لم يكن العدو أقوى مما كان عليه لحظة العدوان الأولى على الوطن ليلة 26 مارس 2015م، فقد استخدم العدو كل قواته الرئيسية في الهجوم (الجوي) الذي أُعد له أن يكون ساحقاً بحيث يمكنه من حسم الحرب كلها استراتيجياً من الضربة الأولى التي تركزت فيها قرابة 80% من طاقته الهجومية، ولن يستطيع العودة إلى ما كان عليه من قوة في ذروة هجومه العدواني الأول، ومهما حاول التعويض عبر الأموال والمعدات فهو لا يمكنه تعويض الرجال والقدرات والعقول والمعنويات، التي كانت تجسد أفضل ما لديه لأنه المهاجم، وعادة يكون لازماً عليه أن يضرب بكل طاقته الهجومية والحربية دون أن يبقي أية طاقة خارجة عن الفعل الهجومي المركز مباشرة أو غير مباشرة.
وكل ما بناه العدوان خلال عقود من التخطيط والإعداد والتجييش والتراكم المنهجي الطويل، كلها قد تم التصرف بها مباشرة أو غير مباشرة في الهجوم. ذلك أن القوات الحربية لا قيمة لها إن لم تستخدم في الهجوم الرئيسي، والقاعدة المعروفة أن الهجوم الرئيسي لابد أن يستوعب 70 / 75% من القوة الهجومية فعلياً في الهجوم الرئيسي، فيما النسبة الباقية تظل احتياطاً استراتيجياً لتعزيز الهجوم ذاته وليس بعيداً عنه.
لماذا يعاد التذكير بالحقائق البسيطة حول الحرب؟!
لأن هناك من يشك بواقعية النتيجة التي آل إليها العدوان وقواه، ولا يستطيع تصورها، كونه مقيداً بالسيناريوهات الكلاسيكية للحروب، ولا يستطيع تخيل ممكنات وصور أخرى للحروب والتكتيكات والنتائج، وهي بالضرورة لا تتطابق مع الأشكال السابقة الكلاسيكية التي عرفناها، لأن الحرب (الحرب العدوانية والحرب الوطنية المواجهة لها) تدوران في شروط وظروف مختلفة نوعياً وكمياً. ولذلك يجب النظر إليها من منطقها هي وملموسياتها التاريخية العيانية المباشرة التي تشير لهذه الحقيقة وتؤكدها.

الانتصار والهزيمة الاستراتيجي.. الصورة الجديدة
إن من يتصور أن هزيمة العدوان السعودي الامبريالي الحالي تكون على شكل مطاردة برية وسحق قواعد العدو التامة في أعماقه، هو تصور مثالي لا يتطابق مع طبيعة الحرب الامبريالية الحديثة التي تستبق مفاعيل القوانين الموضوعية للحروب عبر إغراقها بقدرات مادية أسطورية تجعل مظاهر الهزيمة متعذرة الرؤية، بهف تشويش الرؤى الاستراتيجية للخصم وكي وعيه وتشكيكه بطاقاته وقدراته، على الرغم من معاناة الهزيمة الداخلية لدى العدو التي تتم تغطيتها بهذه المفاعيل. ومن الأمثلة لنتائج الحرب الوطنية الحديثة وانتصاراتها مآلات الوضع الأمريكي في فيتنام الفقيرة.. (لم نر مطاردات الجيش الفيتنامي إلى العاصمة الأمريكية ومع ذلك أقرت بهزيمتها). فلماذا اعتبرت هزيمة رغم بقاء عدم إبادة الجيش الأمريكي الذي ظل قادراً على الانسحاب والتراجع إلى قواعده؟! 
لأن طبيعة الحرب الحديثة تقوم على النفاذ مباشرة إلى قوى الخصم المعنوية وإرادته وكسر هذه الإرادة، وهذا هو النصر الاستراتيجي الحقيقي الذي يستهدف الإرادة والمعنويات.
