الحرب على اليمن: حرب بريطانية بحتة
محمد علي كلفود ترجمة خاصة لصحيفة (لا)

تحتل بريطانيا قلب كارثة إنسانية لا تزال فصول أحداثها الطويلة والمأساوية تتجلى وتنكشف في اليمن، فقد قُتل 10 آلاف شخص على الأقل منذ بدء السعودية حملة القصف الجوي في مارس 2015م، من بينهم أكثر من 630 طفلاً. وشهدت هذه الفترة ازدياداً كبيرا في انتهاكات حقوق الإنسان بنسبة تصل إلى 34 انتهاكا يوميا، إلى جانب مقتل 10 أطفال بمعدل يومي طبقاً لمنظمة اليونيسف. وتقول الأمم المتحدة إن 73% من الضحايا الأطفال قتلوا باستهداف مباشر من قبل الضربات الجوية.
كما تكررت منذ ذلك الحين مشاهد استهداف المواطنين بين الفينة والأخرى، إذ بعد أيام قلائل من بدء الضربات الجوية تم قصف مخيم للنازحين، ما أدى إلى مقتل 40 شخصاً وجرح أكثر من 200 آخرين، وفي أواخر أكتوبر تم قصف مستشفى تابع لمنظمة أطباء بلا حدود. إضافة إلى ذلك، طال القصف الجوي المدارس والأسواق ومخازن القمح ومصنعاً للسيراميك وغير ذلك.
ومن نافلة القول، يعتبر القصف الجوي جرائم حرب حسب القانون الدولي، مثلما تعتبر الحملة الجوية برمتها كذلك، والتي تفتقر ابتداءً إلى مسوغ أممي. ولا تزال الضربات الجوية التي يصاحبها حصار بحري - وهو جريمة شنعاء ضد شعب يستورد 90% من احتياجاته الأساسية - لا تزال تتسبب في إحداث فصول مأساوية في اليمن، بعيدا عن ضحايا بالقصف المباشر.
في أغسطس 2015م حذرت منظمة أوكسفام البريطانية من أن حوالي 13 مليون شخص يعانون من الحصول على قوت للأكل، وهي أعلى نسبة لسكان يعانون من الجوع تم تسجيلها على الإطلاق. وفي أكتوبر علق مدير لجنة الصليب الأحمر الدولي قائلا بأن اليمن بعد 10 شهور، مثل سوريا بعد خمس سنوات.
في الشهر التالي نشرت الأمم المتحدة تقريراً يفيد بأن 14 مليون شخص لا يمكنهم الحصول على رعاية طبية، وأن 80% من سكان اليمن معتمدون على المساعدات الإنسانية، وفي نوفمبر صرح منسق الشؤون الإنسانية لدى الأمم المتحدة قائلاً: تشير إحصائياتنا إلى أن 19 مليون شخص لا يمكنهم الحصول على مياه للشرب وصرف صحي آمن، وأن 14 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 7.6 مليون شخص بدرجة حادة، وأن 320 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. كما أشار إلى أن حوالي 2.5 مليون شخص نزحوا بسبب الحرب.
وفي ديسمبر حذرت الأمم المتحدة من أن اليمن على شفير مجاعة، حيث يعاني الملايين من خطر الجوع.
أما تصريحات الحكومة البريطانية فقد تم نحتها بطريقة تظهر عطفها وشفقتها على ضحايا الحرب وازدراءها ممن يقفون وراء الضحايا. في سبتمبر 2014م قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هامون: (ينبغي أن نكون واضحين، فاستخدام العنف من أجل مكاسب سياسية، وما يترتب عليه من خسارة في الأرواح، أمر غير مقبول جملةً وتفصيلاً. كما أن العنف الذي تشهده اليمن مؤخراً لا يدمر العملية الانتقالية فقط، بل من شأنه أن يقوي يد القاعدة في الجزيرة العربية، ويصعد من توترات جديدة، ما يهدد أمننا جميعاً. أولئك الذين يهددون سلم وأمن واستقرار اليمن، وينتهكون حقوق الإنسان، عليهم أن يدفعوا ثمن أخطائهم).
