حاوره/ نشوان دماج - مرافئ لا -

الفنان محمد علي السمة، صاحب الحس المرهف والصوت الشجي الذي يحمل بصمات كثيرة من والده الفنان الكبير علي عبدالله السمة. 
لا يميل إلى حب الظهور ولا إلى بهرجة الميكروفونات، يقيناً منه بأنه لا يطفو على السطح سوى الزبد، أما الدر فيبقى كامناً في الأعماق.
«مرافئ لا» التقى الفنان محمد السمة في حوار شيق عن حياة ومسيرة والده الفنية، وكذلك عن لمحات من حياته هو، فإلى الحوار:
 أستاذ محمد.. هل لنا أن نتعرف على البطاقة الشخصية للفنان الراحل علي عبدالله السمة؟ 
- علي عبدالله مراد علي السمة، من مواليد 1939 محافظة ذمار، كان ضابطاً في سلاح المهندسين.
 ما العمل الذي كان يمارسه الوالد إلى جانب كونه فنانا؟ 
- الفنان علي السمة لم يتخذ الفن عملا ليجني منه قوت يومه، بل كان الفن بالنسبة له حباً وعشقاً وأحاسيس. وكان يخدم الفن ويوصله إلى جميع طبقات المجتمع. أما عن عمله الذي كان يمارسه إلى جانب كونه فناناً مخضرما، فكان يعمل مذيعا في إذاعة تعز، بالإضافة إلى كونه ضابطاً في السلك العسكري.

تعليم موسيقي أكاديمي
 ما هو المستوى العلمي والدراسي الذي وصل إليه الوالد؟ وهل درس الموسيقى كعلم؟ وأين؟ 
- أكمل تعليمه الثانوي، ثم حصل على شهادة الماجستير. بالنسبة لدراسته الموسيقى، ففي البداية كان الفنان الراحل علي السمة يتعلم عزف العود من باب الهواية، وعندما تعمق في جانب الفن أصر على أن يتلقى التعليم الموسيقي في روسيا، وذلك عندما كان يدرس في  الأكاديمية العسكرية، فانتهزها فرصة وتعلم الموسيقى هناك.

أعمال فنية لم يسمعها أحد
 كم عدد الأعمال التي قدمها الفنان علي السمة؟ وهل جميعها في متناول المستمعين؟ 
- عندما نتحدث عن فنان عملاق مثل الفنان علي السمة، فنحن نتحدث عن مكتبة فنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مكتبة فيها الأعمال الاجتماعية والوطنية والرومانسية، وبالتالي لا أستطيع حصد كل تلك الأعمال،حيث إن هناك أعمالا حتى أنا لم أسمعها بعد.

شاعر وملحن وفنان
 هل كان يكتب لنفسه ويلحن؟ وحبذا لو أطلعتنا على بعض عناوين تلك الأغاني؟
 الفنان الراحل علي السمة لم يكن فنانا مؤديا فقط، بل كان يمتلك حس الكتابة الشعرية والألحان العذبة، فكان يغني أيضا من أعماله سواء شعرا أو ألحانا، بالنسبة للأغاني التي هي من كلماته وألحانه فكثيرة، ومنها: «لا تفكر يا حبيبي»، «من زمان غايب عليا»، «الهوى والحب غلاب»، وغيرها.
 في نظرك، إلى أية مدرسة فنية ينتمي الفنان علي عبدالله السمة؟ 
- كان والدي متأثرا بالفنان الراحل صالح عبدالله العنتري، والفنان الراحل فريد الأطرش.
 هل كان يعزف آلات موسيقية أخرى؟ 
- نعم كان يعزف على آلات متعددة، ومنها القانون والكمان، ولكن العود كان المفضل لديه.