المثال الآخر: الهزيمة الصهيونية في لبنان مرتين، فكيف هُزمت إسرائيل في حرب 2000م وحرب تموز 2006م أمام مقاومة حزب الله على الرغم من بقاء قواتها سليمة؟ علماً أن خسارة إسرائيل في معركة (الحجير) الفاصلة لا تتجاوز تدمير 40 / 50 دبابة وإحراق بارجة واحدة على مقربة من الشواطئ اللبنانية. ومباشرة بعد هذه المعركة انهزمت وانكسرت وتخلت عن الهدف وخضعت للتفاوض وسلمت بمطالب الخصم.
إن الحرب الامبريالية الحديثة والمقاومة الوطنية الحديثة في مواجهتها قد تجاوزت المفهوم القديم للنصر القائم على تحطيم قوة العدو المادية الرئيسية (المعدات والأفراد وفقاً للمفهوم الكلاسيكي لمنظر الحرب الحديثة كلاوفيتش، إذ كان التنظير الفلسفي للحرب يقوم على حصيلة خبرة وتاريخ الحروب النابليونية ما قبل الامبريالية الحديثة التي اخترقت بنية المفهوم القديم المادي إلى استهداف البنية المعنوية للخصم، أي تحطيم إرادته في متابعة الحرب على الرغم من توفر الإمكانيات المادية)، هذا هو القانون الجديد المتخلق عن حروب التحرير الوطني الشعبية وإبداعاتها بوصفها مادياً قوى ضعيفة بمواجهة خصوم جبروتيي القوة المادية، غير أنها غنية بما لا يقاس بقدراتها الروحية والمعنوية والأخلاقية. ولهذا يصبح ميدان الحرب الرئيسي في نهاية المطاف هو استهداف الميدان المعنوي للخصم وإرادته.
وفق هذا المعيار الواقعي الحديث تقع حربنا الوطنية بمواجهة الحرب الامبريالية الدولية في سياق هذه الأنماط الحديثة من الحروب الوطنية ضد الامبريالية. وبهذا المعيار يمكن التوصل إلى نتائج الحرب الوطنية الحالية ضد العدوان بأنها قد حققت خطوات حاسمة على طريق الهزيمة الاستراتيجية للعدوان، منزلةً به على الطريق آلاف الهزائم اليومية الجزئية (الزحوفات اليومية المنكسرة)، وليس ببعيد ذلك اليوم الذي تتجمع فيه مفاعيل وآثار ونتائج هذه الهزائم المجزأة في أتون واحد معنوياً ومادياً، وهو قادمٌ لا محالة، وأول بشائره:
1- فشله في الضربة الأولى، مقابل بقاء الجيش اليمني سليماً معافى.
2- انتقال العدو من الهجوم إلى الدفاع والتراجع المتواصل الآن على جبهته الحربية الداخلية (نجران ـ جيزان ـ عسير).
3- تحييد قواته الجوية والبحرية وتعطيل طاقاتها في الميدان وكأن لم تكن. حيث تتحول إلى مجرد مدفعية صاروخية محمولة من الجو، بفضل تكتيكات القوات اليمنية التي حولتها من وحش كاسح إلى أداة إسناد.
4- تعزيز القوة الصاروخية اليمنية الكثيفة والكاسحة وتصنيع المزيد منها نحو طرد التفوق الجوي المعادي من مجاله الحالي وتحوله من صياد إلى فريسة مذعورة تجاهد لتفادي صواريخ الحفاة.
كما يشير البعض إلى إمكانية تدخل الأمريكيين والإنجليز والإسرائيليين في مجرى الصراع القائم.. ومتى كان هؤلاء كلهم خارج العدوان والمعركة؟
جميع هؤلاء حاضرون في المعركة وفي الحرب والسيطرة والتدخل منذ قرن كامل، والحرب على اليمن تتموضع فيها السعودية كعنوان لا أكثر، وليست حتى أداة حربية، لكونها عاجزة تماماً عن أداء مثل هذا الدور الوظيفي الذي تقوم به إسرائيل مثلاً بكل كفاءة، بينما السعودية بتخلف نظامها وانحطاط مستويات قادتها وطبقتها المسيطرة (أسرة بني سعود) في الجوانب عاجزة عن إنتاج وإعادة إنتاج الأداة الإقليمية الخادمة للامبريالية في الإقليم. وهذا فعلاً هو سر أي خلاف مكتوم في ما بين السيد وتابعه (أمريكا والسعودية). وهنا لا يبقى للسعودية غير قيمة الاسم (الحصري أو التجاري).

