حاوره .. حلمي الكمالي/ لا ميديا

الإنسان العربي الأصيل بفطرته شاعر، فقد تولد القصائد من جوفه في أية لحظة، إنما كيف بمن تولد شاعريته من رحم الوجع والألم؟! هكذا تفجرت شاعرية الشاعر السوري شفيق الموعي عندما فقد فلذة كبده (ابنه) شهيداً في ساحة مواجهة عدوان العصابات الإرهابية في سوريا، حيث يقول إن ولده رفض أن تسقط البندقية فصهرها قلماً. وفعلاً كرس الموعي حياته محاربا في متراس الحرية والكرامة دفاعاً عن البلد وشعبه، فتحولت قصائده إلى ذخائر تدفع سلاح المقاتل إلى الأمام وتغني مواويل فرح، فهي مشرقة كوجه الصباح البهي. 
تجسد قصائد شفيق الموعي أنفة العربي الغيور وغضبه في أعلى تجلياتها، وألهمت عشق الفلاح للأرض، كما أنها مثلت حضن الوطن الواسع للملمة أشلاء العربي البائس من كل الشتات. 
إنها ببساطة تجعلنا على ثقة عمياء بأن صلة الإنسان بأرضه يجب أن تكون كصلة الابن بأمه، وأن التنصل من الدفاع عنها يسقط عن المرء آدميته وإنسانيته. 

 في سطور 
من هو شفيق الموعي؟
شفيق الموعي شاعر سوري من محافظة حماة، راعٍ وفلاح ومدرس، تعلم بمحض الصدفة، خريج جامعة دمشق فرع اللغة العربية عام 1976.

ولادة من رحم الرصاصة
ماذا لو تحدثنا عن بدايتك في كتابة الشعر؟ 
قد يستغرب البعض أنني جئتُ شاعراً بلا بداية، فمن رحم رصاصة ظالمة مجنونة أصابتْ وطني وشعبنا وولدي جئت، ورافقها الظلم والافتراء والقهر والعقوق والتضليل، تحديداً بعد استشهاد ولدي في هذه الحرب، تعرضت لأزمة، حيثُ تشابك الألم الذاتي بالموضوعي. صمتُّ أربعين يوماً لأجد الكلمة التي تليق بالمشهد المؤلم فكانت القصيدة. وأعتقد أن ولدي هو من وهبني الشعر، لأنه رفض أن تسقط البندقية فصهرها قلماً، لأكون في متراسه، متراس سوريا التاريخ.

أن يكون شعراً
تكتب قصيدة العمود كثيرا... برأيك لماذا غابت قصيدة العمود عن الشعر العربي في الفترات الأخيرة؟ وأيهما يلبي احتياجات روح الشاعر، العمود أم الحر؟
الشعر هو الشعر مهما كان قالبه. وغياب قصيدة العمود باعتقادي إما بسبب الافتقار إلى الشاعرية أو الجهل بقواعد اللغة والعروض، وبسبب استسهال الكثير لقضية الشعر، وإما بسبب التقليد الأعمى للغرب، ولا شرط للشعر سوى أن يكون شعراً.

يحزنني قتل العربي لأخيه
الكثير من قصائدك مثقلة بالهموم والوجع... ما الذي يحزنك؟
يحزنني الجهل بتاريخنا، والتبعية لأعدائنا، وتخلف بلداننا، وأن تذهب جهودُ شعبنا هدراً بسبب عيشهم في الماضي وتجاهل الحاضر والمستقبل، وأن يرى العربي أخاه عدوا ويفتي بقتله.

هناك غضب كبير في بعض قصائدك... لمن يغضب شفيق الموعي؟
أغضب من أجل الوطن والفقراء والحقوق، ومن أجل دمائنا المسفوكة في غير ميادينها.

عبق اليمن
لك قصيدة عن اليمن بعنوان (حلص)، هل لديك قصائد أخرى عن اليمن؟ وما الذي شدك للكتابة عنه؟
 نعم كتبتُ عدة قصائد عن اليمن، ومنها قصيدة (عبق اليمن), وهي مطبوعة في ديواني الثاني (شقائق الأكباد)، تعاطفاً مع اليمن الحبيب وإدانةً لمجزرة بني سلول وعمالتهم.
اليمن أصل العرب، وشدني للكتابة عنه أصالته من جهة، ومظلوميته التي تشبه مظلومية سوريا الحبيبة، وثقتي بانتصاره.

حراك أدبي في وجه حرب كونية
هل شهدت سوريا خلال فترة الحرب حراكا أدبياً؟ ما مستوى هذا الحراك؟ وما دلالاته؟ 
نعم شهدت سوريا حراكاً أدبياً، فقد تنادى الشرفاء للدفاع عن وطنهم في وجه أعتى حرب كونية. ومن قصيدتي (ذاكرة الأوجاد) (المرودية الأولى في ديواني الأول مِرْود):
قلبي على وطنـي أهديتهُ ولـدي هذي الشهادةُ ممنوعٌ تناسيهـا
ابني ومجدُكَ سيفٌ ذو الفَقار به  من ثُلَّةٍ سطعتْ شمساً أساميها

