ترجمـة خاصة : محمد إبراهيم زبيبة -

تشن السعودية، لأكثر من أربع سنوات، حملة جوية وحشية على اليمن أدت إلى مقتل آلاف اليمنيين، وجرح مئات الآلاف وتشريد الملايين، وخلقت أسوأ أزمة إنسانية في العالم. والكثير من عمليات القتل هذه سببها الأسلحة البريطانية، فاليمن تتعرض للقصف بقنابل بريطانية بشكل يومي، تلقي بها الطائرات البريطانية التي يقودها طيارون مدربون في بريطانيا، كذلك ويقوم بصيانتها وإعدادها داخل السعودية الآلاف من المقاولين البريطانيين.

وترفض حكومة المملكة المتحدة تأكيد أو نفي نشرها قوات داخل اليمن. ففي أبريل، عندما سئُلت في البرلمان عن المزاعم التي قامت بنشرها صحيفة "ذا ديلي ميل صنداي" بخصوص اشتراك القوات الخاصة البريطانية في القتال جنباً إلى جنب مع جنود أطفال مدعومين من السعودية، رد وزير الخارجية مارك فيلد داعياً إلى إجراء تحقيق حول ذلك، بينما رفض تأكيد أي وجود للقوات البريطانية في البلاد.
وفي شهر مارس من هذا العام، احتفل وزير الخارجية، جيريمي هانت، بالذكرى الرابعة لتدخل السعودية في اليمن، في دفاع جريء عن دور بريطانيا في الصراع. وفي مقال لصحيفة "بوليتيكو"، أصر هانت على أن من غير الحكمة مقاطعة السعوديين، مشدداً بأن سعي بريطانيا للسلام في اليمن يتطلب من الحكومة مواصلة بيع الأسلحة لأحد الأطراف المتقاتلة، محذراً من أننا إن لم نقم بذلك سنخسر نفوذنا وسنخرج أنفسنا من مسار الأحداث في اليمن".
وباختصار، فإن مبيعات الأسلحة البريطانية، بالنسبة لهانت، هي عبارة عن شراء نفوذ لبريطانيا داخل السعودية؛ وهو نفوذ يمكن أن تستخدمه لتحقيق السلام. ويشير هانت -بشكل غير مباشر- إلى وجود "محادثات صريحة" مع نظرائه السعوديين حول حقوق الإنسان، في حين أن الحكومة دافعت عن مبيعاتها من الأسلحة في المحكمة من خلال الإشارة إلى تدريبها "المكثف" للطيارين السعوديين ومحددي الأهداف بغرض التقليل من استهداف المدنيين، وذلك إلى جانب تواجد ضباط الاتصال التابعين لسلاح الجو الملكي البريطاني الذين يعملون داخل مركز العمليات الجوية السعودية "لدعم امتثال السعودية للقانون الدولي الإنساني"
إن الفكرة القائلة بأن بريطانيا تمثل تأثيراً حميداً على الحرب الجوية قد خانتها حقيقة ارتفاع معدل الهجمات المدنية طوال الحرب، وذلك بحسب تقرير -تم نشره في مايو- أعده لاري لويس لمركز أبحاث مدعوم من الحكومة الأمريكية، تم خلاله تحليل بيانات الضربات الجوية. كذلك ويرفض مسؤولون بريطانيون آخرون -يمتلكون خبرة مباشرة في العمليات العسكرية السعودية- التلميحات القائلة بأن دورنا على الأرض في السعودية يحدث فرقاً.
ويصف مسؤول بريطاني سابق -عمل في السعودية- هذه التلميحات بـ"التافهة"، حيث قال: "لقد خسرنا نفوذنا بسبب وجود بن سلمان. لقد كان متهوراً ومحاطاً بأشخاص لا يجرؤون على التشكيك في رأيه".
وأضاف: "إن الجيوش مثل البصل (يقصد أن لها مستويات)، يتم في مركزها اتخاذ القرارات النهائية الخاصة بتحديد الأهداف... ونحن لم نتمكن من الوصول إلا إلى الطبقة الرابعة أو الخامسة... نحن لم نتمكن إطلاقاً من الوصول إلى السعوديين المسؤولين عن تحديد الأهداف، ولم يستطع حتى اليمنيون من تحقيق ذلك" في إشارة إلى أعضاء الحكومة اليمنية في المنفى، الذين تخاض هذه الحرب ظاهرياً نيابة عنهم.
