أمريكا تزود التحالف بالسلاح ولا تحترم نصوص القانون الإنساني الدولي
هل من مخرج لليمنيين؟

هيلين لاكنر
ترجمة خاصة لـ(لا)
محمد علي كلفود

هل توشك حرب التحالف الجوية والبرية ضد اليمنيين، أن تنتهي؟
ففي منتصف ديسمبر الماضي لم تُعقد جلسة أخرى لمحادثات سلام إلا بعد أن استغرق الاتفاق على موعدها ومكانها ستة أشهر من جهود المبعوث الأممي الخاص لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
هذا المبعوث الأممي وافقت دول الخليج على تعيينه، لأنها اعتبرته ضعيفاً وعاجزاً، فضلاً عن أنه اضطر إلى مواجهة التشويه والإضعاف من قبل سلفه، بل إنه اضطر إلى مجاراة الدعم الفاتر من قبل الدول الخمس الدائمة العضوية لدى مجلس الأمن، ولذا فالمبعوث الأممي يحاول العمل في ظروف غير مناسبة وملائمة، حيث يُعد مجرد الحصول على موافقة الأطراف المتصارعة لعقد اجتماع بمثابة إنجاز كبير، لا سيما في ظل ممانعة تلك الأطراف وفتور المحيط الدولي.
على أية حال، لم أجد شخصاً ما يتوقع أن مثل تلك المحادثات ستحقق أي شيء على الأقل، لكن بما أن الأمل متاح بالنسبة لنا كخيار وحيد، فإن كل من لديه صديق أو قريب في اليمن لا يزال يتحلى بالأمل!

التحالف
لم تصبح اليمن فحسب بؤرة حرب أهلية عنيفة وشنيعة بين أطراف وجماعات موالية لما تسمى الحكومة (الشرعية) من جهة، وبين الحاكم السابق وحلفائه، الحوثيين من جهة ثانية.
فقد تنبأ الكثيرون بتلك الحرب المشؤومة، غير أنها أصبحت أيضاً وبشكل دراماتيكي أسوأ من خلال نشوب حرب (الوكالة)، حيث تخوضها دول الخليج بقيادة الحكومة السعودية الجديدة الشابة والمولعة بالحرب التي تصر على أن اليمن أرض صراع مصيري بالنسبة لها ضد منافسها إيران، وذلك من أجل السيطرة على مقاليد السياسة في الجزيرة العربية.
وبغض النظر عن حقيقة وواقعية التدخل الإيراني، إلا أنه عادة ما يبرز كخطر كبير، ومع ذلك يتمثل في دعم مادي محدود، وفي أغلب الأحيان يتمثل في أحداث لم تتبنها إيران ولم تدعمها أيضاً.
لكن بعض الخبراء يصفون تلك المزاعم على أنها برهان على عدم نضج بعض الساسة لدى الحكومة الإيرانية.
يشتمل التحالف بقيادة السعودية والإمارات على جميع دول الخليج باستثناء عُمان، كما يشتمل على خليط من دول عربية وأفريقية أخرى يتمثل دافع انضمامها على الأرجح في التطلعات إلى دعم مالي من دول الخليج. وبما أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية بتوقيعهما على الاتفاق النووي مع إيران، قد أقلقت دول الخليج، قامت وبكل بلادة بمساندة التحالف، والتخلي عن ملكاتهم العقلية الجوهرية، ناهيك عن احترامهم لمبادئهم والتزاماتهم لمعاهدة الرقابة على السلاح ولنصوص القانون الإنساني الدولي، هذا إلى جانب تزويد التحالف بالسلاح والذخائر التي تشمل القنابل العنقودية التي يعرفون أنها تستخدم ضد المدنيين.
وتتجاوز سفالتهم أكبر من ذلك حين تأتي تنديداتهم هزيلة حول قصف المرافق الإنسانية، بما في ذلك تدمير مستشفيين مدعومين من قبل منظمة إنسانية مرموقة عالمياً - منظمة أطباء بلا حدود، إضافة إلى تدمير 69 مرفقاً صحياً (من مارس وحتى ديسمبر 2015م).

