتناع عن الرد على العدوان السعودي لمدة أربعين يوما، حيث قررت القيادة الثورية الوطنية ألا تتعجل الرد والحرب. وربما ما يزال للسلم مجال وللأخوة العربية والجوار والإسلام والشراكة العقيدية والقومية والوطنية، مما يحقق السيطرة على التوتر الجاري ويفتح مجالاً للسلام وإحقاق الحقوق لدى المؤسسات العربية والدولية والدول الكبرى والعظمى التي أعلنت وصايتها على العالم والمنطقة بما فيها اليمن. ولكن مرت الأيام الأولى ولا أحد يهتم بالقهر اليمني والمظلومية اليمنية والكل قد تواطأ على قهر اليمن ونهبه وإعادته إلى قيود السعودي الأمريكي واستعباده. وبعد يأس تام من كل المؤسسات السلمية الصورية المزورة التي أكدت القناعة بألا أحد سيقول كلمة حق والكل منافقون ومشاركون في الجريمة العدوانية، كما فعلوا من قبل مع ليبيا وسورية والعراق وأفغانستان وفلسطين وكوبا وفنزويلا وغيرها من البلاد المظلومة، حيث كانت الولايات المتحدة وإعلامها يشيع الإجرام والفساد والاحتلال لأرض مستقلة وحرة في ظل صمت العالم الحر.
وقد اضطر شعبنا والطلائع الوطنية فيه إلى امتشاق وإشهار السيوف والنصال وكل ما يملكه من أسلحة عتيقة وقديمة، وبدأت ملاحم الصمود الوطني الحربية والدفاعية التي أوجعت الغازي والمحتل في جميع الجبهات الخمسين التي فتحها.
وبعد 40 يوما أدرك المحتل أنه قد كابد تضليلا استراتيجيا معتبرا وشديد التأثير، حيث طار صواب العدو وحلفائه وعملائه وقادته الذين لم يفهموا بعد أسرار الصمود اليمني والقوة اليمانية الصلبة، فهي ليست متصلة بالأدوات وحدها، بل هي متصلة بالعمق الروحي والأخلاقي والحضاري الكامن في القلوب والعقول والنفوس. ومشكلة العدوان وكارثته الكبرى ليست في نقص الطائرات والدبابات والبوارج والصواريخ والأموال، بل في عدم عدالة وأحقية حربه العدوانية، وفي مرتزقته الذين يستأجرهم للاعتداء على الشعوب الحرة وعلينا. إنهم مرتزقة ولا شرعية ولا حق لهم في هذه الأرض، ومهما واصلوا الحرب والعدوان فلن تنكسر إرادة شعبنا أبدا طالما كان معتدى عليه مظلوما كما هو الآن.
إن اليمنيين معتادون على الحروب الشعبية طويلة الأمد، وهم أول من برع في هذه الحروب في العالم كله وقبل العالم كله، وسبق للشعب اليمني أن خاض حربا تحريرية تواصلت قرنين من الزمن وأكثر، واعتمد على نفسه وعلى قواه الذاتية في مواجهة أكبر إمبراطوريات عصرها هي المحتل العثماني الاستبدادي التركي. وفي الحالين فقد فازت اليمن في نهاية المطاف في كل الأحوال، وكانت أول دولة تحقق استقلالها عن السيطرة التركية الطغيانية وتعلم الشعوب الأخرى المستضعفة طريق الحرية والاستقلال والنصر والكرامة.
وقد استفتحت القيادة الوطنية هذه المسيرة المقدسة بإرسال الصواريخ الباليستية والمتنوعة إلى أعماق العدو السعودي المعتدي، وبادرت قوافل الرجال الشباب والشيوخ إلى الحدود يصدون جحافل المرتزقة ويكبدونهم الهزائم والانكسارات، ويتوغل الرجال في أعماق الحدود السعودية، في الأراضي المحتلة اليمنية القديمة، في نجران وعسير وجيزان، ليصدوا زحوف العدوان وجيوشه المليونية ويمنعوه من التوغل في أراضينا الحرة.
وهكذا دارت رحى الحرب الوطنية لمواجهة الحرب العدوانية التي كانت ما تزال تسيطر على السماء والأرض والبحر والفضاء والمجال الدولي والعلمي، وأطبقت علينا الحصار الشامل وفرض الجوع والموت والأمراض والأوبئة والسموم، وأحالوا اليمن الخضراء إلى أرض محروقة في كل مكان مروا منه أو احتلوه أو وصلت إليه صواريخهم وطائراتهم الأحدث في العالم وبوارجهم الحربية والمدمرات والأساطيل البحرية التي سدت البحار والجيوش المليونية من المرتزقة من كل أطراف العالم.

مواجهه التحدي بالتحدي
في ظل التبجح والاستعلاء والاستكبار والبطر السعودي الأمريكي الصهيوني، ومن واشنطن أطلقوا صفارة الحرب ودقوا طبول العدوان الاستعماري الصهيوني ليقولوا للعالم إن العدوان على اليمن حاجة أمريكية سعودية مشتركة ومشروع أمريكي سعودي مشترك، وأن الولايات المتحدة و”الناتو” يضعون كل قدراتهم خلف المشروع العدواني الجاري. 
وكانت تلك هي الرسالة التي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية توجيهها إلى العالم بهدف الترغيب والترهيب، وتم طي المواثيق والكتب والمعاهدات القانونية الدولية، ووضعت كل القوات والجيوش والأسلحة في الغرب وقواعده في المنطقة على جاهزية للعدوان ورعاية وحماية دول العدوان وقوات العدوان ودوس المفاهيم الإنسانية والحقوقية والديمقراطية وحق الشعوب والأمم والجماعات في تقرير مصيرها بحرية، حسب إعلان السيد ويلسون، الرئيس الأمريكي الشهير، وبقية المراجع الفكرية المتغنين بحقوق الإنسان والمواطن، وقد جربناها أمام أعينهم جميعا طوال سبع سنوات ومازال العدوان مستمرا.