حاورته: يسرية الشرقي/ لا ميديا-

حين تعلو أصوات المدافع فلا صوت يعلوها سوى أصوات الموسيقى! وحين نتحدث عن الموسيقى فلا بد أن يخطر في البال البيت اليمني للموسيقى، ففي ذلك المكان البسيط تتردد ألحان الحب والسلام في زمن تعالت فيه أصوات الدمار في وطن صار السلام والحب أمله الوحيد.
في هذا الحوار مع الفنان فؤاد الشرجبي، مؤسس البيت اليمني للموسيقى، نتعرف على بداياته الفنية وما قدمه من أعمال، وأسباب تأسيس البيت اليمني للموسيقى ودوره في حماية الموروث الفني اليمني، وما الذي أنجزه حتى الآن في هذا الشأن.

 بداية لو تعطينا نبذة تعريفية عنك!
فؤاد علي الشرجبي. من مواليد مدينة تعز، ومقيم في صنعاء، متزوج ولدي بنتان وولدان.
درست شريعة وقانون في جامعة صنعاء، وبعدها درست موسيقى في مجال التأليف والتوزيع الموسيقي في دمشق. هذا كل شيء.

عقبات أمام طموحاتي
 من القانون إلى الموسيقى... كيف حدثت هذه الانتقالة؟
كان هدفي الأساسي وأكبر طموحاتي دراسة الموسيقى، وقد بحثت بعد الثانوية عن منحة لإكمال الدراسة الجامعية في مجال الموسيقى، لكن للأسف لم أتوفق، فوزارة الثقافة حينها لم تكن مهتمة إطلاقا بهذا الجانب، لذا بحثت عن تخصص جامعي بغرض نيل الشهادة الجامعية إلى جانب تعلم الموسيقى بشكل فردي وأيضا العمل في ذات المجال، مع الاستمرار في البحث عن فرصة لدراسة الموسيقى.

فرصة وإن تأخرت
 هل حصلت على هذه الفرصة لتحقيق حلمك في دراسة الموسيقى؟
نعم، وإن جاءت متأخرة، فأثناء مشاركتي في أحد المخيمات الفنية في سوريا، تفاعل معي كثير من الشباب العرب واتحاد الطلاب اليمنيين في دمشق، وبعدها تم توفير مقعد مجاني لي لدراسة الموسيقى في دمشق، وهو ما تم.

انطلقت مع "دحباش"
 ما هو العمل الذي مثل نقطة انطلاقتك الفنية وشعرت معه أن الناس بدأت تتعرف عليك؟
بدأت مع فرقة وزارة الثقافة منذ أن كنت طالباً في الإعدادية والثانوية، وكنت أشارك في النشاطات في إطار مدرستي الصديق والفاروق بتعز، وكانت لدي مشاركات في الاحتفالات الرسمية بالمحافظة. هذا كان قبل الوحدة، وبعدها كان أول عمل لي وأنا في سن مبكرة هو الأغنية والموسيقى التصويرية لمسلسل "دحباش"، وكنت حينها في الثانوية، وقد لاقى هذا المسلسل رواجاً وصدى كبيراً في تلك الفترة.
هذا النجاح حملني مسؤولية أكبر، وأشعرني بأنه يجب على الفنان أن يتطور أكثر حتى يكون عند مستوى ثقة وحب الناس ويحترم ذوقهم وتقديرهم له.

أول مسابقة موحدة للأطفال
  بعد انطلاقتك الناجحة في مجال الدراما من خلال مسلسل "دحباش" وغيره، ما هي أبرز الأعمال التي قدمتها؟
كان أول عمل عام 90م، عبارة عن مسابقة للأطفال كتبها المرحوم يحيى علاو والأستاذ عبدالرحمن البطاح، وذلك في أول عام للوحدة، لذا كانت أول مسابقة تبث في جميع القنوات شمالا وجنوبا، وتضمن العمل مجموعة من أغاني الأطفال، والتي أعتبرها نقلة في أغنية الطفل في تلك الفترة.
وبعدها شاركت في أول مسلسل إذاعي لي في إذاعة صنعاء، وهو مسلسل "إلا الحب" من إخراج عبدالرحمن العبسي رحمه الله، وتأليف الأستاذ علي السياني حفظه الله. وكان أول مسلسل له موسيقى خاصة به، بعد أن كانت تؤخذ سابقاً من موسيقى عالمية، بينما نحن استخدمنا موسيقى خاصة بالمسلسل، وهو ما مثل فعلا نقلة نوعية شعرنا بها من خلال ردة فعل الناس وحماسهم للموسيقى بالذات والمحتوى أيضاً.
وهناك أيضاً مسلسل "أساطير وحكايات يمنية"، وكانت موسيقاه فعلا فنتازيا خيالية وشيئاً مختلفاً عن المعتاد. واستمررت بالعمل في المسلسلات الإذاعية لأكثر من عشر سنوات.

