تحقيق: مارش الحسام / لا ميديا -
الدفاع المدني في غير بلانا تسخر له كل الإمكانيات من طائرات إنقاذ ومستشفيات متنقلة ومعدات وآليات لا حصر لها، فيما مصلحة الدفاع المدني في اليمن لا تمتلك حتى سيارة إسعاف واحدة، وإذا ما حدث انهيار صخري هنا أو هناك فعلى هذه المصلحة أن تستخدم الحيلة كأداة لتكسير الصخور والاجتهاد كوسيلة لإزاحتها عوضا عن البلدوزرات والشيولات وغيرها من معدات الشق والحفر والرفع التي يفتقر لها الدفاع المدني تماما.

أكثر من صديق
يلعب الدفاع المدني أكثر من دور الصديق المنقذ وقت الضيق، ومنتسبو هذا القطاع نذروا أنفسهم لسلامة الآخرين بترويض كل كارثة كانت طبيعية أو بيولوجية أو بفعل فاعل.
ولا يقتصر دوره فقط على الإنقاذ أو أثناء حدوث الكوارث، إذ تناط به مسؤولية التعامل مع الكوارث المتوقعة لتجنيب المجتمع، منها اتخاذ إجراءات استباقية قبل وقوع الفأس في الرأس، إلى جانب دوره في ما بعد الكارثة لمنع تكرارها.

تقزيم وانطباع سلبي
رغم مهامه الواسعة ارتبط اسم الدفاع المدني بإطفاء الحرائق، وهذا الانطباع ليس فقط سائدا لدى البسطاء من المواطنين، وإنما لدى بعض الجهات الحكومية التي تطلق على مصلحة الدفاع المدني مصطلح «المطافي».
هذا الوسم والتوصيف الذي يلغي كل تضحياتهم وقت المحن هو تقزيم الدور الكبير الذي يقوم به أفراد الدفاع المدني.
والأنكى من ذلك هو أن يحمل البعض انطباعا سلبيا تجاه هذه المؤسسة الوطنية، وباعتقادهم أنها لا تقوم بواجباتها وأن عربات الإطفاء تصل دائما بعد فوات الأوان وقد قضى الحريق على الأرواح والممتلكات.

تعظيم سلام ورشق بالحجارة
في حالة اندلاع حريق لا سمح الله يهب فريق الإطفاء إلى مكان الحادثة، وبمجرد وصوله، تارة ترفع له القبعات، وأخرى يتم استقباله بصافرات الاستهجان وربما رشقه بالحجارة، وذلك يعتمد على حجم الحريق واستمراريته، ولا شيء يقي فريق الإطفاء من سخط الناس سوى ألسنة اللهب التي يجب عليها أن تستمر في الاشتعال وتنتظر وصولهم لإطفائها ليحظوا باستقبال شعبي كالأبطال الفاتحين. وفي حال خذلتهم ألسنة اللهب بانطفائها قبيل وصولهم ستحل عليهم ألسنة الناس وحجارتهم.
ومثل هذه الممارسات الشاذة ليس لها ما يبررها سوى الجهل المركب الذي يخيم على هؤلاء، ولو كانوا يملكون ذرة عقل لسألوا أنفسهم هل يتعمد الدفاع المدني التأخر في الوصول أم أنهم جهة إنسانية لخدمة المجتمع وأن هناك ظروفاً قاهرة وصعوبات تعوقهم عن الوصول..! صحيفة «لا» زارت مصلحة الدفاع المدني واستطلعت من مسؤولي هذه المصلحة أحوالها وطبيعة عملها وما تعانيه من صعوبات وعوائق.