مع اقتراب إعلان انتصار سوريا... ماذا تقول بهذه المناسبة العظيمة؟
أقول: المجد لسوريا واليمن، منهما ستسطع شمس الحق. وأقول ما كتبته عند تحرير تدمر:
جاشَتْ تَحِنُّ إلى أقدامِكَ القِمَمُ يا فارساً سكنَتْ في خُفِّهِ الهِمَم
هذا التّرابُ منَ الأكبادِ سُمرتُهُ يا منْ رأى فِلْذةً بالصخرِ تلتحمُ
تُعطيهِ ورداً شرايينُ الجنودِ بهِ والشمسُ تشربُها نوراً فتَتّسمُ

في العقد الأخير يتجه الكثير من الشعراء العرب لنشر أعمالهم في مواقع التواصل الاجتماعي الذي تعتبر أنت أحد الناشطين فيها... هل ترى أن السبب في ذلك يعود إلى غياب الاهتمام بالشعر من قبل وسائل الإعلام التقليدية المرئية والمسموعة؟
لا نستطيع أن نتغاضى عن مواقع التواصل الاجتماعي. ولا أنكر تقصير وسائل إعلامنا، وأستطيع أن أجزم أنها لم تسمع بـشفيق الموعي.

مصادفة محضة
لك عدة قصائد تتعلق بالزراعة والفلاحين... هل ذلك بسبب تأثير البيئة على الشاعر؟ أم هو الحنين إلى الأرض؟
أنا راعٍ وفلاح قبل كل شيء، واعتراني الشعر بالمصادفة المحضة، وأعتز بانتمائي لبيئتي.

يقال إن الشاعر حالم ويعيش في أحلام اليقظة... هل ينعكس ذلك على الكثير من الشعراء الذين يعيشون في غربة عن اللحظة؟
الحلم ضرورة، ولا يأتي من فراغ، وأحلام اليقظة هي نحن بلا رتوش.

ينقصه الواقعية
برأيك ماذا ينقص الأدب العربي بشكل عام اليوم؟ 
ينقص الأدب العربي أن يكون واقعيا وأن يكون الأدباء مثقفين ومفكرين.

إذا توقفنا عند هذه النقطة... برأيك متى يستفيق الشعر العربي من سباته العميق؟ 
الشعر مستيقظ أبداً، ولكن متى نستيقظ نحن لنرى الشعر في وضح النهار؟!

الشاعر لا يخاف
يقال إن الاستعمار والحروب تساعد في تفجير شاعرية الشعراء أنفسهم، لكن ما حدث في واقعنا العربي يبدو غير ذلك باستثناء قلة... برأيك إلى أي مدى قد يقيد الخوف الشعراء؟
من يخاف ليس بشاعر، ولولا هذه الحرب اللعينة ما خطرت كتابة الشعر في بالي.

بين التشرد والشطرنج
خارج طقوس الشعر والأدب أين وبماذا تقضي أوقات فراغك؟
أقضي وقتي في التشرد في جبالنا الشمّاء، وفي لعب الشطرنج والمطالعة ومتابعة الأخبار.

البردوني لسان المجد
ماذا تعني لك الأسماء التالية: عبدالله البرودني، محمود درويش، بدر شاكر السياب، أمل دنقل؟
البردوني: لسان المجد. ودرويش: صوت الزمان الثائر. والسياب: شاعر الحياة وجيش الفقراء. وأمل دنقل: بصر الطريق.

هل لديك أعمال شعرية قادمة؟ وما أمنيتك في العام الجديد؟
صدر لي ديوانان: (مِرْود وشقائق الأكباد) و(لا عيد عندي).
أمنيتي أن يجتمع العرب خلف راية المقاومة.

كلمة أخيرة...؟
كل الحب والتقدير لجميع أسرة صحيفة (لا) إدارةً وإشرافاً وأعضاء. وكل الحب لليمن العظيم من أرض الأبجدية والبطولات. والمجد لشهدائنا الأشاوس وأبطالنا الميامين ولأحرار العالم المقاومين في أنحاء المعمورة ولي شرف اللقاء معكم.



عبقُ اليمن
ما للدِّماءِ تضوعُ المسكَ والعبقا والعطرُ في يَمَني لا يعرفُ الملَقا
هاجتْ دمائي، أفي صنعاءَ مذبحةٌ؟ طهْرُ الثكالى أذابَ النورَ والغسقا
والزغْبُ فيها عصافيرٌ مزقزِقةٌ ناغتْ حنيناً معَ النيرانِ مُنبثِقا
والأمّهاتُ على أطلالِها شجرٌ يُعطي اليمانَ بريقاً صافياً ورِقا
والأسْدُ فيها رجالٌ من مناقبِهمْ صوغُ الزمانِ شموساً تغسلُ الأفقا
ياذمَّةَ المجدِ جِدِّي في صياغتِنا هدِّي عروشاً على أجسادِ مَن فسقا
واستسهلي الرملَ كي ينداحَ باطنُهُ ماءً نميراً يُهادي الفُلَّ والحبقا
أعمى الملوكَ انتصارٌ من سواعدِكمْ فاستُدعِيَ المالُ والإرهابُ واتّفقا
ما مرَّ يومٌ ذليلٌ في محاجرِنا إلاّ أعدَّتْ يدُ السلطانِ ما سبقا
إنْ يُعْرَكِ العهرُ في باحاتِ كعبتِنا يَغْدُ الجمالُ على أوطانِنا ألِقا
أنتِ المآلُ أيا صنعاءُ باذخةً ارْوِ الغليلَ وشُفِّي الروحَ والرمقا
لا ماتَ قلبي قُبيلَ النصرِ مُنبلِجاً حتّى أُكحِّلَ من مَرْآهُمُ الحدقا