على الرغم من تعريف الأمم المتحدة لمنظمات المجتمع المدني بأنها منظومة واسعة النطاق من اتحادات العمل والمنظمات غير حكومية والمجموعات القائمة على الأديان والمنظمات القائمة على المجتمعات في المجتمع المدني، إلا أن تعبير (منظمات غير حكومية) - في نظر الحكومة الأمريكية - (يشمل منظمات مستقلة تدافع عن السياسة العامة، ومنظمات لا تتوخى الربح، تدافع عن حقوق الإنسان وتروج الديمقراطية، ومنظمات إنسانية، ومؤسسات وصناديق مالية خاصة، وشركات ائتمان خيرية، وجمعيات وشركات لا تتوخى الربح. وهي لا تتضمن أحزاباً سياسية).
وفي هذا الصدد، وتحت عنوان (مبادئ مرشدة بشأن المنظمات غير الحكومية)، أصدر البيت الأبيض بياناً - بتاريخ 14 ديسمبر 2006م - يبين فيه مهام هذه المنظمات، ودور الغرب في دعمها وحمايتها. وقد جاء الخطاب بلكنة أبوية صرفة لمن يلقي الأوامر والتعليمات، وكانت موجهة كالعادة لدول العالم القاصر، أو ما يعرف بالعالم الثالث، بما فيه اليمن.
ومن أبرز ما جاء فيه:
1- يجب أن يسمح للأفراد بأن يشكلوا ويشتركوا في منظمات غير حكومية يختارونها في ممارسة حقوق حرية التعبير، والتجمع السلمي، وتشكيل جمعيات.
2- إن أي تقييد يمكن أن يوضع على ممارسة أعضاء المنظمات غير الحكومية على حقوق حرية التعبير، والتجمع السلمي، وتشكيل جمعيات، يجب أن يكون متمشياً مع الالتزامات القانونية الدولية. 
5- يجب أن يسمح للمنظمات غير الحكومية بأن تنشد وتتسلم وتدير وتتدبر - من أجل نشاطاتها السلمية - دعماً مالياً من كيانات محلية أجنبية ودولية.
7- يجب أن تكون المنظمات غير الحكومية حرة في أن تنشد وتتلقى وتنشر معلومات وأفكاراً، بما في ذلك الدفاع عن وجهات نظرها للحكومات والرأي العام داخل وخارج الدول التي تعمل فيها.
8- يجب ألا تتدخل الحكومات في وصول المنظمات غير الحكومية إلى وسائل الإعلام الأهلية والمرتكزة إلى الخارج.
9- يجب أن تكون المنظمات غير الحكومية حرة في الاحتفاظ باتصالات وتعاون مع أعضائها وعناصر أخرى من المجتمع المدني داخل وخارج البلاد التي تعمل فيها، وكذلك مع الحكومات والهيئات الدولية.
- كلما انتهكت مبادئ المنظمات غير الحكومية آنفة الذكر، ينبغي على (الدول الديمقراطية) أن تهب للدفاع عنها.
بالطبع (الدول الديمقراطية) المعنية في هذا البيان، هي دول الغرب التي ستهب للدفاع عن المنظمات المرتبطة بها فقط.. 
ربما كان من الأجدر بنا أن ننهي هذا التقرير عند هذا الحد، أي بعد قراءة هذا البيان الواضح والصريح، إن لم يكن عند أول نقطة وردت فيه، لمدى الوضوح والشفافية في توزيع المهام المستقبلية لمنظمات المجتمع المدني، والتي طرحتها الإدارة الأمريكية كأمر مفروغ منه.. على الجميع التسليم الكامل بكل نقاطه بطريقة تحتم علينا غض الطرف عن كل الثغرات المغلفة بعبارات منمقة، والعمل فقط على الانصياع التام لكل ما هو قادم. 
