حاوره: مارش الحسام / لا ميديا -
في عالم الفن، حيث يُعتبر المال والشهرة مقياسين للنجاح، يوجد فنانون يرفضون أن يُقيّموا بهذه المعايير. أحد هؤلاء هو الفنان والملحن غمدان الخزاعي، الذي قدم عددًا من الأعمال والألحان التي غناها العديد من الفنانين كأحمد الحبيشي وشقيقه الأصغر سام الخزاغي.
يؤمن أن الفن رسالة سامية وليس وسيلة تكسب، فيما عوامل عدة منها مادية دفعته للتواري عن الأضواء، وأن يظل غنيًا بمكانته كفنان، وأن يمارس هوايته بشكل شخصي.
في هذا الحوار مع صحيفة «لا»، ناقشنا مع ضيفنا حياته الفنية، وأسباب ابتعاده عن الساحة الفنية، ورأيه حول واقع الفن في اليمن وغيرها من المواضيع ذات الصلة.
 بداية كيف تقدم نفسك للقراء؟
غمدان محمد علي الخزاعي، 49 سنة، أب لخمسة أطفال، الأكبر من بين أشقائي.

صدفتان
ماذا لو تحدثنا عن بدايتك الفنية؟
بداية دخولي هذا المجال كان بالصدفة؛ وبالأحرى اجتمعت صدفتان، الأولى حوالي العام 1989 حيث حضر أحد الأشخاص إلى حارتنا وكان يسأل عن منزل شخص ما في الحارة، ذهبت معه كي أدله ودخلت معه البيت المعني وكان فيه جلسة غناء، انجذبت ونسيت الشيء الذي جئت من أجله، وتسمرت في مكاني أستمع وأشاهد وأستمتع، وببراءة طفولية قلت لهم أريد أن أتعلم الغناء والعزف، لكنهم لم يعيروني انتباها بحكم أني طفل.
بعدها ومن محاسن الصدف أن أحد جيراننا ترك آلة عود كرهن عند الوالد (رحمه الله)، وبدأت أحاول أعزف عليه وأغني عن رغبة وميول، وشيئا فشيئا بدأت أتقن العزف، بعدها سام أخي هو الآخر أراد أن يتعلم العزف والغناء، ومن هناك بدأنا المشوار.
هل بدأ مشوارك الفني مع سام أخيك؟
بدات المشوار الفني قبل أخي سام بعدة شهور، وتحديداً ما بين 3 إلى 4 أشهر.

بداية مشوار التلحين
ماذا عن بدايتك كملحن أو تجربتك في مجال التلحين؟
أول عمل لي كان أغنية غناها أخي سام في أحد ألبوماته، لحني وكلمات الفنان المرحوم علي عبدالله السمة «يا صبايا صبر». لأن في ذلك الوقت لم أجد كلمات تتناسب مع اللحن خاصتي سوى كلمات المرحوم السمة.
ثاني لحن كان من كلمات الأستاذ الشاعر عبدالحق الشرفي «محال محال يعود الجنوب هنا والشمال»، وغناها أطفال مدرسة العمري. وهناك عمل غناه أخي الحبيب أحمد الحبيشي أغنية بعنوان «يا أمير الحسان».. وأعمال كثيرة غناها عدد من الفنانين مثل محمد النعامي وإسكندر المعطري وغيرهم، وهناك أعمال تنتظر إنتاجها وتسجيلها إن شاء الله.

رد قلبي
في العام 2002 طرحت ألبوم «رد قلبي»، وربما هو الألبوم الوحيد الذي طرحته في الأسواق.. ما تعليقك عليه؟
لم يأخذ حقه، كانت الخبرة قليلة، وللعلم الفنان اليمني يعتمد على الجهد الذاتي، حيث لا اهتمام من الدولة وليس هناك جهة تتولى صقل المواهب.

نجاح جزئي
لكن الألبوم حقق نجاحا وربما كثيرون عرفوك من خلاله؟
نجاح جزئي، كان نفسي أقدمه بشكل أفضل، وأفكر بإعادة إنتاجه مجدداً وبصورة أجمل حين تتحسن الظروف إن شاء الله.
لا نايم ولا صاحي
حاليا كيف تصف علاقتك بالفن؟
«لاني بنايم ولاني بصاحي»، كما يقول الفنان الكبير المرحوم أبو بكر سالم بلفقيه، في ظل الأوضاع التي نعيشها الإنسان أصبح اهتمامه كيف يكسب قوت أولاده.

