مع انتهاء الاحتلال الفرنسي عام 1943، اتّفق اللبنانيون بمختلف طوائفهم على ما يطلق عليه «الميثاق الوطني» الذي نظَّم أسس الحكم في لبنان عبر «اتفاقٍ غير مكتوب» لعب الدور المهمّ لما وصل إليه كل من «بشارة الخوري» أول رئيس جمهورية لبناني، و«رياض الصلح» أول رئيس حكومة لبنانية تشكلت بعد استقلال البلاد عن فرنسا عام 1943.

وعن مضمون هذا الاتفاق، قال بشارة الخوري: «ما الميثاق الوطني سوى اتفاق العنصرين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني، على انصهار نزعاتهما في عقيدةٍ واحدة: استقلال لبنان التام الناشز من دون الالتجاء إلى حماية من الغرب، ولا إلى وحدة أو اتحاد مع الشرق».
وبناءً على هذا الاتفاق، توافق اللبنانيون بشكلٍ عرفيّ على توزيع السلطة بشكل يهدف إلى ضمان التمثيل السياسي لجميع الطوائف الـ18 في البلاد بموجب ما ورثته من حكم الاحتلال الفرنسي، بحيث ينال المسيحيون الموارنة رئاسة الجمهورية (وتدعمهم تقليدياً فرنسا)، ويحصل المسلمون الشيعة على رئاسة البرلمان (وتدعمهم تقليدياً إيران)، والمسلمون السنة على رئاسة الوزراء (وتدعمهم تقليدياً السعودية). رغم أن الدستور اللبناني لا يتحدث عن دين أو طائفة رئيس الوزراء.
نظام الحكم في لبنان
بعد ذلك، شهد لبنان حرباً أهلية دامت 15 عاماً من 1975 إلى 1990، قُتل فيها مئات الآلاف. واستغلّت قوات الاحتلال الإسرائيلية هذه الحرب الأهلية، وقامت بغزو لبنان خلال هذه الفترة، ووصلت إلى بيروت قبل أن تنسحب وتحتل جنوب لبنان حتى عام 2000.
لم تضع الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها، إلا بعد اتفاق الطائف الموقّع في مدينة الطائف السعودية عام 1990، وتمّ خلاله تعديل الدستور اللبناني الذي كان من نتائجه تقليص سلطات رئيس الجمهورية.

اتفاق الطائف.. حل تسبب في أزمة
ربما حافظ اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية قبل 30 عاماً، على السلام في لبنان، لكنه تسبب كذلك في أزماتٍ اقتصادية وسياسية لكثيرٍ من اللبنانيين، وقد بدأ يتصدَّع على وقع فساد النظام السياسي الذي قام بتأسيسه.
فرغم أن اتفاق الطائف أكد في مبادئه الأساسية استقلال لبنان وهويته العربية وشكله السياسي باعتباره دولة جمهورية برلمانية ديمقراطية، إلا أن عدداً من فقراته لم تستطع تجاوز الواقع الطائفي في لبنان، إذ أقرّ توزيع مقاعد مجلس النواب مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، ولم يحقِّق الديمقراطية الموعودة، بل تسبَّب في تكريس الطائفية، وعزَّز مواقع جنرالات الحرب القدامى.
ويقوم مجلس النواب اللبناني بانتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية، وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان، ولمدة 6 سنوات قابلة للتجديد.
ورغم أن الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني، لكنّ البنية الطائفية للنظام السياسي في لبنان بعد اتفاق الطائف، جعلت من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على أساس طائفي.
وبذلك، يعيش اللبنانيون منذ اتفاق الطائف كأنهم بلا دستور أو قوانين. ورغم أن الاتفاق انتشل اللبنانيين من حروبٍ دموية بين المسلمين والمسيحيين، برعايةٍ إقليمية ودولية وأممية، عبر دستور أعاد توزيع السلطات في لبنان، إلا أنّ الاتفاق أبقى ذلك الدستور معلّقاً رهن الاجتهادات والقراءات المتناقضة.
فحالياً، تستطيع أن تقول إنه لا يوجد دستور يطبَّق في لبنان، لأن الأحزاب الطائفية باتت أقوى من الدولة، رغم أن المنتمين إليها لا يتجاوزون 15٪ من المواطنين، ولطالما تمثّلت أحزاب في البرلمان أو الحكومة، برئيسها ومساعديه أو أقاربه الذين ربما لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين.

