علي نعمان المقطري / لا ميديا -

كانت قيادة العدوان منذ سنوات وهي تحسب لهذه الظروف ألف حساب، وتستنزف البشر والمعدات والأموال بالمليارات والتريليونات، وتريد أن تتوج العام الجديد للعدوان بنتائج ظافرة تحققها على مشارف الحملة الأمريكية الانتخابية الجديدة في نهاية العام الجاري، أي في نوفمبر القادم، لتهديها للناخب الأمريكي الأحمق المضلل والأجوف، فتبرر له حكمة ملايين الصواريخ التي انصبت على رؤوس اليمنيين الآمنين والشرفاءالأحرار، وقتلت مئات الآلاف، وفرضت الحصار الشامل على أمة بأكملها، تآمرت عليها دول العالم الكبرى وأذيالها لتجبرها على الخضوع لإرادتها الاستعمارية الجائرة، وهي تقف وحيدة في مواجهة الطغيان الإمبريالي البشع بكل جبروته وقوته وقسوته وطغيانه، وليس معها من ناصر سوى الله وحده.
وبعد 5 سنوات من الطغيان والجبروت ها هو الطغيان يتآكل وينكسر في الميدان كما يتحطم في عقر داره وقواعده الدولية والإقليمية التي تقف عاجزة أمام أوهى المخلوقات وهي تعصف بحياة الملايين من مواطنيها وتوقف عجلة إنتاجها وحياتها اليومية، وتفلس آلاف الشركات والمراكز المالية والبترولية وتهبط أسعار البترول إلى ما دون الصفر، وتتكبد المراكز المالية الأمريكية والسعودية والغربية خسائر بتريليونات الدولارات.
وهل هي محض مصادفة أن تتطابق انهيارات العدوان في الميدان وانهيارات الإمبريالية في الأسواق والاقتصادات والاحتكارات الاستعمارية؟ إن ذلك تدبير من قبل حكيم عزيز، إن الله قد رد الصاع صاعين على المعتدي المتكبر والطاغية المغرور والناهب للعالم المقهور.
ها هو غزو «كورونا» يبطش بملايين الأمريكيين وهم عاجزون عن المواجهة وحكومتهم عاجزة عن علاجهم وعن توفير الأدوات والأجهزة، وتحولت نيويورك وواشنطن ولندن وباريس وروما إلى مدن أشباح تعوي فيها الكلاب الضالة.
يقول ترامب إن الفيروس مصمم على أن يطيح بانتخابه لدورة جديدة كان يحلم بها لمواصلة تجبره على الشعوب الضعيفة، حتى صدق أنه القوي الوحيد في الكون قبل أن تفضحه مواقفه وأعماله وتصرفاته وسلوكه وعجزه أمام الفيروس الصغير الكاسح.
وقد تضامنت الأقدار الإلهية والإرادات الوطنية في كسر أنوف المعتدين وتمريغها في التراب والمستنقعات، ولذلك ستكون سنة شؤم هلاك على العدوان وأذياله إن شاء الله، وعلى الباغي تدور الدوائر.

نكسات الميدان تطيح بالعدوان
تأتي التطورات السياسية للعدوان ومناوراته الجديدة في سياقها التاريخي المتمثل في النكسات المتوالية للعدوان في ميادين المعارك الجارية على الأرض، في نهم وصنعاء ومأرب والجوف وقبلها في صعدة وحجة ونجران وعسير وجيزان والبيضاء والعود والضالع وتعز ومكيراس والساحل الغربي، كما تعكس تخبطات العدوان ومعضلاته العسكرية والسياسية والاستراتيجية في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية والإسلامية والآسيوية، والنجاحات التي يحرزها محور المقاومة في كل الميادين وساحات المواجهات في ظل تراجعات وانكسارات الموقف الإمبريالي السعودي الأمريكي الصهيوني.
وفي الوطن اليمني تدخل المواجهات مرحلة حاسمة، حيث المعركة تنتقل الآن من استكمال تحرير مناطق الشمال إلى بداية الاقتراب من تحرير مناطق الجنوب والشرق، واقتراب الجيش واللجان من مناطق الثروات النفطية والغازية والمعدنية والموانئ والممرات الاستراتيجية.
هذا الانتقال تحدده بوضوح هذه الاندفاعات الاستراتيجية التي تحققت في نهم والجوف والبيضاء، وكلها أجنحة تحيط بالمنطقة المركزية الاستراتيجية العدوانية وقواعدها الكبرى في مأرب، في كوفل واللبنات والخنجر واليتمة وآل أبو جبارة وحيران ومكيراس وقانية والضالع وقعطبة والعود والحشاء.
وتقود حتما نحو استكمال تشديد الحصار على مأرب من 3 جهات متماسكة مترابطة، كما أن جميع محاولات العدوان استعادة المناطق التي سبق أن حررت قبل أشهر وأسابيع استنزفته أكثر فأكثر، من خلال خسارته جميع الهجمات المضادة التي قام بها في الأشهر الأخيرة (فبراير ومارس وأبريل)، وحاول فيها استرجاع عدد من المناطق والمعسكرات والقواعد داخل مناطق تبدو للعدوان مكشوفة وتحت حماية طيرانه، لكنه فشل في ذلك.

