قبل نصف شهر تقريباً ذهبت إلى منزل صديقي الفنان الكبير حارث الشمسي للمقيل، ولأستمع إلى صوته وألحانه وفنه الفذَّ، وكذلك للاستمتاع بما تصنعه مخيلته وأنامله التي تُفرد الأوتار وتُسبح في محراب الفن، حينها لفت انتباهي شاعر سامق وبديع أدهشني بقصائده وبإلقائه المائز. إنه الشاعر منير العمري.
استمعت للعديد من قصائده، وأحسست أن في داخله أمواجاً من الأحاسيس، وبحراً زاخراً من الإبداع لا شطآن له ولا قرار.
في قيثارة الشاعر منير وتر لا يوقع إلا أنغاماً تبعث على التفاؤل، وتشف عن نفسية تنضح بالأمل، فبالصدق وحده دخل إلى ميدان الشعر، واقتحمه بضمير نقي وصادق لا يعرف المخاتلة والنفاق.
في قصائده نجد تجليات إنسان أصيل يمثل وقفة الشرف الصادر عن نظافة القلب ووضوح الرؤية، كما تتميز قصائده بالتوهج والوعي، وتضفر من خيوط شاعريته مزيداً من نسيج عالمه الشعري المتميز ورؤاه المحلقة.. منير العمري الشاعر الذي يعانق الحياة بلا خوف ولا رياء.
أستفز القصيدة
  القصيدة كائن خفي متطور دوماً تعيش في الأعماق، فإذا قررت الخروج فإنها تدق جرس الأرق فتستفز الشاعر.. متى تستفزك القصيدة؟
بالنسبة للقصيدة أنا الذي أستفزها، وليس العكس، بقدر ما كانت القصيدة لدى الكثير من الشعراء تستفزهم لفترات عديدة وعصور مديدة، فأنا أتيت أخالف هذا النمط وأخالف هذه الوتيرة، لكي أعمد إلى استفزاز القصيدة متى ما أردت، وأكتبها حسب شاعريتي التي تميل إليها في الوقت ذاته، أما إذا كانت تميل إلى الحزن أو إلى الوطني أو إلى الحرب أو إلى الحب أو إلى غير ذلك.

الشاعر مهندس وموهوب
ـ من هو الشاعر الحقيقي؟
أولاً يجب لنا توصيف هذه التسمية أو هذا التوصيف بالشكل الصحيح، فالشاعر لكي يكون شاعراً يجب أن يمتلك شاعرية مرهفة، شاعرية تجعله متمكناً من الكتابة والحس، فيستطيع عصر أفكاره ودمجها في إطار شاعري متمكن، وربما يسمى عند النقاد بالهندسة، فيجب أن يكون موهوباً إلى جانب أن يكون مهندساً، لكي يكون شاعراً، وإلا فهو لم يصل إلى مرتبة المشاعر، ولقد استغل هذا الاسم الكثير من الناس في هذا العصر، حتى أصبحت لا أحب التسمية بالشاعر، فأكتفي بذكر اسمي فقط، لأن هذا التوصيف لم يعد محصوراً على من يستحقونه، فاستغله الكثيرون، وهذا هو الواقع والحاصل.

المادة والشهرة قتلت الشعر
ـ أنت تعرف أن الشعراء العظام يمثلون ضمير الأمة ووجدانها.. برأيك إلى أين نصل إذا انطلق كل منا مثل هذه الانطلاقات؟
إذا انطلقنا مثل هذا المنطلق أرى أن واقعنا سيكون غير الذي هو كائن في أرضنا وغيرها من البلدان العربية التي هي أم الشعر وحاضنة الشعر وبوتقة الأدب، فترى العكس لأن الشعراء لم ينطلقوا من هذا المنطلق، وإنما انطلقوا من منطلق الكسب المادي والشهرة عكس نقل الصورة الإيجابية للضمير الإنساني.