تقسيم طائفي للمناصب العليا والمتوسطة
التقاسم الطائفي للمناصب في لبنان لا يقتصر على الرئاسات الثلاث فقط، بل يمتد ليشمل جميع المناصب الهامة العليا والمتوسطة. فقائد الجيش على سبيل المثال ماروني، أمّا وزير الداخلية فهو مسلم سنِّي، ومدير قوى الأمن الداخلي مسلم سنِّي، ومدير المخابرات العسكرية مسلم شيعي، وهناك أيضاً حصص للطوائف والأقليات الأصغر مثل الدروز والمسيحيين الأرثوذكس والأرمن.
وبنفس طريقة المحاصصة الطائفية والحزبية، يتم توزيع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعداً مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، حسبما نصّ عليه اتفاق الطائف، بينما يترأَّس المجلس أحد أبناء الطائفة الشيعية، ويتولاه حالياً ومنذ عام 1992 زعيم حركة أمل نبيه بري.
وبذلك يتفرّد النظام السياسي اللبناني بصيغةٍ مركّبة، فهو نظام جمهوري ديمقراطي من حيث الشكل، لكنه في حقيقته يعتبر نظاماً توافقياً بين الطوائف تتوزع فيه المناصب الأساسية بمقتضى العرف المتفق عليه تاريخياً بين زعماء تلك الطوائف.
وبناءً على هذا النظام السياسي الفريد، الناتج بدوره عن طائفية لم تجد حلاً توافقياً إلا عبر هذا النظام، يبدو الواقع اللبناني صعباً، وبات في أشد الحاجة إلى إجراء تغييرات عليه تحفظ للبنانيين استقرارهم، وتعمل على تحسين اقتصادهم في الوقت نفسه.
فبسبب طول الفترة على إقرار هذا النظام، غابت المساءلة، وكثرت التدخُّلات الخارجية، حتى انتشر الفساد وتوغَّل داخل كل مؤسسات الحكم، وهو ما انعكس بالسلب على حياة المواطن اللبناني، وتسبب أخيراً في هذا الانفجار الشعبي.

التدخلات الخارجية..تعمِّق أزمات لبنان
إذا كانت الطائفية في لبنان مصيبة، فإن التدخلات الخارجية التي تُعمِّق من الانقسام بين مكوِّنات الشعب اللبناني، هي المصيبة الأعظم، فقد باتت صناعة القرار وحلول مشاكل لبنان تتخذ في عواصم أخرى، وليس في بيروت.
فقد شهد اللبنانيون على مدى تاريخهم الحديث تدخلاتٍ عربيةً وغربية، تبدأ التدخلات الخارجية في القضايا المختلفة بالتمنِّيات، مروراً بتقريب المسافات بين القوى، وتوجيه الخطاب السياسي، وصولاً إلى الدعم المالي والعسكري.
ومنذ استقلال لبنان، لم تغب التدخلات الخارجية، ورغم تغيّر اللاعبين الرئيسيين في الداخل، وتبدُّل موازين القوى الإقليمية والدولية، إلا أنّ التدخلات استمرت بشكلٍ معروف للجميع. وفي السابق كانت فرنسا وبريطانيا هما اللاعبين الأساسيين في الساحة اللبنانية، قبل أن تدخل إليها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي ومصر والسعودية وإيران وسوريا والعراق وعواصم أخرى، تدخلت في الشؤون الداخلية اللبنانية بشكلٍ نسبي. وفي بعض الأحيان كان يحدث التدخل لحسم كفة أحد الأحزاب أو الطوائف على حساب أخرى.
ورغم أنه لم يكن للبنان فاعلية عسكرية أو استراتيجية، إلا أنه كان ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، كما كان ومازال يعتبر موطئ قدم سياسية لعواصم ترى في بيروت مكاناً مناسباً لإدارة سياساتها ومصالحها في المنطقة العربية.

السلطات الحكومية في لبنان
تتكوّن الحكومة اللبنانية من 3 سلطات رئيسية، تشمل ما يأتي:
السلطة التنفيذية: يعتبر الرئيس القائد الأعلى في الدولة، وهو الذي يعيّن رئيس الوزراء، ويوافق عليه أعضاء البرلمان، كما يختار الرئيس مجلس الوزراء، ويتحمل رئيس الوزراء مسؤولية القيام بالمهام التنفيذية اليومية، وتقديم النصائح للرئيس، وتقوم الجمعية الوطنية بانتخاب الرئيس، وتستمر الدورة الانتخابية فيها مدة 6 سنوات.
السلطة القضائية: تعتبر محكمة النقض المسؤولة عن التعامل مع التهم الموجهة لكبار المسؤولين الحكوميين، وهي أعلى محكمة في البلاد، ويعين المجلس الأعلى للقضاء قضاة محكمة النقض، الذي يرأسه رئيس المحكمة العليا، ويضم مسؤولين قضائيين آخرين، ويعين مجلس الوزراء، والبرلمان أعضاء المجلس الدستوري، وتستمر الدورة الانتخابية للمجلس الدستوري لحوالي 5 سنوات.
المجلس التشريعي: ينتخب المجلس التشريعي الرئيس، ويوافق على تعيين الرئيس، كما أنه يعتبر المسؤول عن إنشاء الهيئة التشريعية، ويتكون من 128 عضواً، الذين يتم انتخابهم بالتصويت التعددي في الدوائر الانتخابية متعددة الأعضاء، وتستمر الدورة الانتخابية لمدة 4 سنوات.