صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي     

الفنان خالد مشوار كلما أنتج فناً في مجال الدراما، يشعر بشيء من الرضى والإشباع المؤقت، وسرعان ما يبدأ في الارتياب بما قدمه، ويشعر بأن ما أنجزه لا يرتقي إلى ما كان يصبو إليه، وأن ما هو كامن بداخله لم يخرج منه إلا الجزء الضئيل جداً، وأن الكامن أجمل بكثير مما أنجزه حتى الآن.
عندما تجلس مع الفنان الكبير خالد مشوار، تأسرك تعبيراته العذبة، وتشعر أنك بإزاء نبع ثر من المشاعر والإحساس المرهف الذي يصل إلى حد الشفافية.
إنه الفنان الذي ترك بصمة مميزة في صرح الدراما اليمنية، والتاريخ سيسجل له ريادته في مجال الدراما.
ستظل نوافذه تلاحقني، حيث كل الأشياء التي بدأ بها الحوار جاءت لتسألني لماذا أنهيت هذا الحوار مع سنديان ما زال يعرش بإبداعه الدرامي؟!

واقع درامي
  الدراما في اليمن لم تعد أحد الفنون النشطة، ولم تعد تبرز فوق سطح الحياة الثقافية.. برأيك لماذا؟
الدراما اليمنية إذا لم تكن حية فإنها ميتة، فالواقع اليمني أصبح أكبر دراما مما نمثله، فنحن نمثل الدراما من أجل تجسيد قضايا المجتمع، أما الآن ماذا نقول عن الدراما سوى دراما الدمار الشامل للأرض والوطن والإنسان؟!

حب الوطن
 ما هو العمل الدرامي الذي ترى من خلاله مظاهر الإنجاز الفني؟
الممثل لم يجد عملاً يرى نفسه من خلاله أو يرى عملاً قد تم فيه إنجازه، ما عدا أشياء لا تذكر. وإنما نتمنى من الجهات المختصة أن تعمل على هذا الجانب، وأن تعمل على إنجاز عمل درامي أكثر من إنجاز أعمال ليس لها معنى. يفترض أن يكون هناك أعمال تكون لها رسالتها وقيمها ومبادئها ورسالتها الفنية، حتى لو كانت نفقاتها وخسارتها كبيرة، فالبلد ليس بحاجة إلى الكراهية والخبث واللوم والمسخرة. نحن بحاجة إلى  أعمال أهم، أعمال تجمع صف اليمنيين على قلب واحد وعلى رؤية واحدة وعلى حب واحد اسمه الوطن.

حب الناس
 ماذا أضافت الدراما للفنان خالد مشوار؟
الدراما اليمنية أضافت لي حب الناس، وهذا أكبر شيء، فعندما أمشي بالشارع والناس يتحدثون عني، أشعر بأنني أمتلك كنوز الأرض بأكملها.

مجرم محبوب
 ما هو المسلسل الذي من خلاله تألق الفنان خالد مشوار؟
مسلسل «أشواق وأشواك» هو أكثر مسلسل لفت أنظار المجتمع اليمني، رغم أن دوري في هذا المسلسل كان دور مجرم، فالمجرم دائماً الناس يكرهونه، ومع ذلك وجدت الناس يتحدثون عني. بطبيعة الحال، فالفنان لا يستطيع أن يقيم نفسه، الجمهور هو من يقيمه، فحب الجمهور لي كان وافراً جداً، وأنا من خلال صحيفة (لا) أعتذر لكل مواطن محب لي، لأنني لا أستطيع أن أقدم شيئاً يليق برؤيته و تفكيره، فألتمس العذر من كل مواطن ومن كل إنسان معجب بي.

إعجاب ياباني
 هل لك مشاركات خارجية؟
نعم، لي مشاركات في المهرجانات الدولية والمسرح التجريبي، واشتغلت في مسرحية في المسرح التجريبي، وهي «قنبلة هيروشيما» لليابانيين، وشاركت معهم، ووجدت إعجاباً كبيراً منهم، رغم أنني لم أمتلك الإمكانيات في اللياقة البدنية كما يمتلكها اليابانيون، وإنما تقاسيم وجهي وتعابيري ونظراتي الحادة نالت إعجابهم للدور الذي قمت به من خلال اختياري العشوائي لهذا العمل، وهو كارثة هيروشيما ودكتاتورية العالم، وكيف ستقضي المجتمعات العالمية على كل دكتاتور في هذا العالم.
لا يفهمون المسرح
 لماذا لا تهتم الجهات المعنية ببناء مسرح؟
الجهات المعنية –مع احترامي وتقديري- لا يفهمون معنى مسرح، فالمسرح هو مرآة الشعوب، وهو محكمة الجنايات، وهو الإيصال والاتصال ما بين السلطة والمواطن، ولكن القائمين على هذا الجانب لا يعرفون أهمية المسرح، أما ما يخدم المبدع أو الجمهور فهذا الشيء يعتبر مفقوداً، وهمهم الوحيد كم سيستفيدون فقط.