تحولات استراتيجية لم يدركها العدوان
التطورات النوعية التي تحققت في الآلية الدفاعية الجوية الوطنية الحديثة لقوات الجيش واللجان الشعبية تمكنت من تحييد طيران العدو، بل طرده من أرض المعارك في أكثر من جبهة.
وهذا التحول الاستراتيجي لا شك أنه يغير معادلات الصراع السابقة التي كانت تقوم على سيادة العدوان العسكرية على الجو واحتكاره السيطرة الجوية في ظل تفوق تام لقواته الجوية وطائراتها الحربية الأحدث في العالم.
فقد تحطمت الآن تلك السيطرة المطلقة التي كانت للعدو بعد أن تمكنت قوات الجيش واللجان من إغلاق الفجوة القائمة بعد تطوير السلاح الدفاعي الجوي والصواريخ المضادة للطائرات في سياق ثورة تطوير وإبداع شاملة حققت قفزات هائلة رأينا نتائجها في الجو والأرض والبحر وفي عمق العدو وقواعده وبنيته العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية، وفي المعارك الأخيرة الحاسمة التي سيطرت فيها قوات الجيش واللجان على مسارات المعارك وتحكمت في نتائجها، وخصوصاً منذ نهاية العام الماضي، ومثلت معارك عملية «نصر من الله» في صعدة ونجران فاتحة الانتصارات الكبيرة التي قلبت موازين القوى وغيرت المعادلات وفتحت الطريق إلى انتصارات كبرى، حيث انهارت خلالها عدد من ألوية العدوان المتوغلة داخل الجغرافية اليمنية (في صعدة والجوف)، واستسلمت بعد طول حصار لها وبلغت أعداد الأسرى أكثر من 3000 أسير، إضافة إلى آلاف القتلى والجرحى من قوى العدوان ومرتزقته.
كان اللافت في هذه العملية وما بعدها عجز القوات الجوية المعادية عن التدخل الأرضي المباشر في مسارات المعركة ودعم مرتزقتها كما جرت العادة في السابق. فقد واجهت طائرات العدو مقاومة شديدة لأول مرة، فقد تم إسقاط طائرات حربية، كما تم إجبار العديد منها على الابتعاد عن ميدان المعركة، وكشفت القوات المسلحة اليمنية عن ترسانة صاروخية (دفاعية جوية) فرضت سيطرتها على سماء المعركة العملياتية المباشرة، وتمكن هذا التطور الاختراقي من ثقب مظلة العدو الجوية وتحطيم أسطورة التفوق الجوي السابقة للعدوان، وعجزه عن الاقتراب من ميدان المعركة دون أن يتلقى ضربات لا يحتملها، وقد تكرر الأمر أكثر من مرة ليغدو كمعادلة ثابتة في المواجهات، وقد ظهرت نتائجها الباهرة في سياق معارك (نهم ـ الجوف ـ مأرب) التي كانت أكبر المواجهات حتى الآن، وعرفت باسم عملية «البنيان المرصوص» ثم  عملية «فأمكن منهم» في معارك الجوف الظافرة، مما يجعلها ظاهرة ثابتة وليست مجرد فعل عرضي، وتطور ثابت له أساسه المتين والمستمر والدائم، ليصبح أهم قانون يتحكم بمجرى العمليات الحربية الآن وفي المستقبل، لأنه لايزال في بداياته، ولم يكشف بعد عن كل طاقاته وقدراته وكل إمكاناته المتقدمة.