بالفعل كان محقاً في قوله، لكن لابد من أن يتساءل أحد في ذهنه على الأقل: عندما قامت السعودية بتصعيد شامل للحرب بعد ستة أشهر من تصريح وزير الخارجية البريطاني، كان لابد أن تثور الحكومة البريطانية ضد هذا التصعيد، أليس كذلك؟
لا، فالأمر ليس كذلك، إذ بعد يوم من بدء السعودية حملتها الجوية (عملية عاصفة الحزم)، أجرى رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون، اتصالاً هاتفياً مع الملك السعودي شخصياً، مؤكداً على الدعم السياسي البريطاني الراسخ للإجراء السعودي في اليمن.
خلال الأشهر التي تلت ذلك، قامت بريطانيا، وهي أكبر تاجر أسلحة للأسرة السعودية الحاكمة، بتسريع شحنات السلاح إلى المملكة لتنال شرف هزيمة المتحدة، وتصبح المصدر الأول للسلاح. إذ منذ بدء الحملة الجوية على اليمن، أصدرت بريطانيا أكثر من 100 ترخيص بتصدير السلاح إلى السعودية، وخلال النصف الأول من العام 2010م بلغ إجمالي صفقات السلاح أكثر من 1.2 مليار جنيه استرليني، وهو مبلغ يضاهي ثلاثة أضعاف الإجمالي الفاحش الذي يجنيه رئيس الوزراء البريطاني في ستبني. وتبدو معظم الأسلحة التي بيعت إلى السعودية مقاتلات لسلاح الجو وصواريخ، بما في ذلك ألف قنبلة/ صاروخ، كما أن المقاتلات المصنعة في بريطانيا تمثل أكثر من نصف سلاح الجو السعودي. وكما أشارت إليه صحيفة (الإندبندنت) البريطانية، فإن بريطانيا زودت السعودية بطائرات وصواريخ مصنعة محلياً، والتي تعد جزءاً من غارات جوية على نحو شبه يومي يشنها تحالف مكون من تسع دول عربية بقيادة السعودية.. وتتفق المنظمات الخيرية والحقوقية في نظرتها التي تفيدُ وبلا أدنى شك بأن الرعاية البريطانية سهلت وبشكل كبير مشاهد الدماء في اليمن.
المدير التنفيذي لمنظمة أوكسفام البريطانية مارك جولدرينج، قال إن الحكومة البريطانية تزيد من تصعيد الصراع الذي يتسبب في معاناة إنسانية لا تطاق. حان الوقت للحكومة البريطانية أن توقف دعمها لهذه الحرب.
وقالت مديرة فرع منظمة العفو الدولية في بريطانيا كيت آلن، إن بريطانيا زادت من تصعيد هذا الصراع المروع عبر صفقات سلاح هوجاء، والتي تخالف قوانينها المحلية ومعاهدة بيع السلاح العالمية التي تصدرتها ذات مرة: من منظور قانوني، وهو المنظور الذي لا زلنا نتمسك به، هو أن استمرار بيع الأسلحة إلى السعودية أمر غير قانوني وغير أخلاقي، بل وغير قابل للتبرير.
يقول إدوارد سانتياجو، وهو مدير منظمة رعاية الأطفال في اليمن، إن (عدم شجب بريطانيا لخسارة الأرواح في حرب اليمن، يعطي انطباعاً أن العلاقات الدبلوماسية وصفقات الأسلحة أهم من أصوات أطفال اليمن). كما كتب آندرو سميث لدى حملة مناهضة الاتجار بالسلاح، أن المقاتلات والقنابل/ الصواريخ البريطانية لا تزال تتوسط الكارثة الإنسانية التي تطال الشعب اليمني.
وتجادل مجموعة من كبار المحامين البارزين في بريطانيا، من بينهم المحامي فليب ساندز، بأن الحكومة البريطانية تنتهك وبشكل واضح القانون الدولي الخاص ببيع الأسلحة، حيث إنها تعرف أن تلك الأسلحة تستخدم في ارتكاب جرائم حرب.