أعمال اليوم لا تخدم المجتمع
  هل الدراما في الثمانينيات والتسعينيات أفضل من الآن؟
نعم، كانت أفضل، لأننا كنا نعالج قضايا مهمة تحاكي المجتمع، فالأعمال اليمنية اليوم لا تخدم المجتمع ولا تحل مشاكل، فلا توجد أعمال تلم صف المجتمع. ويكفينا هذا العبث في حقنا كيمنيين، فنحن أنصار الرسول (ص)، ونحن اليمانيين قيل فينا ما لم يُقَلْ في أي عربي، نحن من حضرنا العالم، ونحن بلد البسملة، ونحن أصحاب الحكمة... ولكننا لم نقدر أنفسنا، فنحن نمتلك أكبر ثروة، سواء في التراث أو في الآثار أو في العادات أو في الإنسانية، ولكننا لا نحترم هذه الأشياء، وبدأنا نفتقد كل المفردات الجميلة في المجتمع، ومع ذلك كإعلاميين لم نستطع أن نوصل مبادئنا وتراثنا وقيمنا الأخلاقية والإنسانية.

مشكلة الجهات المعنية
 إلى متى ستظل الشكوى الدائمة من قبل الفنانين من عدم اهتمام وزارة الثقافة بهم؟
عندما نجد وزارة ومعنيين يهتمون بهذا الجانب، ويعرفون ويدركون ما معنى الفن وما هو الفنان، هنا سينتهي كل شيء. أما أنهم سيظلون بهذا الشكل فسيظل الفنان يحكي ويشتكي، فهو لا يمتلك سيفاً ولا بندقية ولا دبابة ولا طائرة، هو يمتلك فناً يعبر من خلاله عن معاناته وعن إبداعاته. وإذا لم يستطع أن يعبر عن ذلك يبدأ الفنان يتذمر، فيجب على المعنيين أن يدركوا ما معنى فنان. عندما يكون لك لؤلؤة مغطاة بالتراب، ولم تستطع تلميعها ستنتهي هذه الجوهرة دون فائدة. فهذه مشكلة القائمين على هذا الجانب الثقافي.

رأس المال جبان
  ماذا ينقص الدراما اليمنية؟
ينقصها كل شيء.

  الدراما اليمنية ترضخ دائماً لرغبات المنتجين، لماذا؟
لأنه لا يوجد رؤوس أموال شجاعة تعمل في الجانب الدرامي، وتبدأ المنافسة الشريفة لتقييم الأعمال في بلادنا، مثلاً توجد 50 قناة تلفزيونية، لكنها كلها حزبية، ولا توجد قناة واحدة تتحدث على لسان المجتمع، فكل القنوات تقدم أفكاراً معينة ورؤى مختلفة.

الوطن كل شيء
 أيهما أقرب إليك السفر أم الوطن؟
الوطن بالنسبة لي هو كل شيء، مهما تجرعت من مرارات، ومهما جعت، ومهما... ومهما... فوطني هو أغلى ما أمتلكه على هذه الأرض، فمن ليس له وطن ليس له مبدأ ولا قيم ولا أخلاق ولا شرف.

  كلمة أخيرة...؟
كلمتي الأخيرة أوجهها للمجتمع اليمني بشكل عام، أن يجتمعوا في صف واحد على قلب واحد، وأن يكون العدو هو عدوهم جميعاً، فمن أراد المساس بالوطن ويرضى عنه فيعتبر إنساناً لا يستحق الوطن ولا يستحق هذه التربة الطاهرة. وأيضاً رسالة للعدوان: مهما عملتم فلن تستطيعوا أن تهزوا الإنسان اليمني، لأنه أقوى مما لديكم، فظفر الإنسان اليمني يساوي ثروة العالم.
ونصيحتي لهؤلاء أن يجمعوا أموالهم ويحترموا أنفسهم ويذهبوا إلى القدس، أما ما يعملونه في الوطن العربي فسيأتي يوم يمزقهم تمزيقاً، وإن وعد الله لقريب.
وأشكر وجودكم، وأشكر منبركم الإعلامي الرائع (لا)؛ لا للظلم، لا للكراهية، لا للعدوان. تحياتي لكم ولكل العاملين في هذه الصحيفة.