حماية الموروث الثقافي والفني
 من أين أتت فكرة تأسيس البيت اليمني للموسيقى؟
أتت الفكرة من الغيرة الطبيعية التي أعتقد أنها لدى كل يمني محب لتراث بلده الفني الذي يتعرض للانتهاك والسرقة والنهب من قبل الكثيرين، وكذلك اختفاء الكثير من المعلومات الفنية واندثار الأغاني الشعبية القديمة والتي كانت محفورة فقط في ذاكرة المسنين في ظل غياب الدور المفترض للدولة على مدى عقود طويلة، وأيضاً النظرة المجتمعية الدونية للفنون... لأجل ذلك حرصت على خلق كيان مؤسسي لحماية موروثنا الثقافي والفني والحفاظ عليه، وجمع وتوثيق الغناء اليمني بكل أنواعه: الديني والشعبي والكلاسيكي والبدوي وأغاني الأطفال، وكل ما له صلة بموروثنا الغنائي الجميل. وأيضا كانت الفكرة أن أعلم ما تعلمته وأمنحه للآخرين وأفيد الشباب الواعد بما لدي من معارف.

نشر الوعي الموسيقي
  ما هي أهداف هذا البيت؟ وما الذي تطمحون إليه من هذا المشروع؟
البيت اليمني للموسيقى يعمل في اتجاهين: الأول: رصد وتوثيق الغناء اليمني، والثاني: تنظيم دورات لتعليم الموسيقى.
وهناك هدف أوسع وأعمق وهو نشر الوعي الموسيقي، حيث إن مجتمعنا يعاني من الأمية الموسيقية، فحاولنا قدر الإمكان أن نُفعّل الموسيقى في الخدمة المجتمعية بالدرجة الأولى، ووصلنا والحمد لله إلى كثير من الشرائح المجتمعية.

60 ألف تسجيل صوتي
 ما الذي أنجزتموه حتى الآن فيما يخص مسألة رصد وتوثيق الغناء اليمني؟
استطعنا حتى الآن جمع أكثر من 60 ألف تسجيل صوتي تقريباً. وقد كان الأمر بالغ الصعوبة، حيث إن حوالي نصف هذه التسجيلات نادرة وغير مسجلة من قبل. وبعد القيام بالرصد بدأنا بعملية توثيق هذه الأعمال، وهي عملية تتطلب جهداً وإمكانيات كبيرة وتقنيات عالية جداً وقواعد بيانات متكاملة. وقد وثقنا حتى الآن ما يقارب 15% من إجمالي العمل. ويعتبر هذا جهداً شبه فردي، بينما التوثيق الكامل يحتاج إلى فريق لا يقل عن 20 شخصاً متخصصاً على أقل تقدير، خصوصا في ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد، التي أثرت فعلا على تقدمنا، لكنها لم ولن تؤثر على طموحاتنا.

إثبات أصحاب الحق
 هل استطاع البيت اليمني كجهة مهتمة بالتراث الفني حماية هذا التراث ولو بشكل جزئي؟
نحن في البيت اليمني للموسيقى عندما نقوم بتوثيق الموروث الفني اليمني، فذلك من أجل أن نحاجج بشكل قانوني وواضح كل من يسرق التراث اليمني، ونطالب بالحق الفكري، لأن لدينا ما يثبت أن هذا العمل فعلا من تراثنا.
ومع تقدم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي صار من السهل فضح أي شخص يسرق ما ليس له، وقد استطعنا نوعا ما عبر بعض هذه الوسائل فضح بعض الأعمال الفنية المسروقة وتعديل المعلومات بشأن أصحاب الأغاني الأصليين. 
أما بالنسبة لما تمت سرقته من قبل، فهذا مرتبط بأمور قانونية ويحق فقط لورثة صاحب الأغنية المطالبة بالتعويض أو رد الحق لأهله، لكن نحن نعمل في إطار الفن، وما يمكننا عمله في مجال تخصصنا هو فضح المدعي بالحق الفكري وإثبات صاحب الحق الأصلي.

