كالعادة وبنفس الوتيرة من الانحياز الأحادي والمخادعة المكشوفة يلعب المبعوث الأممي الدور الأبرز في حلحلة المشكلة اليمنية العالقة وسط تجاذبات السياسات العالمية وتأثيراتها المباشرة على (نجاحه) الذي يبدو أنه سيظل عالقا حتى يوم القيامة! 
استضافت صنعاء الأسبوع قبل الماضي المبعوث الأممي (ولد الشيخ) في إطار جولته التحضيرية لانعقاد مؤتمر جنيف 3 الذي كان من مقرراً انعقاده في 14 يناير الجاري حسب النتائج النهائية التي أفرزتها أروقة جنيف 2، الذي انعقد في جنيف السويسرية منتصف ديسمبر 2015. 
وفي زيارته التمهيدية التي استغرقت 5 أيام تقريبا، التقى عدداً من القيادات الحزبية والاجتماعية في الداخل اليمني، حيث استمع خلالها لمواقف الأطراف المختلفة، ولاسيما موقف أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام، من المؤتمر القادم، واطّلع خلالها على موانع الخوض في المحادثات المرتقبة التي قال أنصار الله وعلى لسان الأستاذ محمد عبدالسلام، بأن (استمرار العدوان، وعدم رفع الحصار الاقتصادي يُشكلان أهم العوائق الحقيقية لعدم الشروع في أي محادثات سياسية مرتقبة)، وهو الموقف ذاته الذي لمسه المبعوث الأممي من تكتل المؤتمر الشعبي  العام. .وكان المبعوث الأممي صرّح حال وصوله صنعاء بالقول بأنه (يسعى الى عقد لقاءات مع كل من يعنيه الأمر من أجل القيام بجولة جديدة من المحادثات). وأضاف أن (جولة المحادثات السابقة في سويسرا سجلت تقدما كبيرا)، لكنه أردف قائلا بأن (أزمة مثل هذه عندما تطول يصعب الحل، ويجب علينا أن نقوم بكل التحضير، وألا نستعجل من أجل الوصول الى الحل النهائي).
وكان المبعوث الأممي التقى خلال زيارته التحضيرية تلك برئيس اللجنة الثورية الأستاذ محمد علي الحوثي، الذي أطلعه بدوره على حجم الأضرار التي أحدثها العدوان، وأشاد بالخطوات الجادة التي يقوم بها المبعوث الأممي من أجل إيقاف العدوان الهمجي السعودي، ورفع الحصار الاقتصادي، وأفاد بأن كل تلك الأعمال الإجرامية تضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، سيما وأن السعودية استخدمت خلال عدوانها أسلحة محرمة دوليا، وهو ما نجم عنه كوارث إنسانية مهولة بحق آلاف الأسر اليمنية.
 وفي نهاية اللقاء تسلّم المبعوث الأممي هدية رمزية من الشعب اليمني، عبّرت في مجملها عن جدّية أنصار الله في الشروع بمحادثات جادة ومسؤولة لإيقاف نزيف الدم الجاري، والوصول الى حل نهائي للمشكلة الآنية التي اختلقتها المملكة السعودية بعدوانها الهمجي الأخير!
وعلى صعيد متصل، التقى المبعوث الأممي بعدد من القيادات في مكون أنصار الله، واستمع لوجهة نظرهم (الموحّدة) من المباحثات المرتقبة، وفي إطار خطوات إعادة بناء الثقة قام أنصار الله بالإفراج عن بعض المعتقلين في السجون اليمنية، كبادرة حسن نوايا، وهو الأمر الذي رحّب به ولد الشيخ، واعتبره خطوة جيدة تصب في المسار الصحيح.
وعلى صعيد آخر، كثّف الطيران السعودي من غاراته الجنونية على المحافظات اليمنية في ظل تغطية إعلامية منحرفة وتحرّك عسكري ضخم على الحدود اليمنية وفي أجزاء واسعة من محافظتي مأرب والجوف، في خطوة اعتبرها مراقبون إساءة مباشرة لولد الشيخ، سيما وأن كل تلك الخروقات والتجاوزات تمت في ظل حضور ولد الشيخ بنفسه، بل وصلت الى حد شن غارات أثناء انعقاد الجلسات التشاورية وعلى أماكن قريبة من اللقاءات، في محاولة كما يقول محللون (لاستهداف المبعوث الأممي، وعرقلة مساعيه الأممية الرامية الى إيجاد حل جذري للمشكلة اليمنية)، وهو ما نجم عنه استشهاد العديد من الأطفال والنساء المدنيين. 