وذكر المسؤول أن المشاركة على المستويات العليا كانت بمثابة تذكير للسعوديين بأن لدى بريطانيا "مخاوف" بشأن قتل المدنيين. ووصف معناها بقوله: "بهذه المشاركة سنقول للسعوديين إن حكومتي تريد مني التأكيد على مدى أهمية التزامك بالقانون الدولي الإنساني. وإذا لم تستوعب بعد، إليك هذه الورقة المطبوعة باللغة العربية".. وسيوضع حد لهذا.
وأخبرني جون ديفريل، المدير السابق لدبلوماسية الدفاع في الوزارة، والملحق العسكري للسعودية واليمن بين عامي 2001 و 2003: "نحن البريطانيين نتصرف بجبن رغم امتلاكنا نفوذاً كبيراً على السعوديين". 
وأضاف: "ما لم تكن بريطانيا مستعدة لاستخدام تهديد سحب مبيعات الأسلحة والأفراد المرتبطين بالحرب في اليمن، فإن أي تلميحات عن وجود مخاوف لن تكون فعالة... نحن قلقون من أننا إذا طالبنا السعودية بتغيير سلوكها، فسنهدد علاقتنا التجارية بها".
إن هذه العلاقة التجارية هي التي تبقي بريطانيا متورطة بحرب اليمن. وتعود هذه العلاقة لصفقة أسلحة بمليارات الجنيهات بين الحكومتين تم توقيعها في عام 1985، وسميت بصفقة اليمامة، والتي تضمن الصيانة والتدريب وإعادة التسليح للطائرات البريطانية التي تباع للسعودية، وهي صفقة مفتوحة، أي أن الشروط التي كانت تنطبق على طائرات تورنيدو في الثمانينيات تنطبق اليوم على طائرات تايفون. 
ورفضت الحكومة الرد على سؤال طرحه البرلمان مؤخراً طُلب فيه الإفصاح عن إجمالي الدخل الناتج من العقد الخاص بصفقة اليمامة كون ذلك -كما بررت الحكومة- قد يؤثر على علاقاتنا مع دولة أخرى، "إلا أن الرئيس التنفيذي السابق لشركة "بي إيه إي"، مايك تيرنر، وصفها بأنها بلغت حوالي الـ40 مليار جنيه إسترليني في العام 2005". ويقدر نيك جيلبي، الباحث الذي ألف كتابًا عن الصفقة، أن رقم المبيعات الحالي، بناءً على تصريحات "بي إيه إي" والتقارير السنوية، هو 60 مليار جنيه إسترليني.
وبحسب الصفقة، تلتزم السعودية بتسديد وزارة الدفاع البريطانية التكاليف التي تدفعها لـ"بي إيه إي" مقابل تسليح وصيانة سلاح الجو السعودي، بالإضافة إلى رسم قيمته 2? لتغطية التكاليف الإدارية لموظفي الحكومة. وتعتمد شركة "بي إيه إي" على هذا العقد لبقائها، لكن أيضاً تمتلك تأثيراً كبيراً على الحكومة بصفتها المنفذ الرئيسي لهذه الصفقة البالغ قيمتها مليارات الدولارات، فكما وصفها وزير الخارجية الأسبق روبن كوك، بأنها الشركة التي تمتلك "مفتاح باب الحديقة الخلفية لرقم 10 داوونغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء)".
ومع أن صفقة اليمامة لا تعود على الحكومة بأموال مباشرة، إلا أنها تمثل حجر أساس لعلاقة اقتصادية أعمق بين لندن والرياض، فبنو سعود يشترون بعائدات النفط الأسهم البريطانية والسندات والعقارات الفاخرة، حيث أنفقوا في عام 2017 مبلغ 93 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا. ويقدر الأستاذ المتخصص في العلاقات البريطانية السعودية في جامعة رويال هولواي، ديفيد ويرينغ، بأن السعودية تغطي خمس العجز في الحسابات الجارية، وهو ما "يحفظ استقرار الجنية الإسترليني القابل للتأثر بشكل متزايد".