عدوان يتآكل وينزف ويتراجع في كل الجبهات
باستكمال تحرير كامل جغرافية الجوف التي انتهت بخسارة العدوان أكثر من 1500 بين قتيل وجريح، وعشرات الآليات والمدرعات وسقوط أغلب مواقعه والاقتراب من الطريق الدولي الرابط بين مأرب والوديعة وحضرموت تكون المعركة استراتيجيا قد انتهت وحسمت حول مأرب وعلى أجنحتها وأجنابها، ومن ثم فإن الفترة القادمة ستشهد تركيزا على محاصرة مأرب والاقتراب من أبوابها والمعسكرات المحيطة بها في النسق الأخير من قواتها في محيط الكيلومترات الأخيرة التي تفصلنا الآن عن مدينة مأرب ومركز ما يسمى «المنطقة العسكرية الثالثة» رأس حربة العدوان، وكل المؤشرات تدل على اقتراب سقوط هذه المنطقة.
كما أن العدوان في تحركاته التي ترصدها قوات الجيش واللجان بدقة تشير إلى أن العدو وقيادته أصبحوا يخوضون معركة لا أمل لهم في مواصلتها لوقت طويل، فقط يحاولون استغلال الوقت الباقي لكي يرتبوا شكل خسارتهم وهزيمتهم الجديدة المدوية.
منذ يناير الماضي وهي بداية معارك نهم التي عصفت بمئات الآلاف من احتياطات العدو التي وصلت إلى أكثر من 30 لواء في نهم وحدها، ثم عصفت معارك الجوف بأكثر من 20 لواء آخر، وهي ألوية ما تسمى المنطقة العسكرية السادسة، كما عصفت بأكثر من 10 ألوية أخرى حول صرواح ومأرب والبيضاء، وبهذا نكون أمام عشرات الألوية العدوانية تمت إبادتها وبعثرتها في كل الشعاب والصحارى والأودية، ولو بقوا أحياء فإنهم في الأغلب سيكونون محطمين نفسيا ومعنويا ولا يمتلكون القدرة والطاقة على الصمود والاستمرار.
ومن الناحية الاستراتيجية تعتبر المعارك الكبرى حول مأرب قد تمت منذ نهم والجوف ونجران وصعدة، وما بقي هو مجرد استكمال اللمسات الأخيرة فقط لسيناريوهات ومآلات ومعطيات جرى إنجازها طوال السنوات الماضية من الحرب الوطنية التحررية يتحضر الوطن لاقتطاف ثمارها الناضجة الآن وهو يتقدم بعزم أبنائه وقادته في الطريق إلى الأمام لتحقيق المزيد من الانتصارات.
فما يجري الآن هو قطف النتائج، ولا يمكنه تغيير الاتجاهات الرئيسية لمسارات المعارك، ولا بد أن تصل إلى نهايتها حتميا.

ما الذي قد يفعله العدو للخروج من المأزق الجديد؟ العدو الآن لا يمتلك بين يديه أوراقاً جديدة هامة، لكنه يحاول أن يوهم أنه يملك أوراقا جديدة في محاولة منه للتأثير على مسارات المعركة الوطنية التحررية والضغط الاستراتيجي لإيقاف تقدم قوات الجيش واللجان نحو الشرق والجنوب، بينما ليس أمامه سوى الاستعداد للهزائم الكبرى القادمة، وهو يسعى جاهدا من خلال محاولاته تلك لتخفيف وقعها وآثارها والقيام بمساومات حولها لكسب الوقت.

إعداد أرض المعركة القادمة وجوهرها
بسقوط مأرب، وهذا شبه محسوم الآن، تنتقل ساحة المواجهة جنوبا وشرقا إلى المحافظات الجنوبية والشرقية، وبسقوط مأرب وتحريرها نكون قد تغلبنا على ثلاثة أرباع العدوان، وسيطرنا على نصف دخل النفط وموارده وأكثر من ثلثي الكميات المتوفرة وهي أغلبها في الجوف ومأرب، وبالمقابل ستتقلص إلى الثلث مساحات النفط والثروات المعدنية التي كانت تحت العدوان.
ولكل هذه التحولات انعكاساتها الميدانية والاستراتيجية وتداعياتها وآثارها على مسار المعارك التحررية الوطنية القادمة، مما يجعل اندفاعات الجيش واللجان تتضاعف وتتوالى وتتوسع باستمرار خلال الأشهر التالية الحاسمة من هذا العام.
وهذا هو ما يرهق تحالف العدوان وقيادته في البحث عن أوراق جديدة يتلافى بها اندفاع الجيش واللجان جنوبا وشرقا. وهذا محض هراء، لأن العدوان قد استهلك كافه أوراقه، واستنزف قواه وقواته المادية والبشرية والمعنوية والسياسية والنفسية.