توقفت عن الظهور وليس عن الفن
هل معنى هذا أنك قطعت صلتك بالفن؟
لا لم أقطع صلتي بالفن، ولكني توقفت عن الظهور بسبب ما هو حاصل في بلادنا أسأل الله أن يعجل بالفرج وبعودتي إلى الساحة الفنية.

خلف الأضواء
 هل لازلت تمارس الفن بشكل شخصي؟
الفن رسالة سامية وشيء جميل، ويعود عليك بأشياء كثيرة، منها احترام الذات، وكيف تعبر عن مشاعرك، لذا من المستحيل أن أتركه ومازلت أمارسه بشكل شخصي وبعيدا عن الأضواء.

قرار صعب
فيما يخص ابتعادك عن الساحة، هل كان من السهل عليك اتخاذ مثل هذا القرار؟
طبعاً كان صعبا جدا عليّ أن أتخذ هذا القرار لأسباب يطول شرحها، ومن ضمنها اختفاء الدافع في الإبداع بسبب ابتعاد الأصدقاء المهمين لي في عملي وذهابهم وراء سُبل المعيشة وتأمين قوت أسرهم.

الأعراس مادية لا فنية
سمعنا أنك ترفض الغناء في حفلات الأعراس والتي يمكن اعتبارها في الوقت الحالي بالنسبة للفنان مكسبا ونجومية وحلقة وصل مع الجمهور؟
حفلات الأعراس لا تخدم الفنان إلا من الناحية المادية، أما فنيا وثقافيا وصقل خبرة لا تفيده بشىء وإنما العكس تدفعه للخلف وتؤثر سلبا على مستواه، أنا أقاطع حفلات الأعراس باعتبارها ليست مفيدة للفنان إلا من الناحية المادية وعلى حساب الناحية الفنية.

تحريف وتشويه
 هناك اتهام للفنانين المنخرطين في الغناء بحفلات الأعراس بمسخ التراث اليمني وتحريفه من خلال إدخال أسماء أشخاص على الأغاني التراثية، وأيضا بنقل صورة مشوهة للجمهور الخارجي عن الفن اليمني، بل إن يوتيوبرات عربا وأجانب صاروا يقلدون أغاني يمنية بطريقة ساخرة تحاكي الفنان اليمني وهو يمضغ القات بشراهة.. ما تعليقك؟
أكيد هناك مسخ وتشويه وتحريف، بسبب عدم المعرفة وعدم الوعي، حيث يضطر الشخص أن يتصرف تصرفات هوجاء غير محسوبة، الخطأ ليس خطأ الفنان أو الفنانين الحاليين، الخطأ خطأ الجهات المعنية في الدولة كونها لم تضع حدا لهذه الأشياء، لو كانت الرقابة موجودة ما كان يحصل هكذا مسخ وتحريف وتشويه للتراث.

مال سائب
نجدك تلقي اللوم فقط على الحكومة والرقابة وتبرئ الفنان وتبرر تصرفاته دون أن تحمله ولو جزءا من المسؤولية باعتباره يحمل رسالة؟
كما يقال «المال السائب يعلم السرقة»، إذا لم يكن هناك من يراقبني ويحاسبني كفنان سأتصرف على مزاجي، الفنان أحيانا كل همه المردود المادي ولا يهمه التراث، ولو كان هناك رقابة ومعايير فنية لما كان الباب مفتوحا على مصراعيه لمن هب ودب، ولما كان بمقدور أي شخص أن يغني على هواه.
المفروض أن يكون هناك تقييم للفنان من حيث أدائه وصوته وإمكانياته الفنية، وهل يصلح فنانا أم لا؟ في حالة كان مؤهلا يجب أن يكون هناك تصنيف، هذا فنان شعبي، وهذا طربي وكذا.. وكذا.. ولكن للأسف وبسبب غياب الدور الرقابي صار التراث اليمني عرضة للمسخ والتشويه والتحريف وستتفاقم هذه المشكلة أكثر وأكثر في ظل غياب الرقابة.