الهزائم الاستراتيجية
 لقد هزم العدو استراتيجياً وميدانياً وإن كان ما يزال يدفع بقوات (مرتزقة) جديدة، فهو كمثل الحطاب يرمي باستمرار المزيد من الحطب في مناورات قد حُسمت من الأساس وانتهت كمعارك، لكنه يرفض إرادياً الإقرار بهذا الواقع فيعمل على إغراقه بإعادة دورات سبق تكرارها وفشلت.

أسطورة أبي زيد الهلالي
وتشبه حالة العدو اليوم والضربة الحاسمة التي أصيب بها معنوياً وكذا مادياً من أول لحظة، بضربة (أب زيد الهلالي) على جسد خصمه كما تروي الأسطورة الشعبية المصرية التي أوردها هيكل، وتقول: إن ضربة أبي زيد من شدتها وقوتها وسرعة حسمها شطرت جسد الخصم لشطرين، إلا أن الخصم لم يدركها، ولذا باشر أبا زيد بالسؤال: (وين طاشت ضربة سيفك يا أبو زيد)، وكان الرد من أبي زيد: (عندما تتحرك ستعرف).. وهذا هو واقع حال العدوان، مشطوراً لم يدرك ذلك بعد ربما، ومع قليل من الحركة سيسقط مشطوراً.

التراجع الاستراتيجي وانتقال مراكز ثقل العدو.. مقامرة استراتيجية مجنونة وأوهام التضليل الاستراتيجي
لقد أُصيب العدو بكارثة عقب الساعة الأولى لشنه العدوان نتيجة مقامرته لتجاوز المعقول والمنطقي. وذلك بتجرئه على مصارعة خصم أكثر خبرة وقوة ومهارة وصلابة، بينما تصرف العدو بعقلية (النصاب المراهن على نوم الخصم كي يغدره ثم يدعي النصر)، لكنه فوجئ فور دخوله إلى العرين بأنه يقظ مستل سيفه، ومنذ تلك اللحظة وهو المطارد فعلياً، وهكذا انقلبت المعادلة، ولنقل عادت لطبيعتها.
فقد قامت استراتيجية العدو على فرضية نوم الخصم واستغفاله، وبالتالي الانقضاض عليه. وهذا يتناقض مع كل مبادئ الحرب، مما يعني أن قيادة العدوان وقعت ضحيةً لمشاريعها في التضليل الاستراتيجي، إذ تحولت مصادرها التجسسية على الوطن إلى قنوات لتضليلها هي نفسها، ولنقل إنها ابتلعت طعمها هي المفترض أن تبتلعه اليمن، بينما تحول هادي وعلي محسن وحميد...، دون إدراك ذلك، إلى أكبر قنوات التضليل الاستراتيجي الذاتي والتخدير للنفس لهم وأربابهم. وهذه هي الآن واحدة من كبار الخصومات الداخلية في ما بين هذه الأطراف المترامية بالمسؤولية على بعضها البعض، وهي تفسر جزءاً من الصراعات الجارية بينهم.
متغيرات الاستراتيجية العدوانية.. الالتفاف بدل المواجهة.. تكتيك الحرب الجديد
كانت الاستراتيجية السابقة هجومية وطموحة جدا في بداية الأمر، وكان الهدف الأساسي للعدوان وما يزال هو اكتساح العاصمة وسحق الثورة وقواها واحتلال البلاد مباشرةً.
