إعداد:علي عطروس / لا ميديا -
لم تفتأ الحكومة الفرنسية منذ انطلاق التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية على اليمن في آذار/ مارس 2015 تنفي تورط فرنسا. ففي كانون الثاني/ يناير 2019، أكدت وزيرة القوات المسلحة آنذاك، فلورنس بارلي، أمام ميكروفون أهم الإذاعات الوطنية: «لم نقم مؤخراً ببيع أي سلاح يمكن استخدامه في الصراع اليمني». وأوضحت الوزيرة أن المعدات التي تم تسليمها تُستخدم فقط «لضمان حماية الأراضي السعودية من الهجمات البالستية الآتية من اليمن».
بعد بضعة أشهر من ذلك، في 15 نيسان/ أبريل 2019، أثبت تحقيق أجراه موقع «ديسكلوز» الاستقصائي تحت عنوان «صُنع في فرنسا» حول تقرير صادر عن مديرية المخابرات العسكرية عكس ذلك. ولم تشارك طائرات ومروحيات ودبابات ومدافع فرنسية في هجمات التحالف فحسب، بل استُخدمت هذه الأسلحة لاستهداف مناطق مدنية.
عمل أيضا وزير الخارجية الفرنسي السابق، جان إيف لو دريان، جاهداً للحفاظ على الرواية الرسمية. وقد أصر في 13 شباط/ فبراير 2019 أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة -التي تفاعلت بالكاد مع الموضوع- على أن فرنسا «لا تقدّم أي شيء لسلاح الجو السعودي». وهي كذبة تتجاهل تسليم شحنات من أدوات الليزر لتحديد الأهداف من صنع شركة «تاليس»، والتي تم إرسالها إلى السعودية على الأقل حتى 2017 فضلا عن آلاف الصواريخ المصنوعة في فرنسا والتي تم تسليمها لتحالفها العسكري.
خلال سنة 2019 فقط، أعطت الدولة الفرنسية الضوء الأخضر لـ47 عقد تصدير ذخيرة إلى السعودية، وطوربيدات وصواريخ وقذائف موجهة ومواد متفجرة أخرى، بقيمة إجمالية قدرها مليار يورو للسعودية و3.5 مليار يورو للإمارات. وفي 2020، سجلت هذه التراخيص ارتفاعا بنسبة 40% للسعودية و25% للإمارات.
ترفض الحكومة الفرنسية حتى الآن كشف تفاصيل الأسلحة التي تم تسليمها بالفعل لكل دولة أجنبية. مع ذلك، تبرز تقاريرها العامة التي تُقدم كل عام إلى البرلمان مدى أهمية التجارة مع اثنتين من أكثر الدول تدخلاً في الشرق الأوسط، وهما السعودية والإمارات، اللتان تحتلان على التوالي المرتبتين الثالثة والخامسة بين أكبر زبائن الأسلحة الفرنسية. وتخبرنا هذه التقارير بأنه بين عامي 2015 و2021، سلّمت فرنسا معدات عسكرية وذخائر وخدمات صيانة بنحو 9 مليارات يورو إلى السعودية والإمارات، اللتين تقودان التحالف.
«من اللحظة التي «تسكن» فيها شركة ما مكاناً ما، يجب أن يُعْرف دورها وأن يتم مناقشته من قبل السكان. ذلك هو الحال بالنسبة لبعض الصناعات الكيماوية أو الغذائية الزراعية». هذا ما كتبه مرصد التسلح في تقريره لعام 2022 عن شركات الأسلحة في منطقة أوفيرني رون ألب، جنوب شرقي فرنسا. «لماذا لا ينطبق ذلك على صناعات الأسلحة والأمن؟». فعلا، لا يمكن أن يكون تصنيف «ملف سرّي» عذرا دائما للإفلات من العقاب.
