حاوره: مالك الشعراني / لا ميديا -

أحد فرسان الكرة اليمنية الذين رضعوا من النجومية وأبلوا بلاءً حسناً في الملاعب اليمنية والإقليمية والآسيوية والدولية. وخلال عقدين من الزمن رفع اسم اليمن عالياً وحقق الكثير من الألقاب ورفع الكؤوس والدروع وتقلد الميداليات الملونة مع الفرق التي احترف فيها محلياً.
أحد نجوم المنتخب الوطني الرائعين الذين خاضوا تصفيات كأس العالم 1998- 2002 وافتتحوا مشوار ظهور المنتخب الوطني قارياً. كان طيلة مسيرته الحافلة بالعطاء والإنجازات لاعباً محنكاً، وقائداً شجاعاً وله هيبة في الميدان ويحظى بقبول واحترام الجميع.
في عام 2011 اتجه إلى العمل الإداري وشغل منصب الأمين العام لناديه الاتحاد الإبي إلى أن استقال قبل شهرين تقريباً.
النجم فضل العرومي لا يروق له الحوارات الصحافية والظهور إعلامياً؛ ولكن بعد إلحاح شديد منا، رحب بنا وبإجراء هذا الحوار، فتحدث عن مسيرته الكروية وعن مشكلات ناديه الإتي والكرة اليمنية وعن أشياء أخرى لأول مرة يفصح عنها.

 في البداية نرحب بك كابتن فضل في هذا اللقاء.
- أهلاً وسهلاً بك أخي العزيز وبالسادة القراء الكرام.
 نبدأ معك من الأخير، ما أسباب استقالتك من منصب الأمين العام لناديك اتحاد إب؟
- استقلت من الأمانة العامة للاتحاد، بسب كثرة مشاغلي وظروف شخصية أخرى، وقد أسافر إلى أمريكا قريباً. وسواءً كنت في الإدارة أو خارجها فأنا قريب من النادي وأبنائه.

المال محرك الرياضة
 برأيك ما الذي يحتاجه "الإتي" لكي يتخطى المعوقات والصعوبات التي تواجهه ويصل إلى مستوى النموذجية؟
- أعتقد أن أغلب أندية الجمهورية اليمنية بحاجة للمال، والمال هو الأهم، ومهما كانت أفكارك متطورة وعقليتك ناجحة، لكنك تحتاج إلى المال فهو يجعل الإدارة مفتحة عيونها. كرة القدم يا عزيزي أصبحت كلها "مال"، ولن ينجح أو يتخطى الصعوبات أي نادٍ إلا بالمال، بل حتى أنتم في الإعلام الرياضي لن تصلوا إلى النموذجية إلا بالدعم المالي.
 دائماً اتحاد إب غير مستقر فنياً وإدارياً، ألا ترى أن الاستقرار الإداري والفني عامل مهم للنجاح؟
- السبب الرئيسي عدم وجود المال الكافي. والإداريون الذين تعاقبوا على إدارة النادي جميعهم اشتغلوا حسب الإمكانيات المتاحة وبدون عائد مالي، وكذلك الأجهزة الفنية المتعاقبة التي كانت تعمل لمدة موسم رياضي واحد لم تستقر هي الأخرى، بسبب عدم وجود المال فالمال، هو الذي يحدد استقرار الأجهزة الفنية من عدمها، المال أصبح كل شيء.
 هل أنهيت تواصلك مع نادي الاتحاد تماماً، أم ما زلت تتابع شؤون النادي وتحضر الاجتماعات؟ وإذا طُلب منك العودة إليه هل ستعود؟
- لم أنهِ تواصلي مع بيتي الثاني (الاتحاد)، واستقالتي لا تعني انتهاء علاقتي به، فمازلت على تواصل مستمر مع الإدارة ومع الأمين العام أحمد البريد والكابتن أحمد الجعدي ومع كل أعضاء الهيئة الإدارية، وإذا طلبوا مني أي شيء وفي أي وقت فأنا رهن الإشارة.
 لماذا اتجهت للعمل الإداري؟ ولماذا فضلته دون غيره؟
- اتجاهي إلى العمل الإداري في موسمي الأخير ولعبي للاتحاد 2011، لم يكن بمحض إرادتي، بل كان مفاجئاً بالنسبة لي، ففي ذلك العام كان هناك مطالبات من الجمعية العمومية ولاعبي الاتحاد بإقالة إدارة النادي، وتم جمع توقيعات من اللاعبين وترشيحي أميناً عاماً للنادي، فاستدعاني مدير مكتب الشباب والرياضة آنذاك المرحوم عبدالعزيز الحبيشي، وقال لي: تم اختيارك لشغل منصب الأمانة العامة في ناديك، وهذه ورقة اختيارك. فكنت أمام أمر واقع، وقبلت بالمهمة، وخلال الفترة السابقة عملت بكل جهد ورغم شح الموارد ووضع البلد وتنصل الداعمين، حاولت إيجاد موارد مالية واستثمارية للنادي، وكما قلت لك لا بد أن يكون هناك دعم مالي جيد للأندية من الدولة تستطيع من خلاله إقامة أنشطة رياضية ومواجهة الأعباء المالية.

