الشاعر أعظم شيء في الدنيا، ولو كتب جملة شعرية واحدة، ليس هناك شيء أعظم من شاعر مهما كان حجمه.
الشاعر غابة، جذر، ينبوع، فالشاعر لا يمكن أن يكون عميلاً لأي نظام، وبقدر ما هو رافض للعدوان بقدر ما يكون شعره قوياً وصلباً.
تميزت الشاعرة جهاد صلاح الدين بقدرتها على المزج بين الإحساس والفكرة، فوراء كل إحساس مهما صغُر، ثمة فكرة، ووراء كل فكرة مهما عظُمت، ثمة إحساس يتجسد فالقصيدة عند جهاد تخرج مرتدية ثوبها الكامل، ومصممة تصميماً دقيقاً وعميقاً في تجسيد فني رائع.
على مدى التاريخ سجل يا زمنْ بنت اليمن تسوى رجال المملكةْ
ما فرطت في عهدها لأجل الوطنْ درب المخاطر والمنايا تسلكهْ
محال نرضخ ما نساوم باليمنْ   والثار ثاري يا سعودي ماتركهْ
كما تتميز قصائدها بحس موسيقي خاص إلى درجة عالية من التركيز والتحدي، فاستطاعت أن تحقق الصياغة المثالية والتناغم، وهو ما لا ينجح به سوى القليل من الشعراء.
إنها شاعرة تمتلك لغة جديدة، لغة مختلفة، حيوية، نابضة، كما أنها شاعرة حقيقية هادئة رقيقة بلا ضجة استعراضية وبلا حذلقات لغوية، صريحة حد الشفافية، إنها كائن شعري بكل دلالات الكلمة.
 كيف تحب الشاعرة جهاد صلاح الدين أن تقدم نفسها لقراء صحيفة (لا)؟
بداية أحيي صحيفة (لا) وقراءها الكرام والشعب اليمني العظيم ورجال الرجال، أما جهاد فكاتبة وشاعرة فخرها واعتزازها الأبدي كونها يمنية، تنسج الحروف دثاراً لوطنٍ أخرسه الألم، اتخذت القلم بندقية والحبر باروداً، وكان ذاك سلاحها للذود عن الوطن، حين حمل الجميع بنادقهم. 

 ماذا تعني لكي قصيدة (شمس الغياب)؟
(شمس الغياب) من القصائد التي لها مكانة خاصة في قلبي، وهي القصيدة التي فُسِّرتْ أكثر من تفسير، فالبعض فسرها على أنها رثاء من زوجة شهيد، والبعض قال إنها رثاء لصديق وغيره. القصيدة عموماً تجسد مرارة الفقد، وكيف أن الحروب تقتص من أرواحنا، وتأكل من أكبادنا، وتنتزع منا قهراً كل ما نملك، ولا نملكُ فيها أي خيار.

 ما هو أسمى مجد للشاعر يمكن أن يحظى به من الشعر؟
أسمى مجد يمكن أن يحظى به شاعر من الشعر، هو أن يخلد اسمه وشعره، ويحفر في ذاكرة الناس، أن يعيش شعره لقرون وقرون، أن يردده الكل باعتزاز، ومثال على ذلك الشاعر الوطني القدير عبدالله عبدالوهاب نعمان رحمه الله، حين أصبحت إحدى قصائده النشيد الوطني للجمهورية اليمنية، وكذلك الشاعر عبدالله البردوني، وغيرهما من الشعراء الذين حفرت أسماؤهم في ذاكرة التاريخ.

 كشاعرة كيف تنظرين لصمود الشعب اليمني أمام العدوان السعودي؟ أو كيف يتجلى لك شعرياً؟
صمود وكفاح الشعب اليمني لايوصف بالكلمات، ويصعب على اللغة أن تجسد شعباً بهذه العظمة والنضال والقوة والصبر والتحدي، وكل الشعر الذي قيل في صموده ما هو إلا محاولات بسيطة أمام ما يملك شعبنا من عزائم سماوية. وصمود الشعب أمام العدوان لما يقارب العامين، مع الحصار المفروض عليه براً وبحراً وجواً، ما هو إلا دليل قاطع على الفشل الذريع لمن أسميهم قوات التخلف، وليس التحالف، فبرغم المخازن المتخمة بالأسلحة وما يملكون من عدة، ورغم بساطة ما يملك شعبنا، مازلنا نحن الأقوى، لأنهم يستمدون قوتهم من أسلحتهم، أما نحن فأقوياء بحقنا، والقوة مهما بلغت لا تعلو على الحق أبداً.

 لكل إنسان مسؤولية تجاه نفسه والآخرين، ما هي مسؤولية الشاعر من وجهة نظرك؟ 
الشعراء عموماً أصحاب رسالة، والمسؤولية التي على عاتقهم هي إيصال هذه الرسالة بأمانة ومصداقية، وعلى أكمل وجه، فالشعر سلاح، وفي ما مضى كان الشاعر يشعل حروباً ويطفئ أخرى بشعره، ويرفع أقواماً ويذل آخرين. 

 كنت إحدى الشاعرات المشاركات في برنامج (شاعر الصمود).. حدثينا عن هذه التجربة.
تجربتي في (شاعر الصمود) كانت من أحلى التجارب التي مرت عليَّ، لن ننسى أبداً ذلك الفخر وتلك القوة والعظمة والطاقة الهائلة التي كانت تضخها قصائد الصمود لأرواحنا، كان لي الفخر بالوقوف على ذلك المنبر مع نخبة من شعراء اليمن، ووقوفنا على منبر الصمود كان له مهابتهُ. 

