غازي المفلحي / لا ميديا -
بالنسبة للكثير من اليمنيين فقد تقتصر الأجواء الروحانية في رمضان على المساجد ليس أكثر، ففي المساجد تكون الصلاة وقراءة القرآن والهدوء والخشوع، أما في الشارع والمنزل فالوضع مختلف تماما، وكثيرا ما تتفشى بين الناس ظاهرة العصبية والنزق خلال نهار رمضان. فيكون رمضان موسماً لزيادة المشاكل في البيوت والشوارع وكثرة الشجارات وحوادث السير. فما السبب وراء ذلك؟

نسبة مشاكل أعلى
للأسف قد تسوء وتتغير سلوكيات وتصرفات بعض الناس خلال نهار رمضان والحجة أنهم صائمون، ويصبح شعار كثير من الناس في رمضان هو سرعة نفاد الصبر بدلا عن طوله.
وأن تشاهد مشاكل وشجاراً بين المواطنين في نهار رمضان ليس أمرا مستغربا عند اليمنيين، بل على العكس فهي ظاهرة مألوفة في هذا التوقيت من السنة.
ولهذه المشاكل والمعارك صور كثيرة وتزداد حدتها وخطورتها مع نهاية النهار، فساعات ذروتها، تكون قبيل أذان المغرب، إذ يبدو كأن الشوارع وكل من فيها في حالة شد عصبي وغليان واستعجال بالطبع.
تجد شجاراً بين اثنين في السوق بسبب خلاف حول الأسعار، وتجد مجموعة غارقة في مشكلة داخل الحي بسبب مشادات كلامية، وتجد مشكلة أخرى بين سائقي السيارات بسبب زحمة السير أو بسبب وقوع حادث أو النجاة منه، وللأسف حتى داخل المنزل تحدث مشاكل أسرية أغلبها تحت تأثير ضغط الحاجة والنقص وصعوبة توفير المعيشة في ظل الحصار والحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان على اليمن.
ولا تنتهي كل تلك المشاكل بشكل سلمي، فكثير منها تصل إلى أقسام الشرطة وكذا المستشفيات.

تشخيص طبي
تشخيص حالة الانفعال هذه لها أكثر من جانب، أهمها الجانب الاقتصادي والجانب الطبي وكذلك الديني.
ويوضح الدكتور أنور صالح لـ«لا» أنه وبشكل عام فإن «الجسم يعاني قليلا من الهبوط ونقص السكر في الجسم أثناء الصيام بسبب عدم الأكل والشرب ما يؤدي إلى حالة النزق والعصبية الملاحظة عند كثير من الصائمين، لأن للدِّماغ حساسية خاصة لمستويات الغلوكوز المنخفضة، وذلك لأن السكر هو مصدر الطاقة الرئيسي في الدِّماغ وعند نقصه يقوم الجسم بإفراز عدة هرمونات منها هرمون الأدرينالين وبكمية أكبر من المعتادة في الدم وهذا يجعل الشخص عرضة للانفعال». 
من جانبه، يقول الدكتور محمد الشامي، الاستشاري في الطب النفسي، إن «إرهاق الصيام والانقطاع عن التدخين والقهوة خلال نهار رمضان عند البعض يسبب حالة الانفعال والغضب الزائد لديهم».
غير أن بعض الأطباء يرون أن كثيراً من اليمنيين لهم خصوصية أكثر في نقطة الهبوط ونقص السكر بسبب الصيام، إذ إن لديهم مشكلة إضافية، وهي أنهم يبدؤون نهارهم في رمضان وأجسادهم متأثرة بتأثيرات القات الذي «خزنوه» في الليلة الماضية، فيكون لدى الكثير منهم نقص واضح في السكر بنسبة أكبر عن الصائمين من غير «المخزنين»، وهو ما يسبب العصبية والجوع الشديد لديهم، الأمر الذي يجعلهم لا يتمالكون أنفسهم ولا يتحكمون بردات فعلهم عند مواجهة أي مشكلة أو حدث لا يعجبهم.
وبحسب الأطباء فإن السبب العلمي لنقص السكر عند من يخزن هو أن القات يحتوي على مادة الكاثينون المنشطة التي بدورها تؤخر عملية هضم الطعام، وتقلل الشعور بالجوع، وهو ما يؤدي إلى عدم الرغبة في تناول الطعام، وبالتالي لا يحصل الجسم على حاجته من السكر، لا في الليل أثناء ما يكون الشخص مفطراً ولا في النهار عندما يكون صائما بالطبع.