إهمال سابق ولاحق
البداية كانت مع اللواء عبدالفتاح المداني، رئيس مصلحة الدفاع المدني، الذي أكد أن المصلحة تفتقر لأبسط مقومات الأمن والسلامة، وأن صعوبات كثيرة تحول دون قيامها بواجباتها، كما هو الحال في كل دول العالم. مشيراً إلى أن مسؤولية الدفاع المدني تجاه المجتمع كبيرة بما يفوق إمكانياته بكثير.
وأضاف المداني: «هناك صعوبات كبيرة قديمة وجديدة تواجهها المصلحة، نتيجة الإهمال من قبل الحكومات السابقة التي تجاهلت تماما الدفاع المدني بعدم توفير الإمكانيات والمعدات والآليات الضرورية لمقومات الدفاع المدني، أما الصعوبات الحالية التي نعاني منها، فتتمثل في جهل الحكومة الحالية لأهمية الدفاع المدني ودوره الوطني والإنساني والاجتماعي، وتسبب هذا الجهل بعدم تنفيذ قرار مجلس الوزراء القاضي بخصم 1 ٪ من إيرادات الدولة لصالح الدفاع المدني، فالقرار صدر عام 2017، إلا أنه لم ينفذ حتى الآن، بسبب عرقلة من محافظ البنك المركزي ووزير المالية».
كما أكد أن الدفاع المدني ورغم ما يمر به من مرزيات إلا أنه لم يتوان لحظة عن القيام بدوره وفق المتاح ومتى ما استدعت الحاجة، وخصوصا خلال سنوات العدوان، إذ تحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة بحجم الرهان الوطني على النصر.

ثلاثة × واحد
وأوضح المداني: «مع كل غارة جوية للعدوان يهب أفراد الدفاع المدني إلى قلب الخطر لإنقاذ الأرواح وانتشال الضحايا وإخلاء السكان، ومع استمرار الغارات الجوية والقصف العشوائي المكثف يعد العمل في مثل هذه الظروف مخاطرة كبيرة لرجال الدفاع المدني الذين كانوا يقومون بثلاث مهمات في وقت واحد: إسعاف وإنقاذ الضحايا ومكافحة الحرائق وإخلاء السكان المجاورين لمكان الاستهداف».
وأشار إلى أن أفراد الدفاع المدني ضربوا أروع الأمثلة في التضحية ولم يتوانوا لحظة عن تسطير بطولاتهم، رغم يقينهم أنهم يواجهون عدوا جبانا في رصيده الكثير من السوابق في استهداف المسعفين بغارات تالية وحقيرة لذات المكان المستهدف بهدف قتل أكبر عدد من اليمنيين بمن فيهم المسعفين من متطوعين وأفراد الدفاع المدني الذي استشهد بعض أفراده، كما تعرضت أعداد كبيرة منهم لإصابات خطيرة وهم بصدد إنقاذ الأرواح وانتشال الضحايا.
واعترف أن هناك اعتقاداً سائداً بأن مهام الدفاع المدني تقتصر على إطفاء الحرائق، وأن هذا الاعتقاد ليس فقط لدى المواطنين، وإنما الدولة أيضا، ولو كان المجلس السياسي يعرف قيمة الدفاع المدني لسعى لبنائه، بحسب تعبيره.
وتابع: «الدفاع المدني يتحمل أعباء كبيرة بإمكانيات بسيطة، وعليه مواجهة كل الكوارث سواء تلك الطبيعية أو التي تحدث بفعل فاعل، ولكننا نفتقر للأدوات والمعدات، فأحياناً بعض أعمال الإنقاذ تحتاج إلى بلدوزرات وشيولات وونشات وآلات شق وحفر وكيف سنتعامل معها، بينما نحن لا نملك سوى سيارات إطفاء قديمة، بل لا نمتلك حتى سيارة إسعاف واحدة».

يصل متأخراً
وحين سألناه عن سبب الوصول المتأخر لعربات الدفاع المدني إلى مكان الحريق، رد المداني قائلاً: «من الطبيعي أن تصل متأخرة، فالمعوقات كثيرة، منها عدم وجود انتشار لمراكز الدفاع المدني بالشكل المطلوب، كما أن لدينا شوارع ضيقة ومزدحمة تعلوها الأسلاك الكهربائية، وأيضا ضعف الموازنة وقلة الآليات والمعدات، فبحسب المعيار العالمي، فإن لكل 20 ألف نسمة مركز دفاع مدني، بينما عندنا في أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء البالغ سكانهما تقريبا 8 ملايين نسمة، ليس لدينا سوى 8 مراكز دفاع مدني، وهو ما يعني أنه لكل مليون نسمة مركز واحد.. ومع ذلك تفتقر لأبسط المقومات والتجهيزات من الآليات والمعدات. أيضاً من المفارقات أن أغلب مراكز الدفاع المدني تتركز في الضاحية الجنوبية من أمانة العاصمة، فيما تفتقر بقية المناطق سواء الشرقية أو الغربية أو الشمالية لمركز دفاع مدني واحد، وبالتالي إذا حدث حريق في منطقة شملان مثلا، ستحرك سيارات الإطفاء من الحصبة، وهذه مشكلة، وليس باستطاعتنا حاليا إعادة التوزيع الجغرافي لهذه المراكز فذلك بحاجة إلى نفقة تشغيلية ومساحة أرض».

