آري بول
ترجمة خاصة عن الألمانية نشوان دماج / #لا_ميديا -

قام "إنستغرام" وشركته الأم "فيسبوك" بإزالة المنشورات المتعاطفة مع الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي اغتيل في 3 يناير بغارة جوية أمريكية مثيرة للجدل.
كان موقع الأخبار (Coda) هو أول من طرح الخبر، كما ذكرت "نيوزويك" أن الصحفيين الإيرانيين أبلغوا عن مراقبة حساباتهم على "إنستغرام"، حيث اختفت منشورات حول سليماني من "إنستغرام"، موقع التواصل الاجتماعي الدولي الوحيد الذي يعمل في إيران.
ووفقا لشركة فيسبوك، كما ورد عن (CNN)، فإن إزالة هذه المنشورات أمر مطلوب بموجب العقوبات الأمريكية؛ حيث أعلنت الحكومة الأمريكية في أبريل أن فيلق الحرس الثوري الإسلامي الذي يرأسه سليماني منظمة إرهابية.
ففي سياق الالتزام بالقانون الأمريكي، قال المتحدث باسم "فيسبوك" إن الشركة تعمل على إزالة الحسابات التي تتم إدارتها من قبل أو نيابة عن الأشخاص والمؤسسات الخاضعة للعقوبات.
يحق للمرء أن يسأل: ما الضرر في منشور يجعل من القائد العسكري المتوفى شخصا جيدا؟ وفقا لتقرير (CNN)، فإن مجرد تحميل صورة للجنرال قد يستدعي مسؤولي "فيسبوك" إلى حذف أية مشاركة.
الاتحاد الدولي للصحفيين يدين الرقابة: بل لقد ذهبت هذه التدابير أبعد من ذلك، حيث تمت حتى إزالة عدد من تقارير الصحف ووكالات الأنباء الإيرانية من منصة التواصل الاجتماعي؛ ما يمثل تهديدا مباشرا لحرية المعلومة في إيران، حيث إن "إنستغرام" هو المنبر الوحيد من الوسائط الاجتماعية الدولية الذي لايزال يعمل في البلاد.
صحيفة "واشنطن تايمز" ذكرت أن علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، شكا في حسابه على "تويتر" اختفاء السجالات حول سليماني في وسائل التواصل الاجتماعي، متهما "إنستغرام" بسلوك "غير ديمقراطي ووقح".
لقد ركز الجزء الأكبر من التغطية على مسألة أن "إنستغرام" واحدة من شبكات التواصل الاجتماعي القليلة، التي تعتبر إلى حد كبير غير مقيدة في إيران، وبالتالي فإن التعتيم يمثل وسيلة رقابية على المعلومات الواردة إلى إيران. في الواقع، ذكرت وكالة صوت الولايات المتحدة الأمريكية المملوكة للدولة أن الحكومة الإيرانية متشددة إلى حد كبير في نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي التي تنتقد سليماني، فيما ذكرت شبكة "إن بي سي نيوز" كيف أن هناك إيرانيين يستخدمون مواقع تواصل كـ"إنستغرام"، لتجاوز تعليمات ولوائح الحكومة. (المفارقة هنا سميكة).
تقول (CNN) إن "إنستغرام" يقوم بإزالة المنشورات المؤيدة لسليماني امتثالا للعقوبات الأمريكية.
أما "فيسبوك" فيقول بأنه، امتثالا لقوانين العقوبات الأمريكية، يقوم "بإزالة المنشورات التي تشيد بتصرفات أطراف عليها عقوبات" (CNN 13 /1 /20).
غير أن هذا الخبر أثار قلق الصحفيين والمحامين حول ما الذي يمكن أن يعني ذلك بالنسبة لحرية التعبير، وبالنسبة لأول تعديل دستوري في الولايات المتحدة. فمن ناحية، يتمتع "فيسبوك"، كشركة خاصة، بحرية وضع قواعده الخاصة بأي محتوى مقبول. لكن إذا ما قام الموقع بإزالة المحتوى اعتقادا منه أنه ملزم قانونا بالقيام بذلك، فإن الرقابة الدولية أمر محظور، ومن خلال حرية الصحافة المكفولة في الدستور.
