من المعروف أنه تم الإعلان عن حكومة الإنقاذ في ظل عدوان وظروف استثنائية وصعبة تمر بها البلاد، إلا أن الشعب كان ينتظر من هذه الحكومة ووزرائها الذين تحملوا مسؤولية ثقيلة، أن يفعلوا شيئاً، يساعد الشعب في هذا الظرف العصيب، فالنجوم لا تلمع إلا في الليل، ومن أراد خدمة الوطن والتضحية من أجله، فالفرصة مواتية الآن، ولكن شيئاً لم يحصل، وحكومة الإنقاذ لم تنقذ أحداً، وفشلت أغلب وزاراتها، وبقي وزراؤها المنقسمون بين الحليفين (أنصار الله والمؤتمر) طوال سنة يتراشقون الاتهامات، والجميع يتساءل اليوم: ماذا ستفعل الحكومة؟ وما الذي قد يتغير بعد أن طُويت صفحة علي عبدالله صالح، الذي كان يقف على رأس نصف الحكومة من الوزراء المؤتمريين، والذي اتُّهم مع بعض وزراء حزبه بالفساد وبصناعة العراقيل والأزمات؟
41 وزيراً، لم يرهم
 المواطن طيلة عام
يعاني المواطن اليمني مُنذ بداية العدوان أزمات عديدة ومتفاقمة سببت له الكثير من المعاناة، ومن بين الوسائل التي أقرها اتفاق الشراكة لعلاج هذه الأزمات والتخفيف من معاناة الناس، تشكيل حكومة إنقاذ تتولى إدارة أوضاع البلاد بصورة استثنائية، لتقديم العون للشعب بكافة الطرق الممكنة.
تم اختيار الدكتور عبد العزيز بن حبتور رئيساً توافقياً للحكومة، الى جانب 41 وزيراً، تم تقسيمهم بين المؤتمر وأنصار الله، وتم الإعلان عنها في نهاية نوفمبر 2016، إلا أن هذه الحكومة فشلت في أداء مهامها، وفي مساعدة الشعب الذي كان يأمل الكثير منها، ولكنه لم يرها على أرض الواقع، ولم يكن لها أي إنجاز حقيقي، خاصة في الجانب الاقتصادي والمالي، ولم تكن بحجم المسؤولية التاريخية والوطنية التي أوكلت إليها.
وظهر الفساد المالي والإداري، وتفاقمت الأزمات، وأبرزها أزمة الرواتب، حيث يعيش موظفو الدولة في القطاعين المدني والأمني والعسكري بدون رواتب منذ أكثر من عام، إلا من نصف راتب يأتي كل 3 أشهر، وأيضاً الارتفاع الحاد في أسعار المشتقات النفطية، حيث يتذبذب سعر الـ20 لتراً من البنزين (البترول) في حدود 8000 ريال، وسعر أسطوانة الغاز الـ20 لتراً أكثر من 4500 ريال، وكذلك انهيار قيمة العملة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، إلى جانب كثير من الأزمات وأوجه الفساد الأخرى.
أما الأسباب فهي كثيرة، والتي استغلها البعض في الحكومة كشماعة للتهرب من المسؤوليات بشكل كبير، ولتعليق الأخطاء والفساد عليها، أهمها العدوان والحصار وقلة الموارد ونقل البنك المركزي، لتبدأ بعد ذلك مسرحية الاتهامات والتهرب وتلميع الذات بين وزارات الحكومة، أهمها وزارات المالية والنفط والاتصالات، ليبدأ نزاع إداري وسياسي بين الحليفين وشريكي الحكومة، ولكن اليوم بعد مقتل علي عبدالله صالح في الفتنة التي أشعلها، والذي كان على رأس حزب المؤتمر، والذي اتهم مع بعض الوزراء المؤتمريين في الحكومة الذين يبلغ عددهم مع الأحزاب الحليفة لهم 20 وزيراً، ونائبين لرئيس الوزراء، إضافة الى عدد من وكلاء الوزارات، بالفساد، وحتى اختلاق العراقيل والأزمات لأهداف كثيرة، أهمها السياسية، أصبحت الحكومة أمام اختبار حقيقي وجاد لتقديم كل الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حال الشعب المتعب، فهل كانت تلك الاتهامات والعراقيل صحيحة؟ وهل سنشهد تغيرات جديدة نحو الأفضل في أداء الحكومة بعد الأحداث التي حصلت , وبعد التغييرات الأخيرة في بعض الوزارات وأجهزة الدولة، وبعد تصريحات رئيس المجلس السياسي الأعلى بأن المرحلة القادمة ستشهد إصلاحات واسعة. 