المعاناة التي تصاحب الحرب
في العام 2011م، كان اقتصاد اليمن قد تدهور بشكل كبير، حيث بلغت نسبة الفقراء من السكان أكثر من 54% وفق الإحصائيات الرسمية، وتضاءلت الموارد المائية، وكان الجفاف يهدد الزراعة المحدودة، وارتفعت نسبة البطالة بشكل حاد، وازداد معدل النمو السكاني، وظهرت أمراض أخرى. وبالرغم من أن الاحتياجات الشعبية  في العام 2011م برهنت على أن الأمل يمكن أن يفوق التطلعات الواقعية، إلا أنه سرعان ما تبدد حين اعتلت النخب صهوة الصراع وبدعم من المجتمع الدولي الذي سعى إلى التغيير في الحكومة، ولم يسع إلى التغيير في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ناهيك عن هيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية.
وفي أغسطس الماضي، قال رئيس لجنة الصليب الأحمر الدولية إن اليمن بعد خمسة أشهر من الحرب مثل سوريا بعد خمس سنوات، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة بالنسبة لنا نحن المتابعين لوضع اليمن عن كثب، والذي كنا نتوقع أنه سيصل إلى ذلك الحد بعد سنتين على الأقل.
وبحلول ديسمبر، قالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 15 مليون يمني ( أي أكثر من 58% من التعداد السكاني البالغ 26 مليون نسمة ) يفتقرون إلى الخدمات الطبية، وأن 20 مليوناً - أي 77% - يفتقرون إلى مياه الشرب والصرف الصحي الآمن، وأن الظروف مهيأة لانتشار أمراض خطيرة في البلد.
ومع أن إحصائية القتلى المسجلة رسمياً تشير إلى أكثر من 5700 شخص، إلا أنها تمثل فقط عدد القتلى الذين تمكنت المرافق الصحية العاملة من تدوينهم في سجلاتها. كما أن هذه الإحصائيات تستثني الضحايا المرضى الذين لم يتمكنوا من الحصول على رعاية طبية لمعالجة أمراضهم المزمنة (السكري والفشل الكلوي) أو حتى الحالات الحرجة. وبالمثل، فإن عدد الإصابات المسجلة والتي تشير إلى 27.000 شخص، تمثل فقط أولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى المرافق الصحية.
وعلى أية حال، فإن معظم المرافق الصحية قد توقفت بسبب قلة المياه والكهرباء والمواد الطبية ومرتبات العاملين فيها. إضافة إلى ذلك، بلغت الظروف المعيشية حد اليأس في مناطق الصراع، حيث تعمد الأطراف المتناحرة إلى منع وصول المواد الغذائية الأساسية والطبية، أما الحصار البحري فإنه يؤثر وبشكل مباشر على عامة الناس. وبهذه المحاولات التي يلجأ إليها كل طرف في الصراع إلى إضعاف الآخر، فإن الأوضاع المعيشية ستسوء بشكل كبير، وسيعاني الناس من الجوع والأمراض.
وبينما تحاول الأمم المتحدة وهيئاتها المساعدة، يجدر بنا الملاحظة أولاً أنهم يستهدفون 11.6 مليون شخص فقط في الوقت الذي تشير فيه بياناتهم إلى أن هناك 21.2 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة.
ثانياً، كانت مناشدة الأمم المتحدة لعام 2015م 1.6 مليار دولار، لكن لم يُدعم منها سوى 49% حتى نهاية العام (نوفمبر). ذلك أن معظم الدعم يأتي من دول الخليج التي تجتهد في منع وصول المساعدات إلى الأماكن الواقعة تحت سيطرة (المتمردين).
