في ضوء المستجدات الأخيرة الميدانية في فرضة نهم شرق العاصمة صنعاء، ومفتاحها، وتزامنها مع تنشيط مسارح الهجوم الغربي الساحلي والشمالي الغربي والجنوبي الغربي، يبرز تساؤل محوري، هل أخطأنا في تقديرات مسار المعركة والحرب برمتها، وبكون العدو قد خسر استراتيجياً، ويواصل الانكسار، ويتخبط في نقلاته العسكرية بلا وعي كما أسلفنا في الحلقات السابقة التي نقلتها لكم في أعدادها الماضية صحيفة (لا)؟ أم هي النزعات الأخيرة للعدو التي تدفعه رعباً لرمي كل ما بجعبته من تكتيكات وقدرات نحو معركة أخيرة فاصلة، يمكن وصفها بمعركة تشبه معركة تعز وخرق عدن من حيث الكثافة والنوعية والتخطيط المركزي، علاوة على ما تكشف بوقع الميدان من اختلالات بنيوية يجب أن تكون متوقعة من قبل القيادة في مثل هذه الظروف؟
ذكرنا في الحلقة الماضية (العدد 15) نقاطاً عدة أهمها هو أن العدوان هزم استراتيجياً وميدانياً؛ لكنه كالحطاب لا يزال يرمي إلى الموقد بالحطب لتستمر الحرائق وخلق بؤر حرائق جديدة، وذكرنا أن العدو برغم انكساراته المتواصلة (كان الهدف الأساسي للعدوان وما يزال هو اكتساح العاصمة وسحق الثورة وقواها) وضرب مركز ثقل المجابهة، وأوضحنا أن ذلك يكون عبر التفافات استراتيجية وليست مباشرةً نتيجة لضعفه وخسائره المتواصلة على الجبهة الرئيسية الحدودية، كما أشرنا بناءً على معطيات الميدان والتغيرات الدولية السياسية ومنطق سير المعركة نفسه، إلى أن ثقل الحرب انتقل إلى الغرب (الساحل) عبر احتلال المنطقة الساحلية وربطها بين جنوبه وبين الجنوب اليمني المحتل، وجعلها قاعدة إسناد لعملياته الاختراقية والالتفافية من الغرب والشرق.
ما الذي استجد اليوم؟
المشروع في الغرب لا يزال مستمراً، والذي استجد في اللحظة الراهنة هو بناءً على هذا المشروع وليس بعيداً عنه، وسبق وذكرنا أن قيادة وتخطيط الحرب وخصوصاً بعد الهدنة وخدعة (جنيف2)، أصبحت مركزية ودولية بشكل أكثر مباشرة، وتتحرك جميعها تحت خطة مركزية واحدة، والمستجد هو توسيع الثغرة التي فتحت حينذاك في الجوف، وربطت بالعدوان في أرضه وفي مأرب، وبناءً على هذه الثغرة حاول العدو توسيعها بالتسلل إلى فرضة نهم البوابة الشرقية للعاصمة، مستنداً إلى البنية التحتية (عملاء وسلاح وطرق سرية...) التي راكمها منذ سنوات، وكذا استناداً إلى تفوقه الجوي.

محاولة الغزو من الداخل
منذ شهر والعدو يرمي بأعداد من مرتزقته نحو المنطقة المحيطة بفرضة نهم، انطلاقاً من الخطوط التي فتحها بالخيانة من صحراء الجوف ومأرب الواسعة التي تركها الجيش لأنها مكشوفة أمام القصف الجوي، واستغل العدو بعد أن تمكن من تثبيت مواقعه في مركز الجوف (الحزم)، وبالتعاون مع قوى المرتزقة السريين المنتشرين حوالي المنطقة التي أبت إلا أن تخدم الاحتلال والعدوان، وأن تكون أداة بأيدي الاحتلال الأمريكي السعودي الامبريالي، أوصلت المرتزقة والإرهابيين إلى مناطق محيطة بالفرضة عبر طرق التفافية سرية، كان الغرض منها هو تحويل الفرضة وجبالها إلى بؤرة وقاعدة انقضاض للتقدم نحو المراكز الحامية للعاصمة التي تفصل بين الفرضة وضواحي العاصمة صنعاء الواقعة في مناطق نهم وأرحب الممتدة من جبال الطويل والجميمة والفريجة والصمع وجبل ريام في أرحب، ثم التوغل في هذه السلاسل الجبلية المترابطة والمحيطة بالعاصمة شرقاً وشمالاً، في قوس يتصل بهمدان وبني مطر والحيمة وخولان، يتحين خلالها الفرصة لمباشرة الهجوم القاتل للعاصمة عبر عمليات استنزافية برية وجوية، والفرصة المناسبة هي تكون بتطويق كامل للعاصمة كما حصل في السبعين يوماً، علماً أن الاختراق الأول للعاصمة بدأ من فرضة نهم باتجاه الطويل وصولاً إلى شعوب.