الأوراق الأخيرة للعدو
1ـ إن العدوان لا يريد أن يجمع الأقاليم الجنوبية في إطار دولة موحدة حقيقية، ولكنه يريد إبقاء تفككها قائما ومضاعفا في عدة إطارات متناحرة لا تستطيع الاتحاد حول مشروع وطني أو إقليمي مشترك، ليتسنى له سلخ مناطق الثروة البترولية والممرات الاستراتيجية وضمها إلى كياناته الكولينيالية المستعمرة.
2ـ العدو يريد تكريس سيطرته على الأقاليم النفطية الغنية والموانئ والممرات الدولية وإدماجها في سياقات عديدة مفككة لا يمكنها الوحدة، ولذلك فهو لا يريد الحكم الذاتي الموحد الحقيقي للجنوب، ونتحداه أن يمنح الجنوب الحكم الذاتي الكامل ويرحل ولا يتدخل، ونحن مستعدون لإعطاء الأمم المتحدة والشعب في الجنوب كافة الضمانات لإبقاء حقه في الإدارة الذاتية للجنوب كوحدة واحدة في إطار البنية اليمنية الوطنية المستقلة الحرة الموحدة، ولكن هذا مستحيل أن يحصل من الأساس، غير أنه يفضحه أكثر فأكثر أمام المغفلين من قواعده ومن الناس السذج.
3ـ لا تستطيع السعودية ومن وراءها أن تدخل في مواجهة حاسمة وصريحة مع «الشرعية»، لأنها هي التي تمنحها شرعية التدخل في اليمن وتمزيقه، ولذلك هي مضطرة إلى إمساك العصا من الوسط وأن تراوح مكانها، وتلعب لعبة المراضاة لكل الأطراف، وحسب حاجاتها إلى طرف أكثر من غيره في كل مرحلة من مراحل الحرب العدوانية ومتطلباتها، وحسب احتياجاتها في توحيد الأطراف المختلفة في ظروف أخرى كما هي الحاجة الآن.
فهي بحاجة إلى عنوان «الشرعية» من جهة، وإلى الانفصاليين من جهة أخرى، لأنها تريد تجنيد جميع القوى التابعة لها لمواجهة قوات الجيش واللجان الشعبية وإيقاف مسيرة التحرير والاستقلال.
4ـ إن مفهوم الإدارة الذاتية للسكان المحليين هو قانونيا أقل أهمية وقيمة وسلطة من مفهوم الحكم الذاتي، ولا يجب الخلط بينهما، فليسا شيئا واحدا. اختار الانتقالي الإشارة إلى الإدارة الذاتية دون الحكم الذاتي الكامل، وذلك إنما تم وفق مساومات طويلة جرت بينه وبين العدوان وقيادته وأطرافه. والفارق الرئيسي بين المفهومين هو أن الإدارة الذاتية تفترض وجود احتلال قائم في الإقليم وسيطول بقاؤه، أي أنه يقر باستمرار الاحتلال، واقتسامه معه السلطات المدنية والخدمية، وإقرار بقاء السلطات العسكرية والأمنية والسياسية والسيادية في أيدي الدول الأجنبية، وهي ورقة شرعوية جديدة يمنحها للاحتلال عيدروس الزبيدي، كمحمود عباس في الضفه الغربية لفلسطين، وسلطاتها كسلطات بلدية رام الله أو نابلس، ولا تتجاوز الخدمات ونظافة المدينة. ولا قيمة لخطوة الزبيدي ومجلسه في الواقع، لأنه عاد بعد أيام وتراجع عنها ضمنيا بقبوله بيانات الاحتلال بالعودة إلى وضع ما قبل البيان الذاتي، وهنا بيت القصيد.
كان مفهوم المجلس الانتقالي يشير ضمنا إلى سلطاته التشريعية التأسيسية لإقامة حكومة تؤسس لدويلة تحت الاحتلال، هذا حين التأسيس، وهاهو يتراجع الآن ليتحدث عن إدارة ذاتية، ثم بعد يومين ينقضها يقبوله العودة للوضع السابق. كما أن إعلان الإدارة الذاتية قد قضى على هذا الأمل الانفصالي الآن، وحد من جوهر الدعوة الانفصالية السابقة التي تمخضت عن ولادة فأرة ليس إلا، بل وأقل من فأرة، وهو ما يكشف حالة العدوان وعملائه وأدواته.
والمثير للشفقة هو أن بيان الانتقالي قد تمسك بشرعية هادي في الوقت نفسه، وطالب بحكومة مشتركة مناصفة بينه وبين هادي، حكومة أرادها إقليمية مناصفة، محاصصة جنوبية ـ يمانية كإطار للحرب العدوانية القادمة على أرض الجنوب.

