في نقطة تماس بين البحر العربي والمحيط الهندي تقع جزيرة سقطرى على بعد 500 كيلومتر من أقرب نقطة في الساحل اليمني. تمثل جغرافيتها الاستراتيجية صمام أمان لشريان حياة التجارة العالمية، وحركة وصل بين الشرق والغرب، وهي سفينة نوح الكبرى التي حفظت من كل زوجين اثنين، فخلف كل ذرة رمل تاريخ طويل يمتد إلى عشرات القرون، وخلف كل لون حكاية. إنها جزيرة الجمال والعجائب، وأغنية عذبة تغرد بها طيورها النادرة منذ اA271;زل، تقول كتب التاريخ في وصف جمال الجزيرة: لقد ضَعُفَ بارثودومبياز الرحالة اA271;وروبي أمام طبيعة الجزيرة الساحرة، وترك أوروبا تلهث خلفه جائعة.
تعد سقطرى أكبر جزيرة من 6 جزر تكوِّن ما يسمى أرخبيل سقطرى، وهي: درسة وسمحة وعبد الكوري، وصيال عبدالكوري وصيال سقطرى، و7 جزر صخرية أخرى، كما أنها أكبر الجزر العربية واليمنية، بمساحة تقدر بـ3650 كيلومتراً مربعاً.
ارتبطت الجزيرة في التاريخ القديم بمملكة حضرموت، أما في العصر الحديث فكان ارتباطها بسلطان المهرة حتى منتصف القرن العشرين، وبعد قيام الوحدة اليمنية كانت تتبع إدارياً محافظة حضرموت، قبل أن تصبح محافظة مستقلة عام 2013م، وتتخذ من حديبو عاصمة لها.
في 2008 صنفت منظمة اليونسكو الجزيرة كأحد مواقع التراث العالمي، ولقبت بـ(أكثر المناطق غرابة في العالم)، واختارتها صحيفة (نيويورك تايمز) كأجمل جزيرة في العالم لعام 2010م،  نظراً للتنوع الحيوي الفريد والأهمية البيئية التي تتميز بها.

سلع مقدسة
عُرفت جزيرة سقطرى منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد بكونها أحد المراكز الهامة لإنتاج السلع المقدسة كاللبان والبخور، ولذلك اكتسبت شهرتها وأهميتها كمصدر لإنتاج تلك السلع التي كانت تستخدم في الطقوس التعبدية لديانات العالم القديم، حيث ساد الاعتقاد بأن الأرض التي تنتج السلع المقدسة آنذاك أرض مباركـة من الآلهة، ويبدو أنها كانت بالفعل تحظى بمباركة إلهية، فكل ما فيها معجزة، كما كان يطلق عليها قدماء اليونان والرومان.

محمية طبيعية
تتميز جزيرة سقطرى بمناخ طبيعي عالٍ، إذ تعد من المناطق المهمة لصيد الأسماك، ومركزاً سياحياً نظراً للطبيعة الساحرة التي تتمتع بها الجزيرة، ولعل توافر العديد من أنواع التربة الخصبة كـ(الهيستوسول) ذات المواد العضوية، والتربة الفيضية والحمراء والإبريقية، والتي تسهم في تنشيط القطاع الزراعي، خلق مناخاً ملائماً جعل سقطرى محمية طبيعية كبرى من حيث التنوع الكبير للنباتات والطيور النادرة، حيث إنها تضم 73% من أنواع النباتات (من أصل 528 نوعاً)، بينها 270 نوعاً نادراً، وقد أدرجت أنواع منها في الكتاب الأحمر للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، على أنها نباتات نادرة جداً ومهددة.
كما يوجد العديد من النباتات الطبية، مثل الصبار السقطري المر، ودم الأخوين التي تعد من الأشجار النادرة جداً، والجراز والأيفوربيا، وأشجار اللبان التي يوجد منها 9 أنواع من أصل 25 نوعاً في كل العالم، كما تنتشر شجرة الأمتة وأشجار النخيل في معظم أراضيها.
ويوجد فيها أكثر من 300 نوع من الأحياء الفطرية التي تدخل في صناعة الكثير من الأدوية الطبية، والتي تتخذ من سقطرى المكان الوحيد للعيش في العالم.
باA273;ضافة إلى 90% من أنواع الزواحف و59% من أنواع الحلزونيات البرية غير موجودة في أية مناطق أخرى من العالم. أما بالنسبة للطيور، فالجزيرة تؤوي أنواعاً نادرة على المستوى العالمي (291 نوعاً، يتوالد 44 منها في الأرخبيل، فيما يهاجر 58 منها بانتظام)، ومن بينها بعض الأنواع المهددة بالانقراض. وهناك نوع من الطيور يطلق عليه بالمنظف أو البلدية وجاءت تسميته لأنه يحل بجانب الزائر اذا قرر الاستراحة في مكان ما فأنه سرعان ما يلتهم ما يرمي به الزائر من مخلفات. وتتميز الحياة البحرية في سقطرى بتنوع كبير، مع تواجد 352 نوعاً من المرجان الباني للشعب، و730 نوعاً من الأسماك الساحلية، و300 نوع من السراطين والكركند والإربيان.
بالرغم من هذا اA271;لق التاريخي والطبيعة الخلابة التي تتميز بها جزيرة سقطرى، إلا أن أبناءها يعيشون حياة بؤس، فلا وجود A271;ي استثمارات بارزة، وليس هناك أية فرص للعمل، وظلت الجزيرة معزولة لعقود في عصرنا الحديث، حتى تم إنشاء أول مطار مدني فيها، مطلع اA271;لفية الثالثة، إلا أنه لم يضف للحياة الاقتصادية والسياحية للجزيرة كثيراً، بقدر ما كان مطاراً لاستقبال الطائرات العسكرية ولوبيات قوى الرجعية والاستعمار التي عبثت في كل شيء جميل فيها.