وسبق للعدو أن تمكن من ربط خطوط إمداد تتصل بالجوف ومأرب.

حجم القوة المتسللة ومدى تأثيرها.. نظرة في عمق العدو
حجم القوة حسب الإعلام يتراوح بين الـ500 والـ1000 تقريباً من المرتزقة، مدعومين بالجو بخط إمداد تقوم عليه المروحيات العسكرية للعدوان، ومعززاً بعدد كبير من المدرعات الحديثة.
ومعنى هذا أن الحجم يمكنه أن يرفع من المئات إلى الآلاف من المرتزقة في حال طال أمد بقائهم وتمددهم، ولم تتم تصفية الثغرة وقطع كافة خطوطها البرية والجوية، وليس فقط الاكتفاء بتراجعها خارج فرضة نهم. 
والتحدي الرئيسي في السيطرة على هذه الثغرة يعتمد على عاملين رئيسيين، الأول قدرة المدافعين على هذا المسرح الذي اخترق بقطع كل الخطوط الإمدادية للعدوان الرئيسية والفرعية وحصره في نقطة واحدة وعدم السماح له بالانتشار في المرتفعات المحيطة، ولا بد من إعادة السيطرة على كامل المرتفعات المحيطة بهذه المنطقة وإملائها بالمدافعين الهجوميين المدربين على اصطياد الدروع والعربات بأعداد كبيرة، فالعمود الفقري للعدو على الأرض هو المدرعات والعربات والسيارات (الأطقم الإدارية) وفي الجو المجوقلات والمروحيات لأنه يمكن قطع الخط البري، لكن العدو سيعتمد على طريقة جدية، وهي الجسر الجوي. ولذلك يجب توفير إمكانيات التعامل مع المروحيات بكثافة.
والتحدي الثاني أمام القوات الوطنية، وهو الاستراتيجي والأكبر الذي ولد هذه الثغرة، هو ضرورة تصفية حزم الجوف وتأمين جبال هيلان بالكامل وتوسعة السيطرة على حواشيها.

المعركة الحاسمة 
كيف ينظر العدو إلى الخرق الجاري الآن؟
يهدف العدو إلى الإمساك بالمنطقة المتركزة جبلياً على أبواب العاصمة في نطاق المساحة التي يسيطر عليها الآن، ويوسعها باستمرار من مواقع سيطرته ومناوراته، فكلما هاجم الجيش العدو يتراجع إلى الوديان والشعاب وينتشر فيها مستغلاً المساحات الفارغة المحيطة بالمنطقة كمجال للتراجع والانطلاق مجدداً (الكر والفر)، وهنا تكمن الخطورة الفعلية.
التكوين البؤري للعدو
انطلاقاً من النقاط الصغيرة التي ينتشر في نطاقها العدو ساعة التراجع نتيجةً لضربات الجيش واللجان الأولية غير الساحقة، ينتقل العدو إلى بناء بؤر نقطية عديدة في المناطق والمداخل المؤثرة كالمرتفعات والأحراش والقلل وأماكن الحواضن الشعبية، إذ يستغل الفاقة المباشرة والانقطاع عن التواصل السياسي والاجتماعي والتهميش كمناطق جرداء (طرفية) ويحولها إلى مخازن للتجييش والتعبئة بالمال، خاصةً وأن هناك أرضية قبلية وسياسية جرى الإعداد فيها من قبل القوى الرجعية والامبريالية سابقاً، وتسمية العملية تشير إلى هذا البعد المذهبي الاستعماري (السيل الجرار).
