بول شومتز شالر - ترجمة خاصة عن الألمانية نشوان دماج / #لا_ميديا -

الوضع العالمي آخذ في التحول بشكل سريع جدا، وعلى المرء أن يسعى حثيثا في مواكبة الأحداث. نهاية العام هي مناسبة رائعة لتقييم الوضع الحالي. سأركز على موضوعين رئيسيين.

2019: الغرب يفقد تفوقه في الشرق الأوسط
أعتقد أن ذلك كان هو التحول الأهم في العام المنصرم. لقد قاومت إيران بنجاح وإبداع "أقصى ضغوط" الولايات المتحدة، وأبقت نفسها على مسافة من دول أوروبا الغربية. صحيح أن البلاد من الناحية الاقتصادية عانت من العقوبات الأمريكية، لكنها الآن تجاوزت الأزمة الأكبر وراءها. لقد تعاملت مع المشكلات المفروضة عليها كحافز لتحسين الإدارة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط. وفي حين أن خطر شن حرب عدوانية ضد إيران كان حقيقيا إلى حد ما في يونيو، إلا أن ذلك الخطر تراجع الآن إلى الوراء. إن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريس، في 10 ديسمبر، والذي يذكر أن الأمم المتحدة، وفقا لتحقيق أجرته في السعودية، لا تستطيع التحقق من مزاعم الولايات المتحدة والسعودية بوقوف إيران وراء الهجمات ضد "أرامكو" في سبتمبر، ذلك التقرير إنما هو نصر دبلوماسي لإيران. وبخصوص التجارة الإيرانية، يذكر أحد المسؤولين موخرا أن كلا من الصين والعراق والإمارات وأفغانستان وتركيا كانت خلال الأشهر التسعة الماضية وجهات رئيسية للصادرات الإيرانية، فيما تمثل تركيا والإمارات وألمانيا التجارة الإيرانية الأكبر من حيث الواردات.
أما سوريا فقد أحرزت المزيد من التقدم المهم في الحرب على الإرهاب، وخاصة في محافظة إدلب. وبناء على ذلك، تمكنت الحكومة والجيش من الاستفادة من الانسحاب الجزئي لجيش الاحتلال الأمريكي في شمال شرق البلاد. كما أن عملية إعادة الإعمار في سوريا تشهد تقدما، حيث تلعب شركات روسية وصينية دورا مهما في هذا الجانب. بالإضافة إلى أن مئات الآلاف من اللاجئين عادوا إلى ديارهم. وباختصار، حسب ما ذكره الرئيس الأسد في مقابلة مع القناة الإيطالية "Rai News 24"، فإن "... الوضع أفضل بكثير... وأعتقد أن مستقبل سوريا واعد؛ حيث سنخرج أقوى من هذه الحرب".
وفي ما يخص الحرب السخيفة للسعودية على اليمن، فقد تغير الوضع الاستراتيجي بالكامل. حيث فقدت السعودية المبادرة، وتوقفت العديد من الدول العربية والأفريقية عن دعم الجيش السعودي. وشنت حركة أنصار الله (الحوثيين) هجمات مهمة، وبالأخص على "أرامكو"، وأصبح للحركة الآن ارتباطات رسمية قوية مع إيران.
وبالنسبة للغرب و"إسرائيل"، فلايزالان يحاولان بقوة الاستفادة من الأزمة الاقتصادية والسياسية في كل من لبنان والعراق. ومع ذلك، كانت القوى الوطنية في كلا البلدين قادرة على الحفاظ على نظرة إيجابية للوضع، وتجنب الوقوع في الفخ.
لا يوجد سبب للافتراض بأن التطور الإيجابي في الشرق الأوسط سيتغير في الأشهر المقبلة. ومن المتوقع أن القتال في أفغانستان ضد الإرهاب وضد الاحتلال الأمريكي سيحقق تقدما مهما. إضافة إلى أن تأثير الصين وروسيا سيأخذ في التزايد. إلا أن الوضع العام يظل متوترا. وهذا طبعا لأن هناك في تلك المنطقة بلدا مثل "إسرائيل" يُكِنّ عداء مطلقا للبلدان المجاورة، ويمارس طغيانه على السكان المحليين.
بالنسبة لآسيا ككل، فقد خلعت عن ظهرها نير الهيمنة الغربية إلى حد كبير. وبالنسبة لأمريكا اللاتينية، فإن التطورات التي شهدها العام 2019 -على الرغم من الانقلاب في بوليفيا- ستشكل حركة نحو مزيد من الاستقلال الذي من المرجح أن يستمر. أفترض أن هذا التطور الغامض سيزداد أيضا في أفريقيا، خاصة في غرب ووسط أفريقيا، من خلال مكافحة الإرهاب والتأثير الإيجابي لكل من الصين وروسيا.