قال لي وزير محافظ سابق بأنه قبل أن تبدأ السعودية قصف اليمن في عام 2015 بقليل، بعثت الرياض رسالة سرية لبريطانيا توعدت فيها بالضغط على بريطانيا مادياً في حال ترددت الحكومة في دعمها العسكري. وقال الوزير: "لقد كان ذلك بمثابة اختبار لبريطانيا، فإن لم تدعمنا فستخسرنا وستخسر الفرص التجارية والنفوذ في المستقبل".
لقد تم التمهيد لصفقة اليمامة في أواخر العصر الاستعماري لبريطانيا في ستينيات القرن الماضي، عندما مول بني سعود حربا ضد القوات المصرية التي احتلت اليمن، مهددة حكم بني سعود والمستعمرة البريطانية في عدن، حيث قام ديفيد ستيرلينغ، مؤسس القوات الخاصة، بإقناع الملك السعودي بشراء طائرات لايتننغ البريطانية، وأنظمة الرادار مع الخدمات المتعلقة بها.
وبعد عقد من الزمن حدث شيء قَرّبَ البلدين مرة أخرى من بعضهما، حيث قام متطرفون عام 1979 باحتلال المسجد الحرام في مكة، في محاولة لقلب نظام الحكم بعد أشهر قليلة من الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه وأنشأت جمهورية تتحدى بني سعود. وفي وقتها كانت بريطانيا تعاني من وضع اقتصادي سيئ، ولم تستطع شراء طائرة تورنيدو، المقاتلة التي طورتها بالتعاون مع ألمانيا وإيطاليا، فإن كانت بريطانيا تريد ردعاً جوياً مستقلا فإنها بحاجة لزبون أجنبي غني يدعم تكلفة ذلك، وعائلة مالكة تجلس على أكبر احتياطي نفطي في العالم كانت هي الزبون الأمثل.
لقد أرادت السعودية الحصول على أفضل طائرة يمكن شراؤها: الطائرة الأمريكية (F-16)، وكانت إيران تمتلك طائرات طراز (F-14)، لكن "إسرائيل" عارضت بشدة امتلاك دولة عربية لطائرات كالتي تمتلكها، فوجدت الولايات المتحدة حلاً بأن تدعم تصدير طائرات التورنيدو البريطانية لبني سعود، لإبقاء الاتحاد السوفييتي خارج الخليج، ولتمكين بريطانيا من توفير جزء من تكلفة تحديث أسطولها الجوي، وكانت صفقة اليمامة هي النتيجة، وكانت وقتها أكبر صفقة أسلحة في العالم، وهي التي أنقذت صناعة الأسلحة في بريطانيا.
وفي رسالة سرية من رئيسة الوزراء البريطانية حينها مارغريت تاتشر إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريغان عام 1988، أكدت له تاتشر أن السعودية وعدت بألا تستخدم هذه الطائرات للاعتداء على دول أخرى. وبحسب تقرير لمفتش الأسلحة السابق لدى الأمم المتحدة، مايك لويس، فإن حكومة تاتشر رفضت اعتراض مسؤولين في وزارة الخارجية على بند في الاتفاقية يلزم بريطانيا بإعادة تسليح السعودية إن هي ذهبت للحرب، فقالوا حينها إن ذلك سيعرض البلد لاتهامات بالتورط في "مغامرات عسكرية غير قانونية".
وفي شهر مارس، حضرتُ مؤتمراً نظمته الحكومة في مدينة فارنبورو لشركات الأسلحة الراغبة بالمنافسة في سوق السلاح، وتضمن المؤتمر عرضًا تقديميًا، أعده مسؤول في وكالة تراخيص التصدير التابعة للحكومة البريطانية، حول تفاصيل قانون مراقبة الأسلحة. وبعد أن انتهى العرض، سألت المسؤول كيف أمكن لإدارته -الوحدة المشتركة لمراقبة الصادرات- أن توافق على صادرات الأسلحة المستخدمة في اليمن، فأجابني بأنه لا يعلم، وأضاف: "إنني أقوم بما يُطلب وأؤدي وظيفتي.. لكنني أدرك بشكل غير مريح أن أدولف ايخمان قد قال نفس الشيء". (أدولف ايخمان: كان أحد الضباط النازيين).