أغانٍ ممنوعة
  لماذا منعت بعض الأغاني ولم تر النور، مثل: «موظف حكومي» و»يالله اليوم يا اخوان» وغيرهما؟
- هنالك أغان كثيرة لم تر النور غير الأغاني الوطنية. وبالنسبة لـ«موظف حكومي» و«يالله اليوم يا اخوان»، فقد تم منعهما لأنهما لاقتا محاربة سياسية باعتبارهما من الأغاني التي تناقش وضع الشعب ومعاناته من قبل الحكومة والسياسة.
فمثلا أغنية «يالله اليوم يا اخوان» غناها والدي في حضور علي عبدالله صالح، لكي يوصل له فكرة معينة، وبعد سماعها طلب منه ألا يغنيها مرة أخرى، لأنها من الممكن أن تشعل حربا،  لكن الوالد أصر على تسجيلها في الاستوديو والاحتفاظ بها.
  يقال إن تلك الأغنية ذاتها هي التي تسببت في مقتل الفنان علي السمة من قبل المخابرات السعودية.. فكيف ترى المسألة من وجهة نظرك؟ 
- لم يكن مقتل الوالد له علاقة سياسية بالمخابرات السعودية ولا غيرها، وأنا أنفي هذا الكلام.
  هل كان للوالد تجربة حزبية؟
- لم يكن الوالد ينتمي لأي حزب، ولكنه كان مواطنا شريفا ينتمي لحب وطنه وشعبه، وكانت أغانيه تخدم وطنه وشعبه بشكل مجمل.

الهروب إلى عدن
 تجربة الوالد في عدن وأثرها على فنه؟
- بما أنه لقي معارضة شديدة من قبل والده في أن يكون فناناً، فقد اضطر إلى الذهاب إلى عدن، حيث لم يلق هناك أية معارضة لفنه، فقام بتسجيل بعض الأغاني تلفزيونيا. لكنه طوال بقائه في عدن حافظ على التراث الصنعاني، ولم يتأثر بالتراث الجنوبي، وللعلم أنه لم يمكث كثيرا في عدن.

سلاحه البندقية والأغنية
  كون الوالد منتمياً للسلك العسكري.. كيف استطاع أن يوائم بين ثوبه الفني وثوبه العسكري؟ 
- بما أن الوالد كان وطنيا، فلا شك أنه استغل منصبه العسكري في إظهار أغانيه الوطنية التي تخدم الوطن والشعب، وتغنى بها في مجاله العسكري، فكان يحمل على عاتقه حماية وطنه وشعبه ليس فقط بالبندقية، وإنما أيضاً أوصل مشاكل الشعب عن طريق الأغاني الوطنية.
 من كان في رأيك أقرب الشعراء الغنائيين إلى الفنان علي السمة؟ 
- الشاعران المخضرمان عباس المطاع ومطهر الإرياني.

جمعتهما الصداقة وحب الفن
  ما طبيعة العلاقة التي كانت تربط الفنان علي السمة مع غيره من الفنانين، وخصوصاً علي الآنسي؟
- كانت علاقته طيبة وجيدة مع الفنانين، فلم نسمع أو نعرف أي خلاف ربط بين الوالد وفنان آخر، بل كان الاحترام متبادلا بينهم. أما بالنسبة لعلاقته بالفنان الراحل علي الآنسي فكانت علاقة من الطفولة، وكانا متأثرين ببعضهما البعض، فقد جمعت بينهما صداقة وحب للفن والتراث اليمني، وامتدت صداقتهما حتى توفي الفنان علي الآنسي. ومع ذلك، واصل والدي حبه وتأثره، فكان يغني أغاني الفنان علي الآنسي بمنتهى الاحترام.
  بعض أغاني الفنان علي الآنسي التي أعاد الوالد تسجيلها بصوته.. لماذا برأيك؟
- سواء في رأيي أو في رأي أي إنسان يعرف الفنانين علي السمة وعلي الآنسي بقوة، يدرك أن حب والدي واحترامه للفنان علي الآنسي وقوة تأثره بفنه العريق، هو الذي جعله يسجل بعض تلك الأغاني الجميلة بصوته، لا لأجل المنافسة.
  هل هناك أغان مشتركة بين الآنسي والسمة؟
- بالتأكيد هناك أغان مشتركة بينهما، وجلسات كثيرة جمعتهما وتم تسجيلها.