وخطورة بقاء هذه البؤر ولو بصورة ضعيفة أو غير مؤثرة كما يتصور البعض، يجعل منها بؤراً سرطانية خطرة جداً قادرة على التمدد والمفاجأة طالما والخطوط مفتوحة إليها، الأمر الذي يفرض إقامة مناطق أمنية عازلة بين هذه المنطقة والعاصمة، تكون ممتلئة بالمتطوعين الشعبيين والعسكريين، حتى لا تفاجأ الحاميات بتطورات فجائية لم تستعد لها، وتمثل هذه الحاميات الشعبية (أو الحواجز) عبارة عن صمام أمان وإنذار مبكر وقوة تصدٍّ امتصاصية للضربات الأولى المفاجئة، تعطي الفرصة للقوات الرئيسية للتدخل بشكل مخطط سليم وقوي ومدرك يتجاوز إشكالية رد الفعل السريع الذي تجبر عليه القوى الرئيسية ساعة الخرق المفاجئ الذي تجهله، مما يتسبب أحياناً كثيرة بالرد العشوائي وغير العقلاني الذي يجعل الخسارة مؤكدة، بينما وجود الحواجز يعفي من وقوع مثل هذه الإشكاليات. وهذا يدفعنا إلى التوجه للقيادة العليا للوطن والثورة بضرورة توسيع مساحة المشاركة الشعبية الكبيرة عن طريق إحياء منظومة المقاومة الشعبية المسلحة التي أثبتت فاعليتها الحاسمة في الدفاع عن العاصمة في حصار السبعين يوماً عامي 67م و1968، التي كانت أبرز قواها الطلاب والشباب والمثقفين الثوريين الوطنيين.
وبالضرورة لا بد من (هيلان) آخر يفصل بين الجوف والفرضة وصنعاء، إذ تمثل الجوف مركز ثقل العدو في هجومه على الفرضة وقاعدة انطلاقه.

إجراءات عاجلة ضرورية
ليس العيب في حدوث الثغرات والاختراقات والخيانات، بل العيب هو في إخفاء مخاطرها الحقيقية والتقليل من حجمها وأبعادها والمحافظة على نفس النظم والأساليب والأوضاع التي عبرها يعاد إنتاج الثغرات والخيانات، ويجب أن تتجه الإصلاحات إلى هذه الاختلالات السريعة، ويمكن في ضوء المستجدات التركيز على عدة نقاط رئيسية نراها مهمة لتطويق الاختلال:
1- إن الخيانة لها بعد سياسي قبل أن تكون حربيةً، وتتولى القوى الميدانية البعد الميداني المباشر والمحدود بطبيعته؛ لكنها لا تستطيع معالجة الأبعاد الأخرى المولدة لهذا الاختلال، وأهمها البعد السياسي الاجتماعي، والمتمثل في:
- سوء إدارة التحالفات السياسية مع القوى المختلفة بتقريب قوى هي في الأصل والمبدأ معادية للثورة والحركة الوطنية كجماعة وكفئات وليس كأفراد، ولذلك يتغلب البعد الجماعي في لحظات الاحتدامات على مواقف الأفراد الذين يتم تقريبهم أحياناً بدوافع سياسية مرنة وذكية، ولأنهم قد يكونون أشخاصاً طيبين، وبالضرورة الجماعة تتغلب على الفرد وخاصة في المجتمع العشائري القبلي والأرستقراطي، حيث تطغى الجماعة دائماً على الفرد وتطوعه.
- تعزيز التحالفات أكثر وأكثر بين القوى الوطنية المدافعة الآن عن الوطن والثورة في خندق واحد، ممثلة بالأنصار والمؤتمر الشعبي والقوى الوطنية الأخرى، والتعزيز يكون بتجاوز المواقف السابقة السلبية وتقديم التنازلات المتبادلة وعدم التشدد والجمود في التقييمات والمواقف السابقة والإيمان بصدق أن التحالف تحالف دائم ومطلق ومصيري، وليس مجرد تكتيك أو مؤقت، فالمعركة مصيرية لا تحتمل المساوات ولا التكتيكات الصغيرة. 
- إقامة جبهة شعبية مشتركة تحت السلاح من القوى الوطنية.
2 - تطوير بنية ونظام القيادة الحربية الميدانية عن طريق إقامة مجلس حربي ثوري وطني في كل نقطة قيادة يتكون من كوادر اختصاصية يتم اختيارهم بعناية، يكونون المرجعية العامة للقائد العام بالنصح والمشورة والتحليل والرؤى والمعلومات والاتصالات...، وتوسيع العلاقات الاجتماعية والسياسية بالحواضن الاجتماعية لاختراق الحصار وتوسيع قاعدة المشاركة والدفاع الوطني.