العدوان يبحث عن طوق نجاة
الخطوة الأخيرة لم تحدث التأثير الذي كان متوقعا بقدر ما رسمت المسار التالي للتطورات القادمة التي لا تخرج جملة عن سيطرة الاحتلال السعودي ـ الإماراتي ـ الأمريكي، لكنها تكشف مقدار القلق الكبير لدى المحتل وزبانيته بعد تقدم الجيش واللجان نحو الشرق والجنوب بعد ما آلت إليه معارك مكيراس ـ قانية ـ البيضاء من حيث أنها بدأت بمبادرة العدوان ومرتزقته هناك بقيادة اللواء الشاجري، الذي أراد أن يحول الانتباه من مأرب إلى البيضاء، لاعتقاده أنه يمكنه أن يطوق قوات الجيش واللجان في مكيراس وبمعزل عن قواته المتقدمة في عقبة ثرة بلودر أبين، حيث اقتحم مناطق تشملها العهود القبلية القاضية بعدم السماح لأي طرف بنقل القتال إليها، وقد وفت القبائل المحايدة بعهدها وشرفها، وأدانت الطرف العدواني الذي اقتحم المناطق ونقص المعاهدات والمواثيق وأمطر المناطق الآمنة بالنيران فدمر قراها ومنازلها وقتل الأبرياء من أهلها دون سبب أو مسوغ في مناطق آل عامر والرقاب مكيراس والحنانة، ولذلك سمحت القبائل هناك لقوات الجيش واللجان بأن تمر وتلتف على القوات العدوانية التي اخترقت الهدنة، وأن تنزل بها أفدح الضربات والخسائر وأن تتوسع جنوبا وشرقا. وقد دفعت مغامرة العدوان الأخيرة إلى أن تسير الأحداث باتجاه تراجع قواته وانكساراتها، وهو ما يفتح الآفاق نحو مناطق في الجنوب، في بيحان وأبين وشبوة على التماس مع مكيراس والبيضاء.
إن دحر العدوان من مناطق في قانية ومكيراس والصومعة والملاجم يجعل تطويق مأرب من الجنوب الغربي ممكنا ومحكما، وهو ما يسرع تحريرها.

المناورة الأخيرة للعدوان
لقد أطلق العدوان المناورة الأخيرة وهو يستهدف مجموعة من الأهداف المباشرة، أبرزها ما يلي:
1ـ نقل مركز الثقل العسكري من عاتق القوى الإخوانية الشرعوية إلى القوى الانفصالية الانتقالية، الإماراتية الهوى، حيث ستدور المعارك على أراض تحت سيطرتها، بمعنى أن قوات الجيش واللجان الشعبية ستتقدم على أراض يمنية جنوبية شرقية هي تحت سيطرة الانتقالي الإماراتي السعودي، ومن ثم فهو مدعو إلى شحذ قواته العسكرية والسياسية لمواجهة قوات الجيش واللجان المتقدمة بعد مأرب، مما يستدعي ترتيب وتنظيم وإعداد الأرض للمعارك القادمة بما يعيق جعلها موائمة للتحرير الوطني الشعبي ويحولها إلى موائمة للاستمرارية الاحتلالية العدوانية التي ترسخ الوجود الأجنبي تحت شعارات محلية مناطقية شطرية فئوية.
2ـ جعل مناطق الجنوب مناطق استنزافية طويلة لاستنزاف قوات الجيش واللجان ووضعها تحت ضغوط الصد والاستنزاف والإرهاق، ما قد يدفعها إلى مغادرة الجنوب والقبول بتسوية سياسية هي مجبرة عليها بفعل واقع الاستنزاف الذي سيواجهها هناك، كما يتصور العدو.
إن بنود التسوية السياسية تقضي بترك الشمال لصنعاء، مع سلخ الجنوب لإبقائه تحت السيطرة الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ويصبح الجنوب شراكة بين «الانتقالي» و»الشرعية» وأسيادهما بحماية دولية ورعاية أممية لفترة انتقالية مؤقتة يجري فيها تنظيم استفتاء شعبي على مواصلة الوحدة أو الخروج منها. وتشير التطورات والتصريحات والتحركات إلى ما يجري طبخه على النار عبر قوى دولية عديدة.
3ـ مواصلة إعداد القوات الانفصالية والشرعوية مجددا للانقضاض على ما تحقق في السابق، وفرض سيطرة على أرض الجنوب تعتمد على دعم عسكري أجنبي تحت ذرائع حقوق الإنسان و»الشعب الجنوبي العربي».
4ـ تعبئة السكان للقتال ضد الوحدة وضد قوات الجيش واللجان وتصويرها كاحتلال يمني لما يسمونه «الجنوب العربي».