فضح يهود يمنيين
 هل حدث وقمتم بفضح أي سرقات فنية واستطعتم استرجاع الحق الفكري؟
في فترة من الفترات، حدث أن تطاول بعض اليهود اليمنيين في "إسرائيل" واستولوا على أغاني غيرهم، فقمنا عبر وسائل الـ"سوشيال ميديا" بنشر إثباتات تفيد بأن هذه الأغاني يمنية. وقد اعتمدت المحاكم "الإسرائيلية" هذه الإثباتات وتم إلغاء الكثير من الحقوق التي نسبها اليهود اليمنيون إلى أنفسهم وثبت عليهم أن هذه الأغاني فعلا مسروقة.

الفن اليمني كالمال السايب
 السطو الخليجي على موروثنا الغنائي، ما مدى تأثيره في واقع الفن اليمني؟
طبعا يقول المثل: "المال السايب يعلم السرقة". ونحن كدولة وقطاعات خاصة أو مجتمع مدني مهملون بشكل كبير لقطاع الفنون. فالخليجيون وغيرهم يبحثون عن الشيء الجميل، وتراثنا غني بالجمال والروعة، وعندما نكون نحن غير حريصين على تراثنا الفني ولا نبدي أي اهتمام به أو الحفاظ عليه، فمن الطبيعي أن يأخذوه دون مراعاة لأي أخلاقيات أدبية أو فكرية. وبشكل عام ليست المشكلة في تداول الفن اليمني، لكن من حقنا الفكري والإنساني أن يتم نسب العمل لصاحبه، وهذا للأسف لم يحدث في ظل غياب دور الدولة والمهتمين بالتراث.

بحر زاخر بالإبداع والجمال
 كيف ترى واقع الفن والفنان اليمني اليوم؟ وما هي رؤيتك للمستقبل؟
الشعب اليمني للأسف يعيش أسوأ واقع على مر التاريخ، فما بالك بواقع الفن والفنانين الذين هم أكثر حساسية وأكثر تأثرا بالأحداث؟! لكن رغم ذلك فإن الكثير من الفنانين اليمنيين لا يزالون يحملون الطموح والأمل في داخلهم.
أما بالنسبة لمستقبل الفن اليمني فيظل مستقبلاً كبيراً وزاهراً، لأننا نتكئ على أساس قوي ومتين، على تراث زاخر ومتنوع بكافة الألوان، ومليء بالجمال والإبداع، وما سرقوه أو انتشر عربياً سواء باسمنا أو باسم غيرنا ليس إلا القليل من بحر كبير من الإبداع والفن. وفي حال استقرت الأوضاع في البلاد وتكاتفت الجهود بين جميع القطاعات الحكومية والخاصة ووعى الفنانين أهمية دورهم، فإن الفن اليمني سيسطع في سماء العالم وليس في الدول العربية فقط.

سيمفونية "البالة"
 عمل تتمنى أن تنفذه في المرحلة القادمة من حياتك الفنية؟
أتمنى من كل قلبي أن أحول "البالة" إلى سيمفونية، إلى ملحمة موسيقية درامية، هذا أحد أحلامي القديمة والتي أتمنى أن أحققها في أقرب وقت بإذن الله.

من موقع الوزير
 سؤال أخير.. ماذا لو كنت وزيرا للثقافة؟
أولاً يجب أن أوضح أنه ليس لدي أي طموحات سياسية أو إدارية ولا تستهويني إطلاقا، فقد عملت لأكثر من ثلاثين عاماً في وزارة الثقافة وكان من الممكن أن أحصل على أي منصب إداري، لكني لم أرد ذلك، وحاليا أنا مستشار لدى الوزارة.
لكن لو افترضت أني في مكان وزير الثقافة وليس وزير ثقافة، فبالتأكيد سأحرص بالدرجة الأولى على الحفاظ على الهوية الفنية والثقافية والأدبية لهذا البلد، وموروثه المادي والفني، وتشجيع كافة المبدعين من الشباب أو الفنانين الكبار أو الهواة، وأن يأخذ كل واحد منهم فرصته، وسأسعى إلى إنشاء بنية تحتية حقيقية لرفد الساحة بالمبدعين في كافة المجالات الفنية، مثل معاهد عليا وأكاديميات فنية، وخلق شراكات مع كثير من المعاهد المتخصصة في العالم.