مادية فقط
بغض النظر عن الغناء في حفلات الأعراس وما يشوبها من تشويه وتحريف للتراث، إلا أنه ربما لا يمكن إنكار دورها في إبراز فنانين وربما صناعة نجومية لآخرين؟
بالعكس، حفلات الأعراس في الوقت الحالي لا تخدم الفنان إلا ماديا فقط، أما في السابق فنعم كان لها دور أيام الزمن الجميل، وأيام الفنان الأستاذ أحمد الحبيشي كان المستمع يقيم الفنان، وكنت إذا ذهبت لإحياء حفلة عرس كنت أحس أنني داخل ساحة حرب، ضروري أن أحاسب على كلماتي وتصرفاتي كفنان، أحاسب على كل أغنية أغنيها، لازم هذه الأغنية أعطيها حقها بحيث لا أغلط فيها. كما لو أن الحضور لجنة تحكيم، في السابق كان المستمعون يقيمون الفنان أما في الوقت الحالي فكل شيء مسموح وكل غلط مقبول.

نجاح الأغنية
شهرة الأغنية برأيك على ماذا تعتمد؟
تعتمد على مجموعة من العوامل المهمة والتي تتمثل في الكلمات، واللحن، والأداء، والصوت.

الشهرة تلازم الجودة والرداءة
 هل شهرة أي أغنية دليل على جودتها أو على تلك العوامل التي ذكرتها؟
الشهرة إذا كانت في الموضع الصحيح، فيمكن اعتماد العوامل السابقة، ومع ذلك أسحب كلامي وما كنت أقصده كان يخص الشهرة في الموضع الصحيح، كتقييم عوامل نجاحها.
أما في الوقت الحالي فلا يمكن القول إن شهرة الأغنية دليل على جودتها، بدليل أن هناك أغاني ردئية تحظى بشهرة واسعة وصارت «ترند» رغم افتقارها لكل المقومات الفنية.
ومع ذلك وفي الوقت الحالي لا يمكن اعتبار الرواج رديفا لرداءة الأغنية، بدليل أن هناك أغاني جيدة رائجة ولكنها اكتسبت رواجها وشهرتها من العوامل التي سبق أن ذكرناها كمعيار لجودتها وقوتها.

قابلة للتكرار
أيام الزمن الجميل ظهر كوكبة من عمالقة الفن اليمني كالآنسي وأيوب طارش والسنيدار والسمة والمرشدي وغيرهم الكثيرون.. هل ممكن أن تتكرر مثل الأسماء؟
ممكن أن تتكرر وربما بصورة أفضل، إذا كان الشخص لديه هدف أن يبني نفسه بناء صحيحا وأن يسير على دربهم وخطاهم.
مثلا الآنسي والسمة والمرشدي شقوا طريقهم بأنفسهم وبجهدهم، ولم يكونوا مجرد فنانين وإنما قامات موسيقية تمتلك ثقافة أدبية وفنية، وكل واحد منهم موسيقار وبحر في الألحان والمقامات وطبقات الصوت وجلساؤهم كانوا كتابا وشعراء وأدباء وكان لهم دور في صقلهم وتطويرهم.
فنان أو فنانون تأثرت بهم أو تعتبرهم قدوة لك؟
روحي الفنان علي السمة، إلا أن إعجابي بالفنان أبو نصار أكثر، وذلك بحكم طبقة صوتي.

عمالقة لم يأخذوا حقهم
فنان يمني لم يأخذ حقه من الشهرة؟
بشكل عام كل عمالقة الفن اليمني لم يأخذوا حقهم، محمد سعد عبدالله أحد هؤلاء، أيوب طارش لم يأخذ حقه، وكذلك الآنسي والسمة لم يأخذوا حقهم مقارنة بما أعطوه، وأعتبرهم مظلومين جدا.

إعلام فاشل
ولكن هؤلاء، أي عمالقة الفن اليمني حاضرون على المستوى المحلي وغير مهضومين إعلاميا؟
حاضرون بسبب أغانيهم الخالدة، ولكنهم ماتوا معدمين وحالتهم صعبة جدا، حتى إعلامياً مظلومون، لأن الإعلام اليمني فاشل.