وأعرب إدوارد بيل، رئيس وحدة التنسيق الأوروبية، عن عدم ارتياحه لإعادة تسليح الحملة الجوية السعودية، حيث بعث برسالة إليكترونية عام 2016 إلى ساجد جافيد، الوزير المسؤول عن ترخيص الأسلحة آنذاك، قال فيها: "حدسي يخبرني بأن علينا تعليق الصادرات إلى السعودية"، لكن جافيد لم يأخذ بنصيحته.
وفي عام 2015، قام فينس كابل، سلف جافيد، بتأخير تصدير شحنة من قنابل بيفواي كانت متجهة إلى السعودية عقب تقارير قالت إن الحملة الجوية قد استهدفت المستشفيات في اليمن. لكن كابل أخبرني أنه سرعان ما تعرض لضغوط من وزير الدفاع آنذاك، مايكل فالون، ورئيس الوزراء ديفيد كاميرون، لإطلاق سراح الشحنة.
لقد كانت الحكومة البريطانية، خلال المراحل المبكرة من الحرب الجوية، ترد على منتقدي مشاركتها في الحرب بأنها أجرت تحقيقات بالادعاءات بأن السعودية تهاجم مدنيين في اليمن. ولكن عندما زاد الضغط عليها قالت إن التحالف السعودي يقوم بنفسه بإجراء التحقيقات. 
والمسؤول عن إجراء هذه التحقيقات هو الفريق المشترك لتقييم الحوادث (JIAT)، وهو جهاز مؤلف من حوالي 20 ضابطاً من السعودية والامارات، ومسؤوليته هي التحقيق في سقوط ضحايا مدنيين في اليمن. لكن بحسب المسؤول الأمريكي، الذي حث السعودية على إنشاء هذا الفريق، فإنه لا يتواجد أحد ممن يتبع الفريق على الأرض في اليمن، وبالتالي فإن الفريق يستقي معلوماته من سلاح الجو السعودي. وقال: "أحيانا يقوم الفريق بزيارة لليمن للتحقيق في الحوادث البارزة".
وقال لويس أيضا إن الفريق قد تم إنشاؤه بغرض تقليل الأخطاء الشائعة، كضرب أهداف يحظر استهدافها، مثل الآبار والمستشفيات والمدارس. وكان يفترض له أيضا أن يعزز من الصبر التكتيكي للقوات السعودية، كأن يؤخر السعوديون استهدافهم لأفراد من الميليشيات الحوثية توقفوا في السوق حتى يغادروه، لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين. لكن لويس يقول الآن إن الفريق قد فشل في مهامه، والسبب ببساطة هو تجاهل وزارة الدفاع السعودية له.
لكن الفريق، يوفر للحكومة البريطانية ورقة التوت للاستمرار في ترخيص تصدير الأسلحة للرياض. ويتهم الباحثون في وكالة التحقيقات المفتوحة (بيلينغكات) التحالف بالكذب في "معظم التحقيقات التي قام بها فريق JIAT". وأخبرني روان شايف، المترئس لمشروع اليمن في المجموعة، بأن "المعلومات التي تعتمد عليها بريطانيا مصدرها شريك تدعمه في النزاع بشكل مباشر، والذي بدوره يكذب بشأن غالبية الضربات".
وكمثال على انحيازية فريق JIAT للتحالف السعودي، نذكر بالتحديد الهجومين العنيفين المنفصلين اللذين قام بهما التحالف في شهري مايو ويوليو من سنة 2015، واللذين قتل فيهما أكثر من 100 شخص نتيجة استهداف الغارات للأسواق الخارجية في بلدتي زبيد وفيوش، إحدى ضواحي عدن، حيث أصر الفريق في تقييمه وبكل بساطة على أن التحالف لم يقم بقصف أي من الموقعين، وذلك على الرغم من تقارير الأمم المتحدة و"بي بي سي" و"هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية، فضلاً عن لقطات كاميرات الهواتف التي توضح حدوثها.