مثقلة بالأعباء
بدوره، أكد العقيد خالد حسن الشراحي، مدير عام العلاقات العامة والتوجيه بمصلحة الدفاع المدني، أن المصلحة تعد أكبر جهة حكومية مثقلة بالأعباء، وأن لديها مهام واسعة لحماية وسلامة المواطنين وتدبير احتياطات الأمن والسلامة للمجتمع ووقايته من الكوارث والأوبئة والمخاطر.
وقال الشراحي: «الدفاع المدني متعدد المهام، ولا يقتصر عمله أثناء حدوث الكارثة، وإنما قبل حدوثها وأثناءها وما بعدها، أي عبر ثلاث مراحل، وهناك إجراءات أمن وسلامة احتياطية ووقائية لتجنب حدوث الكارثة وتجنيب المجتمع منها، وهناك إجراءات إسعافية وإنقاذية أثناء حدوث الكارثة، وهناك إجراءات ما بعد الكارثة لتجنب تكرارها».
وأشار إلى أن الدفاع المدني قدم جهودا جبارة في تعامله مع غارات العدوان ومخلفاته المتفجرة، بالإضافة إلى دوره في إيواء النازحين وبناء المخيمات وتوفير الرعاية الصحية لهم من خلال تأهيل 1200 متطوع من الأطباء وغيرهم من العاملين والمنتسبين للقطاع الصحي، كما تكفل بحماية مخيمات النازحين من السيول وكذا توفير المواد الإغاثية والتموينية لهم بالتنسيق مع الجهات المختصة.
وأضاف: «الدفاع المدني متعدد المهام، ومع ذلك يطلقون علينا فريق الإطفاء، وحتى الجهات الحكومية تطلق على الدفاع المدني مصطلح (المطافي)».

فرق كثيرة
وتابع الشراحي: «ربما لا يعلم الكثيرون عن عدد الفرق الموجودة داخل الدفاع المدني، وفريق الإطفاء ليس إلا واحدا من تلك الفرق الكثيرة، فإلى جانب فرق الإطفاء لدينا فرق الإخلاء وفرق الإنقاذ والإسعاف والإيواء وفرق الأمن والنظام وفرق الكشف عن التلوث الإشعاعي والبيولوجي، وفرق المتفجرات والمفرقعات، وفرق الأمن والسلامة، وفرق الغواصين الذين ننشرهم في موسم الأمطار على طول السائلة. لدينا الكثير من الفرق في مختلف التخصصات، ولكننا نفتقر للدعم والإمكانيات وانعدام الآليات والمعدات، فمثلا حدث أكثر من مرة انقلاب قاطرة غاز في نقيل سمارة، نحن لا نملك أية آليات، كل ما لدينا هو سيارات إطفاء، وهي بحاجة إلى 3 ونشات وناقلة حاملة..وأوضح أن أفراد الدفاع المدني عرضة لكل المخاطر بشتى أنواعها، فالعديد منهم أصيب بأمراض خطيرة كالسرطان والفشل الكلوي نتيجة استنشاقهم سموماً وأبخرة سامة أثناء تعاملهم مع الحرائق، وخصوصا تلك الناتجة عن احتراق مواد كيميائية في ظل افتقارهم لكمامات لذلك الغرض. مؤكداً أن هناك شهداء وعدداً كبيراً من الجرحى المصابين بإصابات مزمنة جراء العدوان الغاشم الذي أمعن في استهداف المسعفين وهم بصدد انتشال ضحايا الغارة الأولى.