إرضاء ذاتي
ـ عندما تكتب القصيدة هل تحاول إرضاء قارئ ما سواء كان عادياً أو خاصاً من فئة معينة؟
عندما أكتب القصيدة أكتبها لإرضاء شاعريتي، ولإرضاء كينونتي التي استفزت الشاعر، واستفزت الهجس الشعري، فتكتبه كي ترضي نفسها.
إبداع زمان
ـ الاستماع إلى الموسيقى الراقية جزء من تكوين المثقف الشامل، هل تستمع للموسيقى؟
لا أكذب القول إنني أستمع إلى الموسيقى، ولكن الموسيقى التي أصبحت نادرة الوجود في عصرنا، أو بالكاد تكون ليست معلومة لدى الجميع، لأن المنتشر والمنشور في مجال الشعر أو الموسيقى ومجال الفن، والذي أصبح منتشراً بين الناس، هو الشيء العديم، والشيء الذي يحوي الصخب والإزعاج، وغاب الرقي في مجال الشعر والموسيقى وغيرهما، فأميل إلى هذا النوع النادر، والذي قلما أجده في عصرنا.
جرح يؤرقني
ـ ما هو الجرح الذي يؤرقك كإنسان وكشاعر؟
الجرح العام والجرح الكلي لدى أي إنسان لديه إحساس بالوطنية، ولديه اندفاع بحب أرضه وترابه، والتعلق به كذلك، إنه جرح الوطن، هذا هو أكبر جرح يؤرقني، فتراني أكتب عن هذا الجرح، وأصفه، بل هو الذي يفرض نفسه على الشاعر.

منظر الدهشة
ـ عمل شعري تعتز به كثيراً..
ما كتبته إلى الآن أعتز به كثيراً.

ـ ماذا تعني لك قصيدة (منظر الدهشة)؟
منظر الدهشة هو منظر قمت برسمه ونحت جزيئاته بريشتي المتواضعة، حتى أمعنت رسم ذلك المنظر، ومن الصعب على الشاعر رسم منظر ما.

الشمسي فنان نادر
ـ من هم الفنانون الذين تعاملت معهم؟
لدي أعمال كثيرة نفذها الكثير من الشباب، وأنا دائماً أسعى إلى دعم الشباب الذين هم في سني أو لم يظهروا على الساحة الفنية، لكي تظهر إبداعاتهم، سواء في جانب الإنشاد أو في الغناء. ومن الأعمال التي أفخر بها هي بعض الأغاني التي غناها الأستاذ الفنان حارث الشمسي، كونه يمتلك فناً فريداً من نوعه ونادر الوجود في عصرنا، والفنان حارث مغيب إلى حد ما، وهو يصنع فناً راقياً برقي المستقبل القادم. من يتمعن في هذه البوتقة الإبداعية سيتحول واقعه إلى الأفضل.

وطن للجميع
ـ بماذا يحلم الشاعر منير العمري؟
أحلم بأن أرى وطناً يحتضن الجميع، وطناً لا تتغلب فيه المصالح الشخصية على مصلحته، وطن كل من فيه سواء، يضم الموهوبين والمبدعين، ويسخر لهم كل الإمكانات لكي يعبروا عن حبهم لهذا الوطن. أحلم أن أكون متمكناً في كافة المجالات التي أنا فيها.

العمري كنز ثقافي ومعرفي
ـ هل هناك صلة قرابة بينك وبين المنشد عبدالرحمن العمري؟
عبدالرحمن العمري هو ابن عمي، ولم أكن أحتك به من قبل، ويمتلك موهبة كبيرة، ومتمكن في مجاله، وهو إنسان يحوي ثقافة غزيرة في المعرفة والعلم، وهو يعتبر مغيباً كغيره من المبدعين، وأتمنى أن تكون هناك أعمال تظهره، وأرى أن العمل الذي يدور في خاطري وخاطرك يجب أن نسعى لعرضه على الواقع، ولإيضاحه بالصورة بشكل واضح.
صنعاء.. هدية ربانية
ـ ما هو الكنز الذي أعطتك إياه الحياة وتفخر به؟
الله سبحانه وتعالى أعطاني كنزاً، وهو العيش بهذه المدينة التي تحوي عبق التاريخ، اعتبرت وما زالت تعتبر بوتقة المبدعين وساحرة العقل والحس، فما كان عبدالعزيز المقالح إلا في صنعاء، ولولا صنعاء ما كان البردوني، مع العلم أنهما وغيرهما من مناطق أخرى، ولكن صنعاء هي التي ألهمتهم. ومن الكنوز التي أعطاني الله سبحانه هو اللسان الذي أتحدث به بلغتي منذ الصغر، فألهمني الله أن أتعلم القرآن الكريم، وأن أتربى في أسرة محافظة تهتم بالدين، ونشأت على هذه النشأة، وقوي لساني واشتد عضده على الاهتمام باللغة، لأنها أصل كل بلد، وأي بلد لا ينهض إلا بنهضة لغته، ولنا أن نرى بعض البلدان التي تطورت إثر تطوير لغتها كالسويد واليابان وألمانيا التي تفرض حالياً عقوبات مالية على من يخطئ بالإملاء في مراسلات مواقع التواصل الاجتماعي، فانظر كيف تطوروا وكيف أصبحوا.