فالمتأمل وغير المتأمل -على حد سواء- في مطاطية معظم بنود البيان الأمريكي سابق الذكر، يدرك بما لا يدع مجالاً للشك كل الأدوار التي يمكن لتلك المنظمات القيام بها، فالواضح أن هذه التعليمات الأمريكية تدعو إلى إباحة كل شيء تحت مظلة المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني، ولا شك أن الإباحية هذه ستشمل كل وسائل الإفساد والتدمير الديني والأخلاقي والاجتماعي بحجة (الحقوق والحريات)، كالتجسس وخلق الفوضى وهدم القيم، وغيرها من المهام التي لا تخدم الفرد بأي شكل من الأشكال، بما يناقض تماماً كل العناوين واليافطات البراقة التي تشكل سياقات عبور هذا السرطان في أوساط النسيج الواحد، بدءاً من الحرية وحقوق الإنسان، وانتهاء بالمرأة وتهذيب الحروب. 
ولكن نحن هنا لسنا بصدد تفكيك هذا البيان المليء بالألغام التي بدأت بالانفجار فعلياً منذ مطلع العام 2011م، بقدر ما نحن بحاجة لشرح الواقع الذي ترتب على تلك النقاط، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي, فالأمر لم يعد سراً مليئاً بالشفرات، بل هو واقع مطحون لا يخفى على أحد. 

تاريخ هذه المنظمات في اليمن 
طيلة فترة التشطير التي عانت منها اليمن، لم تعرف ما تسمى المنظمات المجتمع المدني أو المنظمات غير الحكومية، في أي من الشطرين الجنوبي أو الشمالي، واقتصر الأمر على جمعيات خيرية تركزت نشاطاتها على الأعمال الخيرية والتعاونية، ولم يظهر النوع الآخر من تلك المنظمات سوى بعد إعلان تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، حيث منعت قبل هذا التاريخ كل النقابات ذات النشاط السياسي من الأعمال الأهلية، وإن كان قد سمح للبعض بتشكيل مثل تلك النماذج على نطاق محدود.. ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفرد أمريكا بالموقف الدولي، والبدء بتنفيذ أساليبها الاستعمارية على نحو معاصر ومواكب لارتفاع منسوب الوعي لدى الشعوب، ليخضع الدستور اليمني كغيره من الدساتير للإملاءات التي من شأنها السماح لتلك الأشكال الاستعمارية المنمقة بالعبور من خلاله نحو المجتمع المحلي عبر قانون 66 لعام 1991م الذي اكتفى بتقديم تلك المنظمات طلب تأسيس لوزارة الشؤون الاجتماعية، على أن ترد عليه في مدة أقصاها شهر، ما لم فيعتبر التأسيس نافذاً!
لتبدأ بعد ذلك تلك الأشكال المشبوهة من المنظمات والجمعيات المختلفة بالتشكل على نحو متفاوت وأدوار مختلفة، قبل أن تشهد انتفاضة غير مسبوقة في أعدادها وأدوارها بعد العام 2011م، لأسباب لم تعد غامضة، سيما مع اتساق هذه الانتفاضة طردياً مع أعمال الدمار والخراب في الداخل والخارج.

منظمات المجتمع المدني والأدوار الغامضة
الحديث في هذا التقرير يركز على المنظمات غير الحكومية التي تصول وتجول داخل مجتمعات العالم الثالث، بما فيها اليمن، بمساحات تمس أمن واستقرار الأوطان، سيما تلك المنظمات الدولية والمحلية التي تعتمد على الدعم الأجنبي، الغربي بالذات. 
