إذا كان من الهين اختصار سيرة ذاتية لأي مبدع، فإنه من الصعب اختصار سيرة الفنان الكبير محمد الحرازي، بكل ما فيها من عطاء فني زاخر بالجمال.. فأعماله الفنية تلامس الروح، وتطرب الوجدان، وتبقي أثرها الكبير في النفس، فمن منا لا يذكر أعماله الفنية التي ارتبطت بالذاكرة، والتي حملت عمقاً وبعداً لها مضامين كثيرة.. قدم لنا أروع المشاهد في التمثيل، كما قام بمعالجة الأغنية وتجميلها موسيقياً، وأظهرها لنا بثوب جديد يليق بمستواها.. إنه أداة من أدوات التنوير، حرص على الارتقاء بالفن من مستوى الأداء الشعبي البسيط إلى مستوى الأداء العالي.. إنه شخصية إنسانية وفنية شديدة العذوبة وعالي الإحساس بكرامته الفنية.. يمتلك موهبة ثرية مدعمة بثقافة فنية وموسيقية عميقة..  لم يكن مجرد ممثل موهوب، بل يعتبر واحداً من عمالقة التمثيل والتلحين الذين لهم بصمة واضحة المعالم في تاريخ الفن، وأحد المجددين الذين قدموا فناً غير تقليدي، لأنه اعتمد على أفكار جديدة عبرت عن مدى تمكنه وعشقه وسيطرته على أدوات هذا الفن.. إنه الممثل والمخرج والملحن والفنان محمد الحرازي.
 كيف يحب الفنان محمد الحرازي أن يقدم نفسه لجمهوره عبر صحيفة (لا)؟
أولاً حياكم الله وأشكركم على هذه الاستضافة الجميلة الرقيقة الرائعة لهذه الصحيفة، لأنها تهتم بالكثير من القضايا، ونشكرها على الاهتمام بالجانب الثقافي والفني.

  متى كانت بدايتك في التمثيل؟
البداية كانت في المسرح المدرسي من خلال الكشافة في الحديدة 1976م، فتم تشكيل فرقة المسرح الوطني في 1978م، والفرقة الموسيقية، وكنت عضواً فيها، وظللنا حتى سنة 1980م، فشكلت في وزارة الإعلام والثقافة الإدارة العامة للفنون لأول مرة، فنزلت لجان إلى الحديدة، وتم اختياري من ضمن فرقة المسرح الوطني.

 ثلاثة عقود ونيف في التمثيل وفي كتابة الشعر والتلحين.. ما المحصول المعرفي الذي توصلت إليه؟
الكثير والكثير، أنا من بعد عام 2000م كانت لي علاقات وطيدة ودراسات ودورات في دول عربية من خلال الاتحاد العام للفنانين العرب، وساهمتُ في إنشاء الهيئة العربية للمسرح، وكنت نقيباً للفنانين، وكان نقيب الفنانين والمهن التمثيلية الأستاذ أشرف زكي، والأستاذ إسماعيل عبد الله رئيس جمعية المسرحيين في الشارقة في الإمارات، وعملنا النظام الأساسي لتشكيل الهيئة العربية للمسرح، والحمد الله الهيئة إلى اليوم موجودة، وكنت رئيس المكتب القطري فيها من 2008م إلى 2010م، وأقيم المهرجان الأول في القاهرة، وانتخبت عضو المكتب التنفيذي للهيئة العربية للمسرح، هذه أهم الأشياء التي استفدناها من أمين عام اتحاد الفنانين العرب إلى أمين مساعد الاتحاد للدورة الثانية، وكان لنا دور قانوني في إعادة صياغة النظام الأساسي لاتحاد الفنانين العرب، الذي كان جمد في المؤتمر الخامس، وتم انتخابي أميناً مساعداً للاتحاد. 

 في مسلسل من نجوم الحرية مثلت دور الإمام أحمد، هل بالفعل جسدت شخصية الإمام الحقيقية؟
بالنسبة لي نعم، أما بالنسبة للنقاد والصحف ودكاترة الجامعات والنخبة فلهم آراؤهم. وأنا لم أقدم هذا العمل في التلفزيون، أنا قدمته في مسرحية الصراخ في محكمة الصمت، وقدمناها تلفزيونياً في 1982م، وقدمناها في قطر والكويت، وقدمناها كذلك في اليمن بمناسبة 26 سبتمبر عام 82م، وحضرها رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة، وهي من تأليف حسن اللوزي ومن إخراج حسن الأسمر المخرج الفلسطيني.
بعد ذلك تم نقل هذا العمل المسرحي إلى التلفزيون، حيث جاء المخرج علي المبنن إلى الحديدة، وكنت مدير المسرح في الحديدة، فأصر على أن أقدم هذا الدور، وكان ذلك في 1987م بمناسبة اليوبيل الفضي لثورة 26 سبتمبر، وكان إنتاج هذا المسلسل على حساب اليابان.

 كيف تقيِّم واقع الفن اليمني في ظل هذا العدوان السعودي؟
واقع الفن اليمني يترتب عليه واقع العمل الثقافي في المؤسسة الثقافية في الدولة، وعلى الدولة برمتها، وعلى ما نعيشه نحن اليوم من أحداث. التقييم طبعاً أنت تعرف أن الأنظمة كلها من قبل لا تريد ثقافة بالمعنى المطلوب، ومع ذلك كانت هناك قلة من الأعمال الفنية، لكنها لا تمثل ما يفترض أن يكون عليه دور الثقافة في المشهد الثقافي اليمني، ومع ذلك تتأثر الثقافة مع كل شيء، تتأثر الثقافة مع الحكومة، يتأثر الفنان، الآن نواجه عدواناً كبيراً جداً، ومع ذلك تفتقد الثقافة إلى أهم المقومات.