في أبريل الماضي، وعدت السعودية بدفع المبلغ الذي طلبته منها الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية، وهو إجمالاً 274 مليون دولار، وكان ذلك دوراً سهلاً لتدعي السعودية القيام به، بل إنه كان مادةً سهلة لها للترويج الإعلامي. وعقب ذلك، قامت السعودية بإنشاء مركز سلمان للإغاثة والمساعدات الإنسانية، في مايو، لتوزيع ذلك الدعم، الذي كان النصيب الأكبر منه لمنظمة الغذاء العالمي بمبلغ 143 مليون دولار، وتمت الموافقة عليه في سبتمبر.
ومن الواضح أن جميع تلك الإجراءات البطيئة كانت سبباً في تأخير وصول المساعدات الإنسانية، بغض النظر عن الشروط المعقدة التي تم فرضها، وبعيداً عن عميق الامتنان والشكر المقدم من قبل تلك المنظمات عند استلامها شيك الدعم.
في ظل غياب الوسائل المشروعة لكسب الدخل المعيشي، يعتمد اليمنيون عن أي وقت مضى على أصدقائهم وأقاربهم في الخارج، لكن يستحيل إرسال الحوالات عبر البنوك، لأنها ترفض القيام بتلك العمليات عبر أنظمتها المصرفية.
وفي الأثناء، لا تزال أسعار المواد الغذائية الأساسية في ارتفاع متزايد: فمنذ مارس الماضي، ارتفعت الأسعار بمتوسط 57% للقمح؛ 74% للبصل؛ 352% لاسطوانة الغاز؛ 287% للديزل؛ 274% للبترول. وهذا مجرد متوسط للأسعار وبشكل عام، لكنها أسوأ بكثير في المناطق التي تحتدم فيها الجبهات (تعز، البيضاء، مأرب، الجوف)، إضافة إلى المناطق التي تقع بعيداً عن الموانئ. ويكمن سبب ارتفاع الأسعار عموماً في عدم توفر المنتجات الأساسية نتيجة لقلة عمليات الاستيراد (ويعود الفضل في ذلك إلى تدمير البنية التحتية للموانئ، وإلى منع الشحنات التجارية من الدخول إلى البلاد)، كما يكمن السبب في ارتفاع تكلفة النقل داخل البلاد نتيجة لقلة المشتقات النفطية. ومن خلال هذا السياق، ليس غريباً أن تلوح في الأفق مجاعة تهدد البلاد، وربما أن شحة المياه أكثر من الغذاء بسبب أن مضخات المياه تعتمد على الديزل لاستخراج ما تبقى من مياه جوفية.
وفي الأثناء، يستمر الوضع في التدهور أكثر فأكثر على أرض الواقع، حيث تزدهر الاغتيالات. ففي عدن قتل المحافظ وعدد من مرافقيه بانفجار سيارة مفخخة (ولا يزال مسلسل الاغتيالات قائماً إلى اليوم). كان محافظ عدن يتمتع باحترام واسع بين السكان المحليين، لأنه كان يحاول بالفعل تحسين الأوضاع الأمنية والإدارية. وخلال السنوات الثلاث الماضية تعرض العديد من المسؤولين العسكريين والمدنيين على حد سواء الذين أثبتوا صدق الالتزام بمسؤولياتهم، وحاولوا ردم فجوة الأوضاع المعيشية التي يعاني منها الشعب، تعرضوا إلى التهديدات والقتل. فمن الذي يقف وراء تلك الاغتيالات؟ ومن هو الطرف الذي تخدم مصالحه؟ من الواضح أن أولئك الذين يريدون غرق البلاد في الفوضى والدمار، هم من يقفون وراء تلك الاغتيالات!
فهل من مخرج لليمنيين؟
يصعب أن يكون الهروب إلى البلدان المجاورة خياراً لليمنيين. فإجراءات السفر إلى السعودية أصلاً في غاية التعقيد منذ العام 1990م، إلى جانب الحدود المسورة بين البلدين. كما أنه منذ بدء الحرب تم فتح منفذ حدودي يسمح لبعض اليمنيين بالدخول، ومعظمهم من الجنوب. وبالرغم من أن السعودية أصدرت إجراءات تمكن اليمنيين المقيمين بطريقة غير شرعية، من تحسين وضع إقامتهم، إلا أنها إجراءات أمنية لا أكثر للرقابة على اليمنيين هناك.