والأهداف الجديدة ليست تطويراً للأهداف القديمة، وإنما تراجع عنها (ميدانياً) لفقدان العدو للقوة والقدرة على مطاولة الهدف الأساسي بعد هزائمه المتواصلة التي أكلت قواه الاستراتيجية والتكتيكية (المعنويات - العدد - العتاد).
واضطره ذلك إلى التراجع وإعادة وضع أهداف عملية بسيطة تتطابق مع واقع قدرته المستنفدة باستمرار، تمثلت في إيقاف الجيش اليمني عن مواصلة اختراق عمق العدوان نفسه، ولجأ إلى حيل الالتفاف وتنظيم اختراقات جانبية طرفية ثانوية (جعلت منها ظاهرياً تبدو رئيسية لاستدراج القوات اليمنية نحو الساحات المفتوحة المكشوفة المفتوحة على الطيران والبحر ووضعه في دائرة الاستهداف والتدمير القاري عن بعد كاختراق عدن) أي من أعماق البحار بواسطة الصواريخ القادمة من البوارج الحربية، وهو ما كان يشير إليه اسم تلك العملية (السهم الذهبي). وهو ما أشارت إليه الصحافة الأمريكية مثل (واشنطن بوست) وغيرها نقلاً عن قادة أمريكيين كبار من قادة الأسطول الأمريكي في البحر الذين أكدوا أن هذه العملية إدارة وتخطيطاً وتنفيذاً ورقابةً هي بأيادٍ أمريكية بعد أن هرع إليهم سلمان باكياً يريد بأي ثمن إنقاذه من مصير محتم تدفع به نحوه القوات اليمنية في المعارك الحدودية. 

التراجعات والتغيرات الاستراتيجية العدوانية ومراكز الثقل الجديدة في مسرح الحرب (الاتجاه نحو الغرب)
1- الانتقال من الهجوم إلى الدفاع:
بعد 45 يوما من الصبر الاستراتيجي على العدوان السعوأمريكي، انتقل الجيش اليمني والأنصار إلى الهجوم واختراق خطوط العدو في جنوبه بأشكال متعددة تطورت إلى التقدم داخل (الأرض المحتلة سعودياً)، وأدى تقدم الجيش اليمني إلى إلجام خطر الهجوم البري السعودي المدرع الموعود ورسم بذلك أزمته الدائمة، وحاولت القوات السعودية الصمود فلم تستطع لتنهار عقب ذلك دفاعاتها توالياً دون توقف، منتقلة إلى حالة دائمة للدفاع الاستراتيجي الذي لم تستطع خطوطه أن تستقر في مدى محدد، إذ استمرت تراجعاته للخلف حتى اللحظة، وكان المعنى الميداني من هذا التحول على جبهة العدوان الرئيسية أن هجوم العدو الرئيسي قد فشل وانكسر استراتيجيا رغم ما سببته هجماته الجوية الفاشية لنا من خراب ودمار وآلام وضحايا وخسائر، إلا أن جميع أهدافه التكتيكية الميدانية لم يتحقق أي منها. بمعنى أن قواتنا قد ظلت سليمة بمأمن من حملات القصف الإجرامي المباغت للعدو، لأنها كانت مستعدة لمواجهة العدوان منذ أشهر طويلة، بل منذ سنوات، كون مشروع العدوان مخططاً له منذ سنوات، فيما كانت قواتنا تتابع بدقة كل ما ينطوي عليه المخطط العدواني.
ونتيجة للتباين بيننا وبين العدو في الإمكانات، قررت القيادة الوطنية اتباع تكتيك استراتيجية حرب عقلية ونفسية مع العدو وقهره بسلاح غبائه وغروره، فهو وضع بغرور شديد قدراته العقلية الاستراتيجية في الميدان، مقرراً خوض معركة عقلية لسحقنا عبر استخدامه أسلحة الذكاء والخداع والتجسس والارتزاق والتخريب السري (الحرب السرية التمهيدية).