وحول الدور الغامض الذي تقوم به هذه المنظمات، تقول مجلة (المجلة) العربية: على الرغم من الدور الكبير الذي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، كوسيط بين الدولة والمجتمع، إلا أنها لازالت موضع اتهام وشك العديد من الهيئات الوطنية على اختلافها، والسبب يعود إلى علاقاتها الغامضة والمشبوهة مع مؤسسات التمويل الأجنبي. هذه الاتهامات ليست جديدة، وإنما قديمة، لكنها في الآونة الأخيرة بدأت تأخذ منحى خطيراً عندما باتت تعمل على ترجمة الأجندات الخارجية، وتقوم بمهمة العميل السري الذي يزود دوائره الخاصة بالمعلومات ذات الصبغة الأمنية، والتي تشكل اختراقاً أو محاولة لتغيير البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية والعقدية، بطرق ظاهرها إنساني. المشكل أن هذه المنظمات لازالت أيضاً تتلقى الدعم من مؤسسات دولية خاصة معروف عنها علاقتها بالدوائر الاستخباراتية. ولعل واقع العراق اليوم نموذج لهذا الاختراق الكبير، حيث تقوم مؤسسات المجتمع المدني، بأدوار ليست من صلب أعمالها. والمستغرب أيضاً – كما تقول المجلة- أن يدق (مناضلو) الأمس أبواب السفارات الأجنبية، يقدمون الخطط والمشاريع الوهمية حول التعايش والمجتمع المدني ومحاربة التطرف والإرهاب، وتمكين المرأة وحقوق الإنسان، فيما يقبضون ثمن (نضالاتهم) الجديدة بالدولار الأمريكي. 

التمويل اللامشروط كوسيلة أكثر فعالية في المجتمعات المفقرة 
على الرغم من أن معظم منظمات المجتمع المدني في اليمن تعنون برامجها الداخلية بعبارة (غير ربحية)، إلا أن جميعها ـ دون استثناء ـ تنشأ على أساسات ربحية، حيث سخرت أجهزة الاستخبارات المختلفة المال والمنح غير المشروطة في توغلاتها المتصاعدة تباعاً في الدول الفقيرة، وجعلت منه القطار الأكثر بريقاً أمام حشود من الشباب العاطل التواق للحركة، مما ساهم بشكل كبير في انتشار تلك المنظمات التي تقوم في الغالب على أساسات وبرامج وهمية، لتتحول بعد ذلك لبؤر استقطاب وتجنيد الطاقات الشبابية، وتنظيم عملها بما يخدم سياسات المانحين الملوثين، كما سنتبين لاحقاً، حيث كانت الجهات الممولة لهذه المنظمات وتأثير هذا التمويل على عملها في غاية الوضوح حينذاك. أما الآن، ورغم زيادة عدد تلك المنظمات ومعاهد البحث الدولية، واتساع مجالاتها وتعدد مشروعاتها، إضافة إلى نمو مواردها المالية، وزيادة تأثيرها أيضاً، فإن مصادر التمويل أصبحت أقل وضوحاً مع انتهاء فترة تدجين الوعي العام وتسطيح الآراء الناقدة. 

أبرز نموذجين للمنظمات غير الحكومية الراعية في اليمن وارتباطها المباشر بدوائر استخباراتية 
فريدوم هاوس :
منظمة (غير حكومية) تأسست عام 1941، تقوم بإجراء بحوث ودعوات حول الديمقراطية، الحرية السياسية، وحقوق الإنسان. يحصل بيت الحرية على التمويل من خلال الأفراد، وأيضاً من قبل حكومة الولايات المتحدة.
والسؤال المضحك حقاً: كيف لمنظمة غير حكومية أن تتلقى الدعم من الحكومة الأمريكية؟ أعتقد أن غير حكومية هي ضد حكومية، ولكن في الواقع غير حكومية هي مجرد غطاء لحكومية!
يمولها كذلك الصندوق الوطني للديمقراطية لجورج سوروس الصهيوني رجل من رموز العولمة والنظام العالمي الجديد.
وهي في واقع الحال مؤسسة يهودية ماسونية رئيسها الحالي هو الماسوني الشهير وليام هاورد تافت، العضو الرابع في منظمة الجمجمة والعظام، وهو الرابع لأن جد أبيه هو الأول، ووليام هاورد الأول هو الرئيس الـ27 للولايات المتحدة الأمريكي (1909-1913). والرئيس السابق لفريدوم هاوس هو الملياردير اليهودي بيتر أكيرمان.