تشخيص اقتصادي
أما الجانب الاقتصادي الصعب الذي تسبب به العدوان والحصار لليمنيين وجعلهم في حالة فقر أو حالة حاجة دائمة، فهو سبب رئيسي يقف وراء كثير من المشاكل التي تحصل في الأسواق والمحلات بين الباعة والزبائن، وأيضا المشاكل الأسرية التي تحصل داخل البيت الواحد، ليس فقط في رمضان، بل طوال أيام السنة، وليست المشاكل العادية والسلوكية فقط، بل جميع المشاكل النفسية والصحية. فهناك أزمة في كل شيء تقريبا وبخاصة الغاز والوقود، والأسعار مرتفعة بشكل عام وترتفع أكثر في رمضان نتيجة بعض الأزمات التي يفتعلها العدوان أو أياديه أو نتيجة جشع بعض التجار والباعة الذين لم يجدوا لهم رادعاً.
فيقضي اليمني نهار رمضان وليله حتى بعد أن يفطر وهو مهموم متوتر ويائس، وهذا ما ينعكس على صحة جسمه وحالته النفسية، وذلك نتيجة عجزه في مواجهة حياته ومتطلباتها، فعيش اليوم التالي بالنسبة لليمنيين أصبح تحدياً.
إضافة إلى أن الاحتياجات والطلبات تزداد في رمضان وتتراكم الديون وتضيق مقدرة أرباب الأسر إلى الحد الأقصى ما يجعلهم في حالة من الضيق والهم الأمر الذي لا يجعلهم عصبيين فقط، بل يسبب لهم أمراض القلب والسكر والجلطات.

المطلوب دراسة حالات
يؤكد الدكتور أحمد عبدالله الصعدي أستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء، أنه لا بد من القيام بدراسة حالات عديدة للوصول إلى استنتاج عن سبب زيادة المشاكل في رمضان، ولكن يمكن افتراض أحد الأسباب الرئيسة وهو زيادة الطلبات والإنفاق في ظل فقر متزايد وانقطاع المرتبات وتصاعد الأسعار.

ضعف تربية إيمانية
هناك أشخاص قد لا يعانون من الهبوط ولا انخفاض في نسبة السكر، كما أنهم في وفرة مالية ولا يعرفون ضوائق الحاجة المعيشية ومع ذلك فسلوكهم عصبي وعدائي ويثيرون وينخرطون في مشاكل لا داعي لها ويمكن تجنبها برفع السلوك الأخلاقي أكثر.
وإذا تأملت حال الشوارع في الساعة التي تسبق أذان المغرب، وخصوصاً الدقائق الأخيرة، فسوف تفاجأ بأن الشوارع أصبحت مضمار سباق للسيارات المسرعة جدا التي لا يراعي أصحابها حرمة رمضان أو الطريق أو الناس أو قوانين المرور، وهم في عجلة غير مبررة بحجة الوصول إلى منازلهم قبل أن يؤذن المغرب، وتحصل نتيجة ذلك حوادث كثيرة منها مأساوية يذهب ضحيتها الكثير من الأرواح وفجعت بسببها كثير من الأسر والقلوب.
الكثير من هؤلاء غير مدركين أن رمضان والصوم مدرسة تهدف إلى تهذيب النفوس وتسهم في ضبط الجوارح وسد المنافذ التي قد يتسلل منها الشر، فالأصل في الإنسان في شهر رمضان وغيره من الشهور أنه صاحب خلق حسن، وفي شهر رمضان يحتاج إلى التمسك بالخلق الحسن أكثر من أي وقت آخر، والصوم في حقيقته نوع من أنواع الصبر، فكما أن الصائم مطالب بالصبر على الجوع والعطش والشهوة فهو مطالب كذلك بالصبر على أذى الغير، وما يحدث من غضب وعصبية من قبل البعض فإنه يتنافى مع ما أراده الله من الصوم وحث عليه.