2- مواصلة الدفاع على الجبهة الخارجية: 
منذ تراجع العدو استراتيجياً وتحول إلى الدفاع الاستراتيجي بدلاً عن الهجوم الاستراتيجي المنكسر والفاشل، ولكي لا يُحدث في بنيته العامة انتكاسةً شاملة عنيفة لمنظومته الحربية والسياسية، فقد واصل الدفاع بطريقة الهجوم الجانبي التكتيكي، وهو هجوم شكلي في معظمه، أي استنزاف إعلامي لا يستطيع تعديل الوقائع على الأرض بقدر ما يراهن على استنزاف قواتنا ونفاد ذخائرها وطاقاتها، وفي هذا السياق كان يفرُّ من الالتحامات الحاسمة أو الاقتحامات البرية الكبيرة.
3- مراهنات العدو الخاسرة: 
وتقوم هذه الخطة الإجبارية على عدد من المراهنات من وجهة العدو وتقديراته:
أ- استنزاف طاقات الجيش والأنصار من الذخائر والقدرات نتيجة للحصار الشامل، والوصول للطلقة الأخيرة في المخبأ.
ب - القيام باحتلال مناطق ومحافظات بعيدة واستغلالها في المساومات عليها في المواجهة السياسية القادمة.
ج - احتلال مناطق تعز والمندب. احتلال المنطقة الساحلية بين المندب والمخا، ميدي حرض والحديدة، وتأجيج الانقسامات الإثنية.
د - ترويع اليمنيين وإرهابهم وتحطيم معنوياتهم باستمرار حملات القصف الجوي العشوائي والقتل الوحشي تهدف إلى خلق حاضنة معادية لاستمرار الصمود. 
هـ - توسيع الجبهات الفرعية الداخلية التشتيتية في جميع المحافظات ومواصلة الهجمات والزحوفات بهدف الاستنزاف اليومي للطاقات اليمنية.
هجوم في الجو، تراجع على الأرض. هكذا أصبح حال العدوان.

مركز الثقل الجديد في المسرح الآني للحرب العدوانية
ومنذ 75 يوماً اتجه مركز ثقل الهجوم العدواني إلى الجبهة الخارجية الجانبية الالتفافية لمسرح الحرب العام (محور عدن - تعز - المندب - المخا، ومحور ثان متصل بالأول جيزان - حرض - ميدي - الحديدة، والمحور الثالث البحري القادم من البحر، وعلى الأحرى سيكون الاعتماد في تزعم هذا المحور على قوات السيسي البحرية).. وهنا أصبح العدو يخوض نمطين من الحرب: 1 – دفاعياً استراتيجياً، وهو الرئيسي الذي عليه تتركز أغلب قواته الرئيسية داخل عمقه، 2- الحرب بالوكالة، أي حرب (العصابات المستأجرة).
وينشأ الآن نمط من جبهة مشتركة غير منفصلة، حيث تتوحد محاورها من أقصى الجنوب غرباً (جبال تعز المندب...) ومن أقصى الشمال غرباً (جيزان ـ حرض ـ ميدي) مدعومة بالمحور البحري المعزز والرابط لها.
وهذا التشكيل هو مركز ثقل رئيسي في الوضع الحالي للحرب، وسيتم تدعيمه بمحور شرقي ينفتح من (نجران - مأرب - الجوف). ويصاحب هذا التوجه حملة هائلة من التدمير العشوائي والقتل للسكان المدنيين وتحويل السلاح الجوي إلى عربات مطاردة للخصوم، وتوسيع التدمير في البنية التحتية للوطن نتيجة لتدهور موقفه الحربي خاصة على محور جيزان.
وهذا التحول الذي يستنتجه منطق الحرب الحالي، هو تحول من هدف احتلال تعز أولاً بعد الانكسارات المدوية في جبهاته المختلفة، إلى هدف أكثر تواضعاً من ذي قبل، كما حصل مع الانتقال من هدف احتلال صنعاء.