ويندل ويلكي مؤسس فريدوم هاوس منذ عام 1941، كان يتمنى وجود (عالم واحد) بلا حدود ولا تفرقة دينية أو اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك (وهو نفس فكر النظام العالمي الجديد)، وتعاون مع إليانور روزفلت، وأسسا منظمة فريدوم هاوس لتحقيق هذا الحلم. إليانور روزفيلت كانت سيدة الولايات المتحدة الأولى في الفترة من 1933 إلى 1945، وشجعت تأسيس حلف الأمم المتحدة.
ناهيك عن ذلك، فمنظمة فريدوم هاوس وضعت قائمة بالدول (الحرة) في المنطقة العربية، ووضعت إسرائيل كالدولة الوحيدة (الحرة) في المنطقة العربية، ووضعت دولاً كـ(حرة جزئياً)، وهي: الكويت، لبنان، والمغرب، بينما وضعت دولاً كـ(غير حرة)، وهي: مصر، السعودية، إيران، واليمن.
هيومان رايتس وتش: التي تترجم حرفياً بمنظمة تعزيز حقوق الإنسان Advancing Human Rights ، أنشأها في نيويورك اليهودي روبرت برينشتين، شريك ديفيد كيز مؤسس منتدى المنشقين ومديره .
 وتعتبر هيومان رايتس ووتش، كبرى منظمات حقوق الإنسان وأشهرها في العالم، تعتمد ميزانيتها على المنح والتبرعات، وأكبر متبرع لها هو الصهيوني جورج سوروس الآنف ذكره.. فمن بين 128 مليون دولار هي ميزانية المنظمة سنة ٢٠١٠م، تبرع سوروس وحده بـ100 مليون دولار. 
................
كل هذا ما هو إلا جزء بسيط جداً ومختصر للغاية عن المنظمات الرئيسية التي تعود كل تفرعاتها في المجمل إلي مصدر ومنبع صهيوني واحد، كما يخبرني الواقع البعيد جداً عن خيالية نظرية المؤامرة.
فالعمل على المشاريع التي تتبنى معظم منظمات المجتمع المدني تنفيذها، ليس وليد اللحظة، بل مشروع تم الترتيب له منذ سنوات طويلة، خصوصاً بعد جملة الانتقادات التي وجهت للإدارة الأمريكية على خلفية حروبها المباشرة في العراق وأفغانستان، على هذه المشاريع، وبعد مهاجمة الشعوب العالمية لسياسة الولايات المتحدة في الحرب على العراق وأفغانستان، وفشل الإدارة الأمريكية في تبرير إخفاقاتها، دفع الأيدي الخفية في النظام الأمريكي للبحث عن أساليب جديدة وناعمة في حروبها المستقبلية، وبالفعل لم يدم الأمر طويلاً حتى أعلنت الخارجية الأمريكية عام 2005، صراحة، على لسان وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس، عن مشروع ما سمته الفوضى الخلاقة، في سبيل نشر الحرية والديمقراطية، وما تمر به المنطقة، بما في ذلك اليمن، يؤكد سريان المشروع الأمريكي الذي تعد منظمات المجتمع المدني والأحزاب الحاضنة لها من أبرز أدواته القذرة، وهو ما يؤكده المنصب الذي يشغله موفنتس جاريد كوهين مؤسس منظمة موفنتس جاريد، اليهودي الذي يشغل منصب مستشار في مكتب كونداليزا رايس شخصياً، ومن ثم مكتب خليفتها هيلاري كلينتون، قبل أن يتم إعفاؤه من منصبه مع تعثر المشروع في سوريا ومصر، ومن ثم اليمن، مع إزاحة تنظيم الإخوان المسلمين، الرديف السياسي للمنظمات المجتمعية سيئة الصيت..