استطلاع : دنيا حسين فرحان / لا ميديا -

 يعد ملعب الحبيشي أحد أعرق الملاعب العربية تاريخيا، فهو صرح رياضي عريق احتضن عدداً كبيراً من المباريات المهمة في تاريخ الرياضة اليمنية.
الملعب كان إلى وقت قريب المسرح الأوحد الذي احتضن عديد المناسبات والفعاليات، لكنه تعرض للدمار والتهالك والتوقف عن إقامة أي نشاط كروي فيه، ليصبح خاوياً على عروشه بعد سنوات كروية حافلة.
انطلاقا من أهمية الملعب ورمزيته لدى الرياضيين في عدن بشكل خاص، وعلى امتداد الوطن اليمني عموما، باعتباره الملعب الذي شهد الولادة التاريخية لكرة القدم اليمنية مع بدايات القرن الماضي، واحتضن بعد ذلك الأجيال الكروية المتعاقبة التي حملت على عاتقها مهمة التعريف باليمن ووضع بصمتها على الخارطة الرياضية العربية والقارية... صحيفة "لا" بملحقها الرياضي رصدت عدداً من الآراء في الوسط الرياضي لمعرفة ما يعنيه لهم ملعب "الحبيشي" وعرض نبذة عن تاريخ الملعب وأبرز محطاته.

ذاكرة كروية لليمن
في البداية يتحدث رئيس نادي التلال حسين الوالي: "ملعب الحبيشي صرح عريق وتاريخ يحمل ذكريات كروية عميقة لكل أبناء عدن، بل اليمن كافة. أتذكر عندما دخلته أول مرة في مطلع الستينيات كانت هناك مباريات سباعية، وكان دخولي له متقطعاً في بداية الستينيات, لكن منذ عام 67 كنت من أوائل من يحضر وكنت أذهب في الساعة الثانية ظهرا إلى الملعب سيرا على الأقدام من المعلا التي كنت أسكن فيها حتى كريتر, خاصة عندما تكون هناك مباريات كبرى".
ويضيف: "ملعب الحبيشي هو معقل الرياضة والذكريات الجميلة لكل أندية عدن, فقد سطر فيه التاريخ والملاحم وبصمات الأفراح والأحزان. عندما نذكر ملعب الحبيشي نتذكر الحفلات الفنية والثقافية ونتذكر أمسيات رمضان الجميلة من خلال دوري المريسي والمباريات القديمة التي جمعت فرقنا مع أندية عربية وأجنبية، وأذكر مباراة فريق خورشيد الصومالي والمنتخب العراقي عام 1974 عندما كان حينها يسمى بالملعب البلدي".
ويقول أيضاً إن "عودة ملعب الحبيشي ليست فقط عودة ملعب رياضي، بل هي عودة الحياة المدنية الحضارية لعدن, عودة فتحت المجال لشبابنا في متابعة وممارسة معشوقتهم من أمام دائرة فراغ تحاول الدفع بهم للمضي في الطرق الخاطئة".
كما يرفع رئيس نادي النادي التلال درجة آماله: "بعد ترميم الملعب وفتحه نتمنى أن يتم إضافة الإنارة حتى يعود لاحتضان الأمسيات والمباريات, وأيضا حتى يعود لاعبو نادي التلال للتمرين فيه بعد أن ظلوا لسنوات يتمرنون في ملعب حقات. سعدنا كثيرا بهذه العودة ونتمنى أن يعود معها التاريخ الرياضي ويعطى لهذا الملعب حقه والاهتمام به حتى يعود معه تاريخه العريق وكل ذكرياته الجميلة".

فترة عصيبة على الملعب الأعظم
تبقى الحقبة الأسوأ في تاريخ ملعب الحبيشي هي تلك التي أعقبت حرب صيف العام 94م، والتي شنها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح على المحافظات الجنوبية، وما تبعها من تدمير لمعالم عدن ومنها هذا الملعب التاريخي. 
فقد شهد الملعب إهمالاً كبيراً من قبل السلطات في تلك الفترة، حتى وصل بعد الألفية إلى حالة من التصحر وعدم صلاحيته لاستضافة مباريات كرة القدم.
ظل الملعب الشهير خاوياً سنين طويلة، من دون أن يشهد أي ضجيج كروي، حتى بدأت الأخبار تتواتر عن احتمالية تحويله إلى سوق تجارية.
تعرض درة الملاعب خلال تجهيز ملاعب "خليجي 20" التي استضافتها عدن أواخر العام 2010، حيث تم بناء وتأهيل 7 ملاعب في المدينة، وتم زراعتها بالعشب الصناعي معظمها للتدريب، فيما جرى تجاهل أعرق ملاعب المدينة, وزاد ذلك التجاهل من إحباط وتخوف الناس على مصير ملعب «الشهيد الحبيشي»، الذي يظل المعلم الأكبر رياضياً في تاريخ ملاعب مدينة عدن واليمن.
لاعب التلال السابق والإعلامي الرياضي خالد هيثم يصف "الحبيشي" بكلمات تحمل الكثير من الذكريات الأليمة: "الحبيشي ليس ملعباً, الحبيشي هو العمق الجميل لمشوار وتاريخ رياضة عدن التي غردت بكل جماليات اللعبة ومرت عبر حقب مميزة كانت النجومية والأسماء هي عنوانها الجميل. الحبيشي هو الروح التي غابت لسنوات بفعل فاعل, حينما وضع تحت سقف الأهواء والانتهازية التي أرادت أن تحوله إلى موقع تجاري, قبل أن تتغير معطيات المشهد ويستتب الأمر في النهاية إلى روح الرياضة التي حملت كل التسميات ورسمت اللوحة الجميلة للمشوار الطويل جدا".
ويكمل خالد هيثم حديثه: "للأسف انهارت قواه (الملعب) بفعل مؤامرة! أرادوا أن يسقطوا كل ما يميزنا من إرث رياضي كبير مازال يمزج الحوار الملتزم للسلوك والأخلاق والقيم، وبينها روح جماهيرية استعادت نسقها الذي يربطها بهذا الملعب التاريخي الذي تحتضنه عدن بين ثناياها كصرح مهم لا يمكن أن يغيب لولا الإهمال والتدمير الذي نال الرياضة. اليوم نحن سعداء بعودة الملعب التاريخي، وسعداء بالزخم الجماهيري الذي قدم مشهداً سنحتفظ به لسنوات طويلة".

عودة زمن الكلاسيكو
شهدت العاصمة عدن حدثا مهما، بالنسبة للرياضيين والشباب، وذلك بافتتاح ملعب الشهيد الحبيشي، بعد إعادة تأهيله وترميمه. مباراة جمعت بين عملاقي المدينة الوحدة والتلال, لقاء كروي عصيب حمل أيضا لوحة جمالية، جماهير زاحفة صوب المعقل التاريخي حاملة ذكريات عبقة لنجوم ورموز كروية كان الحبيشي منطلقها نحو عالم الشهرة، أبرزهم أبو بكر الماس وشرف محفوظ وغيرهما من نجوم الزمن الجميل.
هنا يتحدث بشغف الإعلامي الرياضي عمار مخشف: "افتتاح ملعب الشهيد الحبيشي التاريخي بعدن بعد إعادة تأهيله شيء رائع أن تفتتح أبواب هذا المعلم التاريخي لكل محبي وعشاق الرياضة بمدينة عدن الحبيبة, لقد عادت الحياة وعادت الأجواء الرياضية لهذا الملعب التاريخي بعد سنوات من التوقف، وتنشيط وتفعيل مختلفة الأنشطة الرياضية بعد التوقف الذي تشهده الساحة الرياضية بعدن. افتتاح ملعب الشهيد الحبيشي بالنسبة لكل محبي وعشاق الرياضة بعدن وغيرها يعتبر يوما تاريخيا عادت من خلاله البسمة إلى هذا الملعب الذي يحظى بذكريات جميلة ورائعة.
الكابتن محمد حسن البعداني، مساعد مدرب منتخب اليمن للناشئين ومدرب نادي فحمان أبين: "ملعب الحبيشي يعتبر بمثابة الانطلاقة لكل لاعب من أبناء عدن إلى خارج حدود ناديه.. بالنسبة لنا هو مثل الهواء والماء والعشق الأبدي، ملعب يمثل رمزية غير عادية لا تجاريه فيها كل ملاعب عدن مجتمعة، ملعب شهد بدايتنا مع كرة القدم كمشجعين ثم لاعبين. ملعب كان شاهدا على ميلاد نجوم كبار, لنا فيه ذكريات لا يمكن أن ننساها، وشهدنا فيه عدداً كبيراً من المباريات. لا نعتبره مجرد ملعب فقط، إنه بالنسبة لنا التاريخ والعراقة والصرح الأول, من الحبيشي تعلمنا الكثير وأضاف الكثير للرياضة في عدن وعموم البلاد, وذاع صيته في محافل عربية ودولية ومن أشهر وأعرق الأندية في الجزيرة العربية إن لم يكن على مستوى الوطن العربي".
ويختتم البعداني: "اليوم سعدنا كثيرا بعودة الحبيشي وعودة دوران الكرة فيه، ونتمنى أن يكون القادم أجمل للملعب ولكل عشاق الرياضة".

 نبــــــذة تـاريخــيــــــة
يعتبر ملعب الشهيد الحبيشي التاريخي بعدن، والذي كان يسمى بالملعب البلدي، من أقدم الملاعب في اليمن والجزيرة العربية والوطن العربي. شيد وافتتح عام 1905 ميلادية, لكي يمارس فيه جنود وموظفو وعاملو الحامية والتاج البريطاني المستعمر للجزء الجنوبي من وطننا الحبيب لعب كرة القدم. 
وفي ثلاثينيات القرن الماضي، تحول اسم الملعب إلى "المدرج البلدي"، تزامنا مع نشوء العديد من الفرق الرياضية في المدينة، مثل الأحرار والحسيني وشباب التواهي والواي... 
وفي العام 1974 افتتح تحت مسماه الحالي (ملعب الشهيد الحبيشي) بلقاء كبير جمع المنتخب الوطني مع المنتخب العراقي الشقيق، وذلك تخليداً لذكرى لاعب الأحرار الرياضي السابق الشهيد محمد علي الحبيشي، والذي استشهد في عملية فدائية ضد جنود الاحتلال البريطاني في عدن.
وظل الملعب (الحبيشي) الذي يتوسط مدينة كريتر، محتفظاً بهذا الاسم حتى اليوم، محققا شهرة كبيرة تجاوزت الحدود، حيث مثَّل واجهة لجماهير الكرة خلال 9 عقود من الزمن الذهبي.