 هل كنت تتوقعين أن يتم تتويجك بلقب شاعر الصمود؟
لم يكن اللقب ضمن حساباتي، بالأحرى لم أكن أنوي الدخول في البرنامج، وإصرار أسرتي وصديقاتي وبعض الزملاء والزميلات في الكلية، شجعني على دخول البرنامج، وكان هدفي الأسمى من دخول البرنامج هو إيصال رسالة لشعب أقل ما يمكن أن نصفه به هو العظمة والمجد، وأتمنى أن أكون قد وفقت في إيصالها.  

 في ظل العدوان السعودي ظهرت العديد من الشاعرات اليمنيات، هل جاء هذا الظهور نتيجة لارتباطهن بالأحداث الوطنية؟
مؤكد، فللمرأة اليمنية حس مرهف وعالٍ جداً، وامتلاك الحس الشعري في هذه الظروف التي يمر بها الوطن أمر ليس بالغريب عليها، ولا على اليمن المليئة بالجمال والفن والإبداع. ورغم كرهي الشديد للحال الذي أصبحنا فيه، إلا أنني أشكر هذه الظروف التي أخرجت لنا المبدعين، وكما يقال: من رحم المعاناة يولد الإبداع دائماً. 

 من شجعك من الشعراء؟
معرفتي بالشعراء كانت قليلة نوعاً ما، كوني ما زلت في بداية مشواري، ولم يكن لي ظهور إعلامي، شعري ظهر أكثر منذ بداية العدوان الجبان على اليمن، ومن الشعراء الذين شجعوني على الظهور إعلامياً، وشاركتُ معه في عدة صباحيات شعرية، الأخ الشاعر فؤاد العيدي، شاعر العصيمات. لا أنسى أيضاً الشاعر الرائع عبدالفتاح شمار, والشاعر بسام شانع، والشاعر القدير محمد الشميري، كذلك الأخت والصديقة والشاعرة أيضاً حنان زاهر، وكثير من الشعراء لهم مني خالص الشكر والتقدير والاحترام.

 من هو الفنان الذي تتمنى الشاعرة جهاد أن يتغنى بقصائدها؟
أنا حقيقة من عشاق التراث اليمني عموماً، الأغاني الوطنية على وجه الخصوص، أما قضية أن يتغنى الفنانون بقصائدي فهناك العديد من الفنانين الذين أتمنى أن تحظى قصائدي بغنائهم يوماً ما، منهم الفنان ذو الصوت الآسر والعذب حمود السمة، أيضاً الفنان القدير حسين محب، وكثير من الفنانين ربما لايسعفني الوقت لذكرهم جميعاً. 

 ما الذي يستفزك؟ 
أشياء كثيرة تستفزني، إنما في الوقت الراهن أكثر ما يستفزني أولئِك الذين يراهنون على هذا الوطن، أولئِك الذين لا يكترثون لحاله، ولا ما آل إليه الشعب، ولا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية، وإن كانت قائمة على حساب الأبرياء. 

 ما هو الشيء الذي تمنته الشاعرة جهاد ولم يتحقق؟
الإنسان بطبيعة الحال كثير التمني، لا توجد أمنية على وجه الخصوص تمنيتها ولم تتحقق. أنا من أصحاب الأمنيات والطموحات الكثيرة والكبيرة أيضاً، والكثير من أمنياتي ما زلت في بداية طريقي إليها، وأسعى لتحقيقها، وسأحققها بإذن الله، وكلما كانت الأمنيات والأحلام عصية على التحقق، أصبحتُ أكثر عزماً وإقداماً عليها. 

 عمل شعري تعتزين به كثيراً..
أعتز بكل أعمالي الشعرية، وبدون استثناء. 

 كلمة أخيرة..
بالنسبة للشاعر لا توجد كلمة أخيرة، فكل الكلام الذي يخطه قلمه ما هو إلا بداية لحكاية شعرية جديدة. لا أطيل الحديث أكثر، أشكر صحيفة (لا) مرة ثانية، ممثلة بالأستاذ صلاح الدكاك، أشكر مثنى وثلاث ورباع، وأحيي تحية إكبار وإجلال الشعب الصامد المناضل. وختاماً أتمنى من العزيز الجبار أن ينصرنا على من عادانا، ويوحد صفنا ويجمع كلمتنا، ويحقن دماءنا، ويعيد الأمن والأمان لليمن الحبيب. ودمتم ودام الوطن بألف خير. 



شمس الغياب

ملّ طرفي مل طول الارتقابْ 
يا دموعي كابري A275; تكسري
واجعلي من صدر جرحي لك رحابْ 
ضمِّدي بالملح جرحك واصبري
خيطي الأوجاع في هيئة ثيابْ
والبسيها للملأ واتفاخري
غاب عن دنياي شمس الكون غابْ 
كيف يا دنيا لمثلي تقهري؟
كيف صار اA269;ه زادي والشرابْ
ضربة اA271;حزان تكسر خاطري
كنت أنا وأغلى رفاقي والسحابْ 
ما علينا يالمخاطر تقدري
سادة الميدان في وقت الصعابْ
A275; المنايا لوَّحت قلنا ابشري
كم أذقناهم عناقيد العذابْ
كم دحرنا في حدودي مفتري 
جا علينا يوم فيه الغدر صابْ
مزق اA273;حساس أدمى ناظري
شل مني عطر كوني كالسرابْ
راح عطري يا سماء اتعطري
يا رفيقي ضمَّني لك في الترابْ
قل لروحي بعد روحك غادري
يا سلا دنياي يا كل الصحابْ
الوحيد اللي سكن في محجري
جنة الفردوس لك دار المآبْ 
يا أطيب اA271;رواح فيها اتعمري