ثلاث شركات فرنسية كبرى ومتعهّدوها متورطون في نزاع أسفر عنه مقتل أكثر من 13 ألف مدني خلال سبع سنوات، وهي مجموعة «تاليس»، التي تزود الطائرات المقاتلة وتسلم الذخيرة، وشركة تصنيع الصواريخ الفرنسية البريطانية (MBDA)، وشركة «داسو» للطيران، التي تقوم بصيانة طائرات ميراج 2000 وكسبت عقودا قياسية مع الإمارات. تتركز معظم أنشطتها في منطقة الوسط، «آكيتين» الجديدة و»إيل دو فرانس».
طالب البرلمان الأوروبي وفريق خبراء الأمم المتحدة البارزين الدوليين بشأن اليمن مراراً بإيقاف تسليم الأسلحة للتحالف، بسبب استخدامها ضد المدنيين. اتصل موقع «أوريان 21» بمجموعة «تاليس» التي ألقت المسؤولية على الدولة الفرنسية، المساهم الرئيسي في المجموعة. وأكّد لنا قسم الاتصال بأن «تاليس تلتزم بشكل صارم بالإطار القانوني، وتعمل باستمرار على تعزيز إجراءات رقابتها الداخلية على الصادرات». في سنة 2020 تعهدت إدارة «تاليس»، إلى جانب قادة شركات من جميع أنحاء العالم «بالشراكة مع الأمم المتحدة من أجل احترام حقوق الإنسان». أما «داسو» وشركة تصنيع الصواريخ الفرنسية البريطانية (MBDA) فقد رفضتا الإجابة على أسئلة الموقع الصحفي.
تدور حرب اليمن في المقام الأول جوّاً. تشير لوتيس بوسوينكل، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إلى أنه لم يسبق في التاريخ الحديث أن تطَلَّب نزاع هذا الكم من الصواريخ، والقنابل الموجهة، وقذائف المدفعية، والطائرات بدون طيار، وأنظمة الدفاع الجوي. وقد أحصت المنظمة المرجعية لمشروع بيانات عن اليمن تنفيذ 25 ألف غارة جوية منذ 26 آذار/ مارس 2015، تاريخ بدء تدخل التحالف العربي.
يهاجم أعضاء التحالف العربي المزارع والأسواق والمراكز الصحية أو مواقع التزود بالمياه. وقد قُتل ثلثا الضحايا المدنيين الذين سجلتهم منظمة «أكليد» غير الحكومية حتى عام 2019 نتيجة قصف للتحالف.
رغم إعلان السعودية وقف إطلاق النار في 30 آذار/ مارس 2022، لم يوضع حدّ ا لغارات عملياتها المسماة «إعادة الأمل»، ولا لهجمات الحوثيين. ووفقا لمنظمة «أكليد»، فقد قُتل في غضون 5 أشهر ما يقارب 400 يمني، ونفذ تحالف الرياض ما يقارب 200 قصف جوي.
في الأثناء، تساعد فرنسا الإمارات على تجديد مخزونها من الصواريخ. ففي 3 كانون الأول/ ديسمبر 2021، نالت شركة تصنيع الصواريخ (MBDA) عقدا بقيمة ملياري يورو لتجهيز 80 طائرة «رافال» كانت الإمارات طلبتها من «داسو». صحيح أن طائرات «رافال» لن تكون جاهزة قبل عدة سنوات؛ لكن صواريخ (MBDA) قابلة للاستعمال كذلك، بمجرد تسليمها، على طائرات «ميراج» التي تشارك فعليا في الحرب على اليمن. وبالنسبة للرئاسة الفرنسية، فإن هذا العقد «التاريخي» «تتويج أساسي للشراكة الاستراتيجية بين البلدين».
مجموعة تصنيع الصواريخ (MBDA) هي ملك مشترك لإيرباص والشركة البريطانية (BAE Systems) والإيطالية «ليوناردو»، وهي المزود الأوروبي الرئيسي للتحالف. سلاح الجو الإماراتي مجهز بصواريخ كروز من طراز «بلاك شاهين» (Black Shaheen)، وهو أحد أنواع نظام كروز طويل المدى المستقل المسمى «سكالب» أو «ستورم شادو» (Storm Shadow)، والذي يتميز وفق إشهار بيعه بـ»دقة استهداف عالية بفضل نظام ملاحة متطور». تُستعمل هذه الصواريخ أيضا من قبل الجيش السعودي، ويتم تجميعها في وسط فرنسا هي الأخرى وتُعد ورقة رئيسية للتحالف. وهي محملة بـ400 كجم من المتفجرات، ما يجعلها قادرة على تفجير مبنى بضربة واحدة، ويمكن تشغيلها على جميع طائرات التحالف المقاتلة: التايفون، التورنادو وغيرها من طراز ميراج 2000.