وفي سياق مماثل انصدمت كل تلك التحركات العسكرية الهائلة برجال الجيش اليمني واللجان الشعبية على مختلف المحاور والجبهات، وهو ما جعل بعضها تتراجع وتعود الى نقطة البداية، بينما أحدثت بعض التحرّكات الأخرى لتلك العناصر (الهجينة) فجوات وثغرات كبيرة استطاعت من خلالها قوات الجيش اليمني التقدم داخل العمق السعودي، وألحقت بها هزائم كبيرة وخسائر فادحة في العتاد والأرواح. 
وبالنظر الى المواقف السياسية التي أبدتها عدد من قوى الرياض وسلطتها الحاكمة هناك، يتضح حجم الفارق بين النوايا الإنسانية التي جسّدتها مواقف أنصار الله وحلفائهم من جهة، وبين النوايا الإجرامية لقوات الغزو الأهوج من جهة أخرى، والتي ترمي الى استمرار قتل المدنيين وسط فشل عارم وتراجع مُخزٍ على مختلف الجبهات العسكرية، وفي ظل غض الطرف الأممي عن هكذا بشاعة وإجرام، كما أن الدور المكشوف الذي تلعبه بعض الأنظمة العربية (المتسوّلة) كالنظامين المصري والسوداني، بالإضافة الى الدور الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي، تُبيّن جميعها أن المزاج الشيطاني للتحالف الأرعن هو مزاج حرب وقتل، وليس مزاج حوار جاد ومسؤول يُخرجها من ورطتها التاريخية في اليمن، ويعالج أخطاءها الفادحة بحق اليمنيين، والتي قد تتسبب بمساءلة قادتها قانونياً أمام المحاكم الدولية مستقبلاً.. محمد بن سلمان ولي العهد والرجل الأبرز في العدوان على اليمن، وقائد جناح الصقور بحكم منصبه كوزير دفاع، قال في لقائه مع مجلة (الإيكونومست) إن الحرب ستستمر، وإن لا أحد يعرف متى ستتوقف، وكيف؟! حد زعمه، كما أنه أسهب كثيرا بشأن شرائه شركة (أرامكو) المنتج الأول للنفط على مستوى المملكة، في إشارة الى أن بلاده ماتزال قوية، وتستطيع إطالة أمد الحرب، وليست هزيلة كما يُشاع عن اقتصادها بأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وهو ما اعتبره اقتصاديون ومراقبون (محاولة للتبجّح، وهروباً من الواقع الاقتصادي الذي تعاني منه المملكة بسبب مراهقة بن سلمان وعجرفته)، كما وصفته صحيفة (الإندبندنت) البريطانية في أحد أعدادها الصادرة الأسبوع قبل الماضي. 
الناطق باسم التحالف (عسيري) هو الآخر قال إن قواته ستستمر بتدمير المنظومة الصاروخية اليمنية، سواء انطلق مؤتمر الحوار أم لا، حد زعمه، والتي كانت أحد أهم أهداف عاصفة الحزم في بداية العداون السعودي، وادّعى في ذلك الوقت بأنه استطاع تدميرها، في موقف يبدو مناقضاً تماما ومفضوحاً لما أفصح عنه سابقا، وفي صورة تكشف مقدار الهوس والخوف من إعلان الهزيمة، بدا الرجل مسترجلا أمام بعض القنوات العالمية كقناة cnn  الأمريكية التي استضافته قبل أيام وعرّته تماما أمام الرأي العام الأوروبي والأمريكي تحديدا!
(الموقف الخليجي) هو الآخر ظهر كطرف يحشد للحرب ويشب نفيرها خلال الأيام الماضية، فقد أعلنت الكويت في وقت سابق عن تزويد السعودية بمدافع وأسلحة نوعية متطورة، كما أعلنت البحرين إرسال قوات برية الى اليمن في إطار ما سمته مساعدة المملكة في عدوانها الهمجي على اليمن، وبالمثل ظهر الموقفان القطري والإماراتي و.. إلخ!