تزوجت بالصدفة
 هل نستطيع أن نعتبر زواجك من ابنة الفنان علي الآنسي تعبيراً عن العلاقة الحميمة التي كانت تجمعهما؟
- قبل زواجي بابنة الفنان القدير علي الآنسي، كنت متأثراً بفنه وبفن والدي. وعندما علمت بعلاقتهما الحميمة أحببت الفنان علي الآنسي أكثر، فكانت الصدفة والنصيب بأن أتزوج بابنته. ولو كان والدي موجوداً لكان قد سعد بهذا الزواج لما كان يكنه للفنان القدير علي الآنسي.

أحب أغاني والدي بصوت الحبيشي
 مَنْ مِن الفنانين ترى أنه يقدم تراث علي السمة في أفضل صورة؟ 
- هناك فنانون كثيرون يغنون أغاني والدي، ومن بينهم أنا، ولكني أحب سماع أغانيه من الفنان القدير أحمد الحبيشي.
  كونك فنانا.. ما الذي تعلمته من والدك؟ 
- بصراحة، كنت أتمنى تعلم الفن على يد والدي الراحل، واكتساب المهارة الفنية منه. ولكن قدر الله وما شاء فعل، فلم يبق لي إلا سماع أغانيه بالأشرطة والتأثر بها ومحاولة إجادتها بقدر المستطاع.
  متى بدأت ممارسة الفن؟ 
- قبل حوالي 26 سنة.

لم يعد الفن يحظى بتقدير
 كيف ترى عالم الفن بمحامده ومساوئه؟ 
- الفن شيء جميل يبعث الأمل والهدوء، وأيضاً هو رسالة تصل للعالم بشكل شفاف وبسيط في جميع ألوانه، ولكن في يومنا هذا أصبح الفن تجارة أو مصدر دخل، ولم يعد الفن يحظى بتقدير.
  ما هي المعوقات التي وقفت أمام انطلاقك في هذا المجال؟ 
- في بداية فني -كما سبق وقلت- كنت متأثرا بفن والدي وبالأغاني التراثية، ولكني اصطدمت بحائط الأغاني الجديدة والتي لا تمتلك الطابع التراثي الجميل، وللأسف الشديد أذواق المستمعين تشجع على تنامي مثل هذه الأغاني.

لست متحمساً لتكرار التجربة مع أولادي
  هل من الممكن أن تشجع أولادك لدخول هذا المجال؟ ولماذا؟ 
- لا أنوي أن أعيد هذه التجربة لأبنائي، لكن إذا كان أي منهم يمتلك الطابع الأصيل والحفاظ على جمال التراث، فبالتأكيد سوف أشجعه، مع أني أخاف أن يحبط مستقبلاً مما يمكن أن يراه. لكنني سأشجعه لأن الفن لا يمكن إعاقته أو الوقوف في وجهه، والدليل أن والدي لم يردع وذهب إلى عدن. 
  كيف تقيم الفن المتداول الآن عبر الشاشات والصالات؟ 
- الفن الآن يفتقر للرقي والأصالة لأنه أصبح بابا لكسب المال، فالكل يتنافس بالصالات من يجني ربحاً أكثر من الآخر، دون أن يعيروا أدنى أهمية أو اعتبار للفن.
  ما رأيك في استخدام العود الكهربائي؟ 
- للعود الكهربائي محبوه، ولكن بالنسبة لي فأنا أحب العود العادي لأنه في رأيي أكثر أصالة.

التجديد يخدم الأغنية
  هل التكنولوجيا الصوتية تخدم الأغنية اليمنية بالشكل المطلوب؟ - المفترض بالتكنولوجيا الصوتية أنها تخدم الأغنية إذا ما وجد خبراء للعمل عليها، ولكننا نفتقر للمتخصصين لذلك.
  ما رأيك في تطوير الأغنية الصنعانية الأصيلة؟ وهل أنت راض عن التحديثات والإضافات من بعض الهواة الشباب؟
- الأغنية اليمنية موجودة ولم تفقد بريقها، وأتمنى من الشباب أن يهتموا بتقديمها بالشكل الصحيح والمناسب، وشبابنا مثقف ومتعلم.

  كلمة أخيرة..؟
- أشكر صحيفة «لا» على استضافتي في هذا اللقاء، وخصوصاً أخي نشوان دماج. وأشكركم على اهتمامكم بعمالقة الفن اليمني الأصيل.