وبما أن صاروخ ستورم شادو/ سكالب برنامج فرنسي بريطاني، يتم توزيع إنتاج المكونات بين المواقع الصناعية في إنكلترا وتلك الموجودة ببورج، حيث تُشغّل (MBDA) 1700 عامل. يتم إنتاج النظم الإلكترونية والحاسوبية لهذه الصواريخ في محافظة شار الفرنسية. كما يتم هناك أيضاً اختبار الذخيرة -بعد تجميعها- في المختبرات التي تحاكي ظروف الطيران المختلفة (مثلا عن طريق تعريض الصاروخ لدرجات حرارة قصوى). وفي بورج أيضاً، تقوم الشركة المتوسطة (Aérospatiale SME ASB) بتصنيع البطاريات الحرارية الضرورية لدفع هذه الصواريخ على بعد أكثر من 400 كيلومتر من هدفها.
تحتوي أيضاً الترسانة السعودية المدرجة من قبل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، على إحدى القنابل الرئيسية في كتالوج مجموعة تصنيع الصواريخ (MBDA): صاروخ بريمستون (Brimstone) - «الكبريت» (باللغة الإنكليزية)، والذي يمكن تحميله على الطائرات كما على الدبابات، ويتم تصنيعه في لُوستوك، بضاحية مانشستر. كما تم أيضاً في بورج تصنيع أول منضدة اختبار صواريخ بريمستون، ليتم شحنها جاهزة إلى إنكلترا.
تؤوي بورج والمدينة المجاورة لاشاپیل سان ارسين (La chapelle Saint-Ursin) مصنعين لشركة «نكستر» (Nexter) ينتجان مجموعة متنوعة من ذخيرة المدفعية. وقد طلب السعوديون من الشركة، في خضم الحرب في اليمن، تسليمهم قذائف 120 ملم لتسليح دباباتهم لوكلير (Leclerc).
في 2016، خططت شركة نكستر لبيع 53 ألف قذيفة و50 ألف مكوّن متفجر -والتي تُسمى «صواريخ مدفعية» في القاموس العسكري- إلى الإمارات، وفقاً لمذكرة من الأمانة العامة للدفاع والأمن الوطني بتاريخ 1 حزيران/ يونيو 2016، كشف عنها موقع ديسكلوز.
في لافيرتي سان أوبان (La Ferté Saint Aubin)، جنوب مدينة أورليان، كان من المقرر أن تقوم يونغهانس (Junghans) -وهي شركة متوسطة تمتلك مجموعة تاليس 49% منها- بتزويد الحرس الوطني السعودي بـ41500 «صاروخ» من ذخيرة مدفعية عيار 155 ملم، مزودة بمدافع سيزار من القطر نفسه. وقد بلغت القيمة الإجمالية للعقود 350 مليون يورو. ورغم تردد بعض الدبلوماسيين في ذلك الحين، أعطت الدولة الفرنسية الضوء الأخضر لهذه الصفقة. وفي عام 2016 ذاك، كان دفتر الطلبيات ممتلئاً إلى درجة أن شركة نكستر لم تكن تمتلك قدرة إنتاجية كافية. ولإرضاء الزبون الإماراتي في أسرع وقت ممكن، تم أخذ القذائف من مخازن سلاح الفرسان الفرنسي.
توظف مجموعة تصنيع الصواريخ (MBDA) ونكستر ومتعهّدوهما 5000 شخص في مدينة بورج، أي 10% من العمالة في المنطقة الحضرية. وتشارك شركة تصنيع الصواريخ (MBDA) في لجنة تحكيم المسابقة المحلية للشركات الناشئة في قطاع الدفاع (Def’ Start)، وكانت حتى الراعي نسختها الثانية.