وتقول الأمم المتحدة بأن 30.000 يمني تمكنوا من الدخول إلى السعودية بين الفترة من مارس وحتى نهاية نوفمبر 2015م. أما الحدود مع عُمان فقد تم تسويرها منذ السبعينيات لمنع تهريب السلاح، ولدعم جبهة التحرير الشعبية العمانية التي هزمت في العام 1975م، لكن السور لا يزال قائماً إلى اليوم. ونتيجة لذلك سمح بدخول 500 يمني فقط إلى عمان مقابل إدخال 50.500 شخص من جنسيات أخرى، أما السفر عبر البحر، فهو وسيلة غير محبذة من قبل الكثيرين لخطورتها، بل إنها تؤدي إلى القرن الأفريقي الذي يهرب منه الصوماليون والإثيوبيون والإريتريون إلى اليمن هرباً من حروبهم الأهلية وأوضاعهم. كما أن معظم الذين ذهبوا إلى الصومال والذين بلغ عددهم 30.000، كانوا أصلاً صوماليين، ومن بينهم 3000 يمني فقط، أما جيبوتي فقد استقبلت 16.000 يمني. وبلغ عدد الذين خرجوا من اليمن إجمالاً 170.000، لكن اليمنيين من بينهم كانوا 52.000 فقط.
ولطالما كان السفر إلى الدول الغربية في غاية التعقيد لسنوات عديدة، بل لعقود من الزمن، نتيجة القيود العامة على تحركات الناس الفقراء حول العالم، وساء الحال عليهم أكثر بسبب (الحظر) الذي تسببت به ثُلَّة من الإسلاميين المتشددين. كيف يمكن لتلك المحاولات الفاشلة والقليلة لتفجير طائرة أن تكون سبباً في عقاب شعب بأكمله، ووصمة للإرهاب؟ قلما يرد هذا السؤال على مسؤولينا وساستنا! ونتيجة لذلك لا يريد معظم اليمنيين السفر إلى أوروبا وأمريكا. كما أن مقترح المرشح لرئاسة أمريكا دونالد ترامب، الداعي إلى منع كل مسلم من دخول أمريكا، ليس إلا مجرد وصمة عار عنصرية ضد المسلمين..
وإلى وقت قريب كان بإمكان اليمنيين السفر ومن دون فيزا إلى الأردن وسوريا ومصر وماليزيا. ويمكن القول بأن قلة هم الذين سيفكرون بالذهاب إلى سوريا، حيث الحرب ليست أقل سوءاً من اليمن.
أما مصر، حيث يقيم الكثير من اليمنيين، فإنها لا تُظهر تعاملاً ودياً وجواً مساعداً للمجيء، ومؤخراً منعت الفيز على الأشخاص الذين تصل أعمارهم فوق الـ45 عاماً، والأشخاص تحت سن الـ13 عاماً. وفي تطور آخر، ألغى الأردن استقبال اليمنيين وطالبهم بالحصول على فيز الدخول. فأين هي السفارة الأردنية في اليمن؟ وهل لدى الأردن خدمات لتقديم الفيز يمكن أن يصل إليها الناس؟ لا تزال ماليزيا تقدم مثل تلك الخدمات، لكن إلى متى؟
إذن ماذا يجب على اليمنيين فعله؟ أن يغلقوا أبواب بيوتهم ويموتوا جوعاً وعطشاً؟ يحاولوا ركوب قوارب والذهاب إلى أفريقيا؟ أو يواجهوا حقول الألغام على الحدود السعودية، ويذهبوا إليها في جماعات كبيرة كما يفعل السوريون وهم يتجهون إلى أوروبا؟
* من موقع Open Democracy