استعادة الصلاحيات
من جهته، أكد العقيد محمد النجري، مدير عام المشاريع والتجهيزات في مصلحة الدفاع المدني، أنه تم إنجاز 90٪ من مشروع منظومة الإنذار المبكر لسائلة أمانة العاصمة.
ولفت النجري أن الدفاع المدني وفي ظل الحكومات السابقة تم تجريده من مهامه واختصاصاته لصالح بعض المؤسسات الحكومية التي ألغت دوره وكانت تتدخل في صلاحياته. مؤكداً أن المصلحة استعادت كافة صلاحياتها التي سلبت منها إبان الأنظمة السابقة التي كان من ضمن اختصاصها التخطيط الحضري للمدن والشوارع.

الأشغال سبب حرائق المولات
وتعليقاً على سؤالنا عن سبب شيوع حوادث الحريق في المراكز التجارية، أجاب النجري قائلاً: «في السابق كانت تقوم وزارة الأشغال بمنح تصاريح بإنشاء أسواق تجارية ومولات وغيرها من المشاريع دون الرجوع إلى الدفاع المدني وبما خالف معايير واشتراطات الأمن والسلامة والتي لا تقتصر خطورة غيابها على الحرائق فقط، بل إن هناك أسواقاً جرفتها السيول وأخرى تقع في مناطق خطرة وتهددها الانهيارات الصخرية، وكل ذلك بسبب تغييب دور الدفاع المدني».
وتابع: « المخالفات ذاتها التي ارتكبتها وزارة الأشغال كانت ترتكب من وزارتي الصحة والتربية والتعليم بمنح تصاريح لبناء مستشفيات ومدارس أهلية دون أخذ تصاريح من الدفاع المدني».
وأضاف: «الآن لم يعد هناك تجاوزات ولا تهميش للدفاع المدني الذي صار يمارس صلاحياته ويتعاون مع الجهات المختصة بحسب القانون الذي يخوله القيام بدور الرقابة والإشراف على أهلية المنشآت الحكومية والتجارية والمصانع والمعامل وتقييم مدى توفر مواصفات الأمن والسلامة فيها، ولم تعد تمنح تصاريح لبناء أية منشأة تجارية أو استثمارية دون أخذ تصريح من الدفاع المدني الذي نقوم بمراجعة المخططات المعمارية والإنشائية وإجراءات الأمن والسلامة ومنافذ ومخارج الطوارئ».

للتأخير ثلاثة أسباب
من جهته قال العقيد عبدالله الهاملي، مدير مكتب رئيس مصلحة الدفاع المدني: «هناك ثلاثة أسباب رئيسية تعوق عربات الإطفاء من الوصول مبكراً، السبب الأول: تأخر البلاغات، فكثير من البلاغات لا تأتي على الرقم الخاص بالدفاع المدني (191)، وإنما تأتي من عمليات أمانة العاصمة، فكثير من المواطنين وعند حدوث حريق يتصلوا على الرقم (199)، وهذا يخص عمليات أمانة العاصمة وهم بدورهم يبلغونا.
والسبب الثاني: مادي، فلدينا 8 مراكز دفاع مدني في أمانة العاصمة، إذا حدث حريق في بني حشيش تتحرك العربات من الحصبة، وإذا حدث حريق في حزيز تتحرك عربات الإطفاء من حدة، وإذا كان الحريق كبيراً يتم إرسال تعزيزات من المركز الرئيسي في الحصبة.
والسبب الثالث: هو الزحام وضيق الشوارع، أحياناً لو تخرج بسيارة عادية من الحصبة إلى التحرير ربما تستغرق مدة ساعة في بعض الأوقات فما بالك بعربة كبيرة. وحتى ليس هناك احترام للدفاع المدني، فنجد أحياناً صافرات استهجان ولامبالاة وإعاقة للفريق من القيام بعمله وكأننا تعمدنا التأخير، ولا يقدرون إمكانياتنا وظروفنا».

دعم محدود
وتابع قائلا: «الإمكانيات الحالية هي جهود شخصية ودعم محدود من وزارة الداخلية، أما ما هو مطلوب للدفاع المدني وفق القانون واللوائح وما يجب عليه أن يكون فغير موجود، والمصيبة أن بعض الجهات الرسمية تقف عائقا أمام توفير هذه الإمكانيات، بل إنه إذا كان هناك تعزيزات مالية من البنك والمالية لصالح الدفاع المدني لتطويره فإنها لا تصرف»، داعيا الجهات المختصة للقيام بواجبها تجاه مصلحة الدفاع المدني.