تشرح إيرين فيليكس، رئيسة المنطقة الحضرية لمدينة بورج: «بعد فترة من إعادة الهيكلة في نهاية التسعينيات، زادت عمليات التوظيف في قطاع الدفاع بشكل كبير منذ خمس سنوات، وذلك بفضل طلبيات من الجيش الفرنسي ومن دول أخرى». الاتهامات بالتواطؤ في جرائم الحرب الموجهة ضد الشركة الرائدة في المنطقة لا تُقلق كثيراً هذه المنتخبة من اليسار، بل تجيب: «تعرف الصناعات الدفاعية جيدا الإطار الذي يمكن أن تعمل فيه. المجموعة الإقليمية تدعم النسيج الصناعي، ولكنها لا تتدخل في الأمور الدبلوماسية التي تديرها الدولة».
على بعد 200 كلم من بورج، في مقاطعة اللوار، تُعد شركة نكستر، التي تمتلك الدولة الفرنسية 50% منها، وزنا ثقيلا في الصناعة المحلية. في رُوان، حيث توظف الشركة ما يقارب 1400 أجير، يقوم مصنعها بتسليم مدافع «سيزار» التي تعد السعودية أحد أكبر مشتريه، إذ استلمت بين 2018 و2021، 42 مدفعا.
تحت رئاسة فرانسوا هولاند، لم يكن للقانون الدولي وحياة اليمنيين أي وزن أمام المصالح الاقتصادية الفرنسية داخل اللجنة الوزارية لصادرات الأسلحة. وفي صيف 2016، بعد سنة ونصف من بدء العملية السعودية - الإماراتية، كنست وزارة القوات المسلحة مخاوف الدبلوماسيين في وزارة الخارجية والذين كانوا قلقين بشأن «عدم التطابق مع التزاماتنا الدولية». كان من المستحيل إعادة النظر في عقود أُبرمت مع دول تمثل «ما يقرب من ثلث حجم صادراتنا». وأيّد ديوان فرانسوا هولاند، بل وأمر حتى، بـ»عدم الرجوع على القرار المبدئي لدعم شركائنا الاستراتيجيين من خلال صادراتنا».
بعد وصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة في 2017، تم الاحتفاظ بعقيدة هولاند مع استثناءات ضئيلة. خلال الفترة الأولى (2017-2022)، أعطت اللجنة المشتركة بين الوزارات ما لا يقل عن 77 رخصة تصدير ذخيرة للسعودية و87 ترخيصا لحليفتها الإماراتية. ولم يتم إسقاط سوى عدد قليل من العقود. وقد اضطر مصنع ذخيرة لـ»تاليس» إلى إيقاف شحناته إلى السعودية ابتداء من صيف 2020. ويقول موظف في فرع الدفاع لمجموعة تاليس التي تمتلك الدولة الفرنسية 26% منها: «حذّرت مصالح الدولة تاليس بأنه لن يتم تجديد رخصة التصدير السارية حتى حزيران/ يونيو 2020؛ وبالتالي سارع موظفو لافيرتي بشحن الطلبيات السارية للعربية السعودية. لم يكن هذا العقد بقيمة بعض الملايين من اليوروات حاسما بالنسبة لمصنع يعتمد بنسبة 70% على طلبيات وزارة القوات المسلحة الفرنسية».
قبل التعليمات الجديدة، كان هذا الموقع القديم لشركة (TDA) للتسليح، الذي أُدمج في تاليس، يوفّر ذخيرة مدفعية عيار 120 ملم للسعوديين. وقد تم تصوير هذه القذائف في ميادين القتال في اليمن من طرف مصور لوكالة (AP) في نيسان/ أبريل 2015.