ولم يظهر مؤخراً أن الأسلحة البريطانية هي التي تستخدم في الحرب على اليمن فقط، بل أيضاً أفراد من القوات المسلحة البريطانية. فبحسب (سكاي نيوز) انضم ستة من الخبراء البريطانيين إلى سلاح الجو السعودي، للمساعدة في تحديد المواقع وضربها. إضافة إلى ذلك، هناك 94 فرداً من القوات المسلحة البريطانية، يؤدون واجبهم مع قوات أخرى غير معروفة، يعتقد بأنها قوات التحالف السعودية، حسب مجلة (ذاويك) البريطانية، غير أن الحكومة البريطانية ترفض التصريح حول مكانهم.
كما يبدو أن دافع الضربات الجوية البريطانية في سوريا يتمادى إلى حد ما من الرغبة المتمثلة في مساندة جهود التحالف السعودي الذاوية في حرب اليمن. فقد أدى استجواب البرلمان لوزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، إلى اعتراف هذا الأخير بأن (هناك انخفاضاً في الطلعات الجوية من قبل الحلفاء العرب) في سوريا منذ أن دخلت بريطانيا في الحملة الجوية هناك، وذلك بسبب (التحديات) التي يواجهها التحالف السعودي في الحرب على اليمن.
البرلماني ستيفن جيتنز، وهو ممثل عن (السكوتش ناشيناليست)، يقول بأن ذلك يشير إلى أن الدول الغربية منحت الدول العربية فرصة للتركيز على الحرب في اليمن عندما صعدت من ضرباتها الجوية في سوريا، وهو الأمر الذي يحتاجه التحالف السعودي، لا سيما وأن الدعم بدأ يقل من بعض البلدان مثل الأردن والمغرب ومصر. تكمن السخرية وبشكل محدد في أن الالتزام المفترض للبرلمان البريطاني في تدمير داعش في سوريا، أصبح بالفعل وسيلة لتسهيل الحرب في اليمن، والتي بات داعش هو المستفيد المباشر منها.
وأخيراً، تجدر بنا الإشارة إلى الدعم البريطاني لعضوية السعودية لدى مجلس حقوق الإنسان الأممي. من المعروف أن تقارير هذا المجلس تشكل تأثيراً ونفوذاً كبيرين، فإدانة هذا المجلس اللعينة (التي تبينت حالياً أنها مخادعة) ضد القذافي هي ما قدم ذريعة (إنسانية) لشن حرب الناتو عام 2011م ضد الجماهيرية الليبية. كما أن طرد ممثل حقوق الإنسان الأممي من قبل الحكومة اليمنية (بالرياض)، يُظهر مدى حساسية منفذي الحرب على اليمن من الانتقادات. ولإخماد أي انتقادات، سيقوم أولئك الذين يصبون نار جنهم على اليمن، بتكريس الداعمين لهم في مجلس حقوق الإنسان.
بريطانيا - إذن - هي القوة الخارجية العظمى التي تسهل الحرب بقيادة السعودية ضد الشعب اليمني. كما أن بريطانيا - كالسعودية - تحرص على عزل إيران، وترى أن تدمير الحوثيين وسيلة لتحقيق ذلك. وفي نفس الوقت، تبدو بريطانيا في غاية السعادة وهي ترى كيف ينتشر داعش والقاعدة عن الحوثيين الذين تقوم بقصفهم، ربما من منظور جديد لعمليات زعزعة الإرهاب كمخرج يخدم المصالح البريطانية.
دان جليزبروك: كاتب سياسي مستقل كتب لعدة صحف عالمية وألف العديد من الكتب. حالياً يجري بحثاً لنشر كتاب حول الاستخدام البريطاني الأمريكي لفرق الموت الطائفية ضد الدول والحركات المستقلة من شمال أيرلندا وأمريكا الوسطى في السبعينيات والثمانينيات وصولاً إلى الشرق الأوسط وأفريقيا اليوم.