تقول شيانا كيدال، المحامية التنفيذية العليا في مركز الحقوق الدستورية (FAIR)، إنه قد يكون بوسع الحكومة الأمريكية منع الشركات الإعلامية من التنسيق مع الجهات التي تخضع للعقوبات، ومن "الدعم المادي" إلى الحرس الثوري الإسلامي، إنما ليس بوسعها أن تمنع الأمريكيين من المشاركة في ما سمته "التعبير عن اهتماماتهم بشكل مستقل".
وتضيف: "فالمحاماة المستقلة لا يمكن بموجب القانون حظرها. وبالنسبة لـ[إنستغرام]، فإن إزالة كل منشور يعني إزالة المشاركات المحمية".
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن المدافعين عن حرية التعبير كانوا هم المعنيين بالأمر حين وصف مدير مؤسسة الحدود الإلكترونية العملية بأنها "خاطئة من الناحية القانونية". يوافقه آخرون:
حيث تقول إليزا كامبل، نائبة مدير برنامج الإنترنت في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن القوانين الحالية فشلت في مواكبة اللغة الأونلاين، واصفة ذلك بأنه حقل حقوقي "لمّا يُكتب بعد".
وتضيف: "إن منظومة تصنيف الإرهابيين هي أداة مهمة، لكنها أيضا أداة حادة. أعتقد أننا نسير في طريق خطر إذا ما صار بوسعنا تحمّل أن هذه المنصات -التي هي كيانات خاصة لا تخضع لأية رقابة، وليست هيئات منتخبة- تصبح بشكل أساسي هي المملية للسياسة، وهو ما يحدث الآن".
أما إيمرسون تي بروكينغ، عضو في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي، [فيقول] إن فيسبوك وإنستغرام "يمثلان وضعا عدوانيا للغاية وقد لا يكون مستداما". ويضيف أن ذلك قد يفضي إلى أن كل حديث عن وفاة أي إيراني حَزِنَ لسليماني، فتمت إزالته من قبل "فيسبوك"، يمكن أن يمثل "سابقة جديدة صعبة" (تايمز، 11/1/20).
وبصرف النظر عما إذا كانت الحكومة قد دفعت "فيسبوك" إلى اتخاذ هذا الإجراء، فإن حقيقة أن شركة إعلامية استشعرت الحاجة إلى القيام بذلك، لهي دليل على وجود تأثير رادع على ما يتم قوله. فمن الذي يجب أن يقرر على وجه التحديد أياً من المواد المتعاطفة مع سليماني هي من الوقاحة لدرجة أنها تنتهك العقوبات الأمريكية؟ هل أن مقالا يذكر فقط أن العديد من الإيرانيين نعوا سليماني ونددوا بمقتله يعد انتهاكا؟ هل أن مقالة مناهضة للحرب تدعي بما لا يكفي أن سليماني "ليس ملاكا" هي جريمة؟ هل يمكن لمادة ساخرة دعمت نظام طهران مازحة أن تخضع للرقابة؟ (النقطة الأخيرة ليست افتراضية على الإطلاق: حيث تم طرد أستاذ بكلية Babson بسبب دعمه لإيران مازحا، من خلال اقتفاء نموذج ترامب واستهداف المواقع الثقافية الأمريكية).
كل هذه الأسئلة وكل هذه الالتباسات يجب أن تكون دليلاً كافياً على أن هذا النوع من الرقابة يتم استخدامه بصورة تعسفية وغير عادلة، بالإضافة إلى كونه غير لائق من منظور حماية حرية التعبير.
إن على المدافعين عن حرية الصحافة في الولايات المتحدة، التفكير بجدية في الأيام القادمة حول كيفية الرد. فإذا كان لأية شبكة تواصل اجتماعي أن تقوم بفرض عقوبات من خلال حذف محتوى معين، فماذا بعد يا ترى؟ وبالتالي حتى لا يكون لزاما إدراك ذلك، نحن بحاجة إلى عودة منسقة ضد الرقابة على الصحفيين ونشطاء الحقوق المدنية في "فيسبوك".

تم نشره في 14 كانون الثاني (يناير) 2020 -مركز الحقوق الدستورية (FAIR)
موقع: مناهضة الحرب
17 يناير 2020