ليست منطقة الوسط هي وحدها المساهمة في المجهود الحربي للتحالف السعودي الإماراتي. ففي مدينة تولوز بالجنوب الغربي، يقوم مصنع (Safran Power Units) بتجميع أجزاء محرك (TR60) القوي والمصمم خصيصا لدفع صواريخ ستورم شادو/ سكالب. وتشيد الشركة الأوروبية الرائدة في المحركات التوربينية على موقعها على الإنترنت بـ»نجاعته وأدائه التشغيلي الذي تم إثباته في الميدان خلال العديد من النزاعات». كم من مزارع ومساكن يمنية ساعدت سافران في تدميرها؟ لم تردّ الشركة على أسئلتنا. يراوغ جان بول لوبيز، رئيس جمعية أصدقاء التراث التاريخي لـ(Microturbo)، الشركة العائلية التي ابتكرت محرك الدفع الصاروخي والتي اشترتها سافران، قائلا: «هذا ليس من شأننا».
ومع ذلك، فبعد سنوات عديدة من تسليم البضاعة، يحتفظ المصنِّعون بعلاقات وثيقة مع زبائنهم. وكما تقول شركة (MBDA) في عرض من عروض وظائفها: «عندما يشتري زبون نظام سلاح، من الضروري تكوينه على استعمال وصيانة نظامه، ويتعين أيضا على (MBDA) أن تتدخل لدى الزبون للقيام بأعمال صيانة لا يُفترض أن تقع على عاتقه، أو بكل بساطة لتصليح أو استبدال معدات معطلة».
يتم التخطيط لزيارات للمراقبة والتحديث كل سنتين على الأقل. حاليا، حسب معلوماتنا، تواصل (MBDA) تأمين صيانة مخزون صواريخ «بلاك شاهين». وترسل هذه الشركة التي تقيم في كورنيش أبوظبي بانتظام فرقا فرنسية وبريطانية إلى هناك في مهمات. كما يقوم أيضا موظفو تاليس بالتنقّل لتصليح أنظمة الرادار وصواريخ «كروتال» (أرض - جو) المثبتة على هياكل لفائدة السعوديين والإماراتيين، والتي يمتلك البلدان أكثر من مائتين منها. وعندما تكون التصليحات معقدة جدا، يتم إعادة الأجزاء إلى فرنسا، حيث أقامت تاليس مصلحة خدمة الزبائن لهذه الذخيرة.
«داسو» رائد آخر في صناعة الدفاع الفرنسية، موجود بشكل مستمر في الإمارات. والسبب وجيه؛ فقد كانت هذه الدولة الخليجية الصغيرة في 1986 أول زبون أجنبي لطائرات «ميراج» المقاتلة، بعد عامين فقط من دخولها الخدمة في الجيش الفرنسي. تمتلك الإمارات اليوم 56 منها، بما في ذلك أحدث الطرازات (2000-9)، والتي تم الحصول عليها في نهاية سنوات 2000 والمجهزة برادارات وتقنيات متقدمة. تحتاج هذه الطائرات المدججة بالإلكترونيات معاينة مستمرة أكثر من الصواريخ، إذ يجب مراقبتها وتحديثها باستمرار من طرف مهندسي مجموعة داسو، بما في ذلك في خضم الحرب على اليمن، حيث تُعد هذه الطائرات المقاتلة حلقة أساسية في الأسطول الإماراتي.
لا يقوم مُصنِّع الطائرات الفرنسي والشريك الدؤوب للإمارات منذ 40 عاما بتكوين الفرق المحلية في أبوظبي فحسب، بل يستقبل أيضا متربصين في موقعه في منطقة سافوا العليا (جنوب شرقي فرنسا)، لتعليمهم كيفية إصلاح طائرات ميراج. تضمن مصلحة ما بعد البيع دخلا مريحا للصناعيين. وقد جلب عقد تحديث نحو 30 طائرة «ميراج» إماراتية، الذي تم توقيعه في 2019 بموافقة الدولة، 418 مليون يورو لشركة داسو. وقد وعد رئيسها التنفيذي إيريك ترابيي بـ»تلبية الاحتياجات التشغيلية لدولة الإمارات». ويعني ذلك بصفة واضحة أن المهندسين الفرنسيين يقومون بتحسين أنظمة الرادار وكشف الأهداف لتمكين الشيخ محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، من مواصلة تدخلاته العسكرية ومن بينها في اليمن وليبيا.