لن أستجدي مهرجان اعتزال
 أنت لم تنهِ مشوارك كلاعب كرة قدم، ولم يتم إقامة مهرجان اعتزال يليق بك، ما الذي منعك من ذلك؟
- نعم لم يقم لي مهرجان اعتزال، بسبب الأحداث التي اندلعت في 2011م الذي أنهيت فيه مسيرتي في الملاعب بسبب الإصابة التي لحقت بي في إحدى المباريات. ورغم حصولي على وعود كثيرة من إدارة نادي الصقر وكذلك من رئيس الاتحاد العام لكرة القدم بإقامة مهرجان اعتزال لي، فإن الظروف وقفت عائقاً أمامي، لأني لستُ من النوع الذي يستجدي ويطالب أحداً. ولكن يفترض على وزارة الشباب والرياضة والأندية واتحاد كرة القدم أن يقوموا بتكريم اللاعبين الذين شرفوا الوطن عند انتهاء مسيرتهم في الملاعب بدون استجداء أو تقديم طلب. 
 توقف الدوري والمسابقة الأولى في بلادنا لمدة 5 سنوات متتالية. تعليقك على هذا التوقف الطويل ونتائجه؟
- توقف الدوري العام لكرة القدم طوال الخمس السنوات الماضية بسبب الحرب على اليمن، وذلك ترك آثاراً سلبية كبيرة على الأندية واللاعبين وأنهى مستقبل جيل كامل من اللاعبين واندثرت نجوميتهم.
 أعتقد أن هناك بلداناً كثيرة مرت بنفس مشكلتنا، لكن لم تتوقف أنشطتهم الرياضية طويلاً مثلما توقفت في بلدنا. ورغم أن الحلول كانت متوفرة لعودة النشاط الرياضي والمسابقات الكروية، مثل إقامة دوري مصغر أو تجمعات في بعض المحافظات، مثل الدوري الذي يقام حالياً، لكنه يُقام بطريقة غير مرتبة. وأعتقد أن التوقف الطويل سببه عدم وجود تفكير سليم وصحيح لوزارة الشباب والرياضة والاتحاد العام لكرة القدم.

القرار الآسيوي أثر سلباً على رياضتنا
 قانون الاتحاد الآسيوي والدولي، الخاص باحتراف اللاعبين بعد سن 23، من وجهة نظرك ما هي سلبياته وإيجابياته على الأندية والكرة اليمنية؟ 
- قرار خاطئ وأنا ضده، فالقرار هذا لا يطبق إلا في بلد متقدم رياضياً واقتصادياً، وكان الأحرى بالاتحاد اليمني لكرة القدم مخاطبة الاتحاد الآسيوي باستثناء اليمن من هذا القرار، كون أغلب الأندية اليمنية ليس لديها بنية تحتية واستثمارية. نحن نعرف أنه بعد تطبيق هذا القرار في بلدنا، تراجع مستوى الدوري واللاعبين وأصبح أكثر اللاعبين همهم الاحتراف وكسب المال، وبالتالي هبط مستواهم وتأثرت الأندية المحلية والمنتخبات الوطنية بشكل كبير.
في زماننا كان الدوري قوياً جداً، واللاعبون كان مستواهم رائعاً في أغلب الأندية، ولا يحترفون إلا بعد وصولهم إلى عمر متقدم، لأن الإدارة لا تتيح لهم فرصة الاحتراف إلا بعد طلوع الروح وبعد أن يخدم ناديه الذي رباه وترعرع فيه وأظهر مستواه.
ضف إلى ذلك أن قانون احتراف اللاعب بعد سن 23 ظلم الأندية البسيطة التي ليس لديها مال، بمعنى أنا أجلس أربي اللاعب وأصرف عليه من 12 سنة إلى سن 23 سنة وفي مرحلة نضجه يترك ناديه ويحترف في نادي المال. وهكذا أصبحت الأندية الصغيرة والفقيرة مدرسة خاصة لصقل مهارات اللاعبين وتصديرهم إلى الأندية الغنية.