3- إضافة منصب النائب السياسي للقائد كنائب أول يختار بعناية دقيقة يتم اختياره من قبل القيادة العليا للثورة بمعايير حربية وسياسية وأخلاقية وثقافية معاً، يشكل فيها الرديف الأول للقائد ومساعدته في اتخاذ القرار السريع وفحص القرارات والسياسات عن طريق النقد المشترط لها واستباق الاحتمالات التخريبية والاختراقية للعدو التي تأخذ طابع أشكال جزئية سياسية وأمنية واجتماعية... قبل أن تتحول إلى تفجرات حربية في الطور الأخير باستباق التعامل معها كمخاطر ما تزال في أطوارها الأولى ومنها من التطور.
4-اعتماد مبدأ منظومة المقاومة الشعبية كرديف في كل منطقة عسكرية وأمنية.
5 - تفعيل دور الأركانات (هيئة الأركان) والعمليات بجانب كل قيادة عسكرية، وتفعيل الأدوار الرقابية العليا المركزية، وهذا يسمح باكتشاف الثغرات والخيانات في مقدماتها.
هذه النقاط نراها ضرورات عاجلة هيكلية لإصلاح الاختلال والحيلولة دون تكراره.

رسالة استراتيجية للقيادة
ليس هاشم الأحمر من يقود المعركة سواءً في الجوف أو نهم أو مأرب، وتأكيد هذه الحقيقة يأتي في مقدمة كافة الإجراءات الاستراتيجية المضادة لتكتيكات العدو واستراتيجيته.
إن معرفة القيادة المضادة من هي وكيف تفكر وما هي قدراتها وطاقاتها، هي الخطوة الأولى للمواجهة الصحيحة، لأن 70% من العدوان يأتي بتأثير قياداته النوعية التي هي الآن ليست حتى سلمان وحاشيته، إنما هي غرف عمليات أمريكية بريطانية إسرائيلية فرنسية (ناتوية)، ولا يمكن التعامل السليم مع أية ثغرة إلا باستحضار هذا العدو دائماً لمعرفة أبعاد مناورته وخطواته القادمة، وليس ملاحقة تصريحات هاشم وحميد وبقية البيادق الفارغة.
العقلية الغربية الامبريالية التي تقف خلف هذه الثغرة لا تضع هذه الثغرة في إطار جزئي، وإنما في إطار شمولي لمسرح الحرب الجارية ككل، وارتباطاتها بالمسارح الأخرى الفرعية، وتكمن خلف هذه المناورة نظرة عميقة بعيدة المدى تعمل لحرب بؤرية طويلة، فهي تتحاشى الهجمات البرية المباشرة، لكنها تعتمد على الوثبات الجوية (القنفذية) بتأسيس البؤر الصغيرة ثم توسيعها جوياً، واستغلال الفرص بتعزيزها بقوات كبيرة لاحقاً، أي أن هذه البؤرة في نهم هي بؤرة استنزاف وانقضاض في وقت واحد يجري توسيعها وتمددها باستمرار، وبالتأكيد يتم التخطيط الآن لإقامة بؤر أخرى جوارها أو على مقربة منها وبالاستناد إليها لغرض توسيع جبهة الاستنزاف مع القوات الوطنية واستدراجها للمناطق المكشوفة، التي تهيئها كمسرح مكشوف للعمليات الاستنزافية ضد الجيش والأنصار، في إطار مقدمات الانقضاض على العمق.

مؤشرات حول مركز ثقل العدوان في اللحظة الراهنة
العمليات الراهنة في الجوف ومأرب ونهم تشير إلى تعزيز مركز الثقل العدواني ضد العاصمة من الشرق عبر نجران مأرب الجوف نهم، ولا بد أن يتم تحويل مركز الثقل العدواني الهجومي إلى هذه النقاط مع استمرار المحاور الأخرى لخدمة هذا المحور الآن الذي يراد له أن يكون بؤرة انقضاض كبيرة باتجاه محيط العاصمة. ومن ضمن أهداف هذه الإجراءات تثبيط وشفط القوى الحربية الاحتياطية ومنعها من التوجه شمالاً ضمن الخيارات الاستراتيجية الحدودية للتأثير على تقدم الجيش اليمني في العمق، خاصة بعد تحاوز خط الدود - الدخان - الربوعة - بلبلة الطوال، وانتقال اليمن بذلك إلى موقف استراتيجي أعلى من السابق مقابل تراجع جديد للعدو يعرض المناطق الحدودية الثلاث للاجتياح والسقوط الكامل وخصوصاً جيزان.