في 2015، العام الذي قرر فيه التحالف العربي قصف القرى اليمنية، جاء حوالى 30 جندياً إماراتياً للتدرب في أكبر مدرسة فرنسية في قطاع الطيران والفضاء، بالقرب من مدينة «بوردو» (الجنوب الغربي). وهناك دفعة جديدة تنتظر التخرج في 2023. هذه المرة، تستقبل المدرسة عدة مئات من المتدرِّبين من الإمارات، وسيتواصل ذلك لعدة سنوات، ليتعلموا صيانة أسراب «رافال» القادمة والتي تم تقديم طلبيتها في نهاية عام 2021. وسيتمكن المتدربون حتى من التحقق من مدى تقدم تصنيع طائراتهم المستقبلية التي يتم تجميعها في ميرينياك، على الجانب الآخر من نهر «غارون» الذي يشق مدينو بوردو. هل يتوافق تدريب جيش متهم بارتكاب جرائم حرب مع قيم المدرسة التي تتلقى جزئيا تمويلا من الأموال العامة؟! تدافع مديرة مدرسة الطيران، آن كاترين غيتار، قائلة: «نحن لا نُكوِّن استراتيجيين عسكريين ولا طيارين، بل متخصصين في صيانة الطائرات».
عندما تبيع داسو طائرات «رافال»، فهي تعمل أيضا على بيع جزء من التكوين الذي «صُنع في فرنسا». في مدرسة الطيران التي أنشأتها المنطقة الإدارية «آكتين الجديدة» وصناعيون من القطاع، وعلى رأسهم داسو وإيرباص، يسمح التكوين المقترح للزبائن الأجانب الإماراتيين والقطريين أو الهنود بتمويل شهادات 350 طالبا فرنسيا في الطيران. يصعب في هذه الحالة التعالي على سخاء الزبائن الخليجيين، كما تشرح ذلك المديرة: «يصعب عليّ أن أرفض طلبات صادقت عليها الوزارة [وزارة القوات المسلحة] ورئاسة الجمهورية».
أما السعوديون فيفضلون مناخ «اللورين»، شمال شرقي فرنسا. وقد أقنعتهم الدولة الفرنسية بالمجيء للتكون على استعمال أبراج المدافع بـ»كوميرسي»، وهي قاعدة عسكرية سابقة، تم إخلاؤها بعد رحيل فوج عسكري فرنسي. كان يُفترض أن يؤدي هذا المركز -الذي بُني خصيصا للسعوديين بفضل أموال عمومية- إلى تعزيز التوظيف المحلي. لكن بالكاد تم خلق 20 فرصة عمل من أصل المائة الموعودة، وفقا لتحقيق منظمة العفو الدولية ومجلة «لا روفو ديسيني».
لتبرير استمرار عقودهم مع السعودية والإمارات، لا يتوانى الصناعيون في التحجج بحماية فرص العمل في فرنسا. لكن الحجة أبعد من أن تصادق عليها النقابات. تخوض الكونفدرالية العامة للشغل (CGT) داخل مجموعة «تاليس» منذ عدة سنوات حراكاً لوقف بيع العتاد الحربي للسعودية والإمارات المستعمل في الحرب على اليمن. ففضلا عن القنابل المصنّعة وسط فرنسا، فإن مجموعة «تاليس» هي أيضا المزود الرسمي لأدوات الاستهداف للقوات الجوية السعودية والإماراتية. تسمح هذه النظم البصرية الحديثة بتوجيه نيران الطيران المقاتلة بدقة وتجنب الأضرار الجانبية، إلا عندما يكون المدنيون جزءا من الأهداف المحددة، كما كان حال الحافلة التي تقلّ تلاميذ المدارس والتي مزقتها غارة من التحالف في آب/ أغسطس 2018.