وفي أماكن أخرى، برر الفريق الضربات من خلال التأكيد الصريح على أن الأهداف كانت أهدافًا عسكرية. فبعد تقارير عن مقتل مدنيين في غارة جوية في محافظة الجوف في سبتمبر 2016، أصدر الفريق بيانًا زعم فيه أن التحالف أصاب "قادة حوثيين" كانوا يتنقلون في سيارة صغيرة؛ لكن الزيارات التي قامت بها الأمم المتحدة ومنظمة مواطنة (منظمة حقوقية يمنية) أظهرت أن الضحايا لم يكونوا سوى امرأة كانت تقود سيارتها مع شقيقات زوجها وأطفالهن الاثني عشر.
إن مسؤولية التدقيق البرلماني في امتثال بريطانيا لقوانين مراقبة تصدير الأسلحة تعود للجان مراقبة تصدير الأسلحة (CAEC)، التي يرأسها غراهام جونز، وهو نائب عمالي انتقد تضليل المنظمات غير الحكومية في تقاريرها الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن كدعم لابن سلمان والتحالف السعودي، وفي أثناء الانتخابات النيابية في مقاطعته، لانكشاير، وصف الدور الذي تلعبه شركة "بي إيه إي" في توفير الوظائف والتأثير على اقتصاد البلد بأنه "دور حيوي".
واتهمت الأكاديمية الدكتورة آنا ستافرياناكيس لجان مراقبة تصدير الأسلحة بأنها تبقي اليمن خارج جدول أعمالها، وذلك على الرغم من تقديمها لهم أدلة الانتهاكات باستمرار، وقالت بأن تصرفات رئيس اللجنة تدعم موقف الحكومة، التي تتعمد إضفاء الغموض والشك فيما ما يتعلق بانتهاكات القانون الإنساني الدولي في اليمن، في حين يفترض منه التصرف بحياد للتدقيق فيها.
وفي إيميل أرسله رئيس اللجنة إلى "الجارديان"، علق جونز على منتقديه واتهمهم بأنهم ماركسيون متطرفون يدعمون في اليمن ميليشيات إسلامية فاشية تتصف بالعنف والعنصرية، وقال بأنه، "كان في طليعة المناقشات المتعلقة بالقضايا اليمنية".
إن قرار محكمة الاستئناف، المتوقع صدوره هذا الخميس، سيحدد ما إذا كانت إرادة الحكومة السياسية لتسليح السعودية فيها انتهاك للقانون، حيث قد اطلع القضاة على القضية التي رفعتها حملة مكافحة الاتجار بالأسلحة في التاسع من أبريل، وتتوقف النتيجة على إثبات وجود "خطر واضح" في استخدام هذه الأسلحة في "خرق خطير للقانون الإنساني الدولي".
وقالت روزا كيرلينغ، من شركة "لي داي" القانونية، التي استأجرتها الحملة لرفع القضية: "لا أستطيع التفكير في قضية كانت فيها الأدلة قاطعة ومقنعة أكثر من هذه القضية. وإن كان تصدير الأسلحة بهذه الطريقة يعتبر قانونياً، فما هي الطريقة غير القانونية؟!".
وجادلت الحكومة بأنها تمتلك معلومات سرية ستقدمها للقضاة، تجعلها واثقة من عدم وجود "خطر واضح" من قتل السعودية للمدنيين. ورد محامو الحملة بالقول إن هناك أدلة معروفة تكفي لإثبات حقيقة وجود هذا الخطر.
وللعلم فإن الحملة سبق لها أن خسرت قضيتها الأولى في عام 2017، عندما حكمت المحكمة العليا لصالح الحكومة بعد سماعها لأجزاء من دفوع الحكومة التي قدمتها في السر.
ويقول المحامي البريطاني فيليب ساندز، والذي لا يشارك في هذه القضية، إنه يتوجب على الوزراء شخصياً أن يضعوا باعتبارهم احتمالية مواجهتهم تهماً جنائية لدورهم في تسليح السعودية، حيث قال: "إذا كانت بريطانيا توفر أسلحة تستخدم لارتكاب جرائم، فعندئذ لا يمكن استبعاد احتمالية تقديم الوزير المشارك في التوقيع على هذه المبيعات -مع معرفته الكاملة بما ستستخدم له- مستقبلاً أمام المحكمة الجنائية الوطنية أو الدولية".
