«لا» 21 السياسي -
في كتابه الكامل في التاريخ يذكر ابن الأثير أن جنكيز خان كتب لبعض أهالي بخارى حين حاصرها «إن أعنتمونا نوليكم ونمكنكم من الحكم والسلطة».
فنزلوعند أمره وقاتلوا أبناء مدينتهم الرافضين للاستسلام بدلاً عن جنوده وانتصروا عليهم ليدخل التتار بخارى ويأمر جنكيز خان بذبح مرتزقته من أهلها قائلاً:«لو كان يؤمن جانبهم لما غدروا بإخوانهم من أجلنا ونحن الغرباء»
قبل مرتزقة بخارى، خان أبو رغال ناسه، وبعدهم تآمر ابن العلقمي على قومه، وتكررت هكذا خيانات في كل عصور التاريخ لتصل ذروتها في هذا العصر الأمريكي كما يسميه مرتزقة وعملاء رعاة البقر من رعاة الشاة والبعير.
أعاد الأمريكيون سيرورة عمالة مرتزقة بخارى وصيرورة جزائهم في بلدان وشعوب أخرى بدءاً بمرتزقتهم في فيتنام وليس نهايةً بعملائهم في أفغانستان مروراً بشاه إيران ومشرّف باكستان وحكام أعراب وأغراب آخرين.

فيتنام 
سلالم العملاء المكسورة
أعلن الرئيس الأمريكي ليندون جونسون الحرب رسمياً على الـ»فيت كونغ» الجبهة الشعبية الفيتنامية سنة 1964، ورفع عدد قواته على الأرض الفيتنامية إلى نصف مليون جندي نصرة لحليفه الفيتنامي الجنوبي.
سنة 1968 نظم جيش فيتنام الشمالي ورفاقهم من مقاتلي «فيت كونغ» هجوماً كاسحاً استهدف القوات الأمريكية ومرتزقتها المحليين وكبدوها خسائر كبيرة، إلا أن الهجوم فشل في تحقيق انتصار كامل للشيوعيين، لكنه خلط أوراق واشنطن الداخلية، إذ بلغ الشعور المعادي للحرب وسط رأيها العام أقصى مداه، كما سادت الخيبة وانخفاض المعنويات بين الجنود الأمريكيين، وهو ما دفع الرئيس الجديد وقتها ريتشارد نيكسون إلى خيار «فتنمة الحرب»، أي جعل الحرب بين الفيتناميين تمهيداً للانسحاب.
ربح مقاتلو هانوي الـ»فيت كونغ» كل معاركهم أمام الجنوبيين المدعومين من أمريكا ودخلوا إلى العاصمة الجنوبية سايغون أمام فرار الأمريكيين، وسرعان ما لاقى المرتزقة والمتعاونون مع القوات الأمريكية مصيراً مأساوياً، إذ رفضت واشنطن نقلهم في طائراتها وسفنها وتم رميهم من فوق سلالم الطائرات والسفن.

شاه إيران
سرطنة خيانة
حوّل شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي بلاده منذ توليه الحكم عام 1949 إلى تابع مسلوب الإرادة للولايات المتحدة، ووظف كل إمكانيات إيران ومواردها في خدمة سياسة واشنطن وأهدافها الإقليمية والدولية قبل أن تتركه يواجه بمفرده مصير السقوط المحتوم.
وصف الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إيران الشاه نهاية 1977 بأنها واحة أمان في محيط متلاطم الأمواج، لكنه تناسى بسرعة هذا الوصف عند اندلاع الثورة الإيرانية، بل ذهب إلى حد إرسال موفد طالب بهلوي بالتخلي عن عرشه ومغادرة إيران.
وسدت الولايات المتحدة أبوابها في وجه حليفها الذي لم يجد مكانا يُعالج فيه من داء السرطان إلا في بنما، قبل أن يستضيفه الرئيس المصري أنور السادات في القاهرة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة طريدا وحيدا.

باكستان
براويز مرتزقة
في 2008 ترك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أحد أبرز حلفائه وهو الرئيس الباكستاني برويز مشرّف، يسقط تحت وقع غليان الشارع الباكستاني، ليغادر مشرّف السلطة دون أن يتحرك للأمريكيين جفن، وهو الذي حول باكستان إلى مركز متقدم للولايات المتحدة في العمل العسكري والاستخباري في حربها على ما يسمى «الإرهاب».
فعلت واشنطن ذلك من قبل مع الرئيس الباكستاني الأسبق محمد ضياء الحق حليفها في مواجهة السوفييت في أفغانستان، وتخلصت منه بتفجير طائرته في 1986.

الأعراب 
الأشد كفراً وخيانة
تخلت أمريكا عن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي صاحب السجل الحافل في خدمتها داخل وخارج بلاده، وذكرت تقارير صحفية أن فرار بن علي جاء عقب إيعاز واشنطن لقائد الجيش رشيد عمار بتركه يسقط.
وتخلصوا قبل بن علي من حليفهم السابق الرئيس العراقي صدام حسين، ومن بعده من القذافي ومبارك بعد انتهاء أدوارهم في خدمة البيت الأبيض.
وتخلى الأمريكيون عن حكام حلفاء آخرين مغضوب عليهم شعبيا، من أبرزهم التشيلي أوغستو بينوشيه والكونغولي موبوتو سيسي سيكو والجورجي إدوارد شيفارنادزه والقيرغيزي عسكر أكاييف.

أكراد العراق
بنادق للإيجار
منذ 100 عام وواشنطن تدعم أكراد العراق وتعدهم بالعمل على استقلالهم ثم تتخلى عنهم، وطوال الـ100 عام الماضية ظل الأكراد يهاجمون تارة العراق وتارة تركيا وأمريكا تزودهم بالسلاح والوعود السياسية، ولكن وفي كل منعطف سياسي أو عندما تحصل أمريكا على منفعة من الدول التي يتحرك ضدها الأكراد سرعان ما تتخلى عنهم، فقد دعمت نظام صدام وتخلت عن وعودها للأكراد، وأخيراً تركتهم لتركيا في شمال سوريا بعد أن نسقوا مع القوات الأمريكية وحاربوا معها حتى استولت على آبار النفط السوري ثم تركتهم لقمة سائغة للجيش التركي.

أفغانستان 
الشنق على عجلات الطائرات
بعد 20 سنة من احتلالها لأفغانستان تسحب الولايات المتحدة قواتها وتسلم البلد لـ»طالبان» التي ادعت الحرب عليها طوال العقدين الماضيين.لكن المفاجأة لم تكن في طبيعة العلاقة الأمريكية مع حركة طالبان، بل علاقة أمريكا مع مرتزقتها وأدواتها ممن خدم الجيش الأمريكي طوال الـ20 عاماً الماضية، إذ شوهدت مشاهد مخجلة للأفغان الخونة وهم يُركلون بأقدام الجنود الأمريكيين، بل يتم رميهم من على سلالم الطائرات الأمريكية وقتلهم في المطارات وهم يحاولون الهرب مع الجنود الأمريكيين، في مشهد يعود بالذاكرة إلى المصير الذي لاقاه المرتزقة الفيتناميون.