لغة الأهالي
يُعرف أبناء سقطرى بلغتهم السقطرية التي يتحدث بها غالبية السكان بجانب اللغة العربية التي يستخدمها قلة قليلة منهم.. وبالرغم من التاريخ المزمن بالغزو اA271;جنبي، إلا أن ذلك لم يؤثر أبداً على التركيبة اللغوية والثقافة الروحية والفلكلورية لسكان الجزيرة الحاليين، حيث إن اللغة السقطرية ما تزال سائدة، ولم تدخل عليها أية إضافات خارجية كثيرة، ويتحفظ السقطريون على إطلاع الآخرين على أسرار لغتهم.

جزيرة الأرواح
يبدو أن الطبيعة الساحرة التي تتمتع بها سقطرى أثرت بشكل كبير على سكانها الذين عرفوا بممارسة السحر في فترات زمنية كثيرة، ما أكسبها شهرة عرفت باسم جزيرة اA271;رواح.. فحسب شهادات البحارة، يصف الرحالة اA273;يطالي ماركو بولو سكان سقطرى القدماء بأنهم أفضل سحرة العالم، حيث ذكر في مؤلفاته أن أبناء سقطرى استخدموا السحر لاعتراض رحلته، وقاموا بإرسال الرياح المعاكسة للسفن وإرغامها على العودة إياباً، فيما تقول بعض الحكايات التاريخية إنهم كانوا يتحكمون في هبوب الرياح والعواصف والكوارث الطبيعية، بينما لا زال حتى الآن الاعتقاد بوجود بعض الكائنات الخارجية المعادية للإنسان، وهو يعد شكلاً من أشكال الثقافة الروحية للسقطريين، إذ مازالوا يتحدثون عن بعض النساء اللاتي يقمن بتعقب الناس عند حلول الظلام وافتراسهم، وفي الفلكلور السقطري توجد شخصيات نسائية شؤم تنذر بالسوء، منها على سبيل المثال العجوز (يتمامين) التي تصفها الأساطير بأنها مخلوق ذو قامة طويلة وأنياب كبيرة وهيئة بشعة، تلتهم الأحياء.. وبين الواقع والأساطير التي شكلت جزءاً كبيراً من ملامح الجزيرة، يمكن القول على غرار ماركو بولو إن إعصار تشابالا الأخير ضربة سحرية للعجوز يتمامين.

مفارقة عجيبة
وبالرغم من الشواهد التاريخية التي تؤكدها، تعد ممارسة السحر جريمة في أعراف السقطريين، حيث كان أبناء سقطرى يعاقبون الشخص المتهم بالسحر بربطه على تل مرتفع، فإذا هطل المطر خلال هذه الفترة، فإنهم يقذفونه بالحجارة، في حين عرف سكان الجزيرة في فترة عبادة القمر ما قبل المسيحية والإسلام، باستخدام طقوس سحرية لاستسقاء المطر، ما يعد مفارقة عجيبة توحي بغرابة الجزيرة المملوءة بالتناقضات والعجائب.

ألم وأمل
كل هذا الزخم التاريخي والطبيعي في سقطرى تتناوشه اليوم مخالب وحوش الدم اA271;مريكية الإماراتية التي تلوث جسدها العفيف، حيث تتنفس اA271;لم بحرقة في زاوية بعيدة تواجه البراكين واA271;عاصير والغزاة في آن واحد، وتبحث في سجل أغنياتها الحزينة عن منقذ ينفض عنها غبار الحاقدين، ولا منقذ سوى اA271;بطال الذين يخوضون ملاحم الشرف في الشطآن التي ستنفخ الروح في شريان الحياة الواصل من تخوم الساحل الغربي إلى قلب الجزيرة.
وحتى ذلك الحين دعونا نردد ما قاله الشاعر الكبير محمود درويش:
وأنت حديقتنا العذراء.. ما دامت أغانينا سيوفاً حين نشرعها.