«لا» 21 السياسي -
في ربيع عام 1967، أبدى الرئيس المصري جمال عبد الناصر حزنه للسفير الأمريكي بالقاهرة لما آلت إليه حرب اليمن، وكيف أصبحت بمثابة حرب فيتنام بالنسبة لمصر. وقد أوضح في وقت لاحق، لأحد المؤرخين المصريين، كيف خرج الصراع هناك عن السيطرة: «لقد أرسلت سرية واحدة في البداية، ثم انتهى الأمر بتعزيزها بـ70,000 جندي».
على مدى خمس سنوات – فترة الحرب، منذ 1962 وحتى 1967، فقد عبد الناصر أكثر من 10,000 جندي، وأهدر مليارات الدولارات، ووضع نفسه في مأزق دبلوماسي، وكما لا بد أن عبد الناصر نفسه أدرك بنهاية الحرب أن اليمن كانت بالنسبة لمصر بمثابة ما كانت فيتنام بالنسبة للولايات المتحدة أو أفغانستان بالنسبة للاتحاد السوفييتي أو الجزائر بالنسبة لفرنسا أو لبنان بالنسبة لـ»إسرائيل».
ليس من المستغرب أن الفكرة السائدة لدى المصريين بعد ذلك كانت: «أبداً، لن نكرر ذلك مرة أخرى». أبداً، لن يرسلوا أبناءهم مرة أخرى للقتال في سبيل قضية غير واضحة المعالم في أرض معركة بعيدة. أبداً، لن يهدروا جيشهم الحديث مرة أخرى في سبيل بناء أمة من العدم. أبداً، لن يذهبوا إلى اليمن مرة أخرى.
في خريف عام 1962، كان قائد كتيبة مشاة قوي البصيرة يُدعى صلاح الدين المحرزي يتجادل مع رؤسائه من القيادات العليا بمصر، عن أن التوقعات بحرب سريعة وسهلة في اليمن غير سليمة. وكان قد أطاح انقلاب عسكري في اليمن بالنظام الملكي حديثاً، وقام بإنشاء جمهورية على النظام المصري. لكن تلك الجمهورية كانت ما تزال ضعيفة في ذلك الوقت، بالإضافة لتهديدات القبائل الشيعية الزيدية في الشمال والموالية للإمام المعزول «محمد البدر» والمدعومة سعودياً بسحق تلك الجمهورية.
وقد رأى عبد الناصر -وكان في صراع شرس مع الملك السعودي على زعامة العالم العربي- بإمكانية زراعة بذور الثورة في شبه الجزيرة العربية، ولم يكن هناك وقت لإضاعته.
وقد توقع أحد كبار مسؤولي الاستخبارات المصرية أن حرب اليمن ستكون سهلة كأنها نزهة. وقد أكد في أحد اللقاءات مع قادة القوات المسلحة أن كل المطلوب لبث الرعب في قلوب القبائل اليمنية هو: إرسال مظليين يحملون مكبرات الصوت وبعض الألعاب النارية وقنابل الدخان.
وكان هذا كثيراً جداً على أن يتحمله محرزي، وهو الذي أمضى الجزء الأكبر من العقد الماضي على رأس وفد عسكري مصري في صنعاء. وعليه فقد حاول تذكير القائد بأن اليمن قد قضت على أربع فرق عسكرية تركية في القرن التاسع عشر، وأنه لا توجد قوة تكفي لذلك العمل؛ فمحاربو القبائل الشمالية في التضاريس الجبلية الطبيعية، والمسلحون بالبنادق والسكاكين، أكثر من مجرد ند للقوات المسلحة المدربة المصرية، والدبابات المصرية ستصبح بلا قيمة في الأراضي المرتفعة باليمن، وستكون القوات الجوية غير فعالة، وينبغي توقع وجود الكمائن في كل مكان، بالإضافة للمسافة البالغة ما يقارب 2,000 كيلومتر بين مصر واليمن، والتي ستخلق مشكلة كبيرة ومزمنة في إمدادات القوات المصرية هناك.
وباختصار، فقد اقترح محرزي أن من الأفضل ترك مسألة الدفاع عن اليمن لليمنيين. وبسبب هذه الكلمات الحكيمة –والتي أرسلها في رسالة لعبد الناصر بعد ذلك- تم احتجاز محرزي بتهمة العصيان في الشهور الأولى من الحرب. تلك الشهور أكدت صحة ما ذهب إليه فيما بعد.

المصدر مجلة «فورين بوليسي»: اليمن: فيتنام مصر!
نيسان/ أبريل, 2015