لا شك أن سياسات الهجوم الامبريالي على المنطقة والعالم طيلة العقدين الماضيين، قد أخذت تارة شكل إعادة الانتشار العسكري والتدخل المباشر للخروج من مأزق اشتداد الأزمة الرأسمالية بإحكام قبضتها على منابع الطاقة والمواقع الاستراتيجية الحيوية، وتارة أخرى شكل دعم الثورة المضادة لمواجهة وإفشال ومحاصرة الرفض الشعبي المتصاعد في أكثر من بقعة حيوية ملتهبة أهمها أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا وأجزاء من أفريقيا. 
هذا المد الشعبي المتصاعد المقاوم لسياسات الإفقار الاجتماعي والنهب المنظم للثروات والفساد والقمع، قد برز على شكل حركات اجتماعية جديدة new social movements أخذت الشكلين العمودي الطبقي (الشبابية والمدنية) والأفقي الجغرافي (الأقاليم الداخلية المهمشة تنمويا وسياسيا والمضطهدة قوميا وإثنيا وثقافيا). وانتشر هذا الحراك عالميا في معظم المناطق الملتهبة المذكورة أعلاه، كموجة يسارية جديدة امتدت زمنيا سنوات (1997-2014).
لعبت هذه الحركات دورا رياديا في تفجير انتفاضات شعبية عارمة رفعت شعارات العدالة الاجتماعية (أوصلت أو كادت) قوى سياسية اجتماعية جديدة تحمل مشاريع تغييرية ديموقراطية أو أفكارا ورؤى سياسية مناوئة (ولو جزئيا) للمشروع الامبريالي، مشروع الهيمنة على المقدرات الجغرافية الاستراتيجية لهذه البلدان (ثروات وأسواقاً ومواقع).
هذا الصعود لقوى الثورة العالمية (الجديدة والقديمة) خلق بالمقابل صعودا مضادا للثورة المضادة، ترافق مع اشتداد الهجمة الامبريالية الجديدة، واتخاذها شكلا جديدا هو شكل التدخل العسكري المباشر، كما رأينا في هذه البلدان ذات المزايا التي ذكرناه.
هذا المد الشعبي الثوري هو ما نسميه الموجة اليسارية (وهي تقريبا الثامنة منذ الثورة الفرنسية)، ويسميه بعض الليبراليين الموجة الديموقراطية الرابعة the forth democratic wave، مع اختلاف في تحديد البداية الزمنية لهما، ووجود بعض التشابه في تحديد عوامل النشوء والملامح السياسية الاجتماعية. 
الليبراليون يرجعون الظاهرة الى النضج الديموقراطي واستحقاقاته بفعل التطور التكنولوجي المعرفي والانفجار المعلوماتي المتسارع للزمن الراهن، أو ما يسمى العولمة Globalization.
أما أنصار نظرية المؤامرة conspiracy theory فيعتبرون أن هذه الأحداث التاريخية الضخمة عبارة عن صناعة أميركية معدة ضمن الاستراتيجية المعلنة عام 2004، من قبل مسؤولين رفيعين في الإدارة الأميركية، هما كوندوليزا وبوش، والمسماة الفوضى الخلاقة creative chaos.
واليساريون يؤكدون أنه لا توجد علاقة (تخليق) أبدا بين سياسات (الفوضى الخلاقة) وبين (المد الشعبي الثوري العالمي) الذي كان صداه عندنا من وقت مبكر، ووصل في ذروته الى اندلاع ما تسمى انتفاضات الربيع العربي  Arab spring.
هذا الانفجار الاجتماعي شبه العفوي، كظاهرة اجتماعية تاريخية، هي نتاج أزمة النظام الرأسمالي العالمي النهائية، ورد تاريخي على سياسات النيوليبرالية New liberalism المتوحشة التي ولدت إفقارا اجتماعيا واسع النطاق وتدهورا اجتماعيا شاملا وفشلا ذريعا لمعظم الحكومات في العالم، خصوصا بعد اتباع سياسات التوحش الرأسمالي منذ ريجان وتاتشر، فولدت هذه التداعيات الكارثية التي لمسناها في (أزمات وطنية شاملة) تحديدا في البلدان الفقيرة والمتأخرة التي أدرجت ضمن قائمة الدول الفاشلة failed states.