وتبدو الأسباب الدافعة لهذا التحول منطقياً تكمن باختصار في التالي: الأول في الهروب من الجغرافيا الجبلية القاسية التي يجمع كل خبرائهم بمن فيهم كولن باول على استحالة اختراقها، وبالتالي الانتقال بالعمليات إلى المناطق الساحلية التي يجد فيها إمكانية بقائه ووضع قاعدة متينة فيها دفاعية متصلة بالبحر مباشرة لربط منطقتي السيطرة المفصولتين حالياً وتشكلان خطراً كبيراً، الكامنتين في الجنوب المحتل وفي قاعدته العمقية في الشمال ما بعد جيزان، ويسمح هذا عند اشتداد المعارك والمواجهات في خط الدفاع الثاني والثالث يسمح هذا للعدو بالمناورة بقواته، بمعنى تحول القاعدة المرجوة في الساحل إلى منطقة إمداد وإنقاذ له. وهو ما يراه بقوس حضرموت الممتد إلى المناطق الواقعة تحت سيطرته خلف الحدود، وبالتالي تحقيق حصار كامل على مركز ثقل القوة العسكرية اليمنية.
وهذا حتى الآن هو ما يريده العدو ويحلم به، ولا يعني ذلك إمكانية تحققه فعلاً.

الاستدلالات والمؤشرات والدوافع المنطقية والواقعية
إن الجيش اليمني لم يستنفد خياراته الاستراتيجية بعد، ولا شك أنه لم يلعب بكل أوراقه، وما زال يحتفظ بكثير من الأوراق الاستراتيجية وينمي قدرات جديدة ومفاجآت دائمة كما عودنا، وخارج المتوقع.
1- احتياج العدو بأي ثمن الحصول على منطقة خارج الجنوب وامتداداً له في الوقت ذاته لأسباب معروفة سبق الحديث عنها، منها اكتساب ورقة تفاوض قوية في المفاوضات. 
2- قرارات السيسي بتمديد بقاء القوات المصرية في المنطقة لمدة عام آخر قادم أو انتهاء المهمة، مما يعني أن اتفاقاً جديداً تم بموجبه استرضاء السيسي بمليارات جديدة للقيام بالمهمة.
3- تصريح باكستان بإشراك جيشها بالدفاع عن الأراضي السعودية والتصدي لمهددات بقاء الأسرة المسيطرة، وجاء هذا التصريح خلال زيارة بن سلمان مطلع يناير الجاري. علماً أن باكستان سبق وشاركت سراً في عملية برية لاختراق عدن طبقاً لما كشفته الصحف الأمريكية.
4- استمرار الهجمات على باب المندب وجبال العمري باستماتة حتى الآن، وتواصل الضربات على المخا والسواحل اليمنية في البحر الأحمر وصولاً إلى ميدي - التي سبق وحاول عدة مرات منذ بداية العدوان أن يقوم بإنزال بحري فيها، وأبرزها هجمة علي محسن المموهة بحوار (جنيف2) على حرض وميدي تلك الآونة- وهذه العمليات من الجو والبحر هي عبارة عن عمليات تمشيط أولي يهدف لإخلاء السكان المتواجدين في السواحل لإفراغ الطريق أمام الاحتلال.
5- أمام ما يواجهه العدوان حالياً من مآزق متعاظمة، يبدو في نظره هذا الخيار تعويضاً عن فشل حملة تعز الكبرى، وكذا تعقيد المشهد السياسي والاستراتيجي اليمني، وإيقاع القوى الوطنية في مأزق وأمام مصير حصار مميت ينتج في نهاية المطاف خضوعاً لرغبات الاستعمار.
6- ومن أهم ما سيحققه العدوان وفشل فيه طيلة الفترة الماضية، هو صناعة بيئة ملائمة ومبررة لاحتلال دائم من قبل الناتو كي يقيم كيانات احتلالية على الشواطئ الغربية تحت ذريعة تأمين وحماية الأمن والسلم الدوليين والمصالح الاقتصادية الحيوية للعالم.
نلخص بالقول إن هذه اجتهادات وطنية للفت الانتباه تجاه مخاطر العدو، والأخذ بكل الاحترازات في سبيل انتصار حربنا الوطنية التحررية، والنصر كل النصر للشعب.