اشترت السعودية حوالى 60 أداة استهداف فرنسية، تم تسليم آخرها في 2017، لتجهيز طائراتها «تيفون» و»تورنادو» (وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام). الأمر نفسه ينطبق على طائرات «ميراج» التابعة للأسطول الإماراتي، والتي تواصل «تاليس» منذ 2017 ضمان صيانتها. تم إنتاج كل هذه الأجهزة -التي قدمت الإمارات طلبية لنسختها الجديدة المسماة «تاليوس»- على بعد 40كم من باريس، في مدينة إيلانكور التي تعدّ 25 ألف نسمة. هناك تتربع مختبرات الدفاع السري لـ»تاليس» على ما يقارب مساحة 40 كيلومترا مربّعاً. هذا الموقع الضخم الذي يجمع أكثر من ألف مهندس وفني رفيعي المستوى، هو أيضا مهد الطائرات بدون طيار «سبايرانجر» (Spyranger)، والتي قدم الحرس الوطني السعودي طلبية بشأنها منذ بضعة أشهر.
تُقيّم هذه العقود بعدة مئات من ملايين اليوروات. ولا يُعد ذلك مصدر فخر لغريغوري ليفاندوفسكي، منسق الكونفدرالية العامة للشغل في مجموعة «تاليس». يقول هذا النقابي: «لا يتعين علينا تقبل هذه المبيعات بمجرد أن الدولة الفرنسية أعطت تصريحا لها. هناك خطر قانوني على «تاليس» عندما تقوم بتزويد أسلحة تُستخدم في مجزرة. يمكن تعويض هذه العقود العسكرية من خلال الاستثمار في القطاع المدني، مثل التقنيات والمعدات الطبية». غير أن باتريك كان، رئيس ومدير عام شركة تاليس، لا يستسيغ هذا النوع من الاقتراحات ولا يحبّذ المخاطرة، بل يفضّل «الربحية القصيرة المدى»، وفقا للكونفدرالية العامة للعمال.
لكن خطاب الصناعيين لا يقنع العمّال، نظرا لأن الأرباح القياسية التي يجنونها لا تمسّ الأجراء. فعلاً، بلغ إجمالي أرباح شركة «داسو» للطيران في 2021 ما يقارب 700 مليون أورو، أي ضعف ما كان عليه في 2020 حسب تقريرها السنوي، وتحصّل مساهموها على 208 ملايين يورو من حصة الأرباح. غير أن المصنّع لم يضع موظفيه في الحسبان، بل اضطُرّ هؤلاء إلى تنفيذ إضراب لمدة 3 أشهر تقريبا كي يقرّ الصناعي بزيادة الأجور بحوالى 100 يورو. وقد انتقلت هذه الحركة الاجتماعية غير المسبوقة أيضا إلى مصانع إنتاج الأسلحة التابعة لتاليس و(MBDA). وأصبحت مدينة إيلانكور مركز الغضب، حيث دام الإضراب شهرين ونصف شهر تقريبا، ليكون أطول إضراب في تاريخ «تاليس». ويشهد غريغوري ليفاندوفسكي من الكونفدرالية العامة للشغل بتاليس: «لم يفهم الأجراء إطلاقا موقف مجموعة «تاليس» التي أرادت توفير الأموال من خلال سياسة الأجور، والحال أن أرقام المجموعة ممتازة، وقد بلغت الأموال المدفوعة لرأس المال حوالى 1,3 مليار يورو».
يَعد التحالف الذي بدأ يتبلور بين النقابات والمنظمات غير الحكومية بإحداث زعزعة داخل صناعة تحظى حاليّاً بحماية مفرطة من قبل الدولة الفرنسية، كونها هي نفسها مساهمة في العديد من الشركات الرائدة في هذا القطاع، خاصة وأنه على المستوى الداخلي، بدأ ضغط الرأي العام يقلق مدراء الموارد البشرية. ويبدو أن بعض الشركات التي تعرضت لانتقادات بسبب أسلحتها المستعملة في اليمن تجد صعوبة متنامية في توظيف الخريجين الشباب.

الصحفية أريان لافرييو
«أوريان 21» - 29 أيلول/ سبتمبر 2022
ترجم هذا المقال من الفرنسية: 
حميد العربي