 هل لك أعمال جديدة ضد هذا العدوان السعودي؟
نعم فأنا الآن أعكف على كتابة مسرحية بعنوان (صامدون)، وهي مسرحية شعرية استعراضية تراجيدية سنقدمها على المسرح إذا توفرت الإمكانيات. نحن الآن نبحث عن الدعم المالي، وسنقوم بالتنسيق مع صندوق التراث.

 أغاني التراث اليمني مهددة بالضياع، كيف يمكن الحفاظ عليها؟
أغاني التراث قد سرقها الخليجيون بشكل كبير جداً من التراث اليمني. هذا اليمن الجميل العبق الذي يزرع التفاح والرمان والعنب والزهور، كان مستقراً وآمناً، ومن خلاله برزت الأعمال الفنية، واستفاد منها أهل الصحراء. وأعتقد بأن 90% من الأعمال الخليجية في الجزيرة العربية، هي يمنية، و10% يأخذونها من التراث الهندي.

 أيهما أفضل الوضع الثقافي في الثمانينيات أم الآن؟
شتان بينهما، كان هناك اهتمام وقفزة كبيرة. بعد 84 دخل خط على الدولة وطمس المناهج الفنية وأوقف المنح الثقافية.. كان هناك مخطط لدك الثقافة.

  ما هو أفضل عمل فني بالنسبة لك؟
من 2000م إلى اليوم أفضل عمل فني قدم هو مسلسل الثأر، شغل متكامل سُجل في السياني أخذ حقه من الوقت، والنص مكتوب بطريقة ممتازة جداً، أحداثه كانت حقيقية، طبعاً كتبه إسماعيل السياغي، ومن إخراج مجاهد السريحي، المقدمة من كلماتي وألحاني وأدائي، وشارة الختام كتبتها أنا والأستاذ الراحل محسن الجبري، وعملت على معالجتها موسيقياً، وغناها الفنان علي عنبة على الطريقة الشعبية، وكانت أغنية الختام عن الزراعة، وكان فيديو كليب ممتازاً. هذا عمل من حيث النسق، من حيث التركيب الدرامي، من حيث الأحداث أخذ حقه من التكاليف.
وأيضاً اشتغلنا قبله بأشهر ذئاب ولكن، في تعز، مسلسل كوميدي تراجيدي فيه مبالغة في الكوميديا من ناحية، ولكنه طرح قضايا كثيرة ومهمة، غير أنه لم يأخذ حقه من الدعم المالي.

 ما هو الشيء الذي تمناه محمد الحرازي ولم يتحقق؟
يا عزيزي هناك كلام سوف أطلع عليه الصحيفة لأول مرة، لم أتكلم به لأحد من قبل. أثناء تواجدي في المكتب التنفيذي للمسرح بالشارقة، التقيت بحاكم الشارقة سلطان القاسمي، وأقنعته لأكثر من مرة بتقديم دعمه للمسرح في اليمن، قدمنا مطبوعات كثيرة من خلالي، وطبعت لكثير من الفنانين مؤلفات عبر الدراما، ووصلت معه إلى شيء في غاية الأهمية: بناء مسرح في اليمن، وافق على ذلك، وقال عليكم أن تحصلوا على أرضية تكون وقفية للمسرحيين، وتابعتها وعمدتها وطلعوا التكاليف ورصدوا المبلغ 25 مليون دولار لهذا المسرح على غرار المسرح الذي في الشارقة، ليقوم البريطانيون بإنشائه، وهو عبارة عن ثلاثة مسارح متجاورة: مسرح كبير ومتوسط وصغير، وطلبوا أن تكون المساحة لا تقل عن 10 آلاف متر. طبعاً تعبنا في الحصول عليها، وقابلنا الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ورئيس الوزراء علي مجور، وحولونا إلى مصلحة أراضي الدولة، وقالوا لنا لا توجد أرضية عندنا، ثم اتفقت مع وزير الثقافة محمد أبو بكر المفلحي، إلى أن أتت ثورة الربيع العربي، وأتت المشاكل، وذهب الموضوع أدراج الرياح، وكانت مدة بنائه ثمانية أشهر، وكانت الشارقة ستتولى صيانته وتشغيله، وسيتم تخصيص مبلغ 250 ألف دولار تشغيلاً سنوياً، هذا هو الحلم الذي ندمت عليه.

 هل تقرأ صحيفة (لا)؟
قرأتها أكثر من مرة، وسأهتم بقراءتها باستمرار.

  كلمة أخيرة لجمهورك..
أشكرك وأشكر صحيفة (لا) التي تهتم بقضايا الوطن والمواطن، وأقول لمتابعي صحيفة (لا) نحن وإياكم صامدون ضد هذا العدوان.
وأطلب من صحيفة (لا) أن تهتم أكثر بالجانب الثقافي، وتتواصل معنا، وسوف نوافيها دون غيرها بكل ما هو مستجد.

سيرة ذاتية:
محمد الحرازي 
نقيب الفنانين اليمنيين 
مدير عام المسرح في وزارة الثقافة
أمين عام مساعد لاتحاد الفنانين العرب
ممثل ومخرج وملحن وشاعر
شارك في العديد من المسلسلات: من نجوم الحرية ــ الثأر ــ ذئاب ولكن 
كتب العديد من المسرحيات