رحلة احترافية
 احترفت مع كثير من الأندية اليمنية، حدثنا عن محطاتك الاحترافية وأيها كانت الأجمل؟
- أول نادٍ لعبت له كان هلال الحديدة كإعارة في بطولة الصداقة بمدينة أبها السعودية، ثم احترفت فيه رسمياً في موسم 2002، لمدة موسمين، وكانت تجربة مميزة، حققنا لأول مرة المركز الثالث أو الرابع في الدوري، ولو كان هناك تخطيط إداري سليم أعتقد كنا سنفوز ببطولة الدوري. ثم لعبت لشعب حضرموت إعارة في بطولة أبطال الكؤوس العربية والآسيوية، ثم انتقلت إلى نادي الصقر في 2004 وبقيت معهم إلى 2010م تقريباً، وكانت أجمل محطاتي، حققنا عدداً من الألقاب والبطولات، منها بطولة الدوري وكأس الوحدة ووصيف كأس الوحدة وغيرها من الألقاب لا أتذكرها الآن. ثم احترفت في نادي العروبة بعد صعوده إلى مصاف أندية الدرجة الأولى، وكان موسماً مميزاً، حصدنا المركز الثالث في الدوري لأول مرة وكنا قريبين جداً من تحقيق بطولة الدوري، ولكن ضعف خبرة اللاعبين لم يمنحنا المركز الأول.
وأخيراً عدت إلى بيتي الأول (الاتحاد)، وقبل عودتي إليه حصلت على عدة عروض احترافية من أندية محلية مثل أهلي صنعاء وغيره. خارجياً حصلت على عروض احترافية عن طريق مدرب نادي الاتحاد السابق غانم عريب، ولكن لم يكتب لها النجاح ولم أعلنها في حينه، فأنا من النوع الذي لا يعلن إلا عندما يتم التوقيع رسمياً، لكني عدت إلى "الإتي". 

 لو عاد بك الزمن إلى الوراء، في أي ناد ستحترف؟
- في التلال أو أهلي صنعاء أو شعب إب، علماً أنه في آخر موسم لي 2011 كنت سأحترف مع الأخير، ولكن الإصابة منعتني من ذلك.

أعطوا الخبز لخبازه
 من خلال خبرتك الطويلة ولعبك مع المنتخبات الوطنية، حدثنا عن أسرار استمرار الانتكاسات، وضع لنا الدواء لمعالجة الاختلالات والنكبات!
- الأسباب كثيرة، منها إيكال مهمة الرياضة لأناس غير رياضين، وعشوائية العمل في الوزارة واتحاد الكرة، أيضاً ليس هناك رؤية مستقبلية طويلة المدى، مثلاً لمدة 10 أو 15 سنة، وكذلك البنية التحتية وعوامل أخرى. وأنت تعلم أننا نحقق نتائج جيدة في فئات البراعم والناشئين، والسبب هو الموهبة. والمنتخب القطري والخليجي الذي نفوز عليه اليوم بـ5 أهداف بفئة الناشئين، نحن نهمل اللاعبين بعد انتهاء المشاركة وهم يصبرون على منتخباتهم وينفذون خطط لتأهيلهم وبعد تصعيد ذاك المنتخب الذي فزنا عليه بعد 5 سنوات تجده يفوز على منتخبنا الأول بـ6 أهداف، أنا أقول: لو تم إعطاء الخبز لخبازه، وتم الاهتمام وصقل منتخبات البراعم والناشئين، وليس عيباً أن نستعين بالخبرات الأجنبية لتأهيل الكوادر اليمنية ووضع الخطط المناسبة، أجزم أننا سنصل إلى مستويات متقدمة ويكون لدينا منتخب يرفع الرأس.

أسباب إخفاق منتخباتنا الوطنية
 منتخبنا الوطني كان إبان فترتكم يفوز على منتخبات عربية وآسيوية أصبحت اليوم قوية وتحقق البطولات الإقليمية والقارية والدولية. لماذا نجحوا وأخفقنا؟
- العمل الإداري في بلدنا كان "مؤقت" ولا يوجد تخطيط للمستقبل. أعتقد أن سبب نجاح المنتخبات الأخرى هو التخطيط السليم للمستقبل، ضف إلى ذلك أن ولاء الجيل السابق كان أكثر، والدوري قوياً، وكل فرق الدوري متميزة يوجد في صفوف الفريق الواحد من 3 إلى 4 و7 نجوم رائعين، والحضور الجماهيري كبيراً، وحب الرياضة كان مغروساً في القلوب، واللاعب يحب أن يظهر متألقاً لكي يسعد الجماهير، عكس ما حصل في المواسم الأخيرة والماضية، فالدوري ضعيف وغير منتظم والحضور الجماهيري قليل، والولاء غير موجود، واللاعب همه الاحتراف، وبالتالي: هذه العوامل ساهمت بإخفاق منتخباتنا الوطنية في مشاركاتها الخارجية.

