مجلة "ذا إيكونوميست"
ترجمة خاصة لـ"لا": محمد إبراهيم زبيبة / لا ميديا -

نادرة هي الأوقات التي تظهر فيها المملكة نبلها، فبعد أن مضى على قتالها للحوثيين، بالنيابة عن الحكومة التي قاموا بإسقاطها، الـ5 سنوات، وبعد أن دمرت الحرب البنية التحتية، وبعد أن تسببت في قتل ما يزيد عن 100 ألف شخص، أعلنت السعودية وحلفاؤها في 8 نيسان/أبريل عن وقف لإطلاق النار لمدة أسبوعين. السبب وراء هذا الإعلان، بحسب تصريح أحد المسؤولين السعوديين، هو: "لتخفيف معاناة الشعب اليمني الشقيق وللحفاظ على سلامتهم وصحتهم". بعدها بيومين، أعلنت اليمن، البلد الأشد فقرا في المنطقة، عن تسجيل أول حالة مؤكدة لفيروس كورونا (كوفيد19).
ويشكك الكثير من المنتقدين في صدق ادعاء السعودية، أن هذا الوقف للنيران نابع عن تعاطفها مع الشعب اليمني. فهي التي أصابت قنابلها لسنوات المستشفيات والمدارس والمنازل في اليمن، وقد بدت في كثير من الأحيان متعمدة لهذا الفعل. وعلى العكس، يبدو أن الحرب تتخذ منعطفا يفقد فيه السعوديون الأمل.
فعلى الرغم من حملتها الجوية الوحشية، لم تتمكن المملكة العربية السعودية من إخراج الحوثيين من معظـــم المراكــز السكانيـــة فــي اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وقد بدأت حليفتها الرئيسية، الإمارات، بتقليص مشاركتها في الحرب منذ العام الماضي، وأصبحت وتيرة الضربات الجوية التي تنفذها السعودية نفسها أقل، حيث إن غاراتها الجوية قد انخفضت بأكثر من 90٪ مقارنة مع عام 2015، وعقد السعوديون في الأشهر الأخيرة محادثات سرية مع الحوثيين، والأمل في إعادة الرئيس المنفي، عبد ربه منصور هادي، إلى صنعاء، قد تلاشى. لقد أصبح هدف المملكة الآن وقف ضربات الصواريخ الحوثية على أراضيها. وكما قال المحلل اليمني، عبدالغني الإرياني: "السعوديون يبحثون عن مخرج، ولهذا يستخدمون فيروس كورونا كورقة توت".
لقد بدأ التدخل السعودي كمشروع نابع عن غطرسة محمد بن سلمان، ولي العهد، الذي سعى إلى استعراض عضلاته في مواجهة خصمه إيران. لكن الحوثيين صمدوا وقامت إيران الشيعية، التي اعتبرتها فرصة، بزيادة دعمها للمتمردين. أصبح الأمير محمد الآن ينظر إلى مستنقع يستنزف الموارد المالية، في وقت تنخفض فيه عائدات النفط. ناهيك عن أن هجمات الحوثيين على المملكة تهدد سمعتها واستقرارها، حيث ضربت صواريخهم أنابيب النفط واستهدفت العاصمة الرياض. ولا تريد المملكة العربية السعودية أن يحدث أي شيء يشوش على جهودها من أجل استضافتها لقمة مجموعة العشرين في تشرين الثاني/نوفمبر. لذا يأمل الأمير محمد في الخروج من هذه الحرب وحصر الحوثيين داخل اليمن، تماما كما تفعل إسرائيل مع حماس، وهي جماعة فلسطينية مسلحة، في غزة.
لكن الحركة الحوثية تشعر بحالة اليأس التي يعاني منها ولي العهد السعودي، ولهذا ترغب بالحصول على صفقة أفضل. فقاموا برفض الإعلان السعودي بوقف إطلاق النار، وتقدموا بخطتهم الخاصة للسلام، التي طالبوا فيها السعودية برفع حصارها الجوي والبحري عن اليمن، ودفع تعويضات عن الأضرار التي تسببت بها الحرب، بجانب دفع مرتبات موظفي الحكومة لـ10 سنوات، والاعتراف بالحوثيين كحكومة شرعية في اليمن، وفي حال لم يوافق السعوديون، يعد الحوثيون بـ"تصعيد كبير داخل المملكة". ويعتقد المحللون أنهم يخططون لشن هجوم بري على نجران، وهي مدينة في جنوب المملكة السعودية ذات غالبية سكانية شيعية، وإن كانوا يختلفون عن مذهب الحوثيين.
الحوثيــون يتوغلـــون عميقــــا، ولايزالـــــــون، داخـــــــل المحافظات اليمنية الواقعة على الحدود مع المملكة السعودية، حيث قد حققوا مكاسب في الجوف وتدور المعارك حاليا في المناطق المحيطة بمأرب (مركز النفط والغاز).
والسيطرة على مأرب لن يتيح للحوثيين الحصول على موارد قيمة فحسب، فلو تحقق ذلك سيصعب على الحكومة الشرعية والقبائل المتحالفة معها القتال، فمن مدينة مأرب تستخدم القوات الموالية للحكومة القواعد العسكرية لشن هجمات جوية وبرية في الشمال، فضلاً عن أن المدينة تقع على طريق يربط المملكة السعودية بالمحيط الهندي وبحلفائها المناهضين للحوثيين في الجنوب، وستتيح المدينة للحوثيين أيضا الاقتراب من المنفذ السعودي الرئيسي (الوديعة)، ومطار سيئون، والحدود مع عُمان.
وقد اضطر هادي لتحريك عدد من قواته، التي جمعها من كل حدب وصوب، من الشمال إلى الجنوب، للتعامل مع الانفصاليين ومسلحي القاعدة، تاركا مأرب إلى حد كبير في أيدي الإصلاح (هي حركة إسلامية) والقبائل السنية الموالية لها، وهذه تعارض الجماعة الحوثية، لخشيتهم من أن تحاول إحياء الإمامة الشيعية القديمة في البلاد، إلا أنهم أيضا قلقون من أن يسحب الأمير محمد قواته من اليمن قريبا.
لذلك تعتقد بعض القبائل في مأرب بأنها يجب عليها أن تحذو حذو قبائل في الجوف التي تفاوضت مع الحوثيين وساعدتهم على دخول المحافظة.
إن ما يثير القلق أكثر من هذا كله هو خطر وتهديد فيروس كورونا (كوفيد19). فالحرب قد دمرت نصف العيادات والمستشفيات اليمنية، وأكثر من ثلاثة أرباع سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة، يحتاجون إلى نوع من المساعدة الإنسانية. بحسب تصريحات الأمم المتحدة، فإن "تفشي الكوليرا العام الماضي اعتبر إحدى أسوأ الكوارث في العالم"، ويمكن أن يكون تفشي "كوفيد19"، أكثر فتكاً.

18 أبريل 2020