الرئيس السوداني (البشير) قال بأنه سيزوّد الجيش السعودي بجماعات أخرى لاتقل بشاعة وإجراماً عن سابقاتها، في محاولة لتقبيل الحذاء السعودي طمعا في فتات مالي من هنا وهناك، كما أن الرئيس المصري هو الآخر قال قبل أيام بأن قواته ستبقى في اليمن عاماً آخر، وأفاد بأنه مستعد لإرسال قوات إضافية إذا اقتضى الأمر، في محاولة لتكرار مشاهد القتل والسحل التي حدثت إبّان الغزو المصري لليمن في ستينيات القرن الماضي، والتي مُنيت بهزيمة ساحقة تجرعها أجداده الغزاة، ولا تزال بقايا رفاتهم شاهدة على حجم الانكسار المدوي آنذاك!
الموقف الأمريكي الذي أبدى تعاونه اللوجستي مع العدوان السعودي، وعمل جاهدا طوال المؤتمرات (الجنيفية) السابقة على إفشال كل الجهود الأممية التي سعت الى حلحلة المشكلة وإخراج المملكة من الوحل اليمني المستعصي، عبر سفيره السابق في اليمن (ماثيو تولر)، هو الآخر يسعى لإفشال أي جهود سياسية من شأنها إيقاف العدوان ورفع الحصار عن اليمن، فقد جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) قبل أيام أن (أمريكا ستقدم الدعم الكافي للمملكة في عدوانها على اليمن)، في محاولة لرفع معنويات المملكة وحثها على مواصلة العدوان.
 الجدير بالذكر أن الموقف الأمريكي الأخير جاء كسابقه من المواقف التي أعقبت صفقات بيع أسلحة أمريكية متطورة للمملكة في حربها ضد اليمنيين، فقد أشارت البيانات المسرّبة في صحيفة (نيويورك تايمز) إلى أن أمريكا على وشك بيع أسلحة فتاكة أخرى للمملكة السعودية في إطار ما سمته التعاون العسكري بين البلدين الصديقين.
ومن خلال تتبع المواقف السابقة التي صاحبت التحرّكات الأخيرة للمبعوث الأممي ولد الشيخ، يتضح جلياً أن الرغبة الشيطانية لتحالف قوى العدوان لاتزال هي نفسها ماضية في مشروعها الاستكباري المتعجرف، وهو الأمر الذي أخرج ولد الشيخ عن صمته، حيث قال في تصريح سابق له (بأن هناك أيادي خفية تقف أمام التوصل الى حل للمشكلة اليمنية)، إلا أنه أعرب عن تفاؤله في (إمكانية التوصل الى حلول حقيقية) عقب تنفيذ ما سماها (خطوات إعادة الثقة)، والمتمثلة بالإفراج عن المعتقلين، تمهيدا لوقف العدوان، ورفع الحصار الاقتصادي قبيل الشروع في مفاوضات أخرى جديدة تهدف لإيجاد حلول جذرية للمشكلة اليمنية العالقة. . مراقبون وناشطون أبدوا تشاؤمهم المريب من عدم استطاعة ولد الشيخ إيقاف العدوان السعودي، ورفع الحصار، بالرغم من التجاوب العقلاني والمسؤول من قبل الأطراف اليمنية ذات العلاقة، والتي التقت بولد الشيخ قبل أيام، ونفّذت جميع البنود المتعلقة بإعادة الثقة، وعزوا ذلك الى الضغوط الدولية الهائلة على المبعوث الدولي، والتي تتصدرها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، الى الحد الذي جعل ولد الشيخ يغادر صنعاء الى المملكة السعودية، دون أن يحدد موعد أو مكان اللقاء القادم، بينما تضمنت فحوى زيارته كما يقول محللون (محاولة انتزاع هدنة إنسانية من المملكة السعودية تمهيدا للشروع في المفاوضات المقبلة)، وهو الأمر الذي أثار الشارع اليمني المراقب للوضع عن كثب، ودعا الى مواصلة القتال ضد الغُزاة الأجانب ومرتزقتهم المأجورين، حتى يتوقف العدوان بشكل كامل، ويُرفع الحصار الاقتصادي، مهما كلّف الثمن وبلغت التضحيات.