2020: الصراع بين إمبريالية القومية الأمريكية والهيمنة الغربية سيكون محتوما
فاز ترامب في العام 2016 معتمدا على برنامجه "أمريكا أولا". منذ ذلك الحين أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذا البرنامج هو في الحقيقة برنامج للإمبريالية القومية الأمريكية. فترامب غير مهتم بأي منظور "غربي". وأفضل مثال على ذلك هو العقوبات الأمريكية ضد العديد من البلدان، بما في ذلك الحلفاء التقليديين. ذاك هو التحول الحاسم. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تم بناء الولايات المتحدة كقوة ريادية عالمية. خلال الحرب الباردة، تطورت الهيمنة الغربية الجماعية -بما في ذلك دول مثل اليابان وأستراليا وغيرها- تماشيا مع ظهور الولايات المتحدة كزعيم بلا منازع. غير أن ظهور الإمبريالية القومية الأمريكية يمثل تحديا غير متوقع إلى حد ما بالنسبة لكافة الدول الغربية الأخرى. ومع ذلك، فهو تطور منطقي أثارته، من بين أمور أخرى، القوة المتناقصة للهيمنة الغربية، وظهور الصين وروسيا الجديدة، وكذلك تعاونهما الاستراتيجي.
لم تقبل قوات الهيمنة الغربية التقليدية انتخاب ترامب عام 2016. فهي قوية جدا داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي وفي برلمان الولايات المتحدة عموما، وكذلك في أوروبا الغربية. ومع انقضاء فترة رئاسته والانتخابات الأمريكية في العام 2020، فإن الصراع بين الاتجاهين سيكون محتوما. ويمكن للمرء أن يتوقع أن ذلك الصراع سيكون شديدا للغاية. والنتيجة المنطقية الوحيدة ستكون نصرا لترامب. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيكون نصرا واضحا أم لا. بمعنى آخر، هل ستكون قوى الهيمنة الغربية هذه المرة مجبرة على قبوله؟ أعتقد أن هذه الأسئلة ستكون حاسمة للغاية في 2020.
كما سيكون تأثير ذلك الصراع هائلاً على أوروبا الغربية. من هذه الناحية، فإن المملكة المتحدة هي البلد الأكثر تقدماً في أوروبا الغربية. بعد صراع دام 3 سنوات ونصف السنة، أعطى السكان حكومة جونسون تفويضا واضحا للبريكسيت (الخروج من الاتحاد الأوروبي). من المحتمل أنه بعد حل تلك المشكلة المركزية ستكون المملكة المتحدة الآن فعالة إلى حد ما. وسرعان ما سيتم تشكيل إمبريالية قومية. وفرنسا هي الأخرى مستعدة تماما لأي نصر للإمبريالية القومية الأمريكية؛ فلديها في حقبة ديغول في الستينيات نموذج تاريخي.
من ناحية أخرى، أعتقد أن ألمانيا بلد أقل استعدادا. فألمانيا معادية جدا لترامب. في 2016، أظهرت استطلاعات الرأي في ألمانيا أن ما يصل إلى 90٪ سيصوتون لهيلاري كلينتون و4٪ فقط لدونالد ترامب. وأكدت استطلاعات السنوات القليلة الماضية بوضوح حالة رفض لترامب بين السكان الألمان. بالإضافة إلى ذلك، كان ينظر إلى المستشارة الألمانية ميركل على نطاق واسع كمعقل للهيمنة الغربية التقليدية وضد الإمبريالية القومية الأمريكية. غير أن الوضع تغير. لقد فقدت ميركل سلطتها، وهي الآن معزولة تماما. ويزداد الوعي بأن ترامب ليس حاشية للتاريخ، بل يمثل تحولا جوهريا. ومسألة إقالته لا يتم الحكم عليها بإيجابية كما قد يتوقع المرء. إضافة إلى ذلك ترغب الصناعة الألمانية في علاقات أفضل مع روسيا. فالعقوبات الأمريكية ضد "نورد ستريم 2" (خط أنابيب الغاز بين روسيا وألمانيا) ستزيد من إرادة الحكم الذاتي في ألمانيا.
مايزال ثمة أيضا مشكلة أخرى. ففي حين أن للإمبريالية الوطنية تقاليد عريقة في كل من بريطانيا وفرنسا، ومن المرجح أن يتم قبولها دون إبداء الكثير من المقاومة، فإن الإمبريالية القومية ليست شائعة في ألمانيا لأسباب تاريخية. وبالتالي، يمكن توقع أن تشهد ألمانيا جدلا كبيرا حول هويتها السياسية؛ بل يمكن أن تشهد أزمة عميقة. من المؤكد أن هذا الأمر صعب، بسبب حقيقة أن ميركل يجب استبدالها، وأنه -في الحقيقة- لا يوجد خلَف مقنع. لكنني واثق جدا من أن ألمانيا سوف تجد طريقة للعب دور إيجابي للغاية في عالم المستقبل.
لذلك يمكننا أن نتوقع أن يتم استبدال الهيمنة الغربية بالإمبراطوريات القومية. بالطبع، ستظل تلك الإمبراطوريات مشكلة كبيرة بالنسبة للعالم، حتى لو كانت الهيمنة الغربية الكلاسيكية ستتكبد هزيمة مهمة. 
لكن تناقضات الدول الغربية الأخرى مع الولايات المتحدة سوف تتسع بشكل كبير. وهذا يعطي بقية دول العالم احتمالات أفضل بكثير.
في رأيي، كان عام 2019 عاما إيجابيا للغاية، وأنا على قناعة بأن ذلك سيكون هو الحال أيضا بالنسبة لعام 2020.



1 يناير 2020 
الموقع: theblogcat.de