30 نسخة من الأمل
 في عام 2003 كان لدينا منتخب الأمل الذي وصل إلى نهائيات كأس العالم للناشئين، لكن تم التفريط به وإنهاء مشواره. باعتقادك هل ستنجب الكرة اليمنية منتخباً مثله؟ وإذا أوكل إليك الأمر الآن، بإمكانياتك المتاحة، هل تستطيع اكتشاف نجوم مثل تلك النجوم وبناء منتخب وطني يشرف ويرفع الرأس؟ 
- الحديث طويل والنقاط كثيرة حول منتخب الأمل، لكن دعني أقول لك إن أهم أسباب انتهاء ذلك المنتخب هو التصعيد المبكر إلى المنتخب الأول، وهذا القرار لم يكن موفقاً ولا سليماً. أيضاً وزارة الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم يتحملان جزءاً من المسؤولية. وكذلك العمل العشوائي والوضع المعيشي ساهم في ضياع منتخب الأمل.
اليمن لديها الكثير من المواهب، وقادرة على تكرار نسخة لمنتخب الأمل، بل 30 نسخة ومنتخباً، بشرط أن يكون العمل الإداري منظماً، وبناء مدارس للمواهب ودعم الأندية بالمال من قبل الحكومة، وتوفير كشافين للمواهب في الأندية. يا أخي، في كل أندية العالم يوجد كشافون للمواهب إلا في بلادنا لا يوجد. كل عوامل النجاح صعب تحقيقها في ظل الظروف الحالية.

 لعلك تابعت المنتخب الوطني الأول في بطولة غرب آسيا التي اختتمت مؤخراً. كيف وجدت مستوى المنتخب؟ وكيف ترى حظوظه في التصفيات المزدوجة المؤهلة لكاس آسيا وكأس العالم 2022؟ 
- لم أشاهد المباريات كاملة، ولكني تابعت ملخص المباريات في بطولة غرب آسيا، وتابعت بعض التحليلات. بصراحة أعجبني مستوى بعض اللاعبين. لقد ظهروا مميزين وبلياقة بدنية جيدة وثقة بالنفس وتسليم واستلام جيد للكرة. أعتقد أن سر هذا التميز هو التغيير الذي طال بعض الخطوط وإضافة أسماء شابة جديدة. أعتقد أن لاعبي المنتخب يريدون أن يكون لهم بصمة مع المنتخب، فقط ينقصهم الاهتمام. والعبارة الأخيرة دائماً نرددها. أرى أنهم سيحققون نتائج إيجابية، وإن شاء الله موفقين.

 لو كان في فترتكم التصفيات والتأهل إلى نهائيات كأس آسيا ميسراً مثلما هو الآن، ماذا كنت تتوقع أن يحقق المنتخب الوطني الذي لعبت له؟ 
- كان نظام التصفيات قوياً، والمجموعات التي نلعب معها قوية، ورغم ذلك كنا نخرج من التصفيات بفارق نقطة أو بفارق هدف، ولو كانت التصفيات سهلة مثلما هي الآن، كنا سنتأهل بأريحية إلى نهائيات كأس آسيا عدة مرات، وبعيداً عن حجة أن الظروف لا تساعدنا، هناك كثير من الدول عاشت فترة حروب ومنتخباتها الوطنية حققت نتائج إيجابية.
 وبما أن التصفيات وملحق التصفيات أصبح سهلاً بإمكان منتخبنا الوطني الأول أن يسجل رقماً ويكون متميزاً ويحقق نتائج إيجابية في تصفيات كأس آسيا والعالم ويضيف إنجازاً ثانياً للكرة اليمنية بالتأهل إلى نهائيات أمم آسيا بالصين 2023.
 بعض زملائك في المنتخب الوطني السابق نالوا فرصهم في الأجهزة الإدارية للمنتخبات الوطنية. لماذا لم تنل أنت فرصتك مثلهم؟
- يا عزيزي المحسوبية شغالة في كل مكان. وهذا السؤال يوجه لاتحاد كرة القدم. على العموم نحن مع المنتخبات الوطنية نساندها ونشجعها، سواءً كنا في الأجهزة الإدارية أو خارجها، ونحن تحت خدمة منتخباتنا في أي وقت.

 كابتن، نشكرك على سعة صدرك. كلمة أخيرة تود قولها في نهاية هذا الحوار؟
- أتمنى أن تتوقف الحرب على الوطن، ويعود الأمن والسلام والنشاط الرياضي إلى بلدنا. وشكراً لك، وشكراً لمحبي فضل العرومي.