ساندر غيربر، آري هيستين، يوئيل غوزانسكي

إلى جانب التعاون لمواجهة إيران والجماعات الإسلامية المتشددة، فإن إسرائيل والمملكة السعودية يواجهان التهديدات والمعضلات الاستراتيجية ذاتها، وبالتالي فإنهما شريكان غير متوقعين دون وجود مصالح مشتركة بينهما.
من ناحية فإنه لا توجد علاقات دبلوماسية أو اعتراف، بالإضافة إلى أن هناك تناقضا صارخا بين إسرائيل التي تعد ديمقراطية تفتقر للمصادر وتعتمد على الرأسمال البشري لبناء قوتها الاقتصادية والتكنولوجية، مقارنة مع السعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، وتواجه زيادة مطردة في عدد السكان تؤثر على الاقتصاد. إلا أن التحديات الرئيسية التي يواجهها الأمن القومي متداخلة بشكل كبير بينهما.
 من الأسرار التي يتم الحديث عنها هو التعاون السري بين إسرائيل والسعودية لمواجهة العدو المشترك، وهو إيران: ولا تنبع العداوة من الخلافات الحدودية أو المصالح الجيوسياسية، بل لأن إيران دعت لتدمير البلدين، واتخذت خطوات لتنفيذ تهديداتها.
وإيران تستهدف السعودية وإسرائيل لأنهما حليفتان لـ"الشيطان الأكبر": أمريكا، وتعدان من الناحية المجازية حاملتي طائرات لواشنطن في الشرق الأوسط، ولأن إيران تتبنى الراديكالية الشيعية. 
إن تهديد أمن إسرائيل والسعودية ليس أمرا عرضيا، بل هو جزء رئيسي في المشروع الإيراني الرامي لتفكيك البناء الأمني الأمريكي، وإضعاف التأثير الأمريكي في الشرق الأوسط. وتريد إيران وضع هؤلاء الحلفاء (إسرائيل والسعودية) رهينتين، وتأخذ من أسلوب كوريا الشمالية وتهدد بقطع رؤوس حلفاء أمريكا للحد من قدرة واشنطن بطريقة يمكن فيها لطهران التصرف دون خوف. 
في ضوء الزحف الإيراني البطيء نحو امتلاك السلاح النووي تبدو هذه الاستراتيجية خطيرة. وفي اتجاه آخر تطمح إيران لفصل واشنطن عن شركائها من خلال استهدافهم، وترسل رسالة بأنها لن تتوقف عن جهودها إلا في حال توقفهم عن دعم سياسات الولايات المتحدة وعملياتها في المنطقة.
 وبالتالي، فإن تطوير استراتيجية تخفف من المخاطر التي تمثلها النشاطات الإيرانية الخبيثة في المنطقة ليس مصلحة إسرائيلية وسعودية فقط، بل هو مصلحة أمريكية أيضا.
إن الدولتين تواجهان تهديدات مشتركة غير إيران والجماعات الإسلامية الراديكالية، وهي الجماعات الوكيلة عن إيران، التي تعمل داخل التجمعات المدنية في دول أخرى، وتقوم باستخدام القوة غير التقليدية مثل الصواريخ والقنابل الصاروخية، ففي الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في جنوب لبنان، يواجه السعوديون الحوثيين في اليمن. 
ومن المفارقات أن إيران لا تهتم كثيرا بالانقسام السني الشيعي، فنظام طهران على استعداد للتغلب على الانقسام الطائفي بدعم المجموعات السنية المتطرفة (مثل حماس) عندما تريد تقويض المصالح الأمريكية. ورغم المحاولات التي قام بها الجيش الإسرائيلي والنجاحات التي حققها في مواجهة جماعات إيران في سوريا والعراق أكثر من نجاح السعودية في مواجهة الحوثيين، إلا أن أيا منهما لم توجه ضربة قاصمة للقوى التي تدعمها إيران في المنطقة، والسبب هو أن أمريكا وحلفاءها يقاتلون في حروب غير تقليدية بأسلحة مصنعة لخوض حروب تقليدية.
يمكن لكل من إسرائيل والسعودية التعاون وتبادل الخبرات في مواجهة أعدائهما، وتطوير استراتيجية مواجهة حروب إيران غير التقليدية، والجماعات غير الدول التي تدعمها، فالمعضلة التي تواجه السعوديين في اليمن هي منع الكارثة الإنسانية ومواجهة الخطر الحوثي، وهي المعضلة ذاتها التي تواجه إسرائيل في غزة، فتجنب المراكز المدنية يتم عبر التعاون الثنائي والحوار الثنائي الأعمق.
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة الإسرائيلي عرض في عام 2017 أنه يمكن للسعودية وإسرائيل تبادل المعلومات حول الأسلحة المصنعة في إيران، التي تم توزيعها على الجماعات الوكيلة، وكذلك تشارُك البيانات حول القدرات العسكرية الإيرانية، بما في ذلك التعاون للحد من القدرات الصاروخية المتوسطة وطويلة المدى، وفهم ما تقدمه إيران من قدرات عسكرية للجماعات الموالية لها، وماذا اكتسبت إسرائيل والسعودية من خبرات في مواجهة هذه الجماعات. 
ففي مجال تبادل الخبرات الأمنية والعقيدة العسكرية يجب على البلدين تطوير حلول تكنولوجية عملياتية مشتركة برعاية أمريكية للمشاكل المشتركة، وكذلك بناء دفاعات صاروخية فعالة بهدف إحباط الدقة الصاروخية الإيرانية، فتلك ستكون نقطة انطلاق جيدة.
إن هجمات بقيق في أيلول/ سبتمبر الماضي كانت بمثابة صرخة تحذير لكل من السعودية وإسرائيل. ولأن المملكة تعتمد على تحلية 50% من مياه الشرب فإن ضربة لمحطات التحلية ستكون كارثية، وربما فكرت السعودية لاحقا في شراء نظام القبة الحديدية.
على إسرائيل التزام الحذر في نهجها للاندماج في المنطقة التي دخلت معها حروبا وحاولت عزلها، فيما يعاني السعوديون من مشكلة صورة لا يمكن إنكارها في السياسة الأمريكية وفي الرأي العام حتى لو عاد القطاع الخاص للتعامل معها وكأن شيئا لم يحدث بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي. 
لا يمكن لإسرائيل، التي تواجه مشكلات مع دوائر غربية، تحمل مشكلة علاقات لدول أخرى، لكن نجاح التعاون بين البلدين سيساعد على إسكات الأصوات الناقدة للمملكة، وعلى إسرائيل الترحيب بالتعاون الذي قد يفتح المجال نحو تعاون استراتيجي وأمني وتكنولوجي أعمق ولمواجهة جماعات إيران، ويساعد في الوقت ذاته على تخفيف المشكلات التي جرتها على نفسها من خلال القرارات المتهورة.


صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية 
"عربي21" 9 ديسمبر 2019