روسيا اليوم

7 ملايين جنيه استرليني عائداتها من العدوان على اليمن
بريطانيا أمام محاكمة على خلفية جرائم حرب
محمد علي  ترجمة خاصة لصحيفة (لا)

بات الدور الذي تلعبه بريطانيا مصدر قلق متزايد، لاسيما وأن الحرب الأهلية في اليمن لا تزال مستمرة، إذ تورد صحيفة (الإندبندنت) في تقرير لها أن الطائرات والقنابل / الصواريخ المصنعة في بريطانيا أصبحت جزءاً من غارات جوية على نحو شبه يومي في اليمن يشنها تحالف مكون من 9 دول عربية بقيادة السعودية، ناهيك في التسريبات التي تكشف أن 94 فرداً من القوات المسلحة البريطانية يؤدون واجبهم مع قوات أخرى غير معروفة يعتقد بأنها قوات التحالف السعودي، بينما تتحفظ الحكومة البريطانية بالرد على ذلك.
علقت جنيفر جيبسون، وهي محامية لدى منظمة (بريف)، في تصريح لها قائلة: (هذا الأمر بعيد كل البعد عن الشفافية، إذ يستحيل على (الحكومة البريطانية) قول شيء عن ماهية العملية التي يقوم بها أولئك الأفراد أو حتى البلدان التي أرسلوا إليها)، وهو ما كاد يجعل تلك التسريبات بلا قيمة تذكر، وأضافت جيبسون أن (من حق الحكومة البريطانية استخدام القوات العسكرية، لكن من حق البرلمان والشعب معرفة ماهية الحرب التي أرسلنا إليها قواتنا وتحت إمرة من؟).
ماذا يجري في اليمن؟ 
إن ما يجري في اليمن بدأ بصراع حول السلطة بين الرئيس عبدربه منصور هادي وبين المسلحين الحوثيين الشيعة المنتشرين على نطاق واسع، ثم تفاقم الوضع عندما بدأت حملة قصف شاملة على رأس تحالف مكون من 9 دول عربية بمساندة حكومة هادي.
منذ ذلك الحين وخلال الـ9 أشهر الماضية، أصبحت الحرب صراعاً بين هذه المملكة الخليجية وبين ما تراه كتمرد شيعي تدعمه إيران، ونتيجة لهذه الحرب قتل 4500 شخص نصفهم مدنيون، حسب إحصائات الأمم المتحدة، التي تحذر أيضاً من أن اليمن على شفير المجاعة بما أن الملايين من الشعب يواجهون خطر الجوع.
كيف باتت بريطانيا متورطة في الحرب؟
بعلاقاتها الوثيقة عبر العقود العسكرية وصفقات السلاح زودت بريطانيا السعودية بالكثير من الطائرات والصواريخ التي تم استخدامها ضد الحوثيين المتمردين، وبما أن بريطانيا المصدر الأول لمعظم الأسلحة إلى السعودية خلال العام 2014م، وبما أن المقاتلات المصنعة في بريطانيا يحلق بها سلاح الجو السعودي في سماء اليمن، فإن تورط الحكومة أمر لا يمكن دحضه، كما أن الحكومة البريطانية صدرت إلى السعودية 1000 قنبلة /  صاروخ خلال النصف الأول من العام الماضي.
من المسؤول؟
في منتصف ديسمبر الماضي قالت مجموعة من كبار المحامين البريطانيين بأن صفقات السلاح التي أبرمتها الحكومة البريطانية مع المملكة غير قانونية، ودعا المحامون إلى وقفها فوراً، وفي الأثناء حذر محامو مكتب الخارجية البريطانية من أنه قد تتم محاكمة بريطانيا على خلفية جرائم حرب، إذ إن صواريخها استخدمت ضد مدنيين.
ومع أن الحكومة البريطانية تغنت كثيراً بمساعداتها الإنسانية البالغة قيمتها 98 مليون جنيه استرليني التي أرسلتها إلى اليمن في العام المالي 2015م، إلا أنها مساعدة باهتة أمام مليار و7 ملايين جنيه استرليني جنتها الحكومة من صفقات السلاح التي بيعت إلى السعودية فقط في النصف الأول من نفس العام.

مجلة (ذا ويك) البريطانية  The Week