والعدو اليوم يحاول التسابق مع الزمن لإعاقة الخطوات الاستراتيجية التالية لليمن لما بعد اجتياح الخط الدفاعي الأول للعدو.
ولذلك فإن رد الفعل العدواني لا بد أن يكون كبيراً وقريباً من مركز الثقل اليمني، بهدف خلق معادلة تفاوضية جديدة تفضي إلى إجبار القوات اليمنية على التراجع والتوقف عن التوغل في عمق العدو، وذلك بعد أن عجزت تماماً عن جعل باب المندب ورقة تفاوضية، وفشل حملة تعز، وفشل حرض والسيطرة على الساحل التهامي، وهذه كلها أوراق استراتيجية تناثرت من يد العدو.
ما علاقة ثغرة نهم باستراتيجية السيطرة على السواحل الجنوبية الغربية والشمالية الغربية؟ وهل لا تزال هذه الاستراتيجية قائمة؟
أولاً الاستراتيجية لا تزال قائمة، وهي الآن تدخل في إطار استراتيجية أعلى وأوسع تخدم هذا الاتجاه الحالي، ويمكن تلخيصه بمحاولة تطويق العاصمة من الشرق، وحث الهجوم البحري والسهلي للعدوان على التركيز على الساحل الغربي وتوجيه سهام الحركة الميدانية للتأثير على الخطوط المؤدية إلى عمران وحجة وصعدة والعاصمة صنعاء التي يتم التركيز عليها الآن، انطلاقاً من ميناء اللحية وميدي مروراً بباجل والحديدة، وصولاً إلى بوعان بني مطر والحيمة إذ توجد طرق مباشرة تتصل بين النقطتين، نهم شرقاً وباجل غرباً كهدف مستقبلي لإطلاق طرف الكماشة الغربي، أي جعل العاصمة بين فكي كماشة، ويبدو أنه يستند إلى التاريخ. وهنا لا يجب أبداً النظر إلى بؤرة الجوف كبؤرة محلية ضيقة أو خرق محلي، وإنما يراد لها أن تكون بؤرة استراتيجية مركزية بحكم موقعها الجغراسياسي، وما محاولات المرتزقة التقدم مؤخراً نحو منطقة الخنجر إلا رأس جبل الجليد الذي لا يزال مخفياً.
إن استهداف حرض بهذه الاستماتة البرية والبحرية والجوية، طيلة الفترة ما بعد جنيف 2، ليس لصرف الانتباه كما يتصور البعض، وإنما لهدف السيطرة على الساحل الذي يعتبر المقدمة الضرورية الجغراستراتيجية لمسرح العاصمة ومؤخرات القوى الثورية وقيادتها، وبدونها لا تجدي محاولات الحصار من طرف واحد، ويعرف العدو الأمريكي نفسه أن كسر حصار العاصمة من جميع الجهات وخاصة من الغرب، قد تم بفعل احتفاظ القوى الوطنية بالمحافظات الغربية الساحلية التي ظلت قاعدة ومجالاً ومؤخرة ومركز إمداد ومعسكراً بشرياً، ولها أهميتها الحاسمة إذ تربط العاصمة وجميع المحافظات الهضبية الرئيسية بالسهل الساحلي ومركزه ميدي- اللحية - الحديدة- المندب، كما تتصل موانئ السهل بطريق مباشر إلى عمران التي بدورها تتصل بالجوف والفرضة عبر سلاسل جبلية مطلة على العاصمة.
إذن، المعركة الأخيرة في نهم كشفت وعززت ما ذكرناه من سابق عن البعد الاستراتيجي للمعركة القادمة، مما يجعلها معركة كبرى وربما أخيرة، يظهر الآن أن العدو يقامر بآخر قدراته وبشكل أكثر شراسة من ذي قبل ببعديه الأجنبي والمحلي، في ظل تزايد الضغط الدولي والإقليمي ضد العدوان، وفي ظل الانكسارات الكبيرة والمتسارعة في سوريا، واتضحت مآلاتها لصالح الجيش العربي السوري وحلفائه، ولذا فإن أولوية العدو هناك هي سحب وتوطين آلاف المرتزقة والإرهابيين والدفع بهم إلى أتون المعركة الكبيرة في اليمن التي حددت كحضيرة بديلة عن الشام والعراق.