فالعلاقة إذن بين الفوضى الخلاقة والموجة اليسارية أو المد الشعبي الثوري الصاعد كما قلنا، ليست علاقة تخليق، بل هي علاقة ركوب واختراق لغرض الاحتواء، وهو ما تم بعد ذلك بأساليب شتى، ابتداءً من التسويات السياسية وعقد صفقات التقاسم للسلطة، ثم الاحتواء بالعملية الحوارية المصممة أميركيا (الحوار الوطني) National dialogue، وصولا الى تفجير صراعات جانبية ذات طابع تدميري باستخدام أوراق عديدة أبرزها الإرهاب، كما رأينا في إطلاق قطعان اليمين المتطرف ضد الشعب وقواه الثورية والوطنية، وورقة الطائفية، حيث تمت التعبئة الطائفية وتحريك الإعلام بهذا الاتجاه، واللعب الخطير على وتر الخلافات الفكرية العقائدية المذهبية، واستحضار ماضي الصراع التاريخي الطائفي القديم المحتدم في المنطقة، خاصة ما بين القرنين العاشر والثالث عشر، والإيهام بأن جوهر الصراع هو طائفي، وليس سياسياً، وما ورقة التعبئة الطائفية إلا سلاح قذر بيد القوى المضادة للثورة، يوظف سياسيا لأغراض الهيمنة وهزيمة الخصم. 
ومن بين هذه الأوراق: الحملات الإعلامية التشويهية، وتصميم برامج سياسية لا تخدم مصالح الشعب الحقيقية، كبرنامج الأقلمة ذي الطابع التفتيتي التوزيعي السيئ الذي يخدم مصالح الامبريالية والرجعية في الداخل والإقليم المجاور، بدلا من برنامج الأقلمة الفيدرالية الديموقراطية المصممة وفق معايير علمية وتنموية واجتماعية عادلة.
بعد ذلك تتمكن القوى المضادة، وعبر هذه الصراعات السياسية غير الوطنية المسلحة العنيفة، من حرف المسار باتجاه إعادة إنتاج أنظمتها السابقة التابعة وكياناتها الموالية لها بثوب جديد مقبول شعبيا ومروج له بالتضليل الديماغوجي على كونه مشروع إنقاذ للوطن! وهو ما رأيناه بجلاء في استيلاء عسكر مبارك الجدد على السلطة عقب الاحتجاجات الشعبية المناوئة لحكم الإخوان في مصر، 30 يونيو 2013.. على هذا الأساس ينبغي فهم طبيعة انتفاضات الربيع العربي، منشئها والعوامل المسببة لها، ثم صعودها، وكيف تم إفشالها واختراقها بالثورة المضادة التي تم تصميمها وفق سياسات وأساليب الفوضى الخلاقة (الناعمة والخشنة).. وسياسة الفوضى الخلاقة المتبعة إبان انتفاضات الربيع العربي، كانت في أساليب استثمار التحرك الشعبي الثوري عن طريق اختراقه واحتوائه وحرف مساره لإعادة إنتاج أنظمتها (تجديدها ودمقرطتها على الطريقة الأمريكية الأطلسية)، وهذا لا يتم إلا عبر مراحل ومخطط سياسي يأخذ المسار التالي: 
ركوب موجة الثورة واختراقها من قبل أدوات الامبريالية والرجعية، صناعة الثورة المضادة باتباع أساليب متنوعة وسلسلة من الإجراءات الاحتوائية الاختراقية والتخريبية لخلق مزيد من التدهور للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية (مفاقمة الأزمة الوطنية الشاملة)، ركوب موجة تحرك شعبي ساخط جديد، تفجير صراعات داخلية جديدة مسلحة بعناوين الطائفية والإرهاب والوحدة، تحرك عسكري إنقاذي ديماغوجي للجيش، تسوية سياسة جديدة ترافقها عملية حوارية جديدة مصممة أميركيا (صفقة تقاسم جديدة)، حكومة جديدة (اللاعب الأساس فيها قوى النظام السابق بمشروع إصلاحات سياسية اقتصادية هزيلة لا تلبي تطلعات الشعب الكادح الثائر). 
فلا ينبغي أن نخلط هنا بين الانتفاضات الشعبية العربية التي سماها الليبراليون الربيع العربي، والتي كانت قوى اليسار (تحديدا اليسار الجديد أو الحركات الاجتماعية الجديدة)، هي المبادر الأول لمؤازرتها والدفع بكوادرها النشطة لتوسيع نطاق انتشارها وتعزيز فعاليتها، وبين صناعة الفوضى الخلاقة التي صممتها شبكة مدنية أميركية Freedom house & Movements.org، قامت بتدريب بعض الشباب الليبراليين (جلهم من أبناء الطبقة الوسطى) المنخرطين في منظمات المجتمع المدني، ممولة من تلك الشبكة في الأغلب على برنامج تدريب امبريالي على الدمقرطة الأميركية الأطلسية أو ما سموه كيفية إحداث التغيير في السلطة والمجتمع. 
لا ينبغي إذن الخلط بين المسارين، لأن في هذا إجحافاً بحق الشعوب العربية الكادحة الثائرة وطلائعها الثورية الشبابية المبادرة، ومعظمهم شباب كادح وشباب معطل عن العمل يمتلك حدا ولو أدنى من الوعي السياسي. 
وما انتفاضات تونس 2008 و2011، واليمن 2007 و2011 و2014، ومصر 2008 و2011 و2013، إلا مثال حي على ما ذكرناه.