إن القانون البريطاني صريح من هذه الناحية، فالإمداد عن علم بسلاح يُستخدم في ارتكاب جريمة يعني أن مورد السلاح مسؤول أيضاً عن تلك الجريمة. وتحدثت ديربلا مينوغ، التي تعمل في شبكة الإجراءات القانونية العالمية، التي تعمل مع بيلينكات للتحقيق فيما إذا كانت الغارات الجوية في اليمن قد انتهكت حقوق الإنسان، تحدثت بما يفيد هذا بقولها: "يدعي التحالف أنه يستهدف الحوثيين فقط، وأنه يحاول جاهداً تجنب الخسائر البشرية، إلا أن الأدلة تشير إلى عكس ذلك... ويجب على الموظفين البريطانيين المتورطين في نقل الأسلحة أن يقلقوا من هذا".
وبحسب كلام واين جورداش، المختص بالقانون الإنساني الدولي، سيواجه المسؤولون الحكوميون خطراً كبيراً من أن تتم مقاضاتهم في حال كانت بريطانيا "طرفًا في النزاع".
وقد علق أحد المسؤولين في "وايتهول" في أبريل قائلاً: "لقد تم بذل جهود كبيرة كي لا نكون طرفاً في النزاع".
أن نكون طرفاً في النزاع -بموجب القانون الدولي- معناه أننا قدمنا دعماً عسكرياً أو مالياً أو لوجستياً أدى بشكل مباشر إلى تدهور القدرة العسكرية لأحد الأطراف المتحاربة، وأضعف قدرته على شن الهجمات وفيما يخص هذا، أخبرني متحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنهم توصلوا لحقيقة فيما إذا كانت بريطانيا تعتبر طرفاً في الحرب اليمنية، إلا أنهم لا يستطيعون الكشف عن ذلك علنًا، كونهم لا يزالون يتوسطون بين المتحاربين ولا يريدون المجازفة بعلاقاتهم معهم.
ودائما ما يكرر الوزراء تأكيداتهم للبرلمان أن بريطانيا ليست طرفًا في النزاع. وأستدل على هذا، بتصريح وزير الخارجية السابق، أليستير بيرت، بقوله: "اسمحوا لي أن أوضح أننا لسنا طرفًا في النزاع... هذا ليس موقف المملكة المتحدة"، وهو كلام أكده لي في مقابلة أجريتها معه في شهر أبريل. وبالمثل، أخبر وزير الخارجية، مارك فيلد، البرلمان في مارس: "ما زلنا نتمسك برأينا الثابت بأننا لسنا طرفًا في النزاع".
لكن المصدر الدبلوماسي البريطاني البارز أخبرني عن نصيحة قانونية داخلية لموظفي وزارة الخارجية تقول إن "كل من يقول إن بريطانيا طرف في النزاع سيتهم بالكذب". وقال إن مجلس الوزراء قرر، في العام الماضي، تقديم "مساعدة عسكرية" للسعودية، مشيراً إلى نشر القوات الخاصة، وأضاف أن قيامنا بذلك (أي نشر القوات الخاصة) قد "جعل منا طرفاً في النزاع".
إن الالتفاتات التي تقوم بها الحكومة البريطانية لإخفاء تورطها في حرب اليمن ليست سوى حركات فهلوية، فقد ربطت الحكومة بريطانيا وجيشها واقتصادها بأغنى دولة عربية، في وقت تقوم فيه، وبشكل متوحش، بتدمير أفقر دولة عربية. 
وتشير التقديرات إلى أن السعودية تنفق ما بين 60 إلى 70 مليار دولار كل عام على حربها الفاشلة، أي ما يقارب أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي الحالي لليمن، وما يكفي لتأمين حياة جيل من اليمنيين.
لقد وصف لي فارع المسلمي، وهو ابن مزارع يمني يعمل حالياً مع المعهد الدولي للشؤون الخارجية (تشاثام هاوس)، الدمار الذي خلفته هذه الحرب على بلده، فقال: "غداً ستجد جسداً ميتاً اسمه اليمن.. ولن يرغب أحد حينها في غسله أو دفنه، وسيدرك الجميع أنهم يقاتلون لأجل شيء لم يعد موجوداً".