تنشر «مرافئ لا» نتاجات شعراء الظل بصورة أكثر تركيزا تتيح للقارئ الوقوف على أبعادها وتخومها، لتصدر هذه النتاجات لاحقا في «ديوان لا» السنوي .
القصائد المنشورة في حواشي هذا الملحق للشاعر جميل ناجي أحمد الكامل.


جميل ناجي أحمد الكامل
-مواليد 1975، السياني  إب.
-بكالوريوس تاريخ كلية التربية - إب.
-موجه انشطة مدرسية.
-رئيس اتحاد الشعراء والمنشدين في محافظة إب.
-كاتب وناشط حقوقي.
-مشارك في الكثير من الأنشطة والفعاليات الثقافية.
- أصدر مع مجموعة شعراء كتابا تحت عنوان «الشعر في مواجهة العدوان» من جزأين.
-له عدة دواوين تحت الطبع.


الله الذي نعرفه
ما أشدّ اشتياقي إلى الله
كما كان في القلب
قبل احترافِ تجارةِ تقريبنا منه سبحانَهُ
بالأحاديث تلك التي ألّفوها على الله
عن قُرْبِهِ منهُمُ
ومكانتِهِمْ عندَهُ
ومعاداتِهِ كلَّ من سولتْ نفسُهُ ذاتَ يومٍ
معاداتَهُمْ 
قبل كلِّ إضافاتهم تلك كمّاً وكيفا
ما أشدّ اشتياقي إلى وَجْهِهِ 
مثلما هو
قبل زيادتهم لِاسْمِهِ «الله» حرفا
لكي يصبح «اللهُ هُم»
قبل تخفيفهم اسمه رحمةً بالمساكين منا
ليصبح هُم
وَهُمُ الله شرعاً وعرفا
ما أشد اشتياقي إلى الله من غير واسطةٍ
مثلما كان سبحانه جنةً أَوْبَةً
قبل أن يصنعوا منه منفى




جُرْحُ المَدينَة
وجاءَ من حُزنِ السّعيدةِ
شاعرٌ يَسعى
نزيفاً من جُروحِ الرّيفِ منْ جُرحِ المدينة
ليس إلا الشاعرُ المسفوكُ حزناً
في المسافاتِ الحزينة
المسافاتِ التي تكفلُ آلافَ الأراملْ
والتي تُرضعُ آلافَ اليتامى 
والتي تحضُنُ آلافَ الحيارى
والتي تفطِمُ آلافَ الفضَـائلْ
والمسافات الحواملْ
بالأسى والقهرِ والجوعِ وآهاتِ السجونْ
ووجوهٌ تكتبُ الأوضاعَ حُزناً
في التّجاعيد مُتونْ
وعقولٌ تعبرُ الوضعَ إلى بَرِّ الجنونْ
ومسافات حيارى
يزرعونَ الدمعَ قمحاً
لجناةٍ يَحصدونْ
يزرعونَ العَرَقَ النازفَ قُطناً
لطغاةٍ يلبسونْ
ويبيتونَ جياعاً وعراةْ
وثراءٌ فاحشٌ يُحملُ مالاً في خِزاناتِ الجُباةْ
ويَراهُ البنكُ أوراقَ أُذونْ
ثروةٌ تُدخِلُها الدولةُ كي تُخرجَها 
من قبعاتِ السّحر
قَرضاً ودُيونْ
وعَذارى 
يَقترضنَ الخُبزَ قرضاً 
ليبعنَ العِرضَ نقداً
في مَساءاتِ المُجُونْ
وشُجُونٌ وشُجُونْ
كُلُّ هذا جعلَ الشّاعرَ شَاعرْ
كُلُّ هذا أخرجَ الطاهرَ من جُرح المسافاتِ مُهاجِرْ
سائراً كانَ
وكانَ القهرُ شَوكاً نابتاً في الدربِ
والوضعُ غباراً يحجبُ الرؤيةَ رملاً مُتطايِرْ
والطموحاتُ عيونْ
شاعراً كانَ
وكانوا كالدمى لا يَشعرونْ
كُلَّما ذابَ حَنِيناً
جَمَّدوا المعنى الحَنونْ
شاعرٌ عاشَ حزِيناً
بَينَ منْ لا يحَزنونْ


المدارُ الشّاغِر
أرسِلْ بَنانَكَ في رَمادِكْ 
دَعْ يَدَيْكَ تغُوصُ فِيكْ
أتحسُّ حَرَّكْ؟
لا تَخَفْ
أَتَشُمُّ رَائِحةَ احتِرَاقِكْ
لم تزلْ حَيّاً 
تُبعثِركَ الرِّياحُ وأنْتَ سَاهٍ
ثمَّ تشعرُ فجأةً بالوخْزِ
أعرفُ أنَّ مِثلكَ لم يَمُتْ بَعْدُ
انتَفِضْ
 واترُكْ رمادَكَ للرّياحِ تَذُرُّهُ
وانفُخْ بِجَمْرِكَ نَفْخَةً
حتَّى إذا أشْعَلْتَ طينَكَ قُلْ لنَفْسِكَ 
إنَّني آنَستُ ناراً
خُذْ لها مِنهَا ولَوْ قَبَساً وغَادِرْ
خُذْ أصْدقَاءكَ منْ بَلاهَتِهِم وغَادِرْ
خُذْ بلادَكَ منْ بُرُودَتِها وغَادِرْ
خُذْ وغَادِرْ 
كلُّ الأماكنِ في الدُّنى مَشْغُولَةٌ 
إلاَّ مَدارَكَ شَاغِراً مَازَالَ يَنتَظِرُ المجَيءَ
مَتى تَجِيء؟
مَتى ستظهَرُ في فَضَائِكَ كَالنُّجُومِ لِكَيْ تُضِيءَ
مَتى تُضِيءُ 
مَتى تُضِيءْ...؟!



صَرخَةُ الحَرف
لا قُلتُ شعراً ولا قالَ القريضَ فمي
إن قُلتهُ مَادحاً يذكي لظى أَلَمي
ولا نَطَقْتُ بِحَرفٍ طالباً هبةً
كَلاَّ ولا كُنتُ يوماً مُرخِصاً قِيَمي
ولا ضَحِكْتُ ولا لي غادةٌ ضَحِكَتْ
إنْ لمْ أُحَبِّرْ لَهُ أورَاقَهُ بِدَمي
متى انتصرتُ لمظلومٍ, ولا كَتَبَتْ
أنَامِلي نُقْطةً أو أمْسَكَتْ قَلَمي
حتى أُفَجِّـرَ في المظلومِ غَضْبَتهُ
ومُشعِلاً حِمَمَ المقهُورِ من حِمَمي
أنا الذي إنْ أردتُ الشعرَ ملْحَمةً
يهُزُّني الشعرُ منْ رأسي إلى قَدَمي
فأُخرِجُ الناسَ يَقتصونَ تُبصِّرُهُمْ
وتبصرُ الرّعبَ تَذكرُ غَابرَ العَرِمِ
يُفَرِّقُونَ الحصَى.. والشعرُ يجَمعُهُم
فذاكَ يومَ بُلوغي في الورى حُلُمي
فلا ينَامَنَّ ظَلاَّمُ الورى فَزَعاً
ولا يَمُرَّنَّ إلاَّ في دُجَى الظُّلَمِ
ولا يَقُولَنَّ إلاَّ لا رَشِدتَ فَتىً
بَعَثْتَ صَرخَةَ مَنْ مَاتوا منَ العَدَمِ