ـ ما الذي يبكيك؟
يبكيني صراخ الحزن ومكابدة الوجع في وطني.

جديد ومطور
ـ ماذا أضاف لك الشعر؟
الشعر أضاف لي شخصية جديدة وصورة مطورة في حياتي الشخصية، وإلى الآن لم يعرفني الكثير حتى من الأقارب والأصدقاء، ولكن أضاف لي الشعر أشياء لا أكاد أخفيها.

أحلام مؤجلة
ـ سؤال غفلت عنه ولم أسألك إياه..
الموضوعات تتشعب والعناوين تتفرع وتتجذر إلى أكثر من موضوع، ولكن لم تسألني ما الذي نريده لتطوير فننا، كون هناك العديد من الأعمال التي شرعنا في البدء فيها، ولكن لم تكتمل حتى اللحظة لأسباب عديدة ليست مخصصة بهذا العمل أو بذلك، وإنما تقف عثرة أمام كل أعمال الموهوبين والمبدعين، فلا يستطيعون إكمالها وإظهارها إلى الواجهة، فكان لدينا عمل أوبريت (الواقع العربي) الذي يأتي في إطار عمل (الضمير العربي) و(الحلم العربي) السابقين، ولكنه بفكرة مغايرة، حيث يتكلم عن الواقع بعيداً عن الخيالات والأحلام، وبعيداً عن نقد الضمائر، يتكلم عن واقع عربي نحاول توصيفه لكي نعمد إلى تطوير هذا الواقع إلى الأفضل.

لا يأس مع الفن
ـ كلمة أخيرة..
الكلمة الأخيرة أوجهها لكل مبدع وموهوب، ولكل إنسان قد خيم اليأس على فكره ومخيلته، أن يتسلح بالأمل. وأشكرك، وأشكر صحيفة (لا) على هذه الاستضافة، وعلى إبراز هذه الصور المغيبة، وأقدم التحية من هذا المنبر ومن هذا الصرح الرائع والبديع، لأخي وصديقي وأستاذي مهندس الصوت الرائع محمد رسام الذي سعى وما زال لإظهار العديد من الأعمال للكثير من المبدعين، وأشكر كل مهندسي الصوت والمكساج.

سيرة ذاتية:
ـ الاسم: منير محمد العمري                       
ـ مذيع وصحفي وشاعر وناثر، تجربته الشعرية متأخرة، ولكنها دخلت ساحة الشعر بقوة وجدارة.. شارك في مسابقتين في الشعر وفي الإلقاء، فاز بالمركز الأول في كل منهما.
ـ لديه العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية التي لم تنشر بعد.. أبرزها مجموعة شعرية بعنوان (وأبقى عزيزاً) ودواوين معنونة بــ(بريق السيوف)، (مغامرة في عالم الحب)، (ومضة).
ـ يكتب المسرحية الشعرية والقصة النثرية، وهو راوٍ وقاصٌّ لكليهما.. ويمتلك العديد من الأعمال المسجلة أهمها (علاء يستحق الحياة) و(قصة إصرار) و(يبقى الأمل رغم قساوة الألم) و(قصة وطن).
ـ مذيع ومعد للعديد من البرامج الخاصة، والتي لم تعرض حتى اللحظة، وقدم العديد من المهرجانات والاحتفالات المختلفة.. وله الكثير من الأعمال الصحفية المنشورة.
ـ لديه عمل جاهز سيتم نشره قريباً، وهو عمل جماعي شبه أوبريت، بالإضافة إلى أداء شعري بعنوان (نديك يا معتدي) من أداء الفنان كمال الوبر والفنان مهدي المسوري والفنان جلال الشرفي.
ـ لديه عمل سيتم إخراجه في الأيام القادمة وهو بالنبطية، وهو رداً على محمد بن راشد آل مكتوم، الذي غناه حسين الجسمي، وما زال في طور التسجيل والإعداد، وسيكون عملاً كبيراً.
ـ غنى له الفنان حارث الشمسي أغنية (منظر الدهشة).