فترة قد مضت لها ما كسبت
حسب مصادر مطلعة فإن الفترة الماضية شهدت عراقيل حقيقية، خارجية بسبب العدوان والحصار الخانق، وداخلية من قبل بعض الوزارات والجهات والنافذين والتجار ومن الذين يتربعون على مؤسسات الدولة وهم على ارتباط بدول العدوان، والمحسوبين على عدة جهات أهمها وأكبرها حزب المؤتمر ورئيسه صالح.
كان الجانب المالي أكبر التحديات وأحد أهم محددات نجاح أو فشل الحكومة في القيام بدورها، ومن هنا بدأ التعثر في أداء (الإنقاذ) التي كادت أن تغرق في الصراعات الداخلية والمهاترات بين الشريكين.  
وعلى مدى أكثر من عام فشلت الحكومة في تنفيذ كثير من قراراتها، مثل القرار القاضى بتوحيد كل قنوات ما تبقى من إيرادات عامة للدولة إلى حساب الحكومة في البنك المركزي، وكان قراراً هاماً تهدف الحكومة من خلاله إلى صرف رواتب موظفي الدولة، وتوفير أدنى النفقات التشغيلية اللازمة لمؤسسات الدولة، وخصوصاً الخدمية، كالتعليم والصحة العامة، ولكن ما حدث أن ذلك القرار لم ينفذ من قبل عدد كبير من المؤسسات والوزارات، وتسبب بتصاعد الصراع في أوساط الشركاء، وبالفعل خرجت وزارتا النفط والاتصالات خارج السرب، ولم تلتزما بالقرار كما يجب، وهما أهم الوزارات الإيرادية. الى ذلك فإن كثيراً من الجهات الأخرى التي التزمت بالقرار وذهبت إيراداتها للبنك المركزي، عانت ولاتزال تعاني من سداد الإيرادات المستحقة لها كالضرائب والجمارك بالشيكات أو شبه النقد، بينما المشكلة التي يعاني منها البلد هي أزمة سيولة نقدية، وليست أزمة مالية، مع تراجع الإيرادات العامة للدولة بنسبة تزيد عن 80%، ولذلك استمرت أزمة السيولة، وعجزت حكومة الإنقاذ عن القيام بأقل مهامها، وفشلت حتى في توفير نصف راتب شهرياً. 
بعد ذلك فشلت واحدة من أهم خطط (الإنقاذ) التي أعلنتها للتغلب على أزمة السيولة بنسبة 70%، وهي البطاقة السلعية، التي كان لها جانب إيجابي كبير، ولكنها تعرضت لحملات إفشال وعرقلة ممنهجة، كونها كانت بديلاً جيداً في ظل انعدام البدائل الأخرى. 
وكانت الخطة الحكومية تقتضي صرف الراتب بنسبة 50% مواد غذائية عبر البطاقة السلعية، و20% تحويل رصيد مالي من الراتب إلى حساب الموظف في البريد، و30% تُصرف نقداً، ولكن مشروع العملة الإلكترونية فشل، والسبب أطراف شبكة المصالح الواسعة من التجار والنافذين والفاسدين الذين استغلوا هذه البطاقة لتمرير أنواع مقنَّعة من الفساد، مثل رفع أسعار السلع بشكل كبير ومبالغ فيه، وذلك في إطار حربهم من أجل إفشالها، وقبل ذلك الاستفادة منها.
