حلقات يومية يكتبها القاضـي محمـد الباشـق / لا ميديا -
إن الوصول إلى النفس المطمئنة هو منتهى آمال العارفين، وغاية سعي العاملين، ومضمار سباق المتقين؛ لأن الفوز بالنفس المطمئنة علامة رضوان الله الأكبر وجنته الكبرى للمخلصين، وإن من وصل إليها تجاوز عقبة كؤودا، ونجا من شرور محدقة، وانتصر على الشيطان، وتجافى عن دار الغرور.
وبعون الله أكتب هنا ما فيه وبه الوصول إلى النفس المطمئنة، أخاطب نفسي وإخواني، رغم كثرة العوائق ومدلهمات الخطوب وكثرة ما بث إبليس من جنده؛ إلا أن الوصول ليس مستحيلا، فمن استمع بقلبه ونظر بعقله وتأمل بفكره وجلس مع نفسه جلسة محاسبة، وخاطب نفسه خطاب معاتب، وقال لها: كفى أيتها النفس شرودا، وكفى أيتها النفس بعدا عن خالقك وإعراضا عن مدبر أمرك، وتلا بكل خشوع قول الحق: «فلا اقتحم العقبة»، ويا لها من عقبة! لا تُقتحم بوسائل نقل بشري، ولا تتذلل بالأدوات التي اخترعها الإنسان عبر العصور...
هذه العقبة أخبرنا الحق عن خطورتها: «وما أدراك ما العقبة»، إنها عقبة نفس استحكمت شهواتها ووقعت أسيرة شبهاتها. ومع عقبة النفس وعلى جوانبها يقف إبليس بجنده وحبائل مكره، ومعه دنيا الغرور، وكل ما يصد وكل ما يبعد الإنسان عن الله موجود ومتمترس في هذه العقبة، فتجلت رحمة البارئ فأخبرنا كيف نتجاوز هذه العقبة، فقال: «فَكُّ رقبة». إرشاد عبد أحاطت به خطيئته من براثن الشيطان، ومن ظلمات تأنيب الضمير، ومن نيران ذل المعاصي التي اشتعلت في حنايا نفسه لتحرق أي رجاء له بالله، ولتحرق أي ظن جميل له بالله، فتفك هذه الرقبة بأن تعيدها إلى رحاب بارئها، لتهب على نفسه نسائم «لا تقنطوا...»، ولتنسكب على جسمه المنهك بِذُلِّ المعاصي معين «أقبل ولا تخف»، ولترتاح نفسه إلى نداء الحق «إني قريب»، وأي رقٍّ أشد من رقِّ الذنوب؟! فكونك قدوة بصفاء الباطن وصلاح الظاهر، وأن تقول للخلق إن باب رحمة ربي مفتوح، وأن مغفرته أعظم من ذنوبنا...
«فَكُّ رقبة» أكبر من أن يكون إعتاق عبد مملوك لمخلوق مثله تعتقه السنون أو موقف نبيل، إنما «فَكُّ رقبة» أن تخرجه من سجن الخطيئة وذُلِّ العقوبة، ومن كل عائق مادي أو معنوي أو نفسي أبعده ونحاه عن رحاب مولاه، أن نرشد العباد ألا عزَّ إلا بالله، ولا ثقة إلا به، وأن نقول لكل محروم ولكل طالب حاجة: مد الكف إلى الله، وكُفّ الكف عن أي أذية، وافتق لسانك بذكر الله ومناجاته.
«فَكُّ رقبة» أن تكون الرقاب متذللة ساجدة لرب العباد، الله وحده، أو «إطعام في يوم ذي مسغبة»، وسنخصص لهذا حلقة مستقلة بعون الله وتوفيقه