أحمد رفعت يوسف -  دمشـق / لا ميديا -

مر خبر إسقاط حزب الله اللبناني الطائرة المسيرة «الإسرائيلية» المتطورة «مافيك» بالقُرب من بلدة عيتا الشعب في جنوب لبنان، السبت الماضي، بدون ضجيج يتوازى مع أهمية الحدث رغم أن إسقاط الطائرة يدخل في باب التحولات الاستراتيجية وليس مجرد حادثة إسقاط طائرة مسيرة.
فقد كان لافتاً أن حكومة الكيان الصهيوني اعترفت بالعملية، وهذا الاعتراف من الحالات النادرة في «إسرائيل»، لكنها فرضت حالة تعتيم شبه كامل على الحادثة في وسائل الإعلام، أما المقاومة التي نشرت الخبر مع صور للطائرة وهي في مكان آمن بيد عناصرها، فقد اكتفت بدورها ببيان إسقاط الطائرة، لكن صمت المقاومة مختلف عن صمت حكومة الكيان الصهيوني التي أصيبت بضربة قاسية على الرأس، أما المقاومة فيهمها الرسائل الاستراتيجية للعملية والتي وصلت إلى عناوينها بالتأكيد، وهي لن تعطي العدو معلومات مجانية حول طريقة إسقاط الطائرة والأسلحة التي أسقطتها.
فالطائرة متطورة وإسقاطها يعني إسقاط منظومة جوية «إسرائيلية» متكاملة تمتد نتائجها حتى خارج حدود الكيان الصهيوني، وقد أثارت الحادثة أسئلة لن تكون الإجابة عليها بهذه السهولة عند المستويين السياسي والعسكري «الإسرائيلي» وخارجه.
السؤال الأول: كيف تمكن حزب الله من إسقاط طائرة بهذا التطور التقني والعسكري؟ وبأي سلاح أسقط الحزب الطائرة؟ هل هو صاروخ؟ وما نوعه وتقنيته؟ أم بالتحكم عن بعد أم بطريقة أخرى؟ لكن السؤال الأهم هو: كيف تمكن الحزب من تحييد سلاح الجو «الإسرائيلي» ومنعه من استهداف الطائرة لتدميرها ـ كما هي العادة ـ حتى لا يتمكن حزب الله من السيطرة عليها وتحليل معلوماتها واستكشاف تقنيتهـــــــا وفـــــــــك شيفرتها السرية؟ والأخطر بالنسبة للكيان الصهيوني الوصول الأكيد لهذه المعلومات إلى يد الخبراء الإيرانيين الذين أظهروا تطوراً كبيراً في مجال الحرب الإلكترونية والتصدي للطائرات المسيرة إلى درجة إسقاط أكثر من طائرة أمريكية فائقة التطور.
وهذا يعني امتلاك حزب الله منظومة رصد واستطلاع وتعقب واستهداف متطورة حتى تمكنت من رصد الطائرة وإسقاطها ونقلها، وهذا مكمن الخطر بالنسبة للمسؤولين «الإسرائيليين» في المستويين العسكري والسياسي.
ومع محاولة البعض التقليل من أهمية إنجاز المقاومة بالحديث عن وجود خبراء إيرانيين يعملون مع المقاومة، فالمسألة عند العدو الصهيوني ـ حتى لو كان الأمر صحيحاً ـ لا يهمها أي عين رصدت الطائرة وأي يد ضغطت على الزناد حتى أسقطتها، وإنما النتيجة، وهي إسقاط الطائرة والسيطرة عليها.
أما شظايا الحدث خارج الكيان الصهيوني فهي لا تقل عن داخله ويمتد إلى الساحة اليمنيــــــة بالدرجـــــة الأولىمــــــع الحديــــــث عن سعــــي إماراتي للتزود بصفقة أسلحة «إسرائيلية» تشكل الطائرة التي تم إسقاطها جزءا من منظومتها تحسباً من هجوم من قبل الجيش واللجان الشعبية في اليمن على منشآت ومواقع إماراتية رداً على المشاركة المباشرة للإمارات في العدوان على اليمن، وهو ما هدد به السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وقادة الجيش اليمني، ويجعل من حادثة إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» عامل قلق حقيقي عند حكام الإمارات ومن ورائهم حكام بني سعود كما هو عند مسؤولي الكيان الصهيوني، ويلغي حالة الاسترخاء التي تشكلت عند حكام الإمارات بعد الإعلان عن تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني التي تستهدف في أحد جوانبها محاولة تشكيل حالة اطمئنان عند حكام الإمارات على مستقبل سلطتهم ودولة الإمارات ككل بتوفير غطاء عسكري كما هو السياسي لنظامهم.
وبالتأكيد لن يغيب هذا المشهد عن نظام بني سعود الذي خبر ضربات هذا السلاح عند استهداف صاروخية الجيش واللجان الشعبية اليمنية منشآت أرامكو وفي أكثر من موقع سعودي.
حالة الثقة الكبيرة التي تعاملت بها المقاومة اللبنانية مع حادثة إسقاط الطائرة «الإسرائيلية» يشكل عامل قلق إضافي حقيقي عند مسؤولي الكيان الصهيوني، لأن أبسط ما تعنيه هذه الحالة أن المقاومة باتت تمتلك أسلحة نوعية أظهرت منها ما مكنها من إسقاط الطائرة ومنع سلاح الجو «الإسرائيلي» من التصرف، وهذا يعني أن ما تمتلكه المقاومة وتتكتم عليه أكثر بكثير مما تظهره، وهو ما ألمح إليه سيد المقاومة، السيد حسن نصر الله، في أكثر من مناسبة.
أما ما سيجعل المسؤولين «الإسرائيليين» يأخذون الأمر على محمل الجد، وهو أن سلاح الجو الحربي «الإسرائيلي» الذي يشكل أهم عامل لدى المنظومة العسكرية في الكيان الصهيوني وفي أية مواجهة متوقعة مع المقاومة، لن يبقى ـ بعد إسقاط الطائرة المسيرة ـ في حالة اطمئنان، ولن تكون الأجواء اللبنانية متاحة أمامهم بحرية وسهولة بعد الآن، لأن المقاومة إذا ما تمكنت من إسقاط أية طائرة حربية «إسرائيلية» ـ كما هو متوقع ـ فإن الأمر عندها لن يكون مجرد إسقاط لطائرة حربية، وإنما سقوط لأهم حصون العدو الصهيوني، وسيعني باختصار أن الحديث سيكون عندها عن مصير الكيان الصهيوني ككل وليس عن إسقاط الطائرة.