وكان السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي قدم في أبريل الماضي، 12 نقطة قابلة للتنفيذ والنجاح، خاصة في ظل الظرف الطارئ للبلاد، ولكنها لم تلاقِ ترحيباً من قبل حكومة الإنقاذ، مع أن عدة مراقبين يرون أنها تعد مصفوفة اقتصادية هامة لتحسين الأوضاع المعيشية وتحسين إيرادات الدولة والحد من الفساد بكافة أشكاله، وإجراء إصلاحات إدارية مناسبة تخفف من الضغوط والالتزامات التي تواجهها الدولة نتيجة التضخم الوظيفي والعجز المالي والاقتصادي، لأنها ركزت على جوانب مهمة مثل التكافل الاجتماعي والإنتاج الزراعي.

ماذا يحمل 2018 لليمنيين؟
حسب مصادر مسؤولة فإنه من المتوقع أن الخطط المستقبلية القادمة القصيرة والمتوسطة التي سيكون عام 2018 هو ساحتها الجديدة، بعد طي صفحة عام 2017، التي اختتمت بأحداث غيرت الكثير على كافة المستويات، سوف تنطلق من واقع الإشكاليات والتحديات القائمة، ومحاولة علاجها بشكل كلي أو جزئي لتحسين ظروف الناس المعيشية الصعبة، ووضع استراتيجيات جديدة للصمود في وجه العدوان بكل أشكاله الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية، وأهمها إيجاد حلول لأزمة السيولة المالية وأزمة المشتقات النفطية، وتوسيع دائرة موارد الدولة ورصدها وتوحيد توريدها الى جهة واحدة، ما يوفر سيولة لصرف ما أمكن من المرتبات، ويوفر الحد الأدنى من النفقات التشغيلية لقطاعات الدولة ودعم جبهات الدفاع عن الوطن، وإيقاف تراجع العملة والحفاظ على قيمتها، وتفعيل أجهزة الراقبة والمحاسبة، ومكافحة الفساد في مؤسسات الدولة، وعلاج مشاكل التهرب الضريبي والفساد الإداري والمالي، والمضي قدماً في جانب التصنيع العسكري، وتعزيز الأمن والسكينة العامة، وتبني مبادرات سلام لا استسلام تكفل إنهاء الحرب بطريقة عادلة.
غير أن الخطط التي تعتزم الحكومة تنفيذها ما زالت أمامها عقبات كثيرة، فما زال في جعبة العدوان المزيد من الاستكبار والغدر الذي قد يترجم عسكرياً أو اقتصادياً، ويحاول إجهاض أية محاولة لإنعاش الاقتصاد المحلي، وأيدي الفساد والتخريب الداخلي مازالت تملك الكثير من الحيل والوسائل لممارسة أنشطتها التدميرية لأهداف خاصة بها أو بدول العدوان، ليبقى المواطن اليمني الصامد والصابر محشوراً في منتصف هذه المعركة والمعادلة العسكرية والاقتصادية الصعبة، وقد ضاقت به السُّبل، مع أنه لا يطلب الكثير، سوى أبسط مقومات الحياة الأساسية. فهل ستخوض حكومة الإنقاذ المعركة القادمة بكل تفانٍ ومسؤولية وحس وطني، بعد إزالة العوائق التي كانت تعيق تقدمها سابقاً؟ وهل ستقاتل اليوم بكل بسالة في سبيل كرامة الوطن كإحدى أهم جبهات الصمود على الإطلاق، ولا تدخر جهداً وتحشد كل الطاقات والإمكانيات لتخطو نحو صناعة واقع أفضل لليمنيين، وتنتشلهم من بين براثن الجوع والفقر، رُغم العدوان الهمجي البشع ضد البلد، ليكتمل